ترجمات عبرية

 هآرتس – بقلم  شاؤول ارئيلي – بينيت، هل تتذكر وعد بلفور؟

هآرتس – بقلم  شاؤول ارئيلي – 29/10/2021

” استمرار سياسة الضم الزاحف لبينيت تقود الكثيرين مثل زنغر وماوتنر الى الاستنتاج، بشكل خاطيء، أن حل الدولتين غير محتمل “.

ليس هناك مثل وعد بلفور الذي سيحيون في هذا الاسبوع الذكرى الـ 104 على اعطائه للورد روتشيلد من قبل وزير الخارجية البريطاني، من اجل تأكيد الى أي درجة سياسة رئيس الحكومة نفتالي بينيت بخصوص النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني تنحرف عن الالتزام التاريخي للحركة الصهيونية. اعلانات المتحدثون باسمه والمقربون منه بأنه “لا توجد أي عملية سياسية مع الفلسطينيين ولن تكون ايضا”، التي تعني استمرار الاحتلال والضم الزاحف، تدل على انقلاب في الرؤية الصهيونية وتفضيل ارض اسرائيل على الديمقراطية والهوية اليهودية لدولة اسرائيل، التي هي الاسس الثلاثة للصهيونية. هذه السياسة تضلل الكثير من الطيبين، مثل يوئيل زنغر ومني ماوتر (“هآرتس”، 22/10)، وتقودهم الى الاستنتاج بأن حل الدولتين لم يكن ممكنا، والى طرح حلول اخرى غير قابلة للتنفيذ (“الكونفيدرالية هي كارثة”، “هآرتس”، 2/7/2019).

الحكومة البريطانية نظرت حقا بعين العطف الى “اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في ارض اسرائيل”، وتعهدت في ذاك الوعد بأنها ستحاول “التسهيل على تحقيق هذا الهدف”؛ لكنها ايضا قالت بصورة صريحة إن هذا مشروط بـشرط واضح وهو أنه “لن يتم القيام بأي امر من شأنه المس بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في ارض اسرائيل”. أي أنها ستدعم اقامة دولة للشعب اليهودي في فلسطين – ارض اسرائيل الانتدابية، من خلال عدم تطبيق مبدأ تقرير المصير على فلسطين، شريطة أن تحافظ على المساواة الكاملة في الحقوق المدنية والدينية. وعد بلفور الذي هو الاساس القانوني للمطلب الصهيوني تم تضمينه في صك الانتداب في 1920 وتمت المصادقة عليه من قبل عصبة الامم في 1922، الذي عاد وأكد أن الالتزام باقامة دولة للشعب اليهودي مشروط بـ “الحفاظ على الحقوق المدنية والدينية لجميع سكان فلسطين، بدون تمييز في العرق والدين”. هذه الصفقة كانت واضحة ومقبولة على اعضاء القيادة الصهيونية. وبناء على ذلك، في الوقت الذي وقفوا فيه امام الحاجة الى الحسم بين اسس الصهيونية الثلاثة دائما فضلوا الديمقراطية، ذات الهوية اليهودية التي تستند الى اغلبية يهودية، على ارض اسرائيل الكاملة. هكذا في رد الحركة الصهيونية على اقتراح لجنة بيل في 1937 وعلى قرار التقسيم في 1947 وعلى اتفاقات الهدنة في 1949. ايضا بعد اقامة الدولة مثلما صرح مناحيم بيغن في 1972: “الصهيونية… هذه هي اسسها في ارض اسرائيل، التي حقنا عليها غير قابل للنقض، سيكون هناك اغلبية يهودية واقلية عربية، ومساواة في الحقوق للجميع”. قال وتعهد “نحن لم ننحرف ولن ننحرف عن هذه العقيدة… التي تطوي في داخلها عدالة قضيتنا”.

إن رفض بينيت للقيام بعملية سياسية مع الفلسطينيين ودعمه لاستمرار البناء وتطوير المستوطنات، كل ذلك هو اعلان رسمي عن نظام تمييزي لدولة اسرائيل، الذي يمنح الحقوق بناء على الانتماء القومي، ويمنع الحقوق عن جزء من سكان البلاد. هذا النظام يناقض وعد بلفور والالتزامات التي اخذتها على مسؤوليتها الحركة الصهيونية (ايضا اعلان الاستقلال). وقد أكد على ذلك بشكل واضح قبل اربع سنوات يونتان الين، نائب السفير البريطاني في الامم المتحدة، في خطابه بمناسبة مرور مئة سنة على وعد بلفور عندما قال: “تعالوا نتذكر بأنه كان هناك قسمين للوعد. القسم الثاني لم يتم تطبيقه”.

هذه الاقوال غير جديدة. عندما اطلق بينيت في 2012 “برنامج التهدئة” للبيت اليهودي، الذي تضمن ضم مناطق ج في الضفة الغربية، قال إن هذا هو الحل الافضل لأن ضم الضفة الغربية مثل حل الدولتين “غير قابل للتنفيذ، وهما يعرضان للخطر مستقبل دولة اسرائيل لاسباب امنية وديمغرافية وقيمية”. ومن اجل الحفاظ على سلم اولويات الصهيونية، دولة ديمقراطية مع اغلبية يهودية، فانه في اقتراحه في حينه حرص على أن يعد باعطاء الجنسية لخمسين ألف فلسطيني يعيشون في المناطق التي سيتم ضمها. لأنه “بهذه الطريقة سنسحب كليا البساط من تحت ادعاء الابرتهايد”. 

لسوء حظ بينيت وشكيد وبتسلئيل سموتريتش واصدقائهم، ولحسن حظ دولة اسرائيل، فان عمليات الضم التي استندت على افتراض أن ادارة دونالد ترامب ستؤيدها، لم تخرج الى حيز التنفيذ. انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة وضع حد لاحتمالية ضم رسمية. في ظل غياب هذا الخيار فان بينيت الذي يعارض حل الدولتين، اختار مرة اخرى تخليد الضم الزاحف ونظام التمييز لأنه ما زال يؤمن، مثلما قال عن ضم مناطق ج، بأنه رغم أن “العالم لن يعترف بسيادتنا هناك (في المناطق)… إلا أن هذا غير فظيع. العالم سيتعود مع الوقت”. أي أن العالم، حسب بينيت، سيواصل الى الأبد قبول الجمود السياسي والاحتلال ونظام التمييز. 

في ظل غياب احتمالية ضم اجزاء من الضفة الغربية بدون الضم الكامل للسكان، فان هذه السياسة لبينيت ستقود اسرائيل الى دولة ثنائية القومية مع اغلبية عربية وستدمر الحلم الصهيوني. البديل الوحيد المحتمل هو حل الدولتين لشعبين على اساس قرارات الامم المتحدة 242 و338 والمعايير التي تم وضعها في المفاوضات بين اسرائيل وم.ت.ف في انابوليس في 2008.

التحدي الاكبر الذي يواجهه المجتمع الاسرائيل في هذا الشأن هو القدرة على الادراك بأن سياسة الضم الزاحف يرافقها بشكل متعمد جهود لخلق صورة مشوهة للواقع بالنسبة لتأثير المستوطنات على حل الدولتين. هذه الصورة تبناها معظم الجمهور الاسرائيلي، بمن فيهم الذين يؤيدون حل الدولتين، ويفهمون بأنه الحل المفضل لضمان أن دولة اسرائيل ستكون ديمقراطية وآمنة مع اغلبية يهودية وعضوة في الاسرة الدولية.

زنغر وماوتنر ايضا سقطا في هذا الشرك، الامر الذي قادهما الى التوصية بحل الكونفيدرالية. هما مثل غيرهما يرتكزان على عدة فرضيات وبيانات خاطئة. ولو أنهما قاما بفحصها عن طريق المعطيات الرسمية لمكتب الاحصاء المركزي وعن طريق خارطة بسيطة لكانا تجنبا هما والقراء استمرار التضليل الذي يخدم سياسة بينيت. 

حسب اقوالهما “عدد المستوطنين (بدون شرقي القدس) ازداد الى اكثر من 500 ألف شخص. ولكن حسب رقم رسمي لمكتب الاحصاء المركزي فانه في بداية 2021 كان يعيش في يهودا والسامرة 45257 اسرائيلي. وقد قالا “بعد اتفاق اوسلو تم نشر المستوطنات على طول وعرض يهودا والسامرة، بما في ذلك في اماكن قرب التجمعات السكانية العربية وحتى في داخلها”. عمليا، منذ اتفاقات اوسلو وحتى قبلها، فانه منذ أن اتخذت حكومة رابين في 1992 قرار يمنع بناء مستوطنات جديدة، بنيت فقط مستوطنة جديدة واحدة هي عميحاي للمخلين من عمونة، حسب قرار حكومة نتنياهو في 2016، التي يعيش فيها 208 اسرائيليين.

اذا كان القصد هو عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية التي بنيت فانه ليس لهذه البؤر، التي نصفها قرب شارع 60 والنصف الآخر على حدود المستوطنات القائمة، أي تأثير على الميزان الديمغرافي وعلى السيطرة القطرية. البؤر الاستيطانية المهمة تم “تبييضها” على يد حكومات نتنياهو عندما سميت مستوطنات، باستثناء ثلاث بؤر تم الاعتراف بها كبلدات وهي رحاليم وسنسينه وبروخين، وفيها يعيش 3 آلاف شخص.

فعليا، جميع المستوطنات التي توجد في الضفة اقيمت بمحاذاة تجمعات سكانية فلسطينية باستثناء غور الاردن وشمال البحر الميت (هناك يعيش 7 آلاف اسرائيلي تقريبا)، لكن هذا حدث ليس بعد اوسلو، بل بدءا من نهاية السبعينيات عند المصادقة على خطة اريئيل شارون في حكومة بيغن الاولى في تشرين الاول 1977، وخطة ماتي دروبلس من لواء الاستيطان في 1979. وباستثناء الاستيطان اليهودي في الخليل الذي يضم اقل من ألف شخص يعيشون في وسط مدينة فيها ربع مليون فلسطيني، لم يتم بناء أي مستوطنة داخل البلدات الفلسطينية. وتأثير البلدات على سفح الجبل، حيث هناك النسبة الديمغرافية بين الاسرائيليين والفلسطينيين هي 1: 30، على التواصل الفلسطيني يكاد يكون معدوم كليا.

خلافا لما قاله ماوتنر وزنغر فان 73 في المئة من الاسرائيليين الذين يعيشون وراء الخط الاخضر (بما في ذلك شرقي القدس)، يعيشون في بلدات غير بعيدة اكثر من خمس دقائق عن الخط الاخضر، وفي معظمهم يعيشون بمحاذاة الخط الاخضر. ولو أنهما قاما بفحص معطيات المكتب المركزي للاحصاء من العام الماضي، التي استمر فيها منحى عمره اكثر من عشرين سنة، لكانا اكتشفا أنه في يهودا والسامرة يوجد ميزان هجرة سلبي، وأن الزيادة السنوية تستند بمعظمها الى الزيادة الطبيعية، التي اكثر من نصفها جاء من مدينتين اصوليتين هما موديعين عيليت وبيتار عيليت الموجودتان على الخط الاخضر. أي أنه حتى لو صممت اسرائيل على مواصلة سياسة نتنياهو وقامت بالبناء في المستوطنات الصغيرة والمعزولة وشق شبكة طرق التفافية، بتكلفة عشرات المليارات، لكانت نسبة الاصوليين في المدينتين الاصوليتين من بين المستوطنين ستزداد، وايضا وزن البلدات القريبة من الخط الاخضر بشكل عام من بين السكان في يهودا والسامرة. 

ثالثا، ماوتنر وزنغر خلطا بين مبادرة ترامب التي اطلقت في كانون الثاني 2020 والتي أيدها نتنياهو ورفضها العالم وبين خط الحدود الذي اقترحته اسرائيل في طابا في 2001 وفي مبادرة جنيف في 2003 وفي انابوليس في 2008 وفي النهاية من قبل حركة “قادة من اجل أمن اسرائيل” في 2017. حسب مبادرة ترامب، في الواقع وجدت لدينا حدود متعرجة وغير عملية على طول 1800 كم من خلال “ايجاد سلسلة من الجزر الاسرائيلية والفلسطينية الموجودة خارج حدودهما”، كتبا؛ لكن حسب خط الحدود الذي اقترحته الجهات الاربعة المذكورة اعلاه فان الحديث يدور عن اطالة معقولة للحدود، دون أي جيوب في الطرف الاسرائيلي أو الفلسطيني، مع الحفاظ على التواصل الجغرافي للطرفين وبدون المس بنسيج الحياة لديهما.

في ثلاث نقاط ماوتنر وزنغر على حق: اسرائيل حقا زادت عدد الاسرائيليين المطلوب اعادة استيعابهم داخل حدود الخط الاخضر، من 19 ألف شخص في 1993 الى اكثر من 100 ألف شخص الآن. ولكن في عمل طاقم اجرته منظمات مختلفة مثل حركة “قادة من اجل امن اسرائيل”، وجد أنه يمكن توفير رد مثالي على استيعابهم في اسرائيل من حيث التشغيل والسكن. وكما قالا، في اماكن معينة سيكون مطلوب حقا حلول كونفيدرالية مثلما في الحوض التاريخي في القدس. ولكن هذه الحلول معروفة وقد سبق وعرضت في اطار جولات مفاوضات بين الطرفين. وهما على حق في قولهما بأن “دولة ثنائية القومية هي عمل هستيري”. لأن هذه حقا ستكون دولة تجري فيها حرب اهلية مستمرة. 

اذا كان الامر كذلك، فان التحدي الاكبر الذي يواجه المجتمع الاسرائيلي هو أن يضاف الى الاحتمالية المادية – القطرية لحل الدولتين، القائم كليا في الضفة وفي غزة وفي اطار سيناريو لتبادل الاراضي بنسبة 4 في المئة، الاحتمالية السياسية المعدومة كليا. فبدونها لا يمكن تجسيد المحتمل. تبني سياسة بينيت والتضليل والاكاذيب يعني التنازل عن امكانية اعادة اسرائيل الى طريقها وأن يتم تطبيق الحلم الصهيوني فيها، خلافا لحل الدولتين. هذا الحل سيبقي اسرائيل مخلصة لوعد بلفور وصك الانتداب وقرار التقسيم، التي هي الاساس السياسي والقانوني والاخلاقي لاقامة دولة اسرائيل وضمان مستقبلها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى