ترجمات عبرية

هآرتس – بقلم تسفي برئيل – بايدن يتلمس طريقه في جحيم اليمن

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 12/3/2021

في الدولة التي فيها نحو 16 مليون نسمة يوجدون على شفا الجوع، فان صراعات القوى الداخلية تعيق التوصل الى حل سياسي. الرئيس الامريكي جو بايدن سيحتاج  الى اقناع الملك السعودي بأن الحرب ضد المتمردين الحوثيين قد فشلت “.

اصحاب القلوب الضعيفة نوصيهم بعدم الدخول الى حساب تويتر ديفيد بسلي، مدير برنامج الغذاء العالمي للامم المتحدة. زيارة مدتها يومين قام بها في هذا الاسبوع في صنعاء، عاصمة اليمن، اثمرت أوصاف فظيعة لاطفال هادئين في المستشفيات “الذين ليست لديهم حتى القوة من اجل الصراخ أو البكاء”. هؤلاء هم اطفال محظوظون نجحوا في الوصول الى المستشفى، لأن عائلات كثيرة لا يمكنها تحمل حتى ثمن الذهاب الى المستشفى. نحو 400 ألف شاب يعانون من نقص غذائي شديد. نحو 16 مليون شخص يوجدون على شفا الجوع أو الامن الغذائي. خزانات الوقود تقريبا فارغة والمستشفيات بقيت بدون كهرباء، في الوقت الذي فيه 14 ناقلة ترسو في البحر الاحمر من بداية كانون الثاني دون قدرة على دخول ميناء الحديدة، الميناء الرئيسي لنقل الغذاء والادوية والاحتياجات الاساسية الاخرى.

الحصار البحري تفرضه السعودية التي تسمح بمرور السفن بصورة انتقائية ومتشددة. السعودية تدعي، وبحق، بأن الحوثيين يفرضون ضرائب وقود بملايين الدولارات، التي تستخدم لتمويل حربهم ضدها. الامم المتحدة تؤيد هذا الادعاء، لكنها تقول بأنه رغم ذلك يجب فتح الميناء أمام ناقلات النفط، وإلا فان المستشفيات ستصاب بالشلل. “هذه جهنم، مكان مرعب، اليمن تحول الى المكان الاكثر فظاعة على وجه الكرة الارضية نتيجة افعال الانسان”، غرد بسلي. وحسب تقديره فان برنامج الغذاء يحتاج الى 1.9 مليار دولار من اجل انقاذ الحياة، لكن المساعدات تأتي بالقطارة. عملية جمع التبرعات الافتراضية عن طريق الانترنت التي قامت بها الامم المتحدة في بداية الشهر الحالي انتهت بخيبة أمل كبيرة. ازاء المطالبة بتبرعات تبلغ 3.85 مليار دولار تم جمع تعهدات بـ 1.7 مليار فقط، مليون أقل مما تم جمعه في العام 2019. على رأس قائمة الدول المانحة تقف السعودية (430 مليون دولار)، المانيا (250 مليون دولار) والولايات المتحدة (191 مليون دولار).

من بين دول الشرق الاوسط التي تحتاج الى المساعدات الدولية فان اليمن يوجد في الهاوية الاكثر عمقا، في الوقت الذي تستمر فيه الحرب بكامل القوة. الرئيس الامريكي جو بايدن قام مؤخرا بتعيين تيم لندركينغ، الدبلوماسي الذي لديه تجربة كبيرة وشغل سنوات كثيرة في الشرق الاوسط كمبعوث خاص في اليمن وكجزء من سياسة “امريكا تعود” التي تم الاعلان عنها في بداية شهر شباط. خلافا لسياسة سلفه ترامب الذي سعى الى الانفصال عن الشرق الاوسط وقام بسحب القوات الامريكية وترك الازمات كي تعالجها الدول العربية، فان بايدن يقوم برفع راية تدخل امريكا.

نوايا بايدن حسنة، وتوجد له سياسة منظمة بالنسبة لليمن، حتى منذ ايام حملته الانتخابية. بايدن هاجم بشدة صفقات السلاح الامريكية للسعودية، التي في معظمها استخدمتها المملكة في حربها في اليمن. وعندما دخل الى البيت الابيض قام بتجميد هذه الصفقات من اجل اعادة فحصها. وقد وجه لندركينغ لاجراء محادثات مع ممثلي الحوثيين بعد أن قرر رفعهم من قائمة التنظيمات الارهابية. المحادثات جرت في الواقع في مسقط، عاصمة عُمان، لكن بدون نتائج ملموسة.

قرار تطهير اسم الحوثيين ايضا لم ينفع. بايدن ووجه بانتقادات شديدة سواء في الداخل أو من قبل دول عربية اعضاء في التحالف العربي. لأنه سارع الى منحهم هدية دون الحصول على مقابل. يبدو أن هذا القرار استهدف ليس فقط التمهيد للمحادثات مع الحوثيين، بل ايضا من اجل نقل رسالة لايران التي تقوم بمساعدتهم، كخطوة تبني الثقة قبل المفاوضات حول الاتفاق النووي. الرسالة استقبلت برفض ايران لاجراء اتصالات مع الولايات المتحدة الى أن ترفع العقوبات عنها. طهران تحرص على عدم مزج امور اخرى مع المفاوضات حول الموضوع النووي، سواء الحرب في اليمن أو مشروع صواريخها البالستية أو تدخلها في دول اخرى. “اذا قرر لندركينغ السماح للحوثيين بالسيطرة في اليمن بمساعدة النظام في ايران فان الحرب لن تنتهي”، كتب الباحث والصحافي الكويتي المعروف والمقدر محمد الرميحي. “الايرانيون يحاولون استخدام الحوثيين لاهدافهم كأداة في مشروع تمددهم في شبه الجزيرة العربية”. ويشارك في هذا الرأي السعودية نفسها وايضا اتحاد الامارات والبحرين. جميعهم حاولوا ايجاد حل سياسي للحرب في اليمن ولكن دون نجاح.

بايدن يمكنه استخدام ضغوط على السعودية ووقف بيع السلاح. ولكن مثلما اوضح هو نفسه، سيساعدها في الدفاع عن نفسها. والسؤال هو كيف يمكن التوفيق بين تجميد صفقات السلاح وبين هجمات الحوثيين على اهداف في السعودية. بعد فترة قصيرة على الاعلان عن اللقاء بين الحوثيين والمبعوثين الامريكيين هاجم المتمردون في يوم الخميس الماضي منشأة النفط السعودية “أرامكو” في جدة وقاعدة عسكرية بواسطة صواريخ وطائرات بدون طيار مسلحة. قبل يومين من ذلك اطلق الحوثيون صاروخ على مدينة جيزان التي تقع على الحدود بين السعودية واليمن، واصيب خمسة مواطنين. في موازاة ذلك يشن الحوثيون منذ شهر تقريبا هجوم على اقليم مأرب في جنوب اليمن، في محاولة للسيطرة عليه وضمه الى المناطق الوسطى والشمالية الواقعة تحت سيطرتهم.

مأرب هي محافظة استراتيجية مهمة فيها تتركز معظم حقول النفط في اليمن وهي تشكل مصدر حيوي لتمويل نشاطات الحكومة في اليمن. في هذه الاثناء نجحت قوات الجيش اليمني بمساعدة السعودية في صد هجوم الحوثيين بعد قتل اكثر من 90 شخص في المعارك. تصعب رؤية كيف سيستطيع بايدن الدفع قدما بجهوده الدبلوماسية ازاء هذه المواجهات التي لا تتوقف، في الوقت الذي مناشدة وزير خارجيته، انطوني بلينكين، للحوثيين بالتوقف عن الهجوم على مأرب، تم الرد عليها باطلاق المزيد من الصواريخ.

لي الأذرع

المعركة العسكرية بين اليمن برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي وقوات التحالف السعودية ضد الحوثيين هي فقط جبهة واحدة لا توجد لبايدن فيها خطة مرتبة من اجل التوصل الى حل. في كانون الاول بعد مخاض ولادة صعب وطويل أدت حكومة يمنية جديدة القسم برئاسة معين عبد المالك. هذه الحكومة كان يجب عليها أن تنهي النزاع العميق بين نظام هادي وبين “المجلس الانتقالي” الجنوبي، وهو الجسم الذي تم تشكيله من قبل رؤساء قبائل ومقاتلين من جنوب اليمن، اعتبروا الحرب فرصة لاعادة تشكيل المنطقة كدولة مستقلة مثلما كانت حتى الاتحاد مع الشمال في 1990. زعيم الانفصاليين في الجنوب، عيدروس الزبيدي، الذي يعيش في دولة الامارات، بارك الحكومة وصادق على انضمام ممثليه كوزراء في الحكومة الجديدة. ولكن ما ظهر وكأنه “مصالحة تاريخية” ونهاية ناجحة لنضال كان يمكن أن يمزق اليمن الى ثلاثة اقسام، الجنوب تحت سيطرة الانفصاليين، الوسط تحت سيطرة الحكومة الرسمية والشمال – وسط تحت سيطرة الحوثيين، يتبين الآن أنه بعيد عن تحقيق الأمل.

في مقابلة مع “الغارديان” البريطانية التي نشرت في هذا الشهر قال الزبيدي بأنه اذا كان بايدن يريد وضع حد للحرب التي استمرت ست سنوات تقريبا فيجب عليه تأييد اجراء استفتاء حول استقلال منطقة الجنوب. “دعمنا في الجنوب كبير. واذا نظمت الامم المتحدة استفتاء شعبي فأنا على ثقة من أننا سنحصل على ثقة اكثر من 90 في المئة من سكان الجنوب”. حلم استقلال جنوب اليمن بدأ الزبيدي بتجسيده عندما اعلن في شهر نيسان في السنة الماضية عن تشكيل حكم ذاتي في محافظة عدن ومحيطها. وهذه مغامرة انتهت بعد مواجهات عنيفة وضغط من دولة الامارات، التي تمنح الرعاية العسكرية والمالية للزبيدي.

الآن يطالب زعيم الانفصاليين أن يتم اشراك مبعوثيه في أي عملية دبلوماسية تستهدف انهاء الازمة في اليمن. وهو لا يكتفي بأن اعضاء المجلس برئاسته هم اعضاء في الحكومة الجديدة، بل هو معني بتمثيل مستقل، حتى هذه الاثناء الامم المتحدة والشركاء في العملية السياسية لا ينوون منحه له، خشية أن يحل هذا الامر الحكومة ويضر بجهود الوساطة. في المقابلة شرح الزبيدي المنطق الذي يقف من وراء طلبه. حسب اقواله اذا قام الحوثيون باحتلال محافظة مأرب واستكملوا بذلك السيطرة على شمال ووسط الدولة فسينشأ وضع فيه السيطرة على اليمن ستكون في أيدي قوتين، الحوثيون في الشمال وقواته في الجنوب. “في هذه الحالة، محادثات مباشرة مع الاطراف التي تسيطر ستكون الامر المنطقي”، قال. أي أنه لن يكون لحكومة اليمن حسب خطته أي مكان في المفاوضات السياسية. ويوجد شك كبير اذا كانت خطته ستحظى بالموافقة، لكن توجد في يديه القوة لافشال أي مفاوضات اذا تولد لديه الانطباع بأنه لا توجد أي نية لارضاء طموحاته السياسية.

على خلفية لي الاذرع بين الزبيدي وحكومة اليمن، وبين البيت الابيض والسعودية، بايدن يجب عليه أن يقرر هل يستطيع فصل الازمة في اليمن عن نسيج الصراعات في الشرق الاوسط، بالاساس عن طموحاته في اجراء مفاوضات مع ايران. بصورة تقليدية تعاملت الولايات المتحدة مع اليمن على أنه فرع من السعودية وسمحت لها بالتصرف في الدولة كما تشاء. الرئيس السابق براك اوباما أيد اقامة التحالف العربي لمحاربة الحوثيين، وحتى أنه صادق على بيع السلاح للرياض بمبلغ 110 مليارات دولار. فقط بعد ذلك، ربما في وقت متأخر جدا، فرض قيود على أنواع السلاح، بعد أن اتضح حجم الضرر الكبير الذي وقع على المدنيين.

ترامب طالب السعودية باجراء مفاوضات مع الحوثيين، لكنه لم يفرض أي قيود عسكرية على بيع السلاح للمملكة. الآن، عندما قام بايدن بادارة الظهر لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، سيضطر الى اقناع الملك سلمان بأن الحرب في اليمن، التي اعلن عنها ابنه، هي فشل صارخ ومن الجدير وقفها. الملك، كما يبدو، اقتنع منذ سنتين بأن الحرب هي حرب زائدة وتضر السعودية. دولة الامارات التي كانت شريكة للسعودية منذ بداية الطريق، سحبت في حينه قواتها من اليمن. ومصر، العضوة في التحالف، لم تشارك فعليا فيه. وهكذا ايضا الباكستان التي رفضت ارسال طياريها الى الحرب.

ولكن الاعلان عن وقف اطلاق نار أحادي الجانب سيتم تفسيره كخضوع للسعودية، وسيتم اشتقاق منه ايضا صفعة للولايات المتحدة – بالضبط في الوقت الذي فيه يبذل بايدن جهود كبيرة من اجل اثبات أن خطواته امام ايران لن تكون على حساب حلفاء الولايات المتحدة. من الصعب شرح هذه الاعتبارات للاطفال والاولاد في اليمن الذين يتمنون وجبة طعام أو زجاجة حليب أو دواء يبقيهم على قيد الحياة. فهم في نهاية المطاف ضرر هامشي ليس له اهمية استراتيجية، ارقام في احصائيات الوفيات، قصص شخصية تقشعر لها الابدان تصب القليل من الاهتمام في القصص الصحافية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى