ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم شلومو افنري – مناعة الديمقراطية في اسرائيل

هآرتس – بقلم شلومو افنري – 25/6/2021

الثقافة السياسية اليهودية تقوم على انتخابات وتمثيل. ليس لأن الله أمر بذلك، بل لأنه بهذه الصورة تبلورت الهوية اليهودية في بوتقة الصهر لحياة اليهود وتحدياتهم “.

تبادل الحكم تم رغم المخاوف الشديدة والمحاولات العبثية لتعويقها في اللحظة الاخيرة. هذا الانجاز للعملية الديمقراطية ينسب لاسباب مختلفة منها مظاهرات مستمرة ومعارضة من نوع آخر وجهاز قضاء مستقل وصحافة انتقادية واحيانا لاذعة وانتخابات متكررة بدون حسم ومحاكمة نتنياهو، كل ذلك تراكم ليصبح كتلة حاسمة.

ولكن من الجدير التوقف ليس فقط عند هذه الاحداث الفورية، بل ايضا عند الاسس الاعمق للثقافة السياسية في اسرائيل. هنا يجدر ذكر بضعة جوانب لا تظهر في التعليقات الدارجة التي تركز على الاحداث الفورية. الاسرائيليون في معظمهم لا يدركون حقيقة أنه حتى في ظل غياب دولة وسيادة، فان واقع اليهود في الشتات طور على مدى السنين ثقافة سياسية خاصة به، مصدرها لا يوجد في النصوص المعيارية (التناخ أو المشنيه والتلمود)، بل في الواقع الاجتماعي الملموس لحياة اليهود. هذه الثقافة تتضمن تقليد جماعي اساسه تطوعي وآلية تشغيله هي الانتخابات.
عندما اراد اليهود اقامة حياة يهودية حسب فهمهم في الشتات اضطروا الى فعل ذلك على اساس تجمع طوعي. اذا ارادوا، مثلا، اقامة كنيس أو الحصول على تعليم لاولادهم، لم تكن لهم دولة أو مؤسسات دينية خاصة بهم، التي يمكنها أن توفر لهم ذلك. لذلك، كانت الطريقة الوحيدة لذلك هي أن ينتظموا بأنفسهم انطلاقا من ارادتهم الحرة. لهذا اختاروا مؤسسات وحددوا انظمة انتخابات ودفع ضرائب داخلية. كل طائفة حددت قواعد خاصة بها. من يحق له الانتخاب أو الترشح، كيف سيتم فرض الضرائب الداخلية من اجل عمل هذه المؤسسات ومن سيمثلهم أمام السلطات.

خلافا لما يعتقده الكثيرون، رؤساء الجالية لم يكونوا الحاخامات، بل من تم انتخابهم من قبلها مثل اصحاب مصالح تجارية أو افضل من في المدينة. في ظل غياب جسم يهودي ملزم منذ خراب الهيكل، فان كل جالية حددت لنفسها انظمتها وقواعدها. كانت هناك جاليات فيها مساواة اكثر، وجاليات اوليغاركية اكثر. ولكن في كل الاحوال ارتكزت على قرارات وانتخابات مجتمعية. التناقض هو أنه في الوقت الذي فيه المجتمع العام كان محكوم من قبل السلاطين والملوك والقياصرة فان الجالية اليهودية، رغم غياب مملكة وسيادة، تم حكمها من قبل اعضائها.

كما قلنا، الحاخامات لم يكونوا هم رؤساء الجالية، بل أجراء تم تعيينهم من قبلها كي يكونوا معلمي للشريعة، الامر الذي اعطاهم وزن وقوة. ولكن السيطرة الداخلية كانت في أيدي قادة المجتمع. مؤسسة الحاخام الرئيس في الحركة الحسيدية، الذي ينتقل بالوراثة داخل العائلة، هي ظاهرة حديثة كليا، تبلورت فقط قبل القرن التاسع عشر وهي تعارض التقليد المجتمعي الذي يقوم على التمثيل والانتخاب، واستمرت لاجيال كثيرة.

بعد ذلك تطورت ايضا مؤسسات اقليمية مثل لجنة الدول الاربعة في المملكة البولندية، التي عملت من القرن السادس عشر وحتى القرن الثامن عشر، والتي اهتمت بشؤون اليهود في الدول المختلفة واجتمعت مرة كل سنة في المعرض الكبير في لوفلين. ليس بالصدفة أنها سميت في المصادر البولندية باللغة اللاتينية باسم سيناتوس ايودايتوس (مجلس الشيوخ اليهودي). ووثائق الجالية تشير الى صراعات قوى، احيانا ايديولوجية واحيانا حول صغائر الامور وشخصية. هذه هي طبيعة النظام المنتخب. من الواضح أنه في الانتخابات لمؤسسات الجالية كانت افضلية للميسورين. لأنه ايضا اعضاء البرلمان البريطاني حتى القرن العشرين وايضا جورج واشنطن وتوماس جيفرسون في الولايات المتحدة، لم يكونوا من عامة الشعب.

من هذه الناحية، الجالية اليهودية كانت موازية لبوليس اليونانية أو وحدة الادارة الذاتية في المستعمرات البريطانية في امريكا الشمالية. أن تكون يهودي، كان في المقام الاول أن تكون عضو في الجالية.

اليهود دخلوا الى العالم الحديث بتقليد التمثيل وعمليات الانتخاب، بالطبع ليست ديمقراطية بمعنى حق الانتخاب العام للجميع، لكن مع وعي لشرعية الحاجة الى تمثيل وانتخاب. هذا التراث رافق حياة اليهود حتى في العصر الحديث بعد التحرر الذاتي: احد الامور الاولى التي قررها الكونغرس الصهيوني الاول في 1897 هو انتخاب ادارة وتحديد اجراءات الانتخابات. والمؤسسات التي اقامها المهاجرون الاوائل الى البلاد، الى المستوطنات والكيبوتسات والمدن وبعد ذلك الى كل اليشوف اليهودي في ارض اسرائيل، كانت مؤسسات منتخبة. الثقافة السياسية اليهودية تقوم على انتخابات وتمثيل، ليس لأن الله أمر بذلك، بل لأنه هكذا تبلورت الهوية اليهودية في بوتقة الصهر لحياتهم وتحدياتهم.

من ينظر الى الطريقة التي تدهورت فيها الانظمة الديكتاتورية من انواع كثيرة في دول مثل تركيا وبولندا أو هنغاريا، لا نريد التحدث عن روسيا، سيكتشف أن السبب الرئيسي للتدهور هو غياب تقليد فعال للتمثيل والانتخاب في تاريخها. لذلك، التشيك التي هي صاحبة تراث تمثيلي، هي قصة اخرى. غياب تقليد للتمثيل أو الانتخابات ايضا يصعب على مجتمعات عربية تطوير نظام ديمقراطي ثابت وفعال، يقوم على التنافس بين خصوم وليس بين أعداء.

من الجدير الذكر أنه الى حين صعود النازية في المانيا، حدث في مجتمع تجربته الديمقراطية قبل 1933 كانت قصيرة: بروسيا الديكتاتورية وتراث بسمارك كانت قوية ومتجذرة في الثقافة السياسية الالمانية اكثر من دستور فايمار، الذي تم تشخيصه مع نتائج سقوط المانيا في 1918، ولم يكن مقبول على اغلبية النخب في المانيا. حتى لو كانت الاغلبية اليهودية في الدولة غير مدركة للجذور التاريخية للديمقراطية الاسرائيلية فان معارضة نظام ديكتاتوري غير قائم على انتخابات وتمثيل هي حجر اساس في ثقافتها السياسية. من هنا جاء التنوع وتعدد الاحزاب. ومن هنا جاء الالتزام بنظام قضائي مستقل والحق في التظاهر وحرية التعبير وحرية الصحافة. هذه الاسس تصعب احيانا على الحكم، لكنها ايضا بدون شك تمنع ديكتاتورية وسيطرة احتكارية على مراكز القوة، ليس فقط لأن هذا مكتوب في القانون، بل لأن الامر يتعلق بسلوك مجبول في الوعي. لذلك، ما يسمى الآداب الملكية التي رافقت احيانا حكم نتنياهو اغضبت الكثير من الاسرائيليين، بمن فيهم اشخاص من الليكود ومن اليمين.

هل الخطر تلاشى عند استبدال الحكم؟ بالتأكيد لا. المشهد المهين في الكنيست اثناء خطاب نفتالي بينيت وأداء اليمين كرئيس للحكومة، وايضا عدة تصريحات وخطوات منذ تشكيل الحكومة الجديدة، تدل على توجهات تناقض الثقافة السياسية التاريخية لليهود، ويمكن أن تكون خطيرة. يجب الأمل بأن التنوع ومعارضة الديكتاتورية، التقليديان اللذان يتجسدان في مجتمعنا، سيواصلان مواكبة الدولة اليهودية في المستقبل ايضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى