ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – صراع الجنرال حفتر من اجل السيطرة على ليبيا ، حول الدولة الى ساحة للمنافسة الدولية

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 17/1/2020

” إن ما بدأ كمعركة لترسيخ سلطة الحكومة في ليبيا ضد طموحات الجنرال الانفصالي، تحول الى منافسة دولية للي الاذرعتشارك فيها دول كثيرة، حيث أن الدولتان الرئيسيتان فيها هما تركيا ومصر “.

لقد جاء الى الاحتفال دشن فيه هذا الاسبوع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي القاعدة العسكرية الضخمة “برنيس” على شاطيء البحر الاحمر، ضيف محترم وهو ولي عهد دولة الامارات، الامير محمد بن زايد. وقد أحضر الضيف معه هدية فاخرة هي اربع ناقات تدر الحليب بغزارة غير عادية. ربما كرمز للضروع المدرارة لدولة الامارات التي تبرعت بمليارات الدولارات للاقتصاد المصري. ومن بين امور اخرى منحت أبو ظبي لمصر حوالي ثلاثة مليارات دولار في صيف 2013 بعد أن ازاح السيسي محمد مرسي واستولى على الحكم. بعد ذلك تبرعت الامارات بأربعة مليارات دولار اخرى، وبنت حوالي 50 ألف وحدة سكنية وانشأت حوالي 100 مدرسة تملي فيها مناهج التعليم، وفي الاعوام 2014 – 2018 وضعت في البنوك المصرية مبالغ تصل الى 9 مليارات دولار. هذا اضافة الى الاستثمارات المباشرة لـ 900 شركة من الامارات والتي تعمل في مصر.

بين الرئيس السيسي ومحمد بن زايد تطورت علاقات صداقة عميقة الى درجة أن الرئيس المصري اعتاد على التشاور معه في الشؤون المتعلقة بادارة مصر وحتى بمسائل تتعلق بالجيش المصري. على سبيل المثال، تشاور السيسي مع محمد بن زايد قبل نحو شهرين، قبل أن يقرر ابعاد إبنه محمود، من منصبه في جهاز المخابرات المصرية ونقله الى وظيفة دبلوماسية في سفارة مصر في موسكو. ولكن هذه ليست مجرد أخوة شخصية. بين مصر ودولة الامارات عقد حلف استراتيجي، عسكري واقتصادي، الذي فيه الدولتان تنسقان نشاطاتهما وسياستهما. احدى الجبهات المهمة التي تعمل فيها الدولتين منذ سنوات هي ليبيا، التي فيها تورطتا عسكريا بصورة مباشرة عندما هاجمتا قواعد داعش والتنظيمات الاسلامية في شرق الدولة، بالاساس في مدينة درنة التي كانت “ميناء تصدير” لانتحاريين اسلاميين الى مصر، وقاعدة لتهريب السلاح للتنظيمات في سيناء. هذا كان فقط أمر طبيعي أن تقوم مصر ودولة الامارات بدعم الحرب الضروس للجنرال خليفة حفتر ضد التنظيمات الاسلامية، وتعتبرانه شريكا وحليفا يستحق المساعدة من اجل السيطرة على جميع الدولة، وليس فقط شريكا آنيا من اجل محاربة التنظيمات الارهابية.

فرصة لاغلاق الحساب

عندما قرر حفتر في شهر نيسان الماضي احتلال طرابلس العاصمة تشاور مع صديقه السيسي ومع ولي العهد لدولة الامارات ونجح في أن يجند الى جانبه روسيا التي ارسلت مئات المرتزقة الذين يساعدونه. والآن هو ينوي مرة اخرى احتلال طرابلس بعد أن فشلت المحاولات السابقة. ولكن صراعه على السيطرة على ليبيا حول الدولة الى ساحة للمنافسة الدولية، فيها توجد تركيا وقطر وايطاليا الى جانب الحكومة المعترف بها لفايز السراج مقابل مصر ودولة الامارات والسعودية وروسيا وفرنسا، التي تدعم حفتر. هذه ليست فقط معركة على ترسيخ حكم الحكومة المعترف بها ضد طموحات حفتر، بل هذه منافسة للي الاذرع فيها المتنافسان الرئيسيان هما مصر وتركيا.

تركيا لاحظت وجود نافذة فرص للعودة الى ليبيا، التي انسحبت منها بعد سقوط نظام القذافي وقتله، مع خسارة مليارات الدولارات في الاستثمارات لشركات تركية في ليبيا خلال سنين. من ناحية تركيا ليبيا ليست فقط بطاقة دخول الى حقول النفط الغنية، بل رأس جسر لافريقيا، ذلك الذي سحب من يدها عند ازاحة مرسي في مصر الذي وعد تركيا بسلسلة من الصفقات التجارية والانطلاق نحو دول افريقيا عبر مصر. تهديد حفتر لحكم السراج خدم جيدا الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي سارع الى دعوة رئيس حكومة ليبيا الى انقرة وأن يقترح عليه صفقة شاملة فيها وقعت الدولتان على اتفاق للتعاون العسكري والاقتصادي. الاتفاق يشمل اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما بصورة تمنح تركيا ليس فقط مجال جغرافي بحري كبير، ويسجن قبرص في جيب بحري محاط بالحدود البحرية لتركيا وليبيا. في المقابل، تركيا تعهدت بالدفاع عن نظام السراج، واذا كانت هناك حاجة ايضا ارسال قوات عسكرية تحارب الى جانب المليشيات التي تستخدمها الحكومة ضد حفتر.

مصر تعتبر هذا الاتفاق اعلان حرب. فهي تخاف من أن يمنعها ترسيم الحدود البحرية من مد انبوب نفط وغاز من حقوق الغاز البحرية فيها الى اوروبا، أو على الاقل اجبارها على اجراء مفاوضات مع تركيا التي هي عدوتها. هذا التطور شكل انعطافة في ساحة الحرب السياسية في ليبيا، حيث أن مصر ودولة الامارات تعتبران تركيا منذ الآن تهديدا وجوديا يمكنه أن يفشل ليس فقط طموحاتهما في ليبيا فقط، بل أن يهز مستقبل مصر الاقتصادي. ايضا بالنسبة لتركيا هذه الامور لم تعد تقال فقط بخصوص الدفاع عن حليفتها الجديدة، حكومة السراج، بل هي اغلاق لحساب طويل بين اردوغان والسيسي. يبدو أن اردوغان انتظر فقط أن يقوم السيسي بتحديه بتهديده ضد تدخل تركيا في ليبيا من اجل أن يظهر تصميمه على الوقوف خلف كلمته وأن يفرغ تهديدات السيسي من المضمون.

بعد أن سارع البرلمان في تركيا، بتوجيه من اردوغان الذي يسيطر عليه، الى المصادقة على اتفاق التحالف مع ليبيا وارسال قوات تركية الى ليبيا، ارسلت تركيا ارسالية اولى تضم مستشارين ومدربين عسكريين، وتعهدت بأن ترسل ايضا انظمة سلاح متطور، بما في ذلك طائرات ومروحيات، وأن تجمع معلومات استخبارية لصالح قوات الحكومة الليبية، وبعد ذلك انشاء قاعدة عسكرية تركية تشبه القاعدة التي انشأتها تركيا في قطر. صحيفة “الغارديان” البريطانية نشرت في هذا الاسبوع بشكل حصري أن تركيا ارسلت اكثر من 1000 جندي جندتهم من بين اللاجئين السوريين الذين يوجدون على اراضيها، وهي  تنوي أن يصل عددهم الى 2000 جندي، حيث يشارك في هذه البعثة مقاتلون ينتمون لجيش سوريا الحر، الذي تشغله تركيا في سوريا في قتالها في الاقاليم التركية. وحسب التقرير، تركيا وعدت المقاتلين بحصولهم على الجنسية التركية اضافة الى راتب شهري يبلغ ألفي دولار، تقريبا عشرة اضعاف الراتب الذي يحصلون عليه في تركيا أو في سوريا. وتركيا بالمناسبة ليست الوحيدة في هذه الحرب التي تستخدم المرتزقة؛ فروسيا ايضا تشغل المرتزقة في اطار “مجموعة فاغنر” التي عملت في سوريا ايضا، وهي تعمل في عدة دول افريقية. ايضا جيش حفتر جند في صفوفه مئات المقاتلين من السودان، الذين يبحثون عن مصادر دخل من كل نوع.

احياء الثورة

السيسي وجد نفسه في موقف خطير، فيه يجب عليه أن يقرر هل مصر سترد على التحدي التركي بارسال قوات مصرية اضافة الى المساعدة الجوية، وبهذا تحول ليبيا الى جبهة مصرية ساخنة، أو أن تواصل طريق المساعدة من بعيد كما فعلت حتى الآن. هذا ليس قرار سهل على زعيم يدير صراع موازي ايضا ضد اثيوبيا، بسبب بناء السدود على نهر النيل، وهو مشروع يعتبره السيسي تهديدا وجوديا لمصر. مصر هددت في السابق بعملية عسكرية ضد اثيوبيا اذا استكملت بناء السدود أو اذا لم توافق على التوصل الى اتفاق جديد حول توزيع مياه نهر النيل. ولكن عملية عسكرية ضد اثيوبيا تعني مد القدرات العسكرية لمصر على جبهات كثيرة جدا، في الوقت الذي ما زالت فيه تدير حرب دموية في شبه جزيرة سيناء ضد التنظيمات الارهابية.

القرار الاستراتيجي الذي يجب على السيسي أن يتخذه غير منفصل عن الصعوبات الداخلية التي فيها ازداد شعور الغضب لدى المواطنين، والذي وجد تعبيره في المظاهرات الكبيرة ضد النظام في شهر ايلول الماضي في اعقاب ما كشفه الممثل والمقاول محمد علي عن قضايا فساد لقادة كبار في الجيش وأبناء عائلة السيسي. محمد علي يستمر في نشر هذه القضايا والتحذيرات. وفي مقابلات اجراها مؤخرا حذر من أنه يسود عدم رضى في اوساط ضباط الجيش من المستوى المتوسط فما تحت من سلوك الرئيس والنخبة العليا. السيسي نجح في اثارة غضب نخبة الضباط الكبار نفسها عندما اعلن عن نيته خصخصة شركات حكومية يمتلكها الجيش.

في السنوات الاخيرة يهتم السيسي بقص اجنحة ضباط كبار من شأنهم حسب رأيه أن يراكموا المزيد من القوة. هكذا فعل مثلا عندما عزل رئيس الاركان السابق ورئيس المخابرات. وحسب تقارير مصرية، هو نقل أو أقال اكثر من 200 ضابط. ومن اجل تهدئة الامواج التي اثارتها هذه الهزة أمر في شهر كانون الاول باطلاق سراح رئيس الاركان السابق، سامي عنان، بعد قضاء سنتين من تسع سنوات حكم بها عليه في السجن بتهمة تزوير وثائق بعد أن قرر التنافس على منصب الرئيس في العام 2018 مقابل السيسي.

في نهاية شهر كانون الاول شكلت “مجموعة العمل الوطني” التي تسعى الى اسقاط نظام السيسي. وليس واضحا من هم اعضاء المجموعة وحجمها، ولكن اعضاءها نشطاء جدا في الشبكات الاجتماعية ومنها هم يهاجمون السيسي على تورطه في ليبيا. في يوم السبت القادم سيتم الاحتفال بالذكرى السنوية التاسعة لثورة الربيع العربي في مصر. واعضاء المجموعة يدعون من الآن الى “احياء الثورة”، واجراء “مظاهرة مليونية” في ميدان التحرير. صحيح أنه لا يوجد وراء هذه الاحداث دلائل ثابتة تشير الى أن مكانة السيسي في الجيش أو في الحكومة قد تضعضعت أو أنها معرضة للخطر. ولكن ليس مستبعدا أن السيسي قد طور لديه بارانويا التي تميز زعماء كثيرين يحكمون لفترة طويلة – السيسي يتولى رئاسة الدولة منذ 7 سنوات تقريبا، وحسب الدستور الذي تم تعديله يمكنه أن يواصل في منصبه حتى العام 2034 – والذين ينوون مواصلة الحكم لفترة أطول.

إن شن حرب في ليبيا أو في ساحة اخرى، هو بالنسبة للسيسي وصفة لهزات سياسية. ومن الافضل له تدشين قواعد عسكرية جديدة وشرب حليب الناقة، وليس الدخول الى مغامرة جديدة.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى