ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم: جدعون ليفي واليكس ليباك- الحرب على الجثمان ..!

بقلم: جدعون ليفي واليكس ليباك – هآرتس 6/8/2021  

شادي الشرفا كان سباك فلسطيني عمره 41 سنة، قتله الجنود قرب محبس المياه الرئيسي وهو يحمل مفتاح سويدي من غير الواضح لماذا. اسرائيل ترفض اعادة جثمانه وقرية بيتا تشن الآن نضال بدون حملة علاقات عامة لاعادة جثمانه للعائلة 

          كان ذلك مؤتمر صحفي، اذا كان يمكن تسميته كذلك،  حزين ومثير للشفقة ويائس. وقف نحو 20 رجل مسن ونشطاء من السلطة الفلسطينية ووجهاء القرية الى جانب الأب الثاكل والابن اليتيم، عند مدخل القرية في ظهيرة يوم حار حاملين لافتات في أيديهم. ميكروفونات محطات التلفاز المحلية انتقلت من يد الى يد، والقيت الخطابات، التوصيات بعثرت وكان واضح للجميع بأن كلامهم تذروه الرياح. المشهد لم يكن اقل اثارة للشفقة. فقد وقفوا تحت الشمس الحارقة بين سوق الجملة في القرية وبين مناشير الحجارة فيها، بين الانقاض التي تنبعث منها الرائحة الكريهة للثمار المتعفنة، لا سيما ثمار المانغا، وبين مخلفات المناشير. وراء كل ذلك وقفت شاحنة كتب عليها بالعبرية، وكأنها كتبت بتوصية، ملايين الناس لا يخطئون”، شعار شركة “سانت موريتس” لمواد التنظيف والابادة، وكذلك صهريجين، الاول لتنظيف الارضية والثاني لابادة الصراصير.

          ملايين الاشخاص قد يخطئون أو لا يخطئون. هذه القرية، بيتا، التي تقع بين مفترق طرق زعترة ونابلس، اعلنت عن شن نضال لاعادة جثمان أحد افضل ابنائها وهو سباك القرية شادي الشرفا. في يوم الثلاثاء الماضي، في ساعات المساء المتأخرة، قتله جنود من لواء كفير. عند موته كان يمسك بمفتاح سويدي، الذي يسمونه هنا مفتاح انجليزي، قرب صنبور المياه الرئيسي، غير بعيد عن مدخل القرية.

          رؤساء القرية ورجال السلطة الفلسطينيين هددوا بأنه طالم لم تتم اعادة الجثمان للعائلة فلن يسود هنا هدوء. وحسب السلطة الفلسطينية، اسرائيل تحتجز الآن عدد كبير من جثامين الفلسطينيين، 300 جثمان. في اطار المساومة على الجثامين، التي كما يبدو تستهدف اعادة جثث الجنديين الاسرائيليين من غزة. الجميع يعرفون أن جثث الجنود والمدنيين المحتجزين ستتم اعادتهما فقط مقابل اطلاق سراح سجناء. ولكن لا يتم تجميع جثامين وبهذا يتم المس اكثر بعائلات القتلى الفلسطينيين.

          في القرية المناضلة بيتا لا ينوون التنازل بسرعة، بالاساس لأنهم هنا على قناعة بأن السباك لم يفعل أي شيء يبرر أي اطلاق نار حية عليه قرب شبر المياه. طوال المؤتمر الصحفي الذي كان عبارة عن مجموعة من التصريحات لعدسات التلفاز المحلية في حوارة ومحيطها، وقف ابن الشرفا اليتيم، ليث (13 سنة)، بوجه متكدر امام الكاميرات. الأب عمر ضبط نفسه جيدا كي لا ينفجر بالبكاء. وقد وقفوا عند اسفل نصب تذكاري حجري كان يمثل مدخل القرية. سيارتين عسكريتين وقفتا في الصباح على بعد بضعة امتار. الجيش الاسرائيلي يعرف مسبقا عن أي تجمع هنا. ايضا سيارة اسعاف فلسطينية كانت موجودة، تنتظر التطورات. خمسة متظاهرين فلسطينيين قتلوا هنا في الاسابيع الاخيرة في الحرب على اراضي البؤرة الاستيطانية افيتار التي اخذت بالقوة من قرى المنطقة، والسباك هو آخرهم في هذه القائمة.

          المتحدثون في المؤتمر الصحفي هم من ابناء السلطة الفلسطينية. وجوههم مشرقة، غامضة، تحمل شوارب، ويقرأون عن الآلة الكاتبة. ممثل وزارة الاعلام وممثلون عن وزارات اخرى. الى جانبهم المتظاهر الدائم خيري حنون من عنبتا، الذي يتجول بين المظاهرات في الضفة الغربية بملابس فلسطينية تقليدية، وعلم فلسطين معلق على عكازته ويبلس الكوفية على رقبته. وقد سمي “جورج فلويد الفلسطيني”. بعد أن ضربه في ايلول الماضي جندي اسرائيلي وقام صديق الجندي بالضغط بقدمه على عنقه. نهايته كانت افضل من نهاية فلويد الحقيقي، والآن هو يوجد في المظاهرة في بيتا.

عندما انتهى المؤتمر الصحفي بدأ المشاركون يسيرون نحو الجنود في شارع الخروج من القرية. وقد استدعي الى المكان سيارة عسكرية اخرى، وقوة مشاة انتشرت على الشارع. المتظاهرون كبار السن ساروا واحدا بجانب الآخر وهم متشابكو الأيدي ويهتفون “بالدم والنار نفديك يا شهيد”. وقد وصلوا الى بعد بضعة امتار من الجنود وعندها توقفوا. بعد لحظة اطلق الجنود قنابل الغاز عليهم، التي لم تجعلهم يهربون رغم الضجة المدهشة والغاز الحارق. لقد وقفوا بصمت امام الجنود الذين تعاملوا بضبط نفس نسبي، ربما لأنهم لاحظوا عمر المحتجين الذين امامهم، الذي هو مثل عمر اجدادهم. هؤلاء الجنود هم اولاد اصدقاءنا واصدقاء اولادنا، والآن نحن نقف امامهم، نغرق بين سكان قرية بيتا الذين يناضلون على استعادة الجثمان. هم غولديو بيتا، لكن بدون حملات للخارج وحملات العلاقات العامة. اعلام اسرائيل ترفرف في مهب الريح على المصابيح الامامية في الشارع الرئيسي وكأنها منطقة تحت سيادة اسرائيل.

          بعد فترة قصيرة استدارت المظاهرة الى الخلف والجميع ذهبوا باتجاه قاعة المناسبات الفاخرة في وسط القرية، لمواصلة تعزية العائلة. الأب الثاكل الذي حبس البكاء اثناء المؤتمر الصحفي تحرر الآن وانفجر بالبكاء المرير. واصل البكاء وابناء القرية يعانقونه. ليث اليتيم واصل الحفاظ على تعابير وجه جامدة. هو ارتدى قميص باللون الاصفر مكتوب عليه دولسي وغبانا. الى جانبه ترك الشرفا خلفه ثلاثة اولاد ايتام آخرين، اصغر من ليث. والدهم عمل 17 سنة في المجلس المحلي في بيتا كسباك، لكنه عمل ايضا في القرى المحيطة بما فيها بلدة حوارة. وقد كان يسافر في جيب “بي.ام.في اكس 5” انتاج 2015، الذي خرج فيه من البيت ايضا في يوم الثلاثاء الماضي بعد الساعة العاشرة مساء. لماذا خرج؟ الى أين سافر؟ لماذا توقف قرب المحبس الرئيسي الذي يوجد امام خزان مياه المستوطنة؟ هذا الامر غير واضح. شقيقه سائد (43 سنة)، قال إنه بعد الظهر شاهد الشرفا، في الوقت الذي كان يملأ فيه مياه البركة التي وضعها على سطح البيت لاولاده. وحسب قوله، في المساء اتصلوا مع شقيقه من المجلس المحلي وطلبوا منه فحص لماذا لا توجد مياه في القرية. وحسب قوله كانوا كثيرا يستدعونه، سواء في النهار أو في الليل، لفحص شبكة المياه المعطوبة جدا.

          الشرفا سافر بالجيب نحو مخرج القرية، عندها توجه نحو الجنوب في شارع 60. على بعد مسافة قصيرة من القرية اوقف السيارة قرب ساحة الخردة، وهو المكان الوحيد الذي يمكن فيه ايقاف السيارة في شارع 60، حيث أنه لا توجد هنا هوامش للطريق أبدا. وقد نزل من السيارة وسار على طول الشارع بضع عشرات الامتار ذهابا وايابا، بعد ذلك اجتاز الشارع نحو الشرق، بالضبط مثلما فعلنا معا في هذا الاسبوع مع الشقيق والابن الثاكلين. هذه هي المرة الاولى التي جاءوا فيها الى هنا منذ قتل عزيزهم. في الطرف الآخر للشارع يوجد خزان مياه ومنشآت مياه، يوجد رجل حراسة يحمل رشاش يقوم بحمايتها، ايضا عندما كان هناك في هذا الاسبوع. في الطرف الآخر للشارع توجد انابيب المياه ومحابس محاطة بجدار مخترق. الى هناك ذهب الشرفا. المحابس توجد على بعد بضعة امتار عن الشارع، وراء جدار الاسمنت للشارع. وراءها يوجد حقل لاشجار الزيتون. لا يوجد هنا أي لافتة تحذير. ومن غير الواضح من تخدم هذه المحابس. حسب اقوال شقيق الشرفا هي تخدم بيتا.

          الجيران قالوا إنهم شاهدوا الشرفا وهو ينزل من السيارة ويحمل مفتاح سويدي بيده ويقترب من المحابس. في الصورة التي نشرت بعد قتله ظهر مفتاح سويدي احمر مرمي على الارض والى جانبه علبة سجائر مالبورو حمراء ونقطة دماء. الساعة كانت العاشرة والنصف مساء، وباستثناء الشرفا وقتلته كما يبدو لم يكن هناك أحد. في البيوت التي توجد في الخلف سمع فجأة صوت اطلاق نار بدد الصمت. الجيران قالوا لسائد بأنهم سمعوا تقريبا 12 رصاصة. في الساعة 11:30 مساء قرأ سائد في الفيس بوك بأن شقيقه قتل على أيدي الجنود. ما الذي حدث هناك؟ لماذا قتله الجنود؟ ولماذا ترفض اسرائيل على الاقل اعادة جثمانه؟ في بيان نشره المتحدث بلسان الجيش بعد الحادثة قيل إن الشرفا اقترب بسرعة نحو جنود لواء كفير وهو يحمل ما ظهر بالنسبة لهم كقضيب حديد. هم اطلقوا النار في الهواء، لكنه لم يتوقف، عندها قتلوه. في هذا الاسبوع قال لنا المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي: “بسبب الحادثة تم فتح ملف تحقيق في الشرطة العسكرية، الذي في نهايته سيتم تحويل نتائجه الى النيابة العسكرية العامة لفحصها. الجثمان يحتجزه الجيش الاسرائيلي طبقا للاجراءات. مسألة اعادة الجثمان تتم من قبل الجهات ذات العلاقة وهي خاضعة لقرار المستوى السياسي”.

          في يوم الاثنين الماضي ذهب سائد الى مكتب التنسيق والارتباط الاسرائيلي في حوارة في محاولة يائسة لتسلم جثمان شقيقه. وقد قال إن ضابطة قالت له بصورة مهذبة بأنهم يعرفون أن ماضي شقيقه كان نقي وأنه يبدو أنه لم يفعل أي شيء. ولكن موضوع اعادة الجثمان غير موجود في أيدي الادارة المدنية. “لقد قال إن شخص كبير سيقرر وعندها سيقومون بابلاغي”. بعد ذلك اعطته الضابطة بطاقة هوية شقيقه، هو الآن يفتحها وينفجر بالبكاء.

          في هذه الاثناء شارع الخروج من القرية مغلق بالكامل. بعد أن غادر شيوخ القرية جاء الشباب. السيارة التي كانت تسافر امامنا كانت تحمل اطارات مستعملة من اجل احراقها، لكن لم تكن هناك حاجة لها لأن الشارع كان يشتعل على عرضه من اطارات مشتعلة وكان هناك دخان اسود يتصاعد في مدخل بيتا. حجارة رشقت من مقاليع وقنابل غاز تم اطلاقها، وللحظة كان الامر يبدو وكأننا في حرب، الحرب من اجل جثمان السباك من بيتا.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى