ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – موجات صدى طالبان :  دول المنطقة تعيد احتساب المسار

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – 3/9/2021

” سيطرت طالبان على افغانستان أدت الى تغيير خارطة العلاقات بين طالبان ودولة الامارات وقطر ومصر وأبو ظبي وايران والولايات المتحدة. وهذا الامر سيلزم اسرائيل ايضا باعادة فحص مكانها في المنطقة “.

في الاسبوع الذي سيطرت فيه طالبان على العاصمة الافغانية كابل امتدت قافلة طويلة خلف سيارة السفير القطري في افغانستان، سعيد بن مبارك، في طريقها الى مطار كابل. في هذه السيارات جلس حوالي 250 طالبة ورجال طاقم تم تخليصهم من مدرسة داخلية للبنات. جميعهم صعدوا على الطائرات القطرية وهبطوا بسلام في مطار الدوحة. خلال ذاك الاسبوع نقلت قطر الى اراضيها عشرات آلاف طالبي اللجوء الافغانيين عبر الحواجز التي وضعتها طالبان، حيث كانت طواقم السفارة، وحتى السفير نفسه، يرافقون شخصيا القوافل الى المطار. بعد ذلك تم اسكانهم في سكن مؤقت في معسكرات للجيش القطري والجيش الامريكي في قطر. هناك حصلوا على وجبات الغذاء والشراب. وحتى 31 آب هبط في قطر حوالي 55 ألف افغاني، الذين ينتظرون الآن المصادقة على انتقالهم الى دول اخرى في العالم.

العلاقات الوثيقة التي استمرت لعشرات السنين بين قطر وطالبان منحت قطر مكانة خاصة وحيوية ساعدت على انسحاب سريع وهاديء نسبيا للقوات الامريكية وانقاذ آلاف المدنيين الامريكيين، موظفو الاغاثة والمتعاونون مع الادارة الامريكية الذين كانت حياتهم في خطر. بالنسبة لعشرات الآلاف الذين بقوا في افغانستان خائفين من ملاحقة طالبان، فان قطر هي عمود الدخان الذي ربما يمكنه أن يضمن سلامتهم. التقدير هو أنه لولا الوساطة والتدخل القطري لكان الانسحاب الامريكي سيكون اكثر عنفا ودموية.

قطر “اختيرت” من قبل طالبان لتكون دولة الاتصال بينها وبين امريكا حتى قبل سنوات. محاولة السعودية واتحاد الامارات لاقناع طالبان بأن تقيم على اراضيها ممثلياتها فشلت. الدولتان تعتبران مقربتان من الولايات المتحدة وهما تديران صراع ضد حركات اسلامية متطرفة، منها حركة الاخوان المسلمين، في حين أن قطر تعتبر دولة “محايدة” لم تضع أي شروط مقيدة على اقامة ممثلية لطالبان في الدوحة. هكذا كانت قطر ايضا المستضيفة والعرابة للاتفاق الذي تم التوقيع عليه في السنة الماضية بين امريكا وطالبان والذي كان يمكنه أن يرتب انسحاب القوات الامريكية ويضمن عدم مهاجمة قوات طالبان اهداف امريكية ويمكن من انسحاب هاديء، وبعد ذلك ادارة مفاوضات مع حكومة افغانستان.

دولة اساسية

قطر تحولت الى دولة اساسية في العلاقات بين الولايات المتحدة وطالبان، وهي التي قامت بترتيب في الشهر الماضي اللقاء بين رئيس الـ “سي.آي.ايه”، وليام بيرنز، وقيادة طالبان. والآن هي التي تدير المفاوضات مع طالبان على ادارة وتأمين المطار في كابل، وهو المطار الرئيسي الذي سيمكن طالبان من اقامة علاقات مع العالم والبدء في برامج اعادة اعمار الدولة وبناء علاقات دولية. السيطرة على المطار ستكون الاختبار الاول والمهم بالنسبة لطالبان.

قبل سيطرت طالبان على كابل تم الاتفاق بين حكومة افغانستان السابقة والادارة الامريكية على أن يتم تأمين المطار من قبل قوات تركية. تركيا تبنت برضى هذا الاقتراح لأنه كان يمكن أن يحسن علاقتها مع الولايات المتحدة ومع الرئيس بايدن ويمنحها طريق للوصول والتأثير على طالبان وتعزيز سيطرتها في وسط آسيا. هذا الاتفاق تبخر في الحقيقة عند سقوط الحكومة في افغانستان وهرب قيادتها الى دولة الامارات. ولكن بفضل قطر تواصل تركيا كونها المرشحة الوحيدة لادارة وتأمين المطار. الخلاف بين طالبان وتركيا يؤخر في الوقت الحالي تطبيق الخطة. تركيا تطالب بأن يتم تأمين المطار ومحيطه من قبل القوات التركية، في حين أن طالبان تعارض مبدئيا تواجد قوات اجنبية، مهما كانت، على اراضي الدولة.

التقدير هو أن قطر ستنجح في نهاية المطاف في اقناع طالبان بالتنازل عن مطالبها اذا ارادت الحصول على الشرعية الدولية. والاكثر اهمية هو أنه اذا كانت تنوي تجنيد مستثمرين اجانب الذين سيبدأون باعادة اعمار الدولة. وموافقة طالبان على التحادث مع تركيا حول ادارة المطار غير مقطوعة عن تأثير قطر. فبين قطر وتركيا يوجد تحالف ايديولوجي، عسكري، اقتصادي وسياسي، آخذ في التطور منذ اقامت الدولتان علاقات دبلوماسية بينهما في العام 1972. وقد وصل هذا التحالف الى الذروة في العام 2017 عندما فرضت السعودية ودولة الامارات والبحرين ومصر على قطر حصار اقتصادي ومقاطعة سياسية. تركيا سارعت الى اقامة قطار جوي مع قطر ودعمتها في الساحة الدولية واقامت فيها قاعدة عسكرية يوجد فيها حوالي 3 آلاف جندي.

لقد تعاونت تركيا وقطر ايضا في الساحة السورية. وهما تدعمان حركة الاخوان المسلمين وحماس وتعملان بشكل مشترك في الحرب في ليبيا. وهما تؤيدان الحكومة المعترف بها في ليبيا. مقابل السعودية ومصر والامارات وروسيا التي تدعم الجنرال الانفصالي، خليفة حفتر. وهما غير شريكتين في التحالف العربي الذي اقامته السعودية في صراعها ضد نفوذ ايران. الآن هما يمكنهما جني ثمار التحالف بينهما في الساحة الافغانية.

اذا كان لتركيا اساس صلب للخوف من سياسة بايدن نحوها، وربما حتى أن تتعرض لرزمة عقوبات اخرى بسبب شراء صواريخ روسية مضادة للطائرات وانتهاك حقوق الانسان، فهي الآن اصبحت حليفة مرغوب فيها. حيث أن الادارة الامريكية التي لا تستبعد اقامة علاقات مع طالبان لا يوجد لها الآن قناة اتصال رسمية جيدة مع طالبان وهي بحاجة الى أي وساطة، حتى لو كانت الدولة الوسيطة هي تركيا. وبالاحرى شريكتها قطر.

قصة غرام سرية

الانسحاب من افغانستان انتج حلف جديد آخر، مفاجيء ومهم. دولة الامارات تدير منذ اشهر علاقة سرية مع تركيا بهدف أن تستأنف معها العلاقات وتبني معها شراكة اقتصادية واستراتيجية. هذه الاتصالات انطلقت في سماء الشرق الاوسط عندما جاء مستشار الامن القومي في الامارات، طحنون بن زايد، لزيارة في منتصف آب في تركيا من اجل مناقشة “التعاون الاقتصادي واستثمارات كبيرة في تركيا”، كما وصف ذلك الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان. وبعد مرور اسبوعين على الزيارة التي اثارت موجة تخمينات اتصل ولي العهد الاماراتي، محمد بن زايد، مع اردوغان وأجريا محادثة “ودية ومثمرة” حول طرق الدفع قدما وتطوير العلاقات.

أبو ظبي التي كانت من الدول التي فرضت الحصار على قطر (الذي تم رفعه في هذه السنة بعد المصالحة بين دول الخليج) وصفت في السابق تركيا بـ “العامل الاكثر خطورة في الشرق الاوسط من ايران”، كما قال سفير الامارات في واشنطن. وقد تعرضت لوابل من الادانات التركية، وحتى للتهديد بقطع العلاقات بسبب التوقيع على الاتفاق مع اسرائيل، وقيامها بصورة مفاجئة بانعطافة 180 درجة وهي تسعى الآن لبناء حلف مع اردوغان. ابن زايد لم يقدم أي تفسير علني للانعطافة في سياسته، لكن التقدير هو أنه بعد أن وقع ترامب على اتفاق الانسحاب مع طالبان، تعهد بايدن بتنفيذ الاتفاق. وفي اعقاب الجهود لاحياء الاتفاق النووي مع ايران فان دولة الامارات بدأت باعادة فحص شبكة علاقاتها في المنطقة، والبحث لنفسها عن حزام امان استراتيجي لا يكون مرتبط على الاطلاق بالولايات المتحدة.

تركيا هي من الدول القوية في المنطقة. وهي عضوة في حلف الناتو، ورغم الشرخ فيما بينهم إلا أنها واصلت كونها شريكة تجارية مهمة. حجم التجارة بينهما هو 8 مليارات دولار في 2020. وهي يمكنها أن تستوفي “المواصفات العسكرية والسياسية” التي يعرضها ابن زايد. النتيجة هي أن الحبيبة العربية لاسرائيل ستكون ايضا حليفة لتركيا، التي تستطيع أن تشتري منها ايضا السلاح والطائرات المسيرة ووسائل قتالية اخرى اذا فرضت اسرائيل أو الولايات المتحدة القيود عليها. بالنسبة لتركيا، التي طوال سنوات كانت تطمح الى موطيء قدم في دول الخليج وتم رفضها بشكل فظ، فان هذا يشكل انجاز مهم، ولا يتعلق الامر فقط بالجانب الاقتصادي. حيث أنه عندما لا يكون لدولة الامارات سفير منذ العام 2018 في تركيا، وتنمي من جديد علاقاتها مع تركيا، فان هذا له تأثير ايضا على استعداد مصر لاقامة علاقات سليمة مع من اعتبرت “دولة معادية”. 

في الاسبوع القادم يتوقع أن يهبط في تركيا وفد من وزارة الخارجية المصرية برئاسة نائب وزير الخارجية، حمدي لوزة، من اجل البدء في جولة محادثات اخرى حول استئناف العلاقات بين الدولتين. الخلاف بين الدولتين ما زال عميق. فمنذ صعود عبد الفتاح السيسي للحكم في العام 2013 لم تتوقف تركيا عن تسميته بـ “الديكتاتور المستبد”، وهي تعتبر سيطرته على الحكم انقلاب عسكري. تركيا اعطت اللجوء السياسي لقادة حركة الاخوان المسلمين، الذين يشن ضدهم السيسي حرب ضروس. وهي تسمح ايضا لقنوات التلفزيون خاصتهم ببث مضامين انتقادية ضده. وقد وقعت على اتفاق لترسيم الحدود الاقتصادية بينها وبين ليبيا، بصورة يمكن أن تمس بامكانية قيام مصر بتسويق الغاز في اوروبا. ولكن في اعقاب ضغوط ترامب قبل خروجه من البيت الابيض على مصر وتركيا، بدأت تحسسات اولية في اعقابها نشرت تركيا بيانات متفائلة بشأن وجود احتمالية جيدة لاستئناف العلاقات.

استبدال القرص

توجد لمصر عدة شروط مثل تسليم المطلوبين من حركة الاخوان المسلمين وسحب رخص البث لقنوات التلفزيون خاصتهم. ولكن يبدو أن مصر، مثل الامارات، تنوي استبدال القرص. ما ظهر حتى هذه السنة كتطور غير واقعي سيثبت مرة اخرى أنه في السياسة الخارجية لا يجب أن نقول في أي يوم “لا”. في هذا السياق من الجدير الانتباه ايضا لتصريحات الرئيس الايراني، ابراهيم رئيسي، الذي اعلن أن تأسيس وتحسين العلاقات بين ايران وجيرانها هو على رأس سلم اولوياته السياسي. حيث كان يقصد بالاساس العلاقات بين ايران والسعودية. الدولتان توجد لهما الآن مصالح جديدة  للتعاون فيما بينهما ازاء سيطرت طالبان على افغانستان. السعودية تخشى من ازدياد قوة التنظيمات الاسلامية في اراضيها وايران تخشى من انزلاق الارهاب السني الى اراضيها. وقد اقامتا علاقات جيدة مع طالبان ومولتا نشاطاتها. الآن يجب عليهما ضمان أن هذا الاستثمار لن يذهب هباء ولن يعمل كسهم مرتد ضدهما. 

هذا التحول المتنوع في خريطة العلاقات سيلزم اسرائيل بفحص مكانها في نسيج آخذ في التبلور. المفهوم الذي بحسبه توجد كتلة دول تؤيد امريكا والتي تمنحها حزام امان عسكري وسياسي وتخلق معها ائتلاف غير رسمي ضد ايران، بدأ يصبح غير ذي صلة. الجهود العربية لبناء تحالفات اقليمية جديدة لمواجهة اخطار قديمة مثل طالبان والتنظيمات الاسلامية المتطرفة، تتساوق مع نية بايدن في أن يترك للدول نفسها أن تواجه التهديد دون اشراك امريكا في الامر. ايضا الربيع السياسي التركي الذي يشمل تحسساتها لتأسيس علاقات جديدة مع اسرائيل ومصر والامارات والسعودية، يلزم اسرائيل باعادة فحص الانضمام لهذه العملية من اجل أن لا تبقى خارج النادي. هذه المعضلات الجديدة هي جزء من الموجة الارتدادية التي احدثتها طالبان. وهي توضح جيدا أن اتفاقات السلام التي وقعتها مع الدول العربية تقتضي منها تكيفات سياسية كانت في السابق غير مطلوبة منها. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى