ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل – اعتبارات غريبة ستجر اسرائيل الى اشهر من المعاناة والموت الزائدين

هآرتس – بقلم  عاموس هرئيل  – 19/1/2021

” بما يبدو وكأنه توجيه من فوق فان الشرطة لا تبذل أي جهد لانفاذ التعليمات في الاحياء والبلدات الاصولية، وعدد الاصابات يرتفع. وضرر التجاهل يمكن أن يلقي بظلاله الثقيلة على النجاح الكبير لعملية التطيعم  “.

الانشغال الكبير لوسائل الاعلام بالطفرات الجديدة والمعدية أكثر لفيروس الكورونا، والتي تدخل بالتدريج الى اسرائيل، يحرف الاهتمام عن الفضيحة الرئيسية التي تحدث الآن امام ناظرينا. هذه الفضيحة تتعلق بالاهمال المتواصل وبمستويات الاصابة المتزايدة في اوساط الاصوليين، مع عدم تحريك أي ساكن من جانب الدولة.

خلال اشهر، منذ الاغلاق الثاني في شهر ايلول، تجاهل الحاخامات تعليمات الدولة باغلاق مؤسسات التعليم، التي فرضت تقريبا بكاملها في جميع القطاعات الاخرى. في بداية الشهر الحالي عند فرض الاغلاق الثالث نشر أن رئيس التيار الليطائي، الحاخام حاييم كينيفسكي، سمح بصورة ضبابية بشكل ما، باغلاق مؤقت لمدارس تعليم التوراة والمدارس الدينية، وايضا هذا انتهى كما يبدو، والكثير من الاولاد الاصوليين عادوا الى التعلم في الوقت الذي فيه التعليم في ارجاء الدولة يستمر عن بُعد.

حتى لو كان يمكن ابداء تفهم ما لتفاني الاصوليين في تعليم أولادهم (التفاني يقل، هذا ما يتضح، عندما تمس الامور تعليم بناتهم)، الصورة تزداد شدة عندما يتضح حجم الخروقات في مجالات اخرى. وذلك يتجلى في ازدحام الكنس اليهودية وايضا في استمرار وجود حفلات الزفاف والاحتفالات الجماهيرية دون أدنى ابتعاد اجتماعي في جزء من الطوائف الاصولية. الحكومة رفعت يدها منذ فترة وهي تتعامل مع هذه الخروقات على أنها قدر محتم. ايضا في تنفيذ التعليمات على الجمهور العربي، هي غير متميزة، رغم أنه حدث هناك اعتدال في الخروقات، سواء بسبب الشتاء (الذي فيه يكون عدد أقل من الأعراس) أو بسبب الخوف الذي اثاره العدد المتزايد من المرضى والوفيات.

ومثل ما يبدو كتوجيه من أعلى، الشرطة لا تبذل أي جهود لتنفيذ التعليمات في الاحياء والبلدات الاصولية. لم يتم تغريم أي مؤسسة تعليمية. ولا نريد التحدث عن اغلاق بسبب استمرار الخروقات. رجال الشرطة ينشغلون في تصيد المتجمعين في ميدان ديزنغوف أو في حدائق عامة في تل ابيب، المدينة التي فيها نسبة الفحوصات الايجابية بلغت 4 في المئة، مقابل 20 في المئة في موديعين عيليت، و29 في المئة في بيتار عيليت. مرة كل بضعة ايام تخرج الشرطة في جولة مغطاة اعلاميا لاظهار حضورها في الاحياء الاصولية في القدس أو في بيت شيمش، التي كما هو متوقع تتطور لتصبح مواجهة عنيفة. تطبيق حقيقي للقانون هو أمر غير موجود.

الخروقات توجد في جميع القطاعت، لكن لدى الاصوليين هذا يبدو كخرق منظم بتشجيع من أعلى. البيانات التي نشرها أمس اهارون رابينوفيتش في “هآرتس” مخيفة. حوالي 30 في المئة من حاملي الكورونا الذين تم تشخيصهم في اسرائيل في الشهر الماضي كانوا من الاصوليين. وهو ثلاثة اضعاف نسبتهم من السكان. نسبة الوفيات في اوساط الاصوليين هي 10 في المئة، رغم أن متوسط العمر في اوساط الاصوليين أقل بكثير مقارنة بمتوسط العمر في اوساط السكان بشكل عام، والمرض يصيب بصورة أشد كبار السن.

يمكننا الاستمرار في اتهام الطفرات المعدية من بريطانيا وجنوب افريقيا، وربما البرازيل. ولكن من الواضح أن جزء من الاصابة المتفشية في اوساط الاصوليين (في بني براك ارتفع عدد المرضى عشرة اضعاف خلال شهر) يرتبط بالسلوك الانساني – أي الاستخفاف المتواصل بخطر الكورونا.

الضرر هو قبل كل شيء يقع على الاصوليين انفسهم، حيث الكثير منهم يعيشون في حالة فقر واكتظاظ وانقطاع قسري عن الدولة، بتعليمات من الحاخامات. هذا الضرر يحدث بسبب غض طرف اجرامي لعدد من الحاخامات ومبعوثيهم السياسيين في الكنيست، لكنه ينعكس ايضا على اجزاء اخرى من الجمهور.

في هذه الظروف فان أي حديث عن التضامن بين اجزاء المجتمع الاسرائيلي يظهر مثل نكتة سيئة. لماذا شاب علماني أو فتاة علمانية سيتجندون للجيش قريبا سيختارون الخدمة في الوحدات القتالية بعد أن امضوا السنة الاخيرة امام الشاشات في البيت وشاهدوا قيادة الدولة وهي تكذب وتتملص عندما يتم سؤالها عن انفاذ متساوي للقانون؟ ماذا ستكون درجة الدافعية لديهم كي يعرضوا حياتهم للخطر، عندما يكون من الواضح لهم أن هذا الاهمال سيمنع في النهاية حصول أجدادهم على سرير للعلاج المكثف في الوقت الذي فيه الدولة، بقرار متعمد، تتوقف عن العمل.

منذ سنة تقريبا ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لا يحرك أي ساكن امام الزعامة الاصولية التي تأخذ القانون بأيديها. الاحزاب الاصولية هي حليفته الوحيدة في جهوده لتشكيل الائتلاف القادم، بعد الانتخابات في نهاية آذار، ومحاولة التملص بذلك من محاكمته الجنائية. سلم الأولويات بين مصير نتنياهو الشخصي ومصير الموتى من الكورونا واضح للعيان. وهو يتجلى في كل قرار لا تتخذه الحكومة فيما يتعلق بالاصوليين.

نتنياهو غارق الآن في حملة ايجابية قبل الانتخابات. يوجد لديه حب، وهو ينوي أن يفوز. خلافا لمعظم منافسيه، قيود الكورونا لا تزعجه. بذريعة مكافحة الفيروس يمكن لرئيس الحكومة اجراء جولات في ارجاء البلاد والالتقاء مع مواطنين كثيرين امام العدسات. والعجز امام خروقات الاصوليين لا يقتضي منه أي رد، بالضبط مثلما المنسوب المحزن للاربعة آلاف حالة وفاة من الكورونا الذي تم اجتيازه أمس، لم يصدمه. هو منشغل طوال اليوم في جلب تطعيمات اخرى. وحتى أنه أمس قام بنشر صورة احتفالية للحقنة التي أخذ التطعيم بها، مؤطرة وكأن الحديث يدور عن مجوهرات العائلة الامبراطورية – ومرة اخرى ولدت انطباع ضمني وكأن تطوير اللقاح كان انجازا له.

نتنياهو شخص جيدا، ومنذ فترة (قبل معظم زعماء الدول الاخرى) بأن التطعيم سيكون المخرج الوحيد لاسرائيل من الازمة. الادارة الفاشلة في الاشهر الاولى وتبديد تجند الجمهور الواسع في الاغلاق الاول، سلبت نهائيا امكانية تطلع اسرائيل الى وضع “صفر كورونا” مثلما هي الحال في عدد من دول شرق آسيا وفي استراليا. ولكن جهود وطنية مركزة ومنسقة لتطعيم السكان ما زال يمكنها ترجيح الكفة ووقف الاصابة بالمرض. لذلك، رئيس الحكومة ضغط على المدير العام لشركة “فايزر” والمدير العام لشركة “موديرنا” كي يرسلوا الينا في اسرع وقت ملايين التطعيمات. لهذا، كان مستعدا وبحق لأن يدفع مقابل ذلك ثمن أكبر مقارنة بدول اخرى.

التسجيلات التي تم تسريبها من اللقاء بينه وبين المستقلين في الاسبوع الماضي أنعشت التقديرات المسبقة: نتنياهو يربط بصورة مباشرة بين وضع الكورونا ووضع مقاعد الليكود في الانتخابات. اذا نجح في كبح الفيروس حتى شهر آذار، بمساعدة التطعيمات، فهو مقتنع بأنه سيحقق فوز كبير. مشكلته ازاء حجم الاصابة بالمرض (تقريبا 9 آلاف مصاب مؤكد في اليوم)، هي كيف سيقود خروج مسيطر عليه من الاغلاق دون أن يفقد مرة اخرى السيطرة على عدد المرضى.

اذا انتظر نتنياهو اكثر من اللازم فالجمهور يمكن أن يفقد صبره، ودعمه يمكن أن يهبط. واذا قام بفتح الاقتصاد بصورة مبكرة اكثر، حيث الارقام عالية، فان الطريق ستكون قصيرة لعبء جديد في المستشفيات وستؤدي الى اغلاق رابع يكون غير شعبي كليا. بالمناسبة، يتبين أن الحكومة قد كذبت مرة اخرى على المواطنين عندما وعدت في بداية الشهر باغلاق متشدد ومركز لمدة اسبوعين. هذا لن ينتهي كما يبدو بأقل من شهر.

عنق الزجاجة الذي يقلق نتنياهو ورؤساء جهاز الصحة في هذه الاثناء ليس عدد وجبات التطعيم التي تصل الى البلاد. هذه المشكلة كما يبدو تم حلها. اذا لم تحدث مشكلات غير متوقعة فان اسرائيل ستحصل على أكثر من عشرة ملايين وجبة تطعيم حتى شهر آذار. الصعوبة تتعلق بوتيرة استجابة الجمهور. حوالي 75 في المئة من أبناء الستين فما فوق جاءوا بارادتهم، لكن الآن من الاكثر تعقيدا احضار الباقين لأخذ التطعيمات (في عدد من الحالات ايصال التطعيم اليهم). ايضا الاستجابة في اوساط المواطنين الاكثر شبابا ليست عالية بشكل خاص. وهناك كما يبدو معامل للرضى عن الذات: ليس كل من يأخذ تطعيم الوجبة الاولى يحرص على الحذر في اتصالاته الاجتماعية لمدة شهر آخر، الى حين استكمال نشاط وجبة التطعيم الثانية. هذا يمكن أن يزيد عدد المرضى.

رئيس الحكومة يسير هنا على حبل دقيق جدا، بين تسريع التطعيمات وتفشي العدوى. ومع الأخذ في الحسبان مستوى الادارة التي ظهرت خلال اشهر الازمة، ليس من المؤكد أنه سيخرج من هذا وهو منتصر. في نفس الوقت يزداد العبء في المستشفيات، مع وجود اكثر من 1100 مريض في حالة خطيرة، وتآكل شديد في اوساط الطواقم الطبية. نتنياهو الذي أبقى جهاز الصحة نحيف وجائع طوال اكثر من عقد، لم يفعل بما فيه الكفاية من اجل تعزيزه بالموارد خلال سنة الازمة. ايضا بتشديد الاشراف على دخول مرضى عن طريق مطار بن غوريون، وهي ثغرة يأتي من خلالها الفيروس، تذكر الانشغال بشكل جدي بهذه الثغرة الآن. ايضا هذا يحدث بعد محاولة اخرى نموذجية وكاذبة لالقاء المسؤولية عن الفشل على سلطة الموظفين والقانونيين. المستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت، نفى أمس ادعاء وزير الصحة، يولي ادلشتاين، وكأن الزام القادمين باجراء فحص الكورونا يتأخر بسبب معارضة المستشار القانوني.

كما يبدو لن يكون من المبالغ فيه القول بأنه الآن عيون العالم موجهة نحو اسرائيل ازاء عملية التطعيم. النجاح في تطعيم ربع السكان تقريبا، قبل دول اخرى بكثير، يحول اسرائل الى مختبر التطعيمات الدولي. وحسب المعلومات التي ستتراكم في الاسابيع القادمة سيكون بالامكان معرفة ما هي درجة فعالية التطعيم الذي أنتجته شركة “فايزر” في منع مرض شديد (كما وعدت الشركة)، ومنع الاصابة (الامر الذي أبقته الشركة اكثر ضبابية). حتى الآن، البيانات لا تسارع في النزول. هناك عدد من اشعاعات الضوء الضيقة: انخفاض في عدد حالات الحجر والاصابة في اوساط الطواقم الطبية، الذين معظمهم حصلوا على وجبة التطعيم الثانية، وبداية انخفاض في معامل الاصابة وربما كبح عدد المرضى الجدد اليومي في حالة خطيرة. وحتى الآن الامتحان الاساسي والحاسم يتعلق بوتيرة تفشي الفيروس في اوساط السكان قبل تلقي التطعيم، وعلى رأسهم الاصوليين. اذا فهم رئيس الحكومة بأن الاصابة المتفشية في اوساط الاصوليين يمكن أن تخرب عليه الانتخابات، ربما سيستيقظ ويبدأ في فعل شيء ما بهذا الشأن.

عندما في المستقبل سيتم اجمال تاريخ الوباء سيكتب: في شتاء 2021 كانت اسرائيل على شفا نجاح رائع امام الكورونا بفضل عملية تطعيمات رائعة. ادارة فاشلة واعتبارات سياسية غريبة وغياب جرأة أمام مجموعات ضغط، جرت اسرائيل للأسف الشديد الى اشهر اخرى من المعاناة والموت الزائدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى