ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – في لبنان لا جديد، ينهارون كالمعتاد

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 5/2/2021

يتوقع أن يزور الرئيس الفرنسي لبنان في هذا الشهر، وهو الدولة التي توجد على شفا الانهيار، بهدف الدفع قدما باصلاحات اقتصادية دون صلة بتشكيل الحكومة. وفي المقابل، محللون يحذرون من أنه ستنمو في طرابلس مليشيا سنية على شاكلة حزب الله، ستجر لبنان الى حرب اهلية جديدة “.

محافظ البنك المركزي في لبنان، رياض سلامة، استدعي للمثول في يوم الاثنين القادم امام قاض – محقق من اجل أن يعرض موقفه حول سلوك البنك، الذي حسب رأي الكثيرين أدى الى ما يعتبر الآن الازمة الاقتصادية الاكثر خطورة التي عرفها لبنان في تاريخه. ظاهريا، هذا تحقيق ضروري وموضوعي، يتعلق بالطريقة التي خصص البنك المركزي فيها ملايين الدولارات بسعر رسمي لمن يستوردون السلع الاساسية، والذين فضلوا بيعها في السوق السوداء وربح مئات النسب المئوية بدل استخدامها في الاهداف التي خصصت لها. الاغراء كان كبير جدا. لأنه عندما بلغ السعر الرسمي 1.517 ليرة للدولار، وفي السوق السوداء كان سعر الدولار 9 آلاف ليرة، فان كل دولار رسمي هو مصدر لربح كبير. الشك هو أن محافظ البنك قد تعاون مع البنوك والمستوردين ولم يراقب ولم يستخدم صلاحيته للتحقيق في التحايل، لا سيما عندما لم يكن من المسموح للجمهور الواسع والمستوردين سحب ودائعهم بالدولار من حساباتهم.

التحقيق مع البنك المركزي هو احد الشروط التي وضعها الرئيس الفرنسي عمانوئيل ميكرون من اجل تجنيد الدعم المالي للبنان بعد الانفجار في ميناء بيروت في شهر آب الماضي. رياض سلامة يخضع لتحقيق جنائي آخر من قبل السلطات في سويسرا بتهمة تحويل خلال 18 سنة ملايين الدولارات، وهناك من يقولون بأن الامر يتعلق بـ 2.5 مليار دولار، من البنك المركزي لحسابات شخصية، منها حساب شقيقه البنكي، رجا سلامة، صاحب شركة المحافظ نفسه شريك فيها. سلامة قال إن هذه المبالغ مضخمة وأنه لم يحولها من اموال البنك المركزي. وحول ذلك سيقدم افادته امام المدعي العام في سويسرا.

الفساد في البنك المركزي في لبنان ليس سريا، لكنه لم يتم التحقيق فيه من قبل السلطات اللبنانية لأنه يوجد لسلامة شخصين قويين يقدمان له الحماية. الاول هو رئيس الحكومة المعين سعد الحريري، والثاني هو الادارة الامريكية التي تعتبر سلامة رجل اتصال حيوي لمعالجة شؤون لبنان بشكل عام وسياسة لبنان بشكل خاص. سلامة، المحافظ المخضرم في العالم، الذي يتولى هذا المنصب منذ العام 1993، يمكن أن ينهي فترة ولايته في 2023. الرئيس ميشيل عون يحاول ابعاده قبل ذلك، وعلى أي حال، سلامة اعلن بأنه لا ينوي تمديد فترته. ولكن عون نفسه يتوقع أن ينهي فترة ولايته قبل سنة من ذلك. وبناء على ذلك من غير الواضح من منهما سيترك الكرسي.

ولكن من يعتقد أنه هنا يكمن مركز الفساد الوحيد في لبنان، أن ابعاد سلامة سيجلب الدواء للازمة، مطلوب منه النظر في داخل الورطة السياسية – القانونية التي تحيط بالقضية. التحقيق في سلوك البنك في السنة الاخيرة، لا سيما التحقيق في تحويل الدولارات بسعر رسمي للمستوردين، بادرت اليه المدعية العامة في جبل لبنان، القاضية غادة عون، المحسوبة على مقربي الرئيس عون. قبل سنة كانت غادة عون مرشحة لتسلم وظيفة قضائية كبيرة، لكن مجلس القضاء الاعلى الذي هو نفسه غارق حتى عنقه في اعتبارات سياسية، رفض ترشحها وعين قاض آخر للمنصب. الرئيس عون هب على الفور لمساعدة من تحظى برعايته وجمد جميع التعيينات. وغادة عون نفسها بدأت في حملة انتقاد لاذعة ضد مجلس القضاء الاعلى في الشبكات الاجتماعية، خلافا للوائح واخلاق المهنة.

من يؤيدون سلامة، ومن بينهم الحريري، يقولون الآن بأن التحقيق معهم يستهدف السيطرة ايضا على البنك المركزي عن طريق اقصاء سلامة والقاء المسؤولية عن الازمة عليه. صحيح أن الحريري عين لمنصب رئيس الحكومة القادم من قبل الرئيس، وحتى أنه حصل على الدعم من حزب الله، لكن مرت ثلاثة اشهر ولم ينجح في تشكيل حكومة متفق عليها، بالاساس لأن الرئيس عون لا يقوم بالمصادقة. الآن عون يطالب بزيادة عدد الوزراء من 18 وزير الى 20 وزير، بحيث يقوم هو بتعيين الوزيرين الاضافيين. وهي خطوة يعارضها الحريري بشدة.

توجد أهمية كبيرة لعدد الوزراء وتوزيعهم السياسي. حسب الدستور، الحكومة يمكنها أن توافق أو ترفض قرارات رئيسية فقط باغلبية ثلثي عدد الوزراء. لذلك، من يسيطر على ثلث + 1 من الوزراء يمكنه أن يحدد أي قرارات سيتم اتخاذها واي منها سترفض. وضم وزيران آخران سيمنح عون العدد المطلوب من اجل أن يمنع أي مبادرة يقررها الحريري، في حالة تشكيله للحكومة، سواء كان الامر يتعلق باصلاحات اقتصادية أو بقرارات مرتبطة بميزانية الدولة وتوزيعها أو باتفاقات دولية.

التوتر بين الحريري وبين عون وصل مؤخرا الى الذروة في اعقاب تسريب فيلم قصير فيه يسمع عون وهو يسمي الحريري بالكاذب، وجهوده لتشكيل حكومة “خدعة”. في المقابل، المقربون من الحريري قالوا إن عون يحاول تمهيد طريق صهره جبران باسيل، الخصم اللدود للحريري، لتولي منصب الرئيس القادم للبنان. صحيح أن البرلمان هو الذي ينتخب الرئيس، لكنه يصادق بصورة تقليدية على المرشح الذي توافق عليه الحكومة. وبناء على ذلك، اذا سيطر عون على اكثر من ثلث الوزراء فان بامكانه أن يصد أي مرشح غير صهره، وحتى أن يطرح باسيل كمرشح.

لقد دفع عدم جدوى جهود تشكيل حكومة مسؤولة الزعيم الدرزي المخضرم، وليد جنبلاط، الى دعوة الحريري للانسحاب من تشكيل الحكومة، طالما أن من يقرر في لبنان هو حزب الله وحزب الرئيس عون، التيار الوطني الحر. “ليأخذوا في أيديهم الدولة بكل اجزائها وليتحملوا المسؤولية عن الربح أو الخسارة. لماذا نشارك دون الحصول على أي شيء”، قال جنبلاط في مقابلة مع راديو “صوت لبنان”. من المشكوك فيه اذا كان الحريري سيتبنى نصيحته، ليس بسبب “المهمة الوطنية” التي يراها في تشكيل الحكومة. هذا المنصب ضروري بالنسبة له من اجل أن يوقف جهود سيطرة الرئيس عون وصهره باسيل.

إن الحسابات السياسية، التي هي ليست نقية من ترسبات الماضي المريرة ومن المصالح الاقتصادية المهيمنة، فان أي محاولة لتنفيذ حتى بعض طلبات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحكومة فرنسا، ستفشل. وتطبيق هذه المطالب هو شرط لتحرير اموال المساعدة التي تقدر بـ 11 مليار دولار، أو الحصول على قروض من مؤسسات تمويل دولية. هذه المؤسسات رفضت المصادقة على قروض ضرورية للدولة المنهارة بما يتجاوز الـ 264 مليون دولار، التي اعطيت كقرض للحكومة الانتقالية، وايضا مساعدة للمتضررين من الانفجار في ميناء بيروت.

الرئيس الفرنسي ميكرون يتوقع أن يزور في هذا الشهر لبنان في محاولة لاحداث معجزة تؤدي الى تشكيل الحكومة. ولكنه يعرف بشكل جيد أن اعمال السحر ليست جزء من مؤهلاته. لذلك، غير في الآونة الاخيرة الاستراتيجية التي يمكن أن يقدمها للحكومة الانتقالية. وبدلا من أن ينتظر الى حين تشكيل حكومة جديدة، وهي عملية يمكن أن تستمر اسابيع اخرى اذا لم يكن اشهر، اقترح البدء في تطبيق اصلاحات بدون صلة بتشكيل الحكومة. هكذا على الاقل يمكنه أن يتسلح بمبررات جيدة، بمساعدتها سيحاول اقناع الدول المانحة بتحرير جزء من المبالغ التي تعهدت بها. ولكن ايضا هذا الاقتراح سيصطدم بدائرة الرعب في لبنان، لأن كل اصلاح يعني المس بمكانة وقوة النخب السياسية والاقتصادية في الدولة.

هذه الاعتبارات لا تهم مواطني لبنان الذين تدهور وضعهم، ووصل الى نسبة 30 في المئة من البطالة فأكثر، والى ارتفاع في الاسعار الى ما فوق الـ 140 في المئة، والى سعر دولار يصل الى 9 آلاف ليرة لبنانية. هذا حتى قبل أن نحسب عدد الوفيات بسبب الكورونا الذي وصل الى حوالي 3100 شخص من بين حوالي 300 ألف مصاب، الذين في معظمهم لا يجدون سرير في المستشفيات. في نهاية الاسبوع الماضي جرت مظاهرات حاشدة في مدينة طرابلس في شمال لبنان، وتم ارسال قوات الجيش والشرطة من اجل تفريق المتظاهرين. في المواجهات العنيفة قتل شخص واحد وأصيب مئات الاشخاص. الصدامات استمرت اكثر من اربعة ايام، وخلالها تم القاء عشرات الزجاجات الحارقة، وتم احراق مبنى البلدية التاريخي، وسلاح ناري وصل الى أيدي المتظاهرين. الخشية هي أن المظاهرات ستنتشر في ارجاء الدولة.

طرابلس، المدينة الثانية من حيث الحجم في لبنان والتي يعيش فيها حوالي 750 ألف نسمة، هي المدينة الاكثر فقرا في الدولة. معظم السكان من المسلمين السنة، وتوجد فيها تجمعات سياسية سورية وفلسطينية. هذا الواقع استخدم كأساس للادعاء بأن الامر يتعلق بعصيان تشارك فيه جهات ودول اجنبية معنية بتحطيم لبنان. محللون في لبنان يحذرون من أنه ستنمو في لبنان مليشيا سنية على شاكلة حزب الله، ستجر الدولة الى حرب اهلية جديدة. وتدخل “جهات اجنبية” هو الاسم الثاني للبنان. اذا كانت سوريا قد فعلت ذلك ذات يوم، فان ايران وتركيا وقطر والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة واسرائيل، هي التي تنبش الآن في النسيج اللبناني الهش. وخلافا للمظاهرات في العام 2019 التي ارتكزت في الاساس على الطبقة الوسطى والطلاب، في هذه المرة الطبقة الدنيا، الاكثر فقرا، هي التي خرجت الى الشوارع.

لبنان مغلق منذ 11 كانون الثاني في اغلاق من المخطط أن يستمر حتى يوم الاثنين القادم. ويبدو أن معطيات الوباء ستجبره على ابقاء الاغلاق ساري المفعول حتى بعد هذا الموعد، لا سيما بسبب حقيقة أن تطعيم السكان لم يبدأ بعد. رئيس الحكومة الانتقالية، حسان ذياب، اعلن في نهاية كانون الثاني بأن ارساليات التطعيم الاولى يتوقع أن تصل في منتصف شباط. ولكن الحكومة اشترت فقط 6.3 مليون جرعة تطعيم، الامر الذي سيكفي لتطعيم حوالي نصف السكان فقط بوجبتين. صحيح أن هناك خطة تفضيل، لكن المستشفيات والعيادات لم تحصل على أي تعليمات مفصلة حول توزيع التطعيمات، ومن غير الواضح كيف سيتم تجنيد القوة البشرية اللازمة لاعطاء التطعيمات وما هي وتيرة التطعيم.

تقدير الحكومة هو أنه حتى نهاية العام 2021 سيتم تطعيم جميع السكان، بما في ذلك 1.5 مليون لاجيء وحوالي 400 ألف عامل اجنبي، معظمهم من سوريا. ولكن التجربة المريرة في لبنان تعلم بأن خطط كهذه تبقى بشكل عام على الورق. ايضا ليس من الصعب التكهن من هي الطبقات التي ستحصل أولا على التطعيم. “لبنان هو دولة في عملية تصفية”، كتب محاضر في الجامعة الامريكية في بيروت لـ “هآرتس”. “فعليا، ربما نحن نشهد ايام لبنان الاخيرة كدولة مستقلة. فهل ستوافقون على ضمه اليكم؟”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى