ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – مصر والاردن تكافحان التطبيع لسنوات ،والاتفاق مع الامارات هو اختبار لهما

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 28/8/2020

المثقفون في مصر راقبوا بحرج تفاصيل اتفاق السلام المتبلور مع اسرائيل، والذي يمكن أن يمس بمكانتهم الجماهيرية كحراس للعتبة ضد النظام الذي خان الأمة. وفي المقابل، في المستويات الرسمية لم يعترفوا بالخوف الذي اثاره فيهم الاتفاق من تآكل مكانة مصر السياسية “.

موت الشاعر المصري صلاح عبد الصبور في العام 1981 لم يكن صدفيا. فقد حدث في حفل في بيت الشاعر المعروف عبد المعطي حجازي في القاهرة بمناسبة عيد ميلاد ابنته، الذي اجتمعت فيه مجموعة من رجال الفكر، روائيين، شعراء وصحافيين. عبد الصبور الذي كان في حينه رئيس اللجنة المنظمة لمعرض الكتاب الذي شاركت فيه ايضا اسرائيل، كان أيضا موقع لانتقاد لاذع وهجمات شخصية بسبب دعوة اسرائيل، خلافا للموقف الذي تبنته رابطة الكتاب ضد التطبيع. في الحفل تقدم منه رسام الكاريكاتير بهجت عثمان وصرخ عليه: “لقد بعت روحك بثمن بخس، يا صلاح”. يبدو أن هذه كانت تهمة كبيرة جدا بالنسبة للشاعر الذي تعرض لنوبة قلبية وتوفي. واعتذار عثمان لم ينفعه ولم ينفع التطبيع: جبهة رجال الفكر في مصر واصلت تقوية “لجنة الحفاظ على الثقافة القومية”، وهي جهة غير حكومية لمكافحة العلاقات الثقافية مع اسرائيل. التي حددت الذين أرادوا اقامة علاقات كهذه مع اسرائيل وقادت الى صياغة أنظمة صارمة ضد أي مظاهر للتطبيع.

اسرائيل واصلت المشاركة في معرض الكتاب في مصر حتى العام 1985، لكن هذه كانت مشاركة جرت تحت حراب النظام.

بعد مرور سنوات على ذلك ثارت عاصفة جديدة تتعلق بترجمة أدب باللغة العربية الى اللغة العبرية وبالعكس. الامر الذي اعتبر جزء من التطبيع وحتى أكثر خطورة من ذلك، واعتبر تهديدا حيث أنه بواسطته يمكن للعدو الاسرائيلي أن يتعرف على الروح العربية وعلى نقاط ضعفها واستغلالها. عدد من الكتاب استخفوا بالادعاء “الامني” وقالوا إن الاستخبارات الاسرائيلية لا تحتاج على الاطلاق الى الترجمة من اجل التعرف على “الروح العربية”. آخرون تمسكوا بالراية القومية ورفضوا السماح بترجمة نتاجاتهم. الكاتب عبد المجيد، الذي كان عضوا في لجنة محاربة التطبيع، كتب في مقال نشره في الاسبوع الماضي في موقع “القدس العربي” بأنه اعتقد أنه لا يوجد أي سبب لمعارضة الترجمة للعبرية، شريطة أن الصفقة لا تتم بشكل مباشر مع ناشر اسرائيلي، بل من خلال وسيط. كتابه بعنوان “لا أحد ينام في الاسكندرية” بدأ السير في اجراءات الترجمة للعبرية بواسطة الجامعة الامريكية في القاهرة، لكن بضغط من المعارضين تم الغاء هذا المشروع ووقف الترجمة.

ما الذي سيحدث الآن للحرب ضد التطبيع الثقافي بعد أن تقوم دولة اتحاد الامارات بالتوقيع على اتفاق السلام مع اسرائيل؟ تساءل عبد المجيد. هل تستطيع اسرائيل المشاركة في معرض الكتاب والسينما في دولة الامارات؟ من من المفكرين والابداع العرب سيشاركون فيها الى جانب اسرائيل؟ هل سيوافقون على تلقي جوائز سخية من ولي العهد محمد بن زايد؟ أو سيتصرفون مثل الكاتب المصري صنع الله ابراهيم، الذي في تظاهرة احتجاجية رفض قبل بضع سنوات تسلم جائزة الأدب العربي من وزير الثقافة المصري فاروق حسني بذريعة أنه غير مستعد لتسلم جائزة من حكومة لها علاقات مع اسرائيل؟ بالنسبة للمفكرين العرب بشكل عام والمفكرين المصريين بشكل خاص، الذين يقاطعون التطبيع، فان علاقات السلام بين الامارات واسرائيل لا تشكل فقط “سكين في الظهر الفلسطينية”، بل هي تخريب شديد للنضال الذي منحهم مكانة حراس العتبة والوطنيين الحقيقيين ضد النظام الذي خان الأمة ووقع على اتفاق السلام مع اسرائيل. وطالما أن الثقافة تتم مقاطعتها، كما قالوا، فان السلام سيواصل كونه سلام بارد.

إن الخوف من التطبيع الآخذ في التبلور بين اسرائيل ودولة الامارات يغلفه المفكرون الآن بذرائع سياسية موجهة بالاساس ضد محمد بن زايد، وهم يعبرون عن القلق من سقوطه في شرك زرعته له اسرائيل والولايات المتحدة. الصحافي الفلسطيني سامي فرحان أوضح في الاسبوع الماضي بأن الاتفاق بين الدولتين يمكن أن يمس ليس فقط بعلاقة دولة الامارات مع ايران ودول عربية اخرى، بل سيمس ضمير الشعب الاماراتي وبالسمعة الطيبة لدولة الامارات على اعتبار أنها حامية التضامن العربي. وحسب قوله فان الاتفاق سيحدث شرخ بين الجمهور المحلي وبين الحاكم مثلما حدث في مصر بين الرئيس انور السادات والجمهور هناك. والاكثر اهمية من ذلك هو ان دولة الامارات ستفقد التضامن العربي معها، ويجب عليها التفكير بما سيحدث في اليوم الذي ستحتاج فيه لهذا التضامن من اجل حماية نفسها من أي هجوم عليها. هذا مبرر غريب، بالذات من قبل فلسطيني يعرف جيدا عدم قيمة التضامن العربي في كل ما يتعلق بمساعدة الشعب الفلسطيني.

الهامس في أذن الاسرائيليين

إن “القلق” على سلامة دولة الامارات لا يمكن أن يطمس المخاوف السياسية المخيفة التي تقلق بالتحديد الدول التي وقعت على اتفاقات سلام مع اسرائيل مثل مصر والاردن. الامير علي بن الحسين، الأخ غير الشقيق للملك عبد الله، ملك الاردن، شارك في هذا الاسبوع في تويتر بمقال كتبه المؤرخ آفي شلايم في موقع “ميديل ايست آي”، عن الاضرار المحتملة التي ستلحق بالفلسطينيين والاردن بسبب الاتفاق. هذه المشاركة تتوج كاريكاتير فيه وضعت اشارة إكس باللون الاحمر على وجه إبن زايد، وكتب تحته كلمة “خائن”، وصورة لحذاء تغطي شخصيته. مصادر في الاردن قالت إن الاردن لم يكن على الاطلاق في الصورة ولم يعرف عن توقيت التصريح العلني عن الاتفاق المتبلور. الاردن عرف عن العلاقات الوثيقة بين الدولتين، لكن يبدو أنه لم يتم اشراكه في عملية المفاوضات. الملك الاردني لم ينتقد في الحقيقة الاتفاق – الاردن يعتمد اقتصاديا على المساعدات من دولة الامارات وهناك آلاف الاردنيين الذين يعملون هناك. ولكن مهمة الانتقاد تركها للمتحدثين في الاردن، ومنهم وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي زار في يوم الثلاثاء الماضي مدينة أريحا والتقى هناك مع صائب عريقات. في بيان مشترك ورد أن الاردن يتمسك بمبادرة السنة العربية من العام 2002 وحل الدولتين، وأن الاحتلال هو اساس النزاع. ولم تكن هناك أي حاجة الى تفسيرات اكثر للبيان من اجل فهم غضب الاردن الذي يعتبر خطوة الامارات تجاوز صارخ للمبادرة العربية التي تعد بالتطبيع مع اسرائيل فقط مقابل انسحاب كامل من المناطق.

الدكتور مروان المعشر، وزير الخارجية الاسبق في الاردن، ومن مهندسي السلام بين الاردن واسرائيل، أوضح بأنه “لا توجد اهمية للاتفاق (مع الامارات) اذا لم تنضم اليه دول اخرى… الخطر هو أن تنضم اليه دول اخرى”. القلق الرئيسي هو من أن تطالب السعودية بالحماية على الاماكن المقدسة في القدس وتبعد الاردن عن مكانته التي تم تحديدها في اتفاق السلام الذي نص على أنه هو صاحب الرعاية للاماكن المقدسة في القدس.

مصر التي كان رئيسها عبد الفتاح السيسي أول المهنئين لمحمد بن زايد على الخطوة التاريخية التي اتخذها، حتى أنها تلقت الشكر من بنيامين نتنياهو على تصريحات السيسي، تعاني من تقلصات في المعدة من نوع مختلف. فمصر هي تقريبا دولة توأم لاتحاد الامارات. والسيسي اعتاد على التشاور مع إبن زايد ليس فقط في الامور العسكرية والسياسية، بل هو يستشيره ايضا في امور داخلية. وحسب تقرير في موقع “مدى” المصري، فانه منذ شهر تشرين الثاني الماضي كان إبن زايد هو الذي نصح السيسي بابعاد إبنه محمد عن وظيفة رفيعة في المخابرات المصرية وتعيينه ملحقا عسكريا في موسكو. اتحاد الامارات استثمرت مليارات الدولارات في البنى التحتية في مصر وأودعت المزيد من المليارات في البنك المركزي في مصر من اجل انقاذ فائض العملة الصعبة المصرية، بعد فترة قصيرة من تولي السيسي الحكم في تموز 2013 بعد أن قام باقصاء رجل الاخوان المسلمين، محمد مرسي، عن كرسي الرئاسة. مصر واتحاد الامارات هما شريكتان في الحرب في ليبيا الى جانب الجنرال الانفصالي خليفة حفتر. ورغم أنها لم تشارك بصورة فعلية في الحرب في اليمن، إلا أن مصر تعتبر عضوة في التحالف السعودي الذي شن الحرب في 2015 والذي كانت دولة الامارات شريكة نشطة جدا فيه الى أن قررت سحب قواتها من هناك قبل سنة تقريبا.

ولكن مصر تمسك بـ “ملفين” حصريين يمنحانها وزن دولي متميز. فهي تشكل ركيزة اسرائيل في المواجهة مع حماس وهي تبني لصالح اسرائيل شبكة العلاقات مع عدد من الدول العربية. هذه العلاقات المميزة والتي تعززت جدا في فترة الرئيس السيسي حولت مصر الى حليفة في مسألة النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين، ومنحتها مساعدات عسكرية اسرائيلية في النضال ضد الارهاب الاسلامي في شبه جزيرة سيناء، الذي تضمن موافقة اسرائيلية على خرق بنود نزع السلاح الذي نصت عليه اتفاقات كامب ديفيد. ومكنت الجيش المصري من استخدام سلاح الجو والسلاح الثقيل في المناطق منزوعة السلاح. هكذا ايضا حصلت مصر على عناق دافيء من الرئيس الامريكي ترامب الذي وصف السيسي بأنه “الديكتاتور المحبب عليه”. ولكنه يعتبره حليفا استراتيجيا في المنطقة.

إن السلام بين اسرائيل والامارات من شأنه حسب عدد من المحللين في مصر، أن يعمل على تآكل مكانة مصر السياسية ونقل مركز الاهتمام الاقليمي من القاهرة الى منطقة الخليج، خاصة اذا انضمت دول اخرى في الخليج لهذا الاحتفال. الخوف هو أن يصبح إبن زايد من الآن “الهامس في أذن الاسرائيليين”. وعلى أي حال للامريكيين ايضا، وان يسرق التاج من السيسي. هذا القلق لا يوجد له أي اساس الآن. فابن زايد هو المستشار غير الرسمي لترامب في شؤون الشرق الاوسط. ووزنه بالمال أثقل من وزن السيسي، لكن لا يوجد في ذلك ما من شأنه أن يعتم على الاهمية الاقليمية لمصر، التي هي ايضا تعتمد اقتصاديا على الامارات. واذا كان أحدهما يجب عليه القلق فهو إبن زايد، الذي ينتظر بتوتر نتائج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. واذا صدقت استطلاعات الرأي العام واصبح جو بايدن هو الرئيس الامريكي القادم فان إبن زايد سيفقد مركز قوته في واشنطن، في حين أن السيسي رغم التحفظ من قمع حقوق الانسان في مصر هو الزعيم المحبب على الديمقراطيين. من هنا تأتي اهمية الاتفاق مع اسرائيل في نظر إبن زايد الذي يعتقد وبحق بأنه سيساعده على بناء تأثيره ايضا في الادارة الامريكية الجديدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى