ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل- لبنان يعيش على الابخرة الاخيرة

هآرتس – بقلم تسفي برئيل- 18/12/2020

” في الحكومة اللبنانية ينشغلون بالتوضيح للمحقق الذي يحقق في انفجار ميناء بيروت بأنه لا يتم التحقيق مع السياسيين. واصلاح الاقتصاد في لبنان ما زال عالقا “.

“لا يمكن ابتزاز رئيس حكومة، هذا أمر نهائي، نحن لن نوافق على ذلك”، هذا ما قاله في هذا الاسبوع رئيس حكومة لبنان المعين سعد الحريري. غضب الحريري جاء نتيجة اعلان القاضي الذي يحقق في قضية الانفجار الدموي الذي حدث في ميناء بيروت في شهر آب. والذي ينوي بموجبه استدعاء جميع رؤساء الحكومة الذين شغلوا هذا المنصب منذ 2013 للتحقيق، وهي السنة التي رست فيها السفينة التي انزلت حمولة الامونيا القابلة للانفجار في مخازن الميناء. القاضي فادي صوان تجرأ حتى على اتهام رئيس الحكومة السابق حسن ذياب بالمسؤولية العامة عن الانفجار، وقام باستدعاء ثلاثة وزراء سابقين للتحقيق اضافة الى عشرات الشهود الذين تم التحقيق معهم في السابق والمعتقلين الذين ينتظرون المحاكمة.

صدى الانفجار الذي قتل فيه حوالي 200 شخص وتسبب باصابة اكثر من ثلاثة آلاف شخص وترك مئات آلاف الاشخاص بدون مأوى، هذا الصدى بعيد عن أن يضعف. الشعب اللبناني الغارق في صراع بقاء قاس يظهر في الحقيقة في هذه الاثناء طول النفس، وحتى الاضرابات العامة التي كان من المخطط القيام بها الغيت أو فشلت. ولكن الخشية في لبنان هي من أن الغضب المكبوت يمكن أن ينفجر في موسم الاعياد القريب. قوات الامن والجيش والشرطة تلقت التعليمات للاستعداد بصورة خاصة قبيل احتمالية اشتعال الشوارع مجددا.

محللون في لبنان يحذرون من أنه في هذه المرة لن يكون بالامكان الاكتفاء باتهام وادانة اشخاص غير هامين، العمال الذين عملوا على اصلاح الثغرة الموجودة في الجدار الذي كان يحيط بمنشآت الامونيا الخطيرة التي انفجرت. هذه المرة الجمهور يريد رؤية قطع الرؤوس في اوساط السياسيين وارباب المال الذين عرفوا طوال سنوات على الخطر ولم يفعلوا أي شيء.

للوهلة الاولى يبدو أن تحقيق القاضي صوان يستهدف حقا الاستجابة لطلبات الجمهور واتهام النخبة الاجرامية. والعاصفة التي اثارها باستدعاء رؤساء حكومات ووزراء تدل على أنه يتعامل مع مهمته بشكل جدي. ولكن لبنان ليس دولة تقدم للمحاكمة سياسيين، وبالاحرى رؤساء حكومة. ثلاثة وزراء تم استدعاءهم للتحقيق – وزير المالية السابق علي حسن خليل، وزير المواصلات السابق غازي زعيتر ووزير الاشغال العامة السابق يوسف بنيانوس – ببساطة تجاهلوا أمر الاستدعاء ولم يمثلوا للتحقيق. وزير الداخلية أوضح بأنه لا ينوي اصدار اوامر اعتقال ضدهم واجبارهم على المجيء من اجل التحقيق معهم. ومثلهم ايضا تصرف رئيس الحكومة الانتقالية ذياب. “لقد قلت كل ما اعرفه ولا أنوي الاجابة على المزيد من الاسئلة”، أوضح ذياب في اجابته على اسئلة وسائل الاعلام.

رؤساء حكومة سابقين لم يتطرقوا الى التحقيق وكأنهم لم يكونوا في أي يوم شركاء في الاهمال واللامبالاة في الميناء. الوزراء المطلوبون للتحقيق قالوا بأنه لا توجد للقاضي صلاحية لاستدعائهم وأنهم يتمتعون بحصانة برلمانية. ويبدو أن هذا الادعاء ليس له أي اساس قانوني، حيث أن الجرائم التي بسببها يتوقع التحقيق معهم لا تتعلق بعملهم البرلماني، بل باهمال جنائي.

هذا التحقيق يمكن أن يستمر لفترة طويلة، ومن غير المستبعد أن يقرر القاضي بسبب الاحباط الشديد الاستقالة اذا لم يستطع تنفيذ مهمته. والمفارقة هي أن تعيين قاضي للتحقيق هو من صلاحية مجلس القضاء الاعلى الذي اعضاءه يتم تعيينهم بصورة شخصية من قبل الحكومة. هذا المجلس اعتقد كما يبدو أن صوان يوجد في جيبهم وأنه لن يذهب بعيدا اكثر مما يعتقدون. في هذه الاثناء اعلن صوان عن رفضه لتمديد فترة التحقيق بعشرة ايام، حيث أنه في موازاة ذلك قدم التماس لاقالته.

الانظار موجهة نحو واشنطن

فضيحة التحقيق تستخدم في هذه الاثناء كقناة تصريف لخلاف اكثر أهمية يؤخر منذ ثلاثة اشهر تشكيل حكومة متفق عليها. عندما القى الرئيس عون في تشرين الاول على الحريري مهمة تشكيل الحكومة كان يظهر أنهما توصلا الى تفاهمات حول تشكيلتها، وأنه خلال فترة زمنية قصيرة يمكن للحريري أن يعرض حكومته.

الحريري الذي استقال في المرة الاخيرة في تشرين الاول قبل سنة كان مرشح متفق عليه من قبل معظم الاحزاب الرئيسية في لبنان، بما في ذلك حزب الله، وحظي بدعم من فرنسا وامريكا. ولكن مؤخرا حدث بينه وبين الرئيس خلاف شديد اساسه مطالبة عون بتحديد الوزراء المسيحيين الذين سيكونون في الحكومة. الحريري يعارض هذا لأنه يخشى، وبحق، من أنه من بين من سيعينهم الرئيس سيكون هناك من عملوا ضده في فترة ولايته السابقة، ومن بينهم جبران باسيل، صهر الرئيس. عون من ناحيته يدعي أنه لا يمكن أن يقرر رئيس الحكومة السني من هم الوزراء المسيحيين. في حين أن الرئيس المسيحي لا يمكنه تحديد من هم الوزراء السنة الذين سيكونون في الحكومة.

هذا ليس مشهد جديد على المسرح السياسي في لبنان، الذي في الثلاثين سنة التي مرت منذ انتهاء الحرب الاهلية سبق وشاهد فترات طويلة فيها الدولة كانت بدون حكومة فاعلة. الخلاف حول تشكيل الحكومة ليس فقط خلاف شخصي، بل هو خلاف يمس قدرة الحكومة على العمل واتخاذ قرارات مصيرية حاسمة، المطلوب اتخاذها الآن ازاء تحطم الاقتصاد في لبنان. وحسب الدستور مطلوب اغلبية ثلثي اعضاء الحكومة من اجل المصادقة على القرارات الاساسية، ويكفي أن تتمتع احدى الكتل بثلث زائد واحد من بين اعضاء الحكومة من اجل منع اتخاذ أي قرار. من هنا تأتي اهمية التشكيل الشخصي والحركي لوزراء الحكومة، حيث أنه بهذه التشكيلة مرهونة صلاحية رئيس الحكومة في تمرير اصلاحات حيوية، والتي تشكل الشرط للحصول على المساعدات من الدول المانحة.

هذه ليست العقبة الوحيدة التي تواجه الحريري. فالولايات المتحدة اوضحت بصورة فظة جدا أنها لن توافق على أن يكون في حكومة لبنان ممثلون عن حزب الله. وفرنسا في المقابل لم تضع هذا الشرط، فهي تميز بين الجناح  السياسي والجناح العسكري لحزب الله وتعرف أنه بدون حزب الله لا توجد أي احتمالية لتشكيل الحكومة. ولكن الولايات المتحدة هي التي تمسك بيدها حنفية التمويل الدولي الذي يحتاجه لبنان، وبدون مصادقتها ليس هناك أي احتمالية بأن يقوم صندوق النقد الدولي باعطاء لبنان قرض بمبلغ عشر مليارات دول التي طلبها من الصندوق.

رئيس فرنسا، عمانويل ميكرون، كان يتوقع أن يزور في هذا الشهر لبنان للمرة الثالثة منذ الانفجار في محاولة لاحداث معجزة وأن يتسبب بتشكيل حكومة. ولكن في هذه الاثناء هو مصاب بالكورونا، التي كما يبدو أنقذته من فشل زيارته. ويمكن معرفة درجة تفاؤله من الصورة المجازية الكئيبة التي استخدمها وزير خارجيته جان ايف دي لودريان عندما قال في هذا الاسبوع بأن تحطم لبنان يشبه غرق سفينة “التايتانيك” فقط بدون الموسيقى.

عيون فرنسا والنخبة السياسية في لبنان موجهة بناء على ذلك نحو واشنطن ونحو موعد دخول جو بايدن الى البيت الابيض. في السيناريو المتفائل ترتسم صورة فيها بايدن وقد بدأ بالدفع قدما بعودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي مع ايران، وهي عملية ستقلص الضغط على حزب الله، أو على الاقل ستجعل حزب الله يتنازل عن مطالبه السياسية في لبنان. وبهذا يتمكن الحريري من تشكيل الحكومة وانقاذ الدولة.

السؤال هو هل بايدن سيربط بين الاتفاق النووي واستئناف المفاوضات مع ايران وبين موقفه وموقف الكونغرس من حزب الله. في هذا السياق ليس من نافل القول أن نذكر بأن الرئيس اوباما، المسؤول السابق عن بايدن، امتنع عن مهاجمة سوريا خوفا من أن يضر هذا الامر بالاتصالات التي اجرتها ادارته مع لبنان حول الاتفاق النووي. وليس من الواضح اذا كان بايدن من المتوقع أن يستند الى هذه السابقة وأن يتبع تكتيك مشابه، أم سيواصل سياسة الضغط الشديد على لبنان وحزب الله دون أي علاقة بايران.

كسب الوقت

هذه الحسابات تشغل بالاساس القيادة اللبنانية، التي تحاول الآن كسب الوقت الى حين تتويج بايدن، ويبدو أن تشكيل الحكومة اللبنانية سينتظر الى ما بعد الاحتفالات في واشنطن. في المقابل، بالنسبة للجمهور اللبناني فان كل يوم يمر بدون حكومة وبدون برنامج اقتصادي واقعي يبعد احتمالاته في اعادة اصلاح حياته أو حتى شراء السلع الاساسية بأسعار معقولة، والحصول على الادوية وعلى لقاح الكورونا أو عودة التعليم المنتظم.

البنك المركزي في لبنان اعلن بأن جميع احتياطي العملة الاجنبية الموجود في حوزته يكفي لاستيراد السلع الاساسية لمدة شهرين فقط، بعد أن تم افراغ خزينته بوتيرة تبلغ نحو مليار دولار شهريا. الخط الاحمر الذي اعلن عنه البنك يبلغ 17 مليار دولار والتي لا يجب المس بها لأنها تشكل حوالي 15 في المئة من ودائع المواطنين في البنوك. ولكن هذا الخط يمكن أن يهبط من اجل تمويل الاحتياجات الضرورية، وبهذا من شأن النظام البنكي أن يقف امام تهديد حقيقي للانهيار. بعض البنوك سبق وقررت اخراج نشاطاتها من لبنان ونقلها الى دول اخرى، حيث أنه في نفس الوقت، بتعليمات من البنك المركزي، ودائع المواطنين بالعملة الاجنبية مجمدة في اقبية البنوك دون قدرة على سحبها.

الحكومة الانتقالية تفحص في هذه الايام تقليص حجم الدعم للسلع الاساسية بنسبة كبيرة، وهكذا فان هذه السلع يتوقع أن يرتفع سعرها بعد أن ارتفع سعرها في السنة الماضية بحوالي 100 في المئة وأكثر. يضاف الى ذلك وباء الكورونا الذي زهق حياة اكثر من 1200 شخص في لبنان ومن شأنه أن يلغي احتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية، التي هي فترة الذروة في السياحة اللبنانية التي تعيل عشرات آلاف العائلات طوال السنة. الفنادق غير مشغولة تماما، اصحاب المطاعم يطلبون من الحكومة السماح لهم بفتح مصالحهم التجارية وادارة اكتظاظ الزوار بأنفسهم. ولكن المشكلة هي أنه ليس هناك من يأتي الى لبنان.

قريبا يتوقع أن يفتتح ايضا موسم التزلج الذي جذب الكثير من السياح من دول الخليج، والذي ايضا خلاله سيبقون بدون زبائن. لقاح الكورونا لم يصل الى لبنان بعد. وحسب اقوال رئيس الحكومة يتوقع أن يبدأ بالوصول فقط في منتصف شهر شباط. واذا كان قد قيل حتى الآن عن لبنان بأنه يعيش على البخار، فيبدو أن الأبخرة الاخيرة آخذة في التبخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى