ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم ديمتري شومسكي – طاوب يساهم في تخريب الصهيونية من الداخل

هآرتس – بقلم  ديمتري شومسكي – 2/4/2021

طاوب الذي يكرر دائما أهمية حق اليهود في تقرير المصير، يساهم بصورة غير مباشرة في الضعضعة المستمرة لهذا الحق  ” .

في مقال تحت عنوان “ماوتنر، حول هذا يجب أن يكون النقاش” (“هآرتس”، 19/3)، صرخ الدكتور غيدي طاوب على البروفيسور مناحيم ماوتنر لأنه في مقال انتقادي نشره حول كتاب طاوب “الثوابت والمتغيرات: صراع النخب ضد الديمقراطية الاسرائيلية”، في مناقشة مسألة الاحتلال والنزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، ماوتنر لم يذكر أبدا “الرفض الفلسطيني”. هذا التجاهل، يعتقد طاوب، يسمح لماوتنر – وكل اعضاء “المعسكر المتنور” الذين ينشغلون بالاحتلال بصورة “استحواذية” – بالادعاء أن “الاحتلال يقف في صلب القومية اليهودية، وكأننا نحن وليس هم الذين يتحملون ذنب استمراره”.

ولكن مفهوم “الرفض الفلسطيني”، وفرضية “لا يوجد شريك” فلسطيني المشتقة منه، لا يعكس الواقع، بل يشكل أحد الاكاذيب الاساسية حول تاريخ النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. هذه الكذبة التي تم اختراعها من قبل اهود باراك بعد الفشل الذريع في كامب ديفيد في صيف 2000 من اجل طمس دوره في افشال العملية السياسية التي ازدراها من البداية. هذه الكذبة تسيطر بدون منازع على الخطاب العام في اسرائيل منذ عقدين. يجب مواجهتها بشدة وبدون تملص، دون علاقة بهوية من يروجونها ودوافعهم.

الحقائق فيما يتعلق بالسنوات التي اعقبت هزيمة الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية تدل على أنه في الحقيقة ليس “الرفض” هي الكلمة المناسبة لوصف موقف السلطة الفلسطينية في المفاوضات مع اسرائيل، بل “التنازل” أو على الاقل الميل الواضح لمصالحة سياسية. الوزير ونائب رئيس الحكومة السابق، حاييم رامون، الذي كان شخص رئيسي في عملية السلام الاسرائيلية – الفلسطينية طوال سنوات، يشهد في كتابه “ضد الريح” بأنه في عملية انابوليس في الاعوام 2007 – 2009 اظهرت القيادة الفلسطينية استعداد مبدئي للاعتراف بمسار جدار الفصل كأساس لحدود مستقبلية للدولة الفلسطينية، رغم أن هذا المسار قضم حوالي 7 في المئة من اراضي الضفة الغربية الاصلية بسبب شموله للكتل الاستيطانية التي تقع غرب الجدار.

الطرف الفلسطيني ايضا وافق على تواجد مكثف لقوة من الناتو برئاسة الولايات المتحدة، التي تسري صلاحياتها على الفلسطينيين فقط، وتم الاتفاق على أن تواصل اسرائيل سيطرتها على غور الاردن طوال سنوات كثيرة. ايضا في موضوع القدس ظهرت تفاهمات جوهرية بين الطرفين، التي بحسبها الاحياء اليهودية في القدس ستبقى في أيدي اسرائيل والاحياء الفلسطينية ستبقى تحت مسؤولية الفلسطينيين. والطبيعة الدقيقة للحل في منطقة الحوض المقدس ستحدد فيما بعد، وسيشارك في ترتيب ذلك اسرائيل والفلسطينيين وجهات عربية ودولية.

في عملية انابوليس تم تحقيق تقدم مهم ايضا في موضوع اللاجئين الذي بحسبه تم تقليص الخلاف الى مسائل رقمية بالاساس: الطرف الاسرائيلي اقترح أنه خلال عشر سنوات يسمح لخمسة آلاف لاجيء سنويا بالدخول الى اسرائيل. أي بالاجمال يمكن لخمسين ألف لاجيء الدخول الى اسرائيل. رئيس السلطة، محمود عباس، طلب السماح لعشرة آلاف لاجيء بالدخول سنويا طوال 15 سنة، وبالاجمال 150 ألف لاجيء. حسب تقدير رامون، الذي ساهم بشكل كبير ومميز في العملية عبر قناة المحادثات التي اجراها مع ياسر عبد ربه بين تموز 2007 ونيسان 2008، “لو أننا واصلنا المفاوضات لكان بالامكان الاتفاق على رقم في منتصف المسافة بين 50 ألف و 150 ألف لاجيء”. (من كتاب “ضد الريح”).

ولكن في صيف 2008، في ذروة محادثات السلام، تبين أن وضع اهود اولمرت في الساحة القضائية وصل الى حضيض جديد وأن ايام حكمه معدودة. هذه الظروف زادت التردد في الطرف الفلسطيني بسبب الخوف من أن اولمرت لن يستطيع الاستمرار في قيادة العملية السياسية. عباس امتنع عن الرد على الحل الوسط الذي قدمه اولمرت والذي عكس اساس التفاهمات التي تم التوصل اليها حتى ذلك الحين، وإن كان لم يرفضها بأي شكل. عباس نفسه قال في لقاء مع رامون في 2010: “هذه تنازلات كنت على استعداد لتقديمها فقط مع رئيس حكومة يتولى منصبه وهو مدعوم من قبل شعبه، وليس عندما تكون احتمالات كثيرة بأن الاتفاق لن يتم قبوله في نهاية المطاف من قبل الجمهور الاسرائيلي”.

اضافة الى ذلك، منذ بداية الولاية الثانية لنتنياهو كرئيس للحكومة في 2009، القيادة الفلسطينية لينت مواقفها اكثر فأكثر، لكن أمامها وقف شخص ايديولوجي متعصب يتبنى رؤيا ارض اسرائيل الكاملة، الذي فعل كل ما في استطاعته من اجل منع استئناف العملية السياسية. رامون الذي واصل جهوده في الوساطة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية حتى في تلك الفترة، عدد في كتابه على الاقل ثمانية امثلة متصلبة على رفض اسرائيل لمطالب وعروض ملموسة للقيادة الفلسطينية في الاعوام 2010 – 2019، بما في ذلك تصريح صريح ومكتوب بشأن مطالبة الفلسطينيين بالحصول على “اراضي 1967” مع تبادل للاراضي، وليس انسحاب اسرائيل الى “حدود 1967” والاستعداد للتوصل الى اتفاق حول الحدود والامن أولا، مع المصادقة على قبول ابقاء الكتل الاستيطانية في الاتفاق النهائي. هكذا، لخص رامون، في حين أنه في السنوات الاخيرة “اللا شريك الفلسطيني وضع على الطاولة مرة تلو الاخرى خطط سلام وحتى خارطة… فان الشريك الاسرائيلي لم يعرض في أي يوم خطة سلام، وحتى لم يكلف نفسه عناء الرد على الخطة الفلسطينية”.

“هل ماوتنر هو مناويء للصهيونية؟” تساءل طاوب. هو يشكك باخلاص ماوتنر الصهيوني لأنه باشارته الى العلاقة بين الوطنية اليهودية في ايامنا وبين مشروع الاحتلال والاستيطان، فان ماوتنر يعطي الصهيونية صورة غير جميلة، وكأن الصهيونية الحالية هي “نفي الآخر”. ولكن منذ العام 2009 توجهت القيادة الفلسطينية لاسرائيل مرة تلو الاخرى بمبادرات لاستئناف المفاوضات، بما في ذلك تقديم تنازلات بشأن الكتل الاستيطانية. رد اسرائيل كان مضاعفة عدد المستوطنين خارج الكتل (من 65 ألف في 2009 الى 130 ألف مستوطن في 2018). أليس هذا كافيا للتوضيح بأن مشروع الاحتلال والاستيطان لا ينبع من “رفض فلسطيني”، بل هو يرتبط بدوافع داخلية – وطنية صهيونية.

عندما أراد اعفاء الوطنية اليهودية الاسرائيلية من المسؤولية عن تعميق مشروع الاحتلال والاستيطان فان طاوب علق جذورها بمصدر خارجي – سلوك الطرف الفلسطيني. فعليا، هو يكشف درجة لا بأس بها من الاستخفاف بالقوة الداخلية للايديولوجيا الصهيونية – الاستيطانية. اجل، دولة “يشع”، الدولة العظمى،  برئاسة نتنياهو تواصل السعي الى انقاذ البلاد لاسباب قومية متطرفة – دينية جوهرية. هذه المقاربة لا توجد لها أي علاقة بموقف الفلسطينيين الذين يعتبرون بالنسبة للمستوطنين واسيادهم أحفاد محتلين عرب امبرياليين سرقوا من شعب اسرائيل ارضه.

لا، يا طاوب، في التشخيص الشجاع والمؤلم حول العلاقة الوثيقة بين القومية اليهودية في عصرنا وبين الاحتلال ونفي الآخر، لا يوجد أي أمر مناويء للصهيونية أو القومية. بناء على ذلك، هذا التشخيص يمثل بداية العملية الضرورية، التي تنبع من داخل القومية في جوهرها، لتعديل ذاتي للقومية اليهودية. الصهيونية مثل كل القوميات الحديثة تشمل في داخلها أسس مستوعبة ومقصية، عنصرية وديمقراطية، واذا كان التجمع القومي يريد الحياة فعليه معرفة ضبط الدوافع العنصرية والمقصية، لأن آليات نفي الآخر لن تتوقف عند الآخر الخارجي. عندما يحين الوقت سيتوجهون نحو الداخل من اجل أن يصنفوا ويقصوا الآخرين الداخليين، الى درجة التدمير الذاتي للأمة.

من المثير للاهتمام أن يشكك طاوب ايضا بصهيونية رامون عندما يقرأ كتابه الذي يدحض اسطورة “اللاشريك الفلسطيني”. رامون ادرج في كتابه نعيه المؤثر للبروفيسور روت غبيزون، الذي كان يشكل نبراسا لطاوب في الشؤون الصهيونية. ولكن من ناحية اخرى، رامون يعتقد أن اسرائيل اصبحت الآن دولة ابرتهايد لأنها تطبق نظامين مختلفين للقانون على مجموعتين من السكان على نفس قطعة الارض. في هذا السياق، للآسف، هو يقتبس البروفيسور ماوتنر، المزود الصهيوني لطاوب، حسب رأيه.

على أي حال، من الواضح أنه في نظر نفسه، طاوب هو الصهيوني في أبهى صوره. ولكن يوجد في هذا غير القليل من السخرية المريرة. حيث أنه في نهاية الامر ما هو، بصورة اساسية، جوهر الصهيونية في ايامنا اذا لم يكن التطلع لضمان استقرار الحق في تقرير المصير للقومية اليهودية الاسرائيلية؟ هنا تكمن المشكلة. فكذبة “لا يوجد شريك فلسطيني” التي ينشرها طاوب دائما تساهم مساهمة مدمرة في تخليد الجمود السياسي واستمرار الضم الزاحف وتعميق واقع الابرتهايد بين البحر والنهر. بسبب هذه العمليات فان تقرير المصير اليهودي يزداد ارتباطا بصورة وثيقة باستعباد شعب آخر ويرتكز على اساس سياسي واخلاقي واهي. لذلك، هذا هو السبب في أن طاوب الذي لا يوجد في فمه غير الحديث عن اولوية حق اليهود في تقرير المصير، يساهم بشكل غير مباشر في الضعضعة المتواصلة لهذا الحق الاساسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى