ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – قطر تصنع السلام من موقع قوة

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 6/1/2021

القمة التي عقدت في يوم الثلاثاء الماضي في السعودية يمكن أن تبشر بمصالحة بين دول الخليج وقطر. وبهذا فشلت محاولات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اخضاع بالقوة من نجحوا في أن يواجهوا بسهولة مدهشة العقوبات التي فرضها عليهم “.

مؤتمر القمة الذي عقد في يوم الثلاثاء في السعودية اعتبر “قمة تاريخية”، قمة يمكن أن تجدد التحالف بين الست دول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي. في هذه القمة يمكن لهذه الدول أن تصوغ مباديء المصالحة مع قطر، التي فرضت عليها المقاطعة والحصار البحري والجوي منذ حزيران 2017. وكخطوة اولى واختراقية وافقت السعودية على فتح الحدود البرية والمجال الجوي أمام المواصلات الجوية والبرية من قطر واليها.

وما زال من غير الواضح ما هي التنازلات المتبادلة بين السعودية وقطر التي مكنت من التوصل الى هذا الاتفاق الاولي، باستثناء موافقة السعودية على التنازل عن طلب اغلاق قناة “الجزيرة” واستعداد قطر لالغاء دعاويها بتعويضات تبلغ خمسة مليارات دولار ضد الدول المقاطعة بسبب الاضرار التي لحقت بها. للوهلة الاولى الحديث يدور عن اتفاق بين السعودية وقطر فقط. ولكن التقدير هو أن دولة الامارات ايضا والبحرين ومصر، الشركاء في المقاطعة، ستنضم الى الاتفاق في اعقاب السعودية.

اعلان النزاع مع قطر وفرض العقوبات في حزيران 2017 كان أحد النشاطات الاولى لمحمد بن سلمان الذي حظي في نفس الشهر بلقب ولي العهد. هذه كانت سنة “خصبة” بشكل خاص لابن سلمان. وبعد خمسة اشهر على ذلك فاجأ المملكة والعالم عندما قام باعتقال عشرات ارباب المال السعوديين ومن بينهم أمراء من العائلة المالكة واجبرهم على أن يدفعوا لخزينة الدولة مليارات الدولارات كجزء من الحملة التي بدأها ضد “الفساد”. ابن سلمان كان على ثقة من أنه خلال فترة قصيرة سينجح في لي ذراع حاكم قطر، الشيخ تميم بن حمد، الذي تولى منصبه قبل اربع سنوات من ذلك في عملية نقل استثنائية للسلطة، التي فيها استقال والده الشيخ حمد بارادته من منصبه ونقله الى ابنه الرابع.

ابن سلمان حاول في الحقيقة أن يعرض المقاطعة على قطر كعملية مشتركة لجميع دول الخليج، لكنه نجح في أن يجند الى جانبه فقط البحرين واتحاد الامارات (مصر ليست من دول الخليج)، في حين بقيت الكويت وسلطنة عمان محايدتين. 13 مطلب وضعتها السعودية امام قطر وطالبت بتحقيقها الكامل كشرط اساسي لرفع العقوبات. وضمن امور اخرى، طلب من قطر قطع، أو على الاقل تقليص، علاقتها مع ايران والكف عن دعم الاخوان المسلمين وحماس، وأن تسلم للسعودية نشطاء هذه التنظيمات وأن تزيل القاعدة العسكرية التركية التي اقيمت فيها وأن تغلق قناة “الجزيرة” التي كشوفاتها المثيرة للضجة كشفت عمق الفساد في الدول العربية وأن تدفع تعويضات عن الاضرار التي تسبب بها سياسة قطر وأن توافق على رقابة مشددة من قبل دول الخليج على تنفيذ الشروط وتعديل خطها ليتساوق مع السياسة الخارجية لدول الخليج.

وقد حاولت السعودية فعليا تحويل قطر الى دولة تابعة، بمكانة مثل مكانة البحرين. ولكن العقوبات التي تضمنت حظر التجارة مع قطر واغلاق الحدود البرية والجوية وطرد مواطنين قطريين وممارسة ضغوط دولية على قطر، لم تردع حاكم قطر. والأكثر صحة القول بأنها حققت عكس ما طمحت اليه السعودية. وفور فرض العقوبات على قطر هبت ايران وتركيا لمساعدة قطر. فتركيا اقامت قطار جوي ضخم وفر السلع الاساسية لقطر وايران اصبحت دولة عبور جوي وبحري، في حين أن واشنطن التي تمتلك في قطر اكبر قاعدة في الشرق الاوسط أثنت على قطر وقدمتها كدولة تساهم بالكثر في محاربة الارهاب. اقتصاديا نجحت قطر بسرعة نسبية في مواجهة الصعوبات الكبيرة التي انبثقت عن المقاطعة. فقد بدأت بانشاء مصانع محلية لانتاج السلع الاستهلاكية، وضخت نحو 40 مليار دولار للبنوك من اجل تغطية الفجوة في الودائع التي سحبت منها من قبل مستثمرين من الخليج وزادت صندوق الاستثمار الوطني الى مبلغ 320 مليار دولار تقريبا. بدلا من الضائقة المؤقتة والخوف من الخنق الاقتصادي حل في العام 2018 نمو بنسبة 2.7 في المئة.

قطر التي تحتفظ برقم قياسي عالمي في دخل الفرد، تعهدت بأن تستثمر نحو 15 مليار دولار في تركيا من اجل مساعدة اقتصاد تركيا الذي يعاني من ازمة شديدة وكرد للجميل على المساعدة التي حصلت عليها من تركيا عندما فرضت عليها العقوبات. وهي ايضا توسع استثماراتها في ارجاء العالم وكأنه لم يفرض عليها حصار. قطر حظيت ايضا بموافقة اسرائيل على مساعدة حماس في قطاع غزة. وهي شريكة مع تركيا في الحرب التي تجري في ليبيا بين الحكومة المعترف بها وبين الجنرال الانفصالي خليفة حفتر وتستمر في الاستعداد لاستضافة العاب كأس العالم التي ستجري في العام 2022.

السعودية في المقابل تحولت في الثلاث سنوات من فترة ولاية ولي العهد ابن سلمان الى دولة غير مرغوب فيها في الولايات المتحدة وفي اوروبا. قتل الصحافي جمال الخاشقجي وسم القائد السعودي الشاب كشخصية وحشية وخطيرة، والحرب في اليمن التي قادها تطورت الى مستنقع عسكري وسياسي دموي اثبت أنه حتى مع افضل السلاح الامريكي فان جيش السعودية لا يمكنه حسم حرب ضد قبائل محلية. والآن عند دخول جو بايدن الى البيت الابيض، السعودية بالتحديد هي المهددة بفرض العقوبات عليها.

من التحالف العربي ضد ايران لم يبق الكثير. فدولة اتحاد الامارات انسحبت من اليمن، وحتى أنها وقعت على اتفاقات للتعاون الاقتصادي والامني مع النظام في ايران، وسلطنة عمان تواصل الحفاظ على الحياد كجزء من تراث سياسي، بحسبه هذه السلطنة تحافظ على مكانتها كوسيطة لا تتدخل في النزاعات، والعراق يواصل كونه دولة خروج لبضائع ايران، وحتى أنه حظي مؤخرا بفترة اخرى من رفع العقوبات الامريكية. وقطر لم تكن جزء من هذا التحالف وهي شريكة ايران في ملكية وادارة حقل الغاز الاكبر في الخليج الفارسي، والآن يأتي “التهديد الاكبر” الذي يعرضه بايدن مع سياسة العودة الى الاتفاق النووي مع ايران.

السعودية اضطرت الى تكييف نفسها قبل “عرض بايدن”، والى اعادة تأهيل مكانتها في واشنطن وامتلاك رافعة تأثير ضد سياسة امريكية مؤيدة لايران ومواجهة صعوبات اقتصادية داخلية. والمصالحة مع قطر التي سعت اليها ادارة ترامب خلال فترة العقوبات هي في الواقع ثمن باهظ سيضطر ابن سلمان الى دفعه بعد أن وقف بشكل حازم ضد الضغوط الامريكية للقيام بهذه الخطوة، لكنه يحافظ على مكانة السعودية وكأنها ما زالت تملي الخطوات السياسية في الشرق الاوسط، وهو عرض حيوي قبل تغيير الادارة في واشنطن.

هكذا، فان أحد الاسئلة التي وقفت امام ابن سلمان ووالده الملك، هو هل سيتم “منح” المصالحة لترامب أو الانتظار حتى قدوم بايدن. هنا لعب صهر ترامب، جارد كوشنر، دور حاسم عندما اقنع ابن سلمان، صديقه المقرب، بتسريع المصالحة من اجل أن يضع امام بايدن كتلة موحدة من دول الخليج من اجل تصعيب على الادارة الجديدة اللعب بين الدول. وقد ذكر كوشنر ايضا ابن سلمان بدينه لترامب الذي دافع عنه طوال الفترة منذ قتل الخاشقجي. وليس من الواضح أي من تبريرات كوشنر كان له التأثير الحاسم، لكن ترامب يمكنه تسجيل انجاز آخر لنفسه في مجال حل النزاعات في الشرق الاوسط.

والتي لم تكن مسرورة من هذه الاختراقة هي مصر واتحاد الامارات، التي كانت المعارضة الاساسية للمصالحة. يوجد بين مصر  وقطر حساب طويل، بالاساس على خلفية تأييد قطر لحركة الاخوان المسلمين، التي تعتبر في مصر منظمة ارهابية. والهجمات المتواصلة لقناة “الجزيرة” على الرئيس عبد الفتاح السيسي. في المقابل، عشرات آلاف المصريين الذين يعملون في قطر رغم مقاطعة مصر وتدخل قطر في غزة وليبيا، كل ذلك يحول علاقات الدولتين الى علاقات معقدة بشكل خاص. دولة الامارات غير راضية عن علاقات قطر مع تركيا التي تعتبرها تهديد خطير أكثر من تهديد ايران. قضية قطر التي فيها دولة صغيرة وغنية نجحت في أن تهز تحالف عربي اعتبر ثابت ومتماسك، توضح مرة اخرى بأن “نظرية التكتلات” في الشرق الاوسط ليست بالضرورة تناسب الواقع أو تقدم ادوات لادارة مستدامة للاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى