ترجمات عبرية

هآرتس– بقلم اورن يفتحئيل – ميرون بنفنستي وحلم الوطن المشترك

هآرتس– بقلم اورن يفتحئيل – 29/9/2020

من الواضح لنا أهمية اعادة تقييم قوة الجغرافيا الاستيطانية التي نشأت في اعقاب الاستيطان اليهودي. ولكن ايضا تتبين لنا الحاجة الى تغيير ظروفها – من استيطان كولونيالي الى فضاء مساواتي “.

لقد توفي الدكتور بنفنستي، وهو باحث وكاتب مقالات وسياسي وشخصية عامة بارزة، والذي مئات من مقالاته على صفحات “هآرتس” أثرت كثيرا على خطاب اليسار في البلاد وفي العالم. وقد تعرفت عليه قبل عشرين سنة وأكثر، وبقينا على اتصال من حين الى آخر، في الندوات وفي النقاشات، التي كانت على الاغلب بصوت مرتفع. أنا أتذكر صراخه الغاضب بعد محاضرة في ورشة عمل يهودية – فلسطينية عن مستقبل القدس. وقد كان لديه قصر نفس واسلوب حديث حاد، هجومي تقريبا. ولكن تحت جلد النمر كان يوجد قلب كبير وتضامن مع سكان البلاد ومع معاناتهم.

بنفنستي كان إبن الجغرافي دافيد بنفنستي الذي وضع أسس تعليم “اعرف وطنك” في المدارس وترأس لجنة لمنح اسماء عبرية لمواقع في ارجاء البلاد. صحيح أن ميرون نما كمثال حي لـ “اليهودي الجديد المغروس في بلاده”، لكنه كان مصغيا لما يعتمل داخل البلاد وآلامها، بكل سكانها وتاريخها. هذا الاصغاء الذي كان استثنائيا في المجتمع الصهيوني أدى الى نشر الكثير من الابحاث التي فصل فيها بنفنستي التأثيرات المدمرة لعملية تهويد الفضاء الذي يقع بين البحر والنهر. هكذا كان أحد الموثقين الحادين، ليس فقط لبناء القومية الصهيونية في البلاد، بل بالاساس لتدمير الفضاء والمجتمع الفلسطيني التي سبقتها. وقد اشتهر بفضل اطروحته عن “اللاعودة” لسيطرة اسرائيل على المناطق المحتلة، التي صاغها في نهاية الثمانينيات. هذه الاطروحة التي جعلته يغير موقفه السياسي هزت اليسار الاسرائيلي الذي آمن بأن الانتفاضة ستؤدي الى الانسحاب واقامة دولة فلسطينية. اليسار الذي كان في حينه كتلة كبيرة وقوية، غضب من ميرون، وحتى اتهمه بأنه “يعمل من اجل اليمين الاستيطاني”.

في فترة اوسلو، وبعد ذلك في زمن الانفصال، بدا أن اطروحته تتحطم. ولكن في العقد الاخير تبين أنه بمشاعره الجغرافية فان بنفنستي استوعب بأن الاستيطان في المناطق هو حقا جزء من الـ دي.ان.ايه الصهيونية كمجتمع مستوطنين، الذين يواصلون في الضفة الغربية ما فعلته قبل الاحتلال في مناطق اخرى في البلاد، واحيانا حتى بعنف وبسلب اراضي اكثر قسوة. لذلك، بالنسبة له الوضع غير معكوس (لا يمكن الرجعة عنه). المجتمع الصهيوني، قال بنفنستي، يشبه على الاغلب مجموعات المستوطنين في العالم في النهب الكولونيالي للمجتمع الاصلي، خطوة بعد خطوة.
مع ذلك، خلافا لمنتقدي الصهيونية العرب والعالميين، فان بنفنستي لم يطالب بانهاء الصهيونية. فقد بقي “أحد مواليد البلاد البيض”، حسب وصفه، يهودي يدرك الامتيازات التي يتمتع بها، لكنه مرتبط ببلاده، وطن شعبه، بعلاقة رومانسية تقريبا. لم يكن لديه أي شك فيما يتعلق بشرعية وجود اليهود في البلاد. لذلك، استنتاجه كان أن الافق الوحيد للمصالحة والسلام هو اقامة دولة ثنائية القومية بين البحر والنهر. قلائل هم الذين يغيرون مواقفهم استنادا الى البحث والى الفهم العميق للواقع. وبنفنستي الذي كان عضو في حزب العمل وحزب راتس وآمن بحلم الدولتين، كانت له الشجاعة والقدرة الفكرية على فعل ذلك. ايضا هنا هو يترك لنا ارث مهم للنقاش العام، العالم في تفكير دوغمائي على الاغلب.

تفكير بنفنستي الشجاع له علاقة مباشرة بمعسكر السلام الانتقادي الذي يفكر بمسار جديد في هذه الاثناء. ومن بين هذه التنظيمات الجديدة هناك حركة “ارض للجميع” التي أسستها مجموعة من النشطاء الاسرائيليين والفلسطينيين، ومن بينهم كاتب هذا المقال. في هذه الحركة تعلمنا من كتاباته وابحاثه عن التكامل الجغرافي والتاريخي لهذه البلاد الصغيرة، التي لا تصلح للتقسيم لفترة طويلة. وقد تعلمنا منه أهمية الوطن كمؤسسة قوية للهوية وآمال المستقبل وأهمية الدولة ثنائية القومية واعطاء احترام وحقوق متساوية للشعبين. قلائل هم الذين احسنوا صياغة هذه المفاهيم الانتقادية مثل بنفنستي. فتى الاعلانات للجغرافيا الصهيونية الذي بدل جلده لكنه لم يتنازل عن وطنه.

الحاجة الى اعادة تقييم قوة الجغرافيا الاستيطانية التي وجدت في اعقاب الاستيطان اليهودي واضحة بالنسبة لنا، وايضا الحاجة الى تغيير ظروفها – من استيطان كولونيالي الى فضاء مساواتي. هذا مشروع معقد لالغاء الاستيطان الذي يمكن من تصور مصالحة بين الشعبين دون اقتلاعات جماعية ودون عنف. وقد تعلمنا من ميرون المقدسي ما هي الكارثة التي تنتظرنا من تقسيم المدينة ومن ممارسة التمييز ضد الفلسطينيين الذين يعيشون فيها. وعن الحاجة الى الحفاظ عليها كعاصمة كبرى مشتركة، تسود فيها المساواة وتعيش فيها قوميتان.

خلافا لموقف بنفنستي نحن نعتقد أن سيادة فلسطينية يجب أن تتواجد في حدود 1967 من اجل احترام حقوق الشعب الذي طرد وتم احتلاله، ومن اجل التقدم نحو مساواة في الحقوق الجماعية للشعبين. السيادة الفلسطينية ضرورية ايضا من اجل ضمان وجود قومية يهودية شرعية.

ولكن خلافا للخطة الكلاسيكية للدولتين (هم هناك ونحن هنا)، فان حركتنا تؤيد حدود مفتوحة وحركة حرة للفلسطينيين والاسرائيليين في اطار كونفيدرالية تضم القوميتين. تقسيم السيادة يمكن أن دفع قدما بالمصالحة لأن المساواة الجماعية تمكن من دمج المجموعات في فضاء سياسي مفتوح ومتعدد الهويات. اليسار الانتقادي النشط في اسرائيل/ فلسطين مدين بدين تاريخي وسياسي لكتابات وفكر ميرون بنفنستي. ولتكن ذكراه مباركة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى