ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم دمتري شومسكي – بطاقة للمشتركة هي تصويت للدولتين

هآرتس – بقلم  دمتري شومسكي  – 13/2/2020

” في القائمة المشتركة يدركون بأن دولة واحدة معناها نهاية القومية الفلسطينية. لذلك، هم يدعون الى الى اقامة دولة فلسطينية على حدود حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. لهذا فان التصويت للقائمة المشتركة هو الخيار الوحيد لمن يريد انهاء الاحتلال ويؤيد حل الدولتين  “.

مثلما هو معروف وطالما أن الحديث يدور عن القضايا الاساسية الاجتماعية والمدنية والثقافية والسياسية التي توجد على جدول اعمال اسرائيل، فان صحيفة “هآرتس” تعبر عن مواقف أقلية ضئيلة من مواطني الدولة. هذا بصورة خاصة فيما يتعلق بموضوع الاحتلال – المفهوم غير المقبول على الاطلاق على معظم مواطني اسرائيل اليهود حول الواقع في مناطق 1967، في حين أنه على صفحات الصحيفة فان استخدامه واسع جدا. وبالذات بسبب ذلك، من المهم وحتى من المبارك أن رئيس تحرير الصحيفة، الوف بن – الذي هو نفسه يعارض الاحتلال، يدعم تقسيم البلاد الى دولتين ويقف بثبات من وراء فكرة الدولة المدنية الاسرائيلية –  يختار بين الفينة والاخرى أن يعكس لصالح قراء الصحيفة مواقف المواطنين اليهود العاديين حول المسائل اليهودية والاحداث. وفي العادة يفعل الوف بن ذلك بدون أن يقدم موقف وبدون أي تلميح اخلاقي، الى درجة أنه احيانا يظهر وكأنه يتماهي تماما مع عدد من هذه المواقف.

وهاكم مثال، في رده على صفقة القرن للرئيس الامريكي ترامب، طرح الوف بن مقاربة ايجابية جدا  بالنسبة لجزء من اجزائها (“تاريخ للمنتصرين”، “هآرتس”، 30/1). ومثل موقف عدد كبير جدا من الاسرائيليين الذين يبدو أنهم يؤيدون هذه الصفقة. وفي مقال له في الاسبوع الماضي بعنوان “المرحلة المسيحانية لليسار” (“هآرتس”، 6/2)، الذي انتقد فيه ردود عكيفا الدار ومقال لي حول خطة نتنياهو – ترامب – تبنى الوف بن (في الحقيقة كمنتقد من الداخل) جزء من الخطاب الدارج في الخطاب الاسرائيلي للوسط واليمين ضد بقايا اليسار السياسي. المشكلة هي أنه في الحالتين الوف بن نسخ بصورة غير مراقبة سلسلة من التصورات والرؤية الخاطئة عن الوضع الاسرائيلي – الفلسطيني السائدة في اوساط الجمهور الاسرائيلي الواسع.

هكذا، اسرائيليون كثيرون جدا، اذا لم نقل الاغلبية الساحقة، يعتقدون أن العملية السياسية فشلت بسبب رفض الفلسطينيين. الوف بن يكرر هذا الرأي (في المقال الاول المذكور اعلاه “تاريخ للمنتصرين”). وكأنه حقيقة مسلم بها ومفهومة من تلقاء ذاتها. ولكن هذا هو طرح مشوه للواقع لن يتحول الى حقيقة حتى لو واصل غادي تاوب ترديدها مرة تلو الاخرى تقريبا في ايام الجمعة في “هآرتس” – مثلما هو بعيد عن الحقيقة ايضا الادعاء أحادي الجانب المعاكس الذي يقول إن محادثات السلام فشلت بسبب رفض الاسرائيليين (مثل التمسك بالابقاء على الكتل الاستيطانية). والصورة الحقيقية معقدة أكثر، لكنها واضحة جدا: في المرحلة النهائية من العملية السياسية – عملية انابوليس في 2007 – 2008 – حدث تقدم واضح في المفاوضات، سواء في موضوع القدس أو (حسب شهادة حاييم رامون الذي كان له اسهام كبير في تقدم العملية) مسألة العودة. ولكن في الوقت الذي كان فيه الاقتراح المعدل لاهود اولمرت ما زال يفحص من قبل الفلسطينيين، اعلن رئيس الحكومة الاسرائيلي عن الاستقالة في اعقاب قرار تقديم لائحة اتهام ضده، وهذا كان السبب الحاسم لوقف المفاوضات.

اسرائيليون كثيرون، اذا لم نقل معظمهم، على قناعة بأنه لا يوجد أمر خاص أو استثنائي لحرمان الفلسطينيين من السيادة من قبل اسرائيل، حيث أنه يوجد عدد غير قليل من شعوب العالم الموجودين في وضع حرمان من حكم انفسهم (المعروف في مجال الابحاث القومية بمفهوم “non-dominantnationalities“). وقد طرح الوف بن ايضا هذا الادعاء في مقال له في الاسبوع الماضي بعنوان “المرحلة المسيحانية لليسار”، عندما اراد مناقضة اقوال الدار التي تقول إن الفلسطينيين مثل باقي الشعوب لن يتنازلوا عن حقهم في تقرير المصير، بل سيحاربون من اجله “حتى تسفك دماءهم”. ومن اجل دحض اقوال الدار يعد الوف بن عدد من الشعوب التي هي “أكثر قدما من الشعب الفلسطيني والذين يعيشون في منطقة جغرافية متواصلة وتوجد لهم ثقافة غنية” – مثل الاسكتلنديين وسكان التيبت والاكراد – ومع ذلك هم لا يحظون باستقلال سياسي، بل “يتم حكمهم من الخارج”.

الحقيقة هي أنه يمكن أن نضيف الى هذه الشعوب “غير الحاكمة” التي ذكرها الوف بن الكثير من الامثلة، مثل شعوب كثيرة في الفيدرالية الروسية (التتار، البشكير، الشيشان، الاوستان، الكلميكيين، الياكوتيين وهلمجرا) والكتالونيين في اسبانيا أو السكان الفرانكفوريين في اقليم الكويبك. ولكن هذا لا يلغي الطابع الاستثنائي لوضع الفلسطينيين، بل على العكس، من اجل ابرازه بصورة أكبر. حيث أن جميع هذه الشعوب تحظى بالمواطنة الكاملة (اذا لم يكن بالضرورة بالمساواة المدنية الكاملة) في الدول التي تحكمها (لذلك من غير الصحيح اعتبارهم “محكومين من الخارج”). هذا الواقع يخلق في عدد من الحالات ديناميكية الاحتواء والاندماج لابناء هذه الشعوب في داخل الواقع الاجتماعي – المدني المشترك للدولة الحاكمة، الامر الذي يمكنه أن يخفف المواجهات بين هذه الشعوب وبين الدول التي تسيطر عليها، وحتى تشجيعهم على تبني مواقف تعارض النضال من اجل الاستقلال. في المقابل، وضع الفلسطينيين مختلف من حيث الجوهر. فمن جهة، الاسرائيليون لا يخطر ببالهم منحهم الجنسية لاسباب ديمغرافية. ومن جهة اخرى، الاسرائيليون معنيون بتمكينهم من الوجود المستقل في اطار دولة قابلة للعيش مع تواصل جغرافي. الحديث يدور هنا عن دمج هش جدا بين القمع والابرتهايد من ناحية ووهم تقرير المصير المستقل من ناحية اخرى – وضع لا يسمح في الحقيقة للفلسطينيين بأي خيار عدا عن مواصلة النضال حتى سفك دمائهم.

في النهاية، عندما  جاء ليتحفظ من دعوتي لمعارضي استمرار الاحتلال والابرتهايد بصيغة نتنياهو وترامب من اجل التصويت للقائمة المشتركة، عاد الوف بن وطرح صورة سياسية خاطئة، سائدة جدا في اوساط الكثير من الاسرائيليين تقول بأن القائمة تسعى الى اقامة الدولة الواحدة في الفضاء الاسرائيلي – الفلسطيني. هذا غير دقيق على الاطلاق وغير صحيح. ففي القائمة المشتركة يدركون ليس أقل من الوف بن بأن الدولة الواحدة ستنهي القومية الفلسطينية. لذلك، فان موقفها الرسمي والمبدأي في القضية السياسية هي السعي الى انهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها شرقي القدس.

عندما كتبت بأن القائمة المشتركة هي الحزب الوحيد الذي يؤيد بشكل واضح فرض المساواة الوطنية والمدنية الكاملة بين البحر والنهر، كان تفسير ذلك هو المساواة الوطنية في اطار تقسيم البلاد الى دولتين، والمساواة المدنية في كل دولة منهما. لذلك، في الظروف السياسية السائدة الآن فان القائمة المشتركة هي العنوان السياسي الوحيد الذي بقي للاسرائيليين الذين يواصلون تأييد الحلم الاكثر واقعية لدولتين قابلتين للعيش.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى