هآرتس – بقلم جاكي خوري – العنف في الوسط العربي في اسرائيل يتصاعد ، ولكن في الضفة الغربية التوجه معاكس تماما
هآرتس – بقلم جاكي خوري – 28/10/2019
على خلفية الاحتجاج على طريقة معالجة السلطات للعنف في الوسط العربي فان تقرير “هآرتس” يظهر أنه في حين أن عدد القتلى العرب في اسرائيل يرتفع من سنة الى اخرى، فهو في الضفة يوجد في منحى انخفاض، منذ بداية العام 2019 قتل في اسرائيل 77 مواطن عربي مقابل 28 فلسطيني في الضفة.
باحثون وشخصيات عامة في الوسط العربي وفي الضفة يعزون هذه الفجوة الى التطبيق المتزايد للقانون ومحاربة الجريمة المنظمة في الضفة. ايضا لأنه في الضفة تم الحفاظ على المبنى العشائري الذي يمكن من حل النزاعات المحلية، وهو الامر الذي تضعضع في السنوات الاخيرة في الوسط العربي في اسرائيل.
عن التوجه في اسرائيل تدل معطيات مركز “أمان” الذي يحارب العنف في الوسط العربي. وحسب المعطيات، في 2015 قتل 58 مواطن عربي في اسرائيل، منهم 14 امرأة. وفي العام 2016 استمر منحى الارتفاع مع 64 قتيل، منهم 10 نساء. وفي العام 2017 قفز عدد القتلى الى 72، منهم 10 نساء. وفي العام 2018 حدث ارتفاع آخر، وعدد القتلى وصل الى 75 شخص، منهم 15 امرأة. وفي العام 2019 الذي لم ينته بعد، إلا أن عدد القتلى وصل الى 77 قتيل، منهم 11 امرأة، الامر الذي يدل على مواصلة هذا الميل المقلق. في المركز يشيرون الى أنه تقريبا 80 في المئة من عمليات القتل حدثت نتيجة استخدام السلاح الناري.
مقارنة مع الوضع في اسرائيل فانه في الضفة الغربية يبرز هناك انخفاض في عدد عمليات القتل في السنوات الاخيرة. حسب المتحدث بلسان الشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لؤي زريقات، فانه في العام 2015 قتل في مناطق السلطة في الضفة 54 شخص، منهم 4 نساء. وفي العام 2016 انخفض العدد الى 38 شخص (منهم 8 نساء)، وفي العام 2017 بلغ عدد القتلى 34، منهم 4 نساء. وفي العام 2018 حدث انخفاض كبير حيث بلغ عدد القتلى 24 قتيل، منهم 3 نساء. وهذا العام حدث ارتفاع معين في عدد القتلى، وحتى الآن قتل 28 شخص، منهم 4 نساء. في الشرطة الفلسطينية يؤكدون على أن معظم عمليات القتل حدثت على خلفية نزاعات شخصية وليس جريمة منظمة.
مع ذلك، يبدو أن الشرطة الفلسطينية لا تقوم باحصاء حالات الموت للفلسطينيين الذين يوجد شك بأنهم قتلوا على أيدي اقاربهم. هكذا في 2016 قتلت 12 امرأة فلسطينية في ظروف مشبوهة في الضفة. وفي 2016 تم الابلاغ عن 13 حالة كهذه وفي العام الماضي قتلت 11 امرأة. ولكن ايضا اذا كانت النساء قتلن حقا، فان عدد القتلى في الضفة ما زال لا يقترب من عددهم في الوسط العربي في اسرائيل في السنوات الاخيرة.
في محادثة مع الصحيفة قال زريقات إن الشرطة الفلسطينية صارمة ضد المخلين بالقانون وأنه تقريبا كل قضايا القتل يتم حل لغزها. هذه السنة قالوا في جهاز تطبيق القانون الفلسطيني إنه لم تكن أي عملية قتل لم يتم كشفها. “في المدن نحن نعمل بشكل مباشر ضد كل خارقي القانون”، قال زريقات واضاف بأن الشرطة الفلسطينية تتدخل حتى في حالات جنائية، التي تحدث في مناطق ب وج، التي فيها حضور الشرطة ضئيل. “نحن لا نسمع عن عصابات تلقي الرعب على التجار واصحاب المصالح التجارية، وعن جباية الخاوة أو عن نشاطات بمستوى منظمات الجريمة”، اضاف مصدر أمني فلسطيني.
عملية نفذت في السنة الماضية في نابلس تدل على مواجهة الشرطة الفلسطينية للزعران. قوات خاصة دخلت الى مخيم بلاطة للاجئين من اجل محاربة المسلحين الذين كان عددا منهم يعتبرون من الذراع العسكري في حركة فتح. “لقد واجهنا ظاهرة المسلحين، الذين تحت مظلة محاربي الحرية والمحاربين من اجل الشعب الفلسطيني تحولوا الى رجال عصابات ومرتزقة”، قال احد سكان المخيم. “هذا الامر لم يكن مقبول على أحد، لهذا بدأ نشاط مكثف لفرض النظام”.
غازي النابلسي، الباحث في الشؤون الفلسطينية في مركز للدراسات في رام الله والذي يعرف عن قرب ايضا الوسط العربي في اسرائيل، يعتقد أنه لا يمكن نسب الفجوة في عمليات القتل فقط لمحاربة السلطة الفلسطينية للجريمة. وقد أشار الى قوة الحمولة في فرض النظام في الضفة. “اساس العائلة أو الحمولة أو العائلة تفكك بمعنى معين في المجتمع العربي في اسرائيل، لكن في الضفة الغربية ما زال يلعب دور رئيسي”، قال. “لا يمكن الحديث عن مجتمع فردي، بل عن مجتمع فيه رئيس الحمولة والانتماء العائلي ما زال له دور في منع العنف أو النزاعات”. حسب قوله، نشاط الفصائل الفلسطينية يؤثر ايضا على الارض. “يمكن القول بوضوح بأن الفوضى واستخدام السلاح التي ظهرت في نهاية الانتفاضة الثانية قد اختفت من مناطق السلطة الفلسطينية”، قال النابلسي، “لا يوجد مسلحون يتجولون في الشوارع لمجرد استعراض القوة. وهذا لا يعني أنه لا يوجد سلاح لدى جهات كثيرة. لكن لا توجد امكانية لأن يتحول هذا السلاح الى أداة في أيدي زعران بمعنى فرض الذعر والاضرار بأمن الناس الشخصي. يمكن القول إن هناك ما يكفي من المشكلات بالنسبة للفلسطينيين من مجرد كونهم تحت الاحتلال. لذلك، على الاقل بشأن الجريمة المنظمة هناك كوابح وعوائق تمنع التدهور”.
ايضا في مخيمات اللاجئين في الضفة يشيرون الى تأثير الفصائل الفلسطيني على كل ما يتعلق بفرض النظام العام. “إن سلوك عنيف بمعنى جريمة منظمة يعتبر في الساحة الفلسطينية كعملية تخدم الاحتلال”، قال أبو مهند، ناشط من مخيم الدهيشة للاجئين قرب بيت لحم. “كانت هناك فترات بدت فيها المخيمات مثل دفيئة للمليشيات، ولكن الآن هذا لم يعد موجودا”.
“بدون الدخول الى المقارنة مع الضفة الغربية، الوسط العربي في اسرائيل ليس مجتمع عنيف بطبيعته”، قالت د. منى خوري كاسبري، عميدة مدرسة العمل الاجتماعي والرفاه الاجتماعي في الجامعة العبرية في القدس. “يوجد في الوسط العربي اشخاص عنيفين يجب معالجة عنفهم. وفي نفس الوقت العمل على منع تورط آخرين في العنف”. وهي تشير الى عدة اسباب للعنف في الوسط العربي في اسرائيل: غياب موارد نتيجة التمييز المتواصل، عمليات داخلية بدأت في العائلة العربية في العقود الاخيرة، ايضا مميزات شخصية لمن يستخدمون العنف.
اضافة الى ذلك، اشارت د. خوري الى معالجة الشرطة المعيبة كسبب مهم لزيادة الجريمة. “الزعرنة والجريمة التي لا تتم معالجتها تبث رسالة بأن الجريمة تؤتي أكلها”، قالت. “في الواقع الذي نشأ في اسرائيل والذي فيه الكثير من اعمال العنف في الوسط العربي التي لا يتم كشفها، الرسالة لهذه المجموعة هي أن الزعرنة تفيد ولا يوجد سبب لوقفها. من هنا، حيث المسؤولية الرئيسية ملقاة على الدولة من اجل أن تستثمر في الوسط العربي في جميع المجالات، بما في ذلك نشاطات الشرطة في الوسط العربي، لكن ايضا في اجهزة اخرى في مركزها التعليم والرفاه”.
رئيس لجنة رؤساء السلطات العربية ورئيس مجلس عارة وعرعرة، مضر يونس، شرح بأن المقارنة بين اسرائيل والضفة الغربية لا تفيد أي من الاطراف. “بصفتي رئيس لجنة رؤساء السلطات العربية الذي يجري المحادثات مع ضباط الشرطة، لا يهمني ما يحدث في مناطق السلطة الفلسطينية”، قال. “أنا أواجه الارقام التي توجد أمامي في المجتمع، يوجد لدي 77 قتيل منذ بداية السنة. وهذا وضع غير محتمل ويجب على الشرطة العمل في هذا الشأن”.
ايضا مدير عام مركز “أمان”، المحامي رضا جابر، الذي يجري محادثات مع نظرائه في مناطق السلطة الفلسطينية قال إن تجربة المقارنة بين اسرائيل والضفة يجب أن تأخذ في الحسبان العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المختلفة. وحسب قوله، العنف في اسرائيل يتميز بحجم الجريمة المنظمة، التي يتم لمسها بصورة أقل في مناطق الضفة.
د. وليد حداد، المختص في الجريمة والباحث في العنف في الوسط العربي، يؤكد على أن الوضع يقتضي قرار حكومي وتشكيل سلطة لمحاربة العنف. “المقارنة مع الضفة الغربية يمكن أن تكون صحيحة في مستوى معين، لكن ليس في كل سياق. لأن الواقع السياسي والاجتماعي مختلف تماما، رغم أننا جميعنا فلسطينيون”. واضاف “فعليا، مقاربة السلطة الفلسطينية تختلف عن مقاربة الحكومة الاسرائيلية. محاربة العنف مع التأكيد على استخدام السلاح والجريمة الخطيرة، تعتبر جزء من الأمن القومي. القتل الجنائي يمكن أن يجعل رئيس الحكومة يقفز من مكانه، وايضا قادة الاجهزة وحاكم اللواء. هذا يمنح شرعية لاستخدام الوسائل بقوة اكبر. في اسرائيل هذا لا يحدث، الجريمة في الوسط العربي تعتبر شأن داخلي. وفقط الآن بعد 77 ضحية واحتجاج جماهيري، فان أحدا ما قد بدأ بالاستيقاظ”.