ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – في لبنان يبحثون عن مذنبين بالانفجار في ميناء بيروت ، ولكن في افضل الاحوال سيعثرون على كبش الفداء

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 7/8/2020

حكومة لبنان تدرك بأن عليها أن تقدم للجمهور مذنبين فوريين اذا ارادت استمرار بقاءها. ورغم أن عمانويل مكرون يحاول أن يلقي بكامل ثقله فان أي تغيير سياسي لن ينتج عن هذا التدخل الخارجي، بل إن التغيير السياسي سيأتي من الشوارع المدمرة ومن حركات الاحتجاج “.

الكثير من المسؤولين في لبنان دأبوا على البحث في اوراقهم والرسائل التي ارسلوها وتسلموها في اليومين الاخيرين، وفي التعليمات التاريخية التي أمليت، في بحث محموم عن أي دليل صغير على براءتهم. في يوم الاربعاء أمر المجلس الاعلى للامن، الذي يترأسه الرئيس ميشيل عون، بتشكيل لجنة تحقيق عليا وتقديم استنتاجاتها الاولية خلال خمسة ايام. بعد ذلك سارع مدير ميناء بيروت، حسن قريطم، الى ابلاغ وسائل الاعلام بأنه ارسل عدة رسائل الى السلطات المسؤولة حذر فيها من استمرار تخزين المواد الخطيرة في الميناء. هذه الرسائل ارسلها حسب قوله الى رؤساء قوات الامن والجيش والمخابرات ووزارة العدل، ولكن أمر لم يتم فعله.

يوجد لقريطم ما يخاف منه. فهو المسؤول المباشر عن النشاط في الميناء الذي تملكه سلطة الموانيء اللبنانية، وهو الرأس الذيى من المتوقع أن يدفع الثمن. هذا ليس الرأس الوحيد الذي تنتظره المقصلة. أمس سمعت اقتراحات بأن يتم تحويل رئيس المخابرات الى الاقامة الجبرية وكذلك قائد الجيش وقائد الشرطة ورئيس الجهاز القضائي ومدير الجمارك بدري ظاهر، المسؤول عن صيانة المخازن في الميناء. وسمعت ايضا نداءات لتشكيل لجنة تحقيق دولية. من المفضل عدم حبس الانفاس.

لبنان الآن ليس على وشك أن يفقد قيادته العسكرية والادارية، على الاقل في هذه الاثناء. تحقيقات صحفية سبق و”اكتشفت” مذنبين مباشرين. صحيح أنهم ليسوا في مستوى عال، لكن مع ذلك هم “مذنبون”. هم مجموعة من عمال اللحام الذين قاموا قبل الانفجار بقليل بلحم السياج والبوابة التي تم اختراقها الذي سمح بالدخول الى الرصيف الذي خزنت فيه المواد القابلة للانفجار. شهادات من الميدان قالت إن عمال اللحام انهوا العمل قبل الساعة الخامسة بقليل، وعند ابتعادهم عن المنطقة ظهرت غيمة دخان فوق مكان عملهم.

بعد فترة قصيرة حدث الانفجار الاول، وعلى الفور بعده جاء الانفجار الضخم الذي دمر الميناء والاحياء القريبة منه. المسؤول عن عملية اللحام قال إن العمل انتهى قبل ساعات من الانفجار وأن اللحام تم بعيدا عن المخزن الذي انفجر. لذلك، يجب عدم القاء المسؤولية عليه وعلى عماله. وسنرى فيما بعد كيف ستصمد روايته امام لجنة التحقيق التي تشمل وزراء كبار ورؤساء من الاجهزة الامنية، الذين هم أنفسهم ربما يتحملون جزء من الذنب.

في نفس الوقت القيت على الجيش المسؤولية عن النظام العام في بيروت، وبالاساس عن منطقة الانفجار في الميناء وفي المطار، الذي عبره تأتي الرحلات الجوية من دول عربية وغربية حاملة المعدات الطبية والمستشفيات الميدانية. سيطرة الجيش على سير الحياة في المدينة تثير الخلاف لأن الجنود يمنعون ليس فقط المظاهرات ضد الحكومة، بل ايضا وصول موظفي وزارة الصحة الى المطار من اجل تسلم المساعدات. وزارة الصحة يسيطر عليها حزب الله، والخوف هو من أن هذا التنظيم يمكن أن يسيطر على رزم المساعدات الكبيرة وتوزيعها كما يروق له.

الرئيس الاعلى مكرون

في مرجل المواجهات السياسية الذي تطبخ فيه الروايات التي ستحدد من هو المسؤول عن الفشل الذريع، القى أمس الرئيس الفرنسي، عمانويل مكرون، برميل صغير من البنزين. فقد اعلن امام الجمهور الذي التقى معه قرب الميناء: “نحن لن نسمح بأن تنتقل المساعدات الى أيدي فاسدة”. من هي الايدي الفاسدة التي قصدها بقوله؟ هو بالطبع لم يعط أي تفصيل. بالنسبة له الاكثر دقة أن يسأل من هي الايدي غير الفاسدة في لبنان. مكرون، الرئيس الاجنبي الاول والوحيد حتى الآن الذي زار لبنان بعد الانفجار، حظي في السابق بصفة “الرئيس الاعلى”، لاعادة صياغة وظيفة “المندوب السامي” الذي جاء لاملاء توجيهات وتغيير الواقع السياسي في لبنان.

مكرون الذي استقبله في المطار الرئيس اللبناني ميشيل عون، سارع في القدوم الى الميناء من اجل الوقوف على حجم الدمار، وفي نفس الوقت ايضا التقاط صورة كما هو مناسب قرب عدد من المدنيين الذين طلبوا منه المساعدة. ومثل وزير خارجيته، جان لا دريان، الذي زار لبنان فقط قبل ثلاثة اسابيع، القى الرئيس الفرنسي خطاب لاذع وحاد أمام ثلاثة من رؤساء الدولة، الرئيس ورئيس الحكومة حسان ذياب ورئيس البرلمان نبيه بري، الذين التقى معهم في القصر الرئاسي في بعبدا. وقد اوضح لهم بأن فرنسا ستكون مستعدة للمساعدة وأن تجند لصالح لبنان مساعدات من دول غربية اخرى. ولكن في المقابل، يجب على لبنان ليس فقط أن ينفذ اصلاحات اقتصادية، بل يجب عليه أن يشكل هيكل سياسي جديد.

“اتفاق سياسي” و”ميثاق سياسي”، مفاهيم معروفة ومهددة في الفضاء السياسي اللبناني. تفسيرها العملي هو سن قانون انتخابات جديد، تحطيم هيكل توزيع المناصب العليا الذي استند الى اساس طائفي وحركي، وابعاد حزب الله عن وظائف السلطة وتشكيل مؤسسات رقابة فعالة تقوم باجتثاث الفساد الذي دهور لبنان الى الازمة الاقتصادية الاكثر شدة في تاريخه، والقيام باصلاح اقتصادي.

اصلاح اقتصادي كهذا يعيد من جديد تحديد صلاحيات البنك المركزي والعلاقات بين البنوك والبنك المركزي، وينظم نشاط شركة الكهرباء (العامل الرئيسي في خلق العجز الضخم والدين العام الذي يبلغ نحو 90 مليار دولار)، ويعيد اصلاح نظام جباية الضرائب الفاشل، ويحدد سلم اولويات وطني جديد لبنود الميزانية.

يبدو أن مكرون يتطلع الى أن يفرض على لبنان التوقيع على اتفاق طائف جديد، وهو الاتفاق الذي تم توقيعه في 1989 وأنهى الحرب الاهلية التي استمرت 15 سنة. هذا الاتفاق، الذي مع كل اخفاقاته، يحافظ على لبنان موحد ويمنع حتى الآن اندلاع حرب اهلية جديدة. وقد حدد هذا الاتفاق، ضمن امور اخرى، توزيع المواقع السياسية في البرلمان وفي الحكومة بصورة متساوية بين المسيحيين والمسلمين وبين الشيعة والسنة، مقابل توزيع المواقع السياسية والسيطرة على الوظائف العليا التي تم وضعها قبل التوقيع عليه، وبموجبه حصل المسيحيون على افضلية مقارنة بالمسلمين. الهدف كان منع وضع فيه تستطيع طائفة واحدة السيطرة على مؤسسات الدولة دون تنافس، واوجد ضرورة لبناء تحالف بين الطوائف من اجل الحصول على اغلبية تمكن من تشكيل الحكومة.

هذه الاهداف تم تحقيقها بالفعل. توزيع المقاعد في البرلمان – الذي يشمل 128 نائب – يعطي للمسيحيين والمسلمين عدد متساو من النواب، 64 نائب لكل طائفة. هذا التقسيم يعطي ايضا عدد متساو من النواب بين السنة والشيعة، 27 نائب لكل طائفة. والمقاعد المتبقية يتم تقسيمها بين ابناء الطوائف الاخرى. هكذا يقطع الاتفاق الطريق امام اغلبية للشيعة، السنة، المسيحيين أو المسلمين – والطوائف الاخرى مطلوبة لبناء تحالف مشترك من اجل السيطرة.

رافعة حزب الله

الموقعون على الاتفاق توقعوا أن هذا الامر سيمكن من حل التركيبة الطائفية وخلق مجتمع ديمقراطي سليم. ولكن الحياة هي اكثر تعقيدا بقليل من الورق الذي وقع عليه اتفاق الطائف. ولكن السخافات السياسية التي نشأت حولت لبنان الى دولة لاتفوندية (اقطاعية)، فيها زعماء الطوائف والحركات يوزعون فيما بينهم الغنائم السياسية والميزانيات. ومثال على ذلك التحالف السياسي بين حزب الله الشيعي، المخلص لسوريا وايران، وبين التيار الوطني الحر بقيادة عون المسيحي – رئيس الاركان السابق الذي حارب السوريين حتى اللحظة الاخيرة في الحرب الاهلية قبل أن يجد ملجأ له في باريس في العام 1990.

هكذا ايضا تبديل التحالفات الدوري بين القيادة الدرزية والقيادة الاسلامية. وهذه أدت الى أن حزب الله رغم أنه يمتلك فقط ثلاث حقائب وزارية في الحكومة اللبنانية المكونة من ثلاثين وزير، نجح في ان يخلق لنفسه تحالف من 11 وزير – العدد الذي حسب الدستور يمكنه منع أي قرار حيوي. حيث أن قرارات كهذه يقتضي اتخاذها باغلبية ثلثي عدد الوزراء على الاقل. بهذه الصورة خلق حزب الله لنفسه رافعة سياسية كبيرة لن يلقيها من يده حتى لو ضرب رئيس فرنسا بقبضته على طاولة رئيس لبنان وحطمها.

اذا كان مكرون حقا ينوي الجمع بين طلب الاصلاح الاقتصادي وبين طلب الاصلاح السياسي تحت عنوان “اتفاق” أو “ميثاق سياسي جديد” وطرحه كرزمة واحدة لشروط بدونها لا يستطيع لبنان الحصول على المساعدات الدولية، يمكن أن يجد نفسه في موقف الرئيس الامريكي ترامب الذي تحول منذ فترة الى نكتة في لبنان. تغيير الهيكل السياسي في لبنان في هذه الاثناء يشبه تطبيق صفقة القرن لترامب. وبالمناسبة، عندما سئل وزراء لبنانيون أمس عن هذه المبادرة الفرنسية، لا أحد منهم عرف عما يتحدث مكرون.

اذا حدثت دورة سياسية في لبنان نتيجة الكارثة المرعبة التي حلت به فهي لن تأتي عن طريق تدخل خارجي، بل ستنبت من داخل الشوارع المدمرة وحركات الاحتجاج والطبقات الضعيفة التي يحسب عليها نحو نصف سكان الدولة ومن الطبقة الوسطى. من الاصح القول، الطبقة الوسطى سابقا التي تدهورت نحو خط الفقر.

حكومة لبنان تدرك جيدا أن عليها أن تقدم للجمهور مذنب أو مذنبين فوريين اذا ارادت مواصلة بقائها. التعديلات في الوزارة هي الرد المعتاد في اوقات الازمة، وكذلك تقديم عدد من كبار الشخصيات للمحاكمة سيكون جزء من حملة انقاذ الحكومة. ولكن هذا ليس كافيا لمنح لبنان انبوب اوكسجين يضخ له المليارات التي يحتاجها من اجل اعادة بناء اقتصاده.

في هذه الاثناء ينتظر لبنان بفارغ الصبر قرار حكم المحكمة الدولية الخاصة في موضوع قتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 2005، التي قدمت للمحاكمة اربعة اعضاء من حزب الله (احدهم قتل في 2016) بتهمة تنفيذ عملية القتل التي قتل فيها مع الحريري عشرين شخص آخر وأصيب المئات. حزب الله حذر المحكمة من أن “لا تلعب بالنار” ورفض أن يسلمها المتهمين.

قرار الحكم كان يجب أن يصدر اليوم، لكن المحكمة قامت بتأجيل اتخاذ القرار الى 18 آب بسبب الانفجار في ميناء بيروت. وسيكون لقرار الحكم هذا، اذا أقرت المحكمة تجريم المتهمين، عواقب وخيمة، ستضاف الى الغضب والاحباط الذي يوشك على الانفجار.

******

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى