هآرتس – التعامل مع العنف والجريمة في المجتمع العربي
خطر الانزلاق من فرصة الى تضييع الفرصة (جزء 2)

هآرتس – بقلم افرايم لافي ومحمد س. وتد ومئير الران – 5/1/2022
” برامج الحكومة لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي، وتطوير اقتصادي – اجتماعي، هي فرصة مرغوب فيها لتحسين الوضع في هذا الوسط وتحسين العلاقات بين اليهود والعرب في الدولة. ولكن هناك امر يمكن أن يحول هذه الفرصة الى تفويت للفرصة حيث أن كلمات مثل “عملية عسكرية من اجل اجتثاث الجريمة” و”انتفاضة داخل اسرائيل” و”محاربة المليشيات المسلحة” يمكن أن تحول 20 في المئة من الاسرائيليين من شركاء الى اعداء “.
هل هناك علاقة بين الجريمة في المجتمع العربي والمكون القومي؟
إن اجتماع ظروف وشروط متغيرة في المجتمع العربي الى جانب سياسة مميزة من جانب الدولة طوال سنوات وصعوبات في انفاذ القواعد القانونية هي التي ساهمت في تطور ظواهر العنف والجريمة في المجتمع العربي. من بينها يمكن أن نشير الى نسبة الفقر والبطالة المرتفعة، تسرب الطلاب من الاطر التعليمية واطر التشغيل؛ تفكك الاطار العائلي – القبلي الذي أدى الى تقويض سلطة الآباء والمربين؛ تخزين السلاح والوسائل القتالية في أيدي عصابات ومنظمات جريمة، وفي أيدي سكان عاديين، لغرض الدفاع عن النفس؛ مشكلات اساسية في مجال البناء والاسكان ووجود “نظام بنكي” موازي يقوم على رأس المال الاسود والسوق الرمادية.
في التقرير الشامل للجنة المدراء العامين لمواجهة الجريمة والعنف في المجتمع العربي تم الشرح بأن انهيار منظمات الجريمة في المجتمع اليهودي في اعقاب المكافحة الناجعة ضدها في بداية سنوات الالفين هو الذي أدى الى أن نشاطات اجرامية واسعة نقلت الى القرى العربية، التي حضور الشرطة فيها أقل وانفاذ القانون فيها اقل نجاعة.
من يعانون بشكل اساسي من ظواهر الجريمة والعنف في المجتمع العربي هم العرب الذين يختنقون تحت الاضرار والمعاناة التي تلحق بهم. قادة المجتمع طلبوا من الحكومة العمل بسرعة وبحزم وبشكل متواصل من اجل صد منظمات الجريمة التي سيطرت على مجالات حياتية واسعة بعد سنوات من الفراغ الحكومي. هذا الطلب عكس طلب المجتمع بأن ترفع عنه لعنة الجريمة والعنف المتفشية فيه، التي تعرض للخطر انجازاته المهمة في الاندماج في المجتمع وفي الاقتصاد وتشكل عائق كبير امام الجيل الشاب في طريقه الى النمو الشخصي والتقدم والاندماج في الدولة.
يمكن القول بأن تفشي العنف والجريمة الخطيرين في المجتمع العربي وتنامي منظمات الجريمة في داخله لا يحدث على اساس قومي، وهو ليس تعبير عن توجهات انفصالية. هو ليس ثمرة انتظام شعبي استهدف الاحتجاج على سياسة الحكومة أو التمرد على الدولة أو تهديد امنها وسلامتها الجغرافية. ايضا هذه الظواهر الخطيرة التي تتطور في النقب والتي تسمى دائما كسيطرة البدو على النقب، ليست على قاعدة قومية. ليس هذا فقط، بل إن الذين يعملون في الجريمة في المجتمع العربي، بالتأكيد الجريمة المنظمة، يحرصون على الامتناع عن المس بأهداف يهودية وهم غير معنيين بأن يتم تشخيصهم مع جهات قومية متطرفة ومع الارهاب الفلسطيني. ليست لهم مصلحة في ذلك وهم ايضا يخشون من المس بهم من قبل جهات انفاذ القانون.
المجتمع العربي اثبت اخلاصه للدولة على مر السنين عن طريق الامتناع عن المشاركة الفاعلة وغير القانونية في النضال القومي العربي – الفلسطيني، وبهذا جسد رغبته في الاندماج في المجتمع وفي الدولة حتى لو كان ذلك مع الحفاظ على هويته القومية. هو يعتبر اسرائيل مركز للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي له. وبهذا فقد اثبت انتماءه للدولة. ايضا نماذج الاحتجاج غير العنيف التي اتبعها اثناء المواجهات العسكرية في النزاع الاسرائيلي – العربي/ الفلسطيني في العقود الاخيرة، أو على خلفية اقتصادية – اجتماعية، تثبت ذلك. نحن نشير الى أن جهات عربية قومية متطرفة، مثل الحركة الاسلامية، الجناح الشمالي، هي الآن اقلية هامشية آخذة في التقلص وتأثيرها في المجتمع وتوجهاته هي بشكل عام هامشية، ومن ناحية اخرى ما زال يوجد في المقابل تأثير لها على الاقلية المتطرفة في المجتمع العربي.
على الرغم من ذلك، في اوساط الجمهور اليهودي، بالاساس في اوساط اليمين المتطرف، من جهة ترسخ الاعتقاد بأن الاقلية العربية في معظمها لا يمكنها التماهي مع الدولة. ومن جهة اخرى لا يمكنها التماهي مع “العدو” الذي هو الشعب الفلسطيني. العرب يعتبرون في نظر الكثير من الجمهور اليهودي مشكلة ديمغرافية قومية، تشكل تهديد على طابع الدولة اليهودي. ايضا حقيقة أن العرب لا يخدمون في الجيش تشكك في اخلاصهم للدولة (رغم أن واجب التجنيد لا يسري عليهم). على هذه الخلفية يوجد توتر دائم يندلع احيانا بشكل عنيف في العلاقات بين اليهود والعرب مثلما حدث في ايار 2021 على خلفية عملية “حارس الاسوار”.
خلافا للاجواء السائدة في اوساط جزء من الجمهور اليهودي فان معظم قادة الدولة يعترفون الآن بحقيقة أن السكان العرب هم مركب هام في المجتمع الاسرائيلي، وأن تقدمهم واندماجهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الدولة هما مصلحة لها اهمية قومية عليا للمناعة الاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية لاسرائيل. اضافة الى ذلك، في المجتمع الاسرائيلي يوجد واقع من التقارب والاتصال على اساس يومي بين اليهود والعرب. في مناطق اللقاء العامة تجري انواع مختلفة من التعاون، تساهم في خلق روتين من علاقات العمل والتجارة، وديناميكية اجتماعية تساهم في التعرف على الآخر وتقبله. التجربة تظهر أنه في حالة الطواريء والمواجهة العسكرية يحدث في الواقع ابطاء في هذه النشاطات في مناطق الالتقاء، لكن في معظم الحالات لا يحدث شرخ عميق ومتواصل، والاعتبارات الاقتصادية تتغلب. الصورة السائدة في هذه الحالات هي عودة تدريجية الى روتين الحياة.
احداث ايار 2021 : هل الحديث يدور عن “انتفاضة شعبية” وتغيير الاتجاه؟
رغم خطورتها الكبيرة إلا أن احداث ايار 2021 لم تعكس انعطافة في اخلاص المجتمع العربي للدولة، ولم تعكس انتظام من اجل عصيان يستهدف المس بأمن الدولة ولم تدل على وجود حركة قومية نشطة لها توجهات انفصالية في اوساط المجتمع العربي في اسرائيل.
المواجهات بين العرب واليهود في المدن المختلطة وفي اماكن اخرى في الدولة بدأت في خط التماس في القدس على خلفية دينية وسياسية، في فترة اعياد المسلمين واليهود (شهر رمضان، عيد الفطر، يوم النكبة، يوم القدس، عيد الاسابيع)، ووصلت الى الذروة في المعركة العسكرية التي بادرت اليها حماس في قطاع غزة (عملية حارس الاسوار). الاسباب الآنية التي أدت الى الاشتعال الداخلي كانت صدامات بين الشرطة والمشاغبين المسلمين في منطقة الحرم وفي باب العامود وفي الشيخ جراح، الذين حصلوا على الدعم ايضا من جهات سياسية متطرفة منها الجناح الشمالي للحركة الاسلامية، الذي يدفع قدما بتوجهات انفصالية اسلامية. ممثلو هذا الجناح اتهموا الحكومة باندلاع اعمال الشغب في المسجد الاقصى في يوم القدس وقالوا إنه في المواجهات التي تطورت كان العرب هم الضحايا.
المشاغبون العرب في معظمهم لم يكن لهم أي انتماء سياسي رسمي، وهم عاطلون عن العمل والتعليم، وجزء منهم متورط في ظواهر اجرامية في المجتمع العربي. هؤلاء الشباب الذين جربوا على جلودهم اهمال الدولة وشاهدوا تحسين المدن المختلطة وعملية ابعادهم من قبل “الانوية التوراتية” للصهيونية الدينية، عكسوا الغضب باعمال تنكيل بجيرانهم اليهود، في حين عجزت الشرطة عن انفاذ القانون في المكان وفرض النظام. بعض اعمال شغب العرب حدثت ايضا في بلدات عربية واضحة وتمثلت بالاساس بتخريب الممتلكات العامة. في الصدامات شاركت ايضا منذ البداية مجموعات يهودية متطرفة، حيث عقيدتها المعلنة هي ابعاد العرب عن اماكن استيطان يهودية. بالاجمال تم تسجيل 520 حادثة عنف في عشرة ايام، التي شملت اعتداءات نتج عنها ازهاق حياة بشر وخرق للنظام ومواجهات مع رجال الشرطة واحراق اماكن للصلاة وشقق ومباني عامة وسيارات، والتسبب بأضرار كبيرة للممتلكات بما في ذلك معدات وسيارات للشرطة.
النطاق والقوة والاضرار وصدى الاحداث ايضا، كانت غير متوقعة، كما يبدو على ضوء منحى الهدوء والاعتدال في العلاقات بين العرب والدولة من جهة، وبينهم وبين الاغلبية اليهودية في السنوات الاخيرة. هذا التوجه وجد تعبيره، ضمن امور اخرى، في الرغبة المتزايدة للمجتمع العربي في الاندماج في الدولة وفي عملية اتخاذ القرارات على المستوى القومي، وفي اعتراف قيادة الدولة والاحزاب اليهودية بأهمية التشجيع والتقدم الفعلي لهذا التوجه. ولكن خلافا لذلك، وربما بسبب ذلك ايضا، حدثت في السنوات الاخيرة عملية زيادة تطرف في الجانب اليهودي تمثلت في تعزز منظمات اليمين المتطرف، التي تتبنى مقاربة واضحة مناوئة للعرب، حتى أنها حصلت على شرعية سياسية من جهات في قيادة الدولة.
الصورة العامة التي ارتسمت بخصوص اعمال الشغب هي أن الامر كان يتعلق بمجموعات صغيرة من المشاغبين في الطرفين. وكقاعدة عامة، معظم العرب الذين كانوا متورطين في اعمال الشغب كانوا شباب من هامش المجتمع، عدد منهم مع خلفية جنائية ومعظمهم ليس لهم انتماء سياسي واضح، في حين أن الجمهور العربي ومعظم قيادته السياسية القطرية والمحلية اظهرت ضبط النفس ولم تنجر الى اعمال الشغب للشباب. في المقابل، معظم اليهود المتورطين كانوا نشطاء ولهم ميول ايديولوجية من اوساط اليمين المتطرف، من بينهم “شبيبة التلال” ومؤيدي منظمات “لافاميليا” و”لاهفاه” و”قوة يهودية”. وقد انضمت اليهم مجموعات من مستوطني يهودا والسامرة الذين جاءوا الى المدن المختلطة من اجل حماية السكان اليهود من اعتداء الشباب العرب، واحيانا ترافق مع ذلك أخذ القانون بأيديهم. هذا، حسب قولهم، ازاء عجز الشرطة في الدفاع عن اليهود.
حقيقة أن المواجهات الخطيرة انتقلت من المدن المختلطة وامتدت ايضا الى قرى عربية كثيرة في الدولة، دلت على أن الشروط الاساسية للاندلاع كانت قائمة وتكمن في اسباب مرتبطة بالوضع الصعب للمجتمع العربي، في ضوء سنوات كثيرة من التمييز والاضطهاد والاقصاء السياسي والاجتماعي. المواجهات كشف ايضا واقع متواصل وخطير من انسحاب الدولة ومؤسساتها من استخدام صلاحياتها في مجالات مختلفة. مثال بارز على ذلك هو تجاهل فعلي للظاهرة المتفشية التي تتمثل بالسلاح غير القانوني الكثير الذي يوجد في المجتمع العربي. البرامج الحكومية متعددة السنوات الحالية لاجتثاث الجريمة في المجتمع العربي وتطوير اقتصادي واجتماعي، التي صودق عليها ومولت، استهدفت تقديم رد على هذه المشكلات العميقة واحداث تغيير في الواقع.
الاحداث العنيفة في ايار 2021 خلقت تهديد مركب ومهم للامن الداخلي والاستقرار الاجتماعي في الدولة. فقد زادت حدة الدائرة المفرغة القائمة للشك والخوف والكراهية المتبادلة بين الاغلبية والاقلية، وايضا غذت وعززت الشكوك القائمة لدى الجمهور اليهودي بخصوص اخلاص الجمهور العربي تجاه الدولة والمجتمع. هذه المشاعر السلبية وجدت التعبير في استطلاعات الرأي العام التي اجريت مؤخرا من قبل معهد بحوث الامن القومي ومعهد “ايكورد، علم نفس اجتماعي من اجل التغيير الاجتماعي” التابع للجامعة العبرية.
في استطلاع اجراه معهد بحوث الامن القومي في كانون الاول 2021 ظهرت، ضمن امور اخرى، النتائج التالية:
- 55 في المئة من الجمهور اليهودي و46 في المئة من الجمهور القالي قالوا بأنه حدث تغيير نحو الاسوأ في الشعور بالامن في اعقاب اعمال الشغب.
- نصف الجمهور اليهودي عبر عن الخوف من حدث آخر في المستقبل بحجم يشبه احداث شهر ايار، 52 في المئة من الجمهور العربي عبروا عن خوف مشابه. 43 في المئة من الجمهور اليهودي عبروا عن الخوف من اندلاع اشد من اندلاع شهر ايار، و30 في المئة من الجمهور العربي عبروا عن خوف مشابه.
- في اوساط 52 في المئة من الجمهور اليهودي حدث تغيير للاسوأ في مواقفهم من عرب اسرائيل في اعقاب اعمال الشغب العنيفة التي حدثت في شهر ايار، في حين أنه في اوساط 66 في المئة من الجمهور العربي حدث تغيير للاسوأ في مواقفهم من الجمهور اليهودي.
استطلاع معهد ايكورد الذي اجري في آب 2021، بعد اعمال الشغب، على عينة تتكون من 1000 شخص من الشباب والفتيات في اعمار المرحلة الثانوية، عرب ويهود، علمانيين ومتدينين واصوليين، اظهر ضمن امور اخرى النتائج التالية:
- 74 في المئة من المستطلعين عبروا عن اليأس من الوضع، و63 في المئة عبروا عن الغضب من اعضاء المجموعة الثانية. هذا الشعور ظهر بشكل خاص في اوساط الشباب والفتيات اليهود المتدينين والاصوليين، و89 في المئة من الاصوليين و94 في المئة من المتدينين عبروا عن الغضب من العرب في اعقاب اعمال العنف.
- نسبة الكراهية والخوف التي حملها الشباب والفتيات العرب تجاه اليهود زادت بشكل كبير مقارنة مع السنوات السابقة. ومستوى استعدادهم للاتصال مع اليهود انخفض.
- نسبة الكراهية والخوف تجاه العرب في اوساط الشباب والفتيات اليهود المتدينين والاصوليين بقيت اعلى بصورة بارزة من الدرجة التي عبر فيها الشباب العرب عن مشاعرهم هذه تجاه اليهود المتدينين والاصوليين.
على الرغم من هذه المعطيات المقلقة إلا أن التقدير هو أن الاغلبية الساحقة من الجمهور العربي تواصل السعي للاندماج في المجتمع والاقتصاد والسياسة في الدولة، كحاجة وجودية بالنسبة لها. يبدو هذا ايضا بالنسبة للجمهور اليهودي المعني بوجود علاقات سليمة مع الاقلية العربية واندماجها في النسيج المدني والاجتماعي – الاقتصادي وفي الدولة. في الطرفين هناك مصالح واضحة لوجود استقرار وتعاون والابتعاد عن الاخطار التي تحوي في طياتها مواجهات عنيفة. هكذا، في استطلاع معهد بحوث الامن القومي الذي اجري في كانون الاول 2021 ظهر أن 51 في المئة من الجمهور اليهودي يعتقدون أنه يجب على الدولة فعل كل ما في استطاعتها من اجل أن يشعر اليهود والعرب بالانتماء لها بنفس المستوى. و53 في المئة من الجمهور لا يوافقون على أنه يوجد لليهود في اسرائيل حقوق مواطنة اكثر مما يوجد لمواطني اسرائيل العرب. استطلاع معهد ايكورد اظهر أن معظم الجمهور العربي ومعظم الجمهور اليهودي لا يؤيدون مقاطعة المشاريع التي بملكية المجموعة السكانية الاخرى.
في المقابل، في الاشهر التي تلت احداث ايار نشأ واقع سياسي جديد يتمثل بمشاركة حزب عربي في نسيج الائتلاف، الذي الى جانبه هناك ايضا تعاون سياسي في الكنيست بين القائمة المشتركة وبين احزاب المعارضة. هذه ظاهرة لها اهمية كبيرة، ليس فقط بسبب التجديد الذي تعكسه، بل لاسباب مهمة اخرى. الاول، هي تدل على أنه رغم احداث ايار الصادمة وتأثيرها على الوعي إلا أنه يتسع منحى الاندماج ليصبح ظاهرة مشاركة فعلية للعرب في اسرائيل، حتى على الصعيد السياسي، بما في ذلك في الحكومة التي اصبحت الآن مصغية اكثر لاحتياجات المجتمع العربي. اضافة الى ذلك، هناك في هذه المشاركة ما من شأنه أن يساهم في تقليص الفجوات بين الاغلبية اليهودية والاقلية العربية، وأن يقلص العنف والجريمة في المجتمع العربي والدفع قدما بالعلاقات بين المجموعتين السكانيتين، وربما ايضا اضعاف التهديد الذي يتمثل باندلاعات عنف اخرى في المستقبل.
لقد وجد هنا ميزان حساس تم تحديه جدا على ضوء احداث ايار، بين القوى المساعدة على التهدئة وتقدم الاندماج الايجابي للمواطنين العرب في النسيج الاجتماعي والسياسي وبين الذين يعارضون ذلك. للوهلة الاولى يظهر أن تشكيل الحكومة الجديدة، بالاساس تجند المؤسسة لمواجهة نشطة من اجل تقليص الجريمة والعنف في المجتمع العربي، تساهم في تعزيز وزن القوى الايجابية. هذا بالاساس اذا كانت النشاطات الحكومية، سواء في مجالات انفاذ القانون أو في المجالات الاجتماعية التي تعمل كمحرك للجريمة والعنف، ستنجح في تغيير العوامل السلبية.
الخلاصة : تأطير مكافحة الجريمة العربية بمفاهيم عسكرية يهدد الميزان الحساس
طبقا لتقديرنا الذي ذكر اعلاه، ليس من الصحيح اعتبار احداث ايار 2021 “انتفاضة داخل اسرائيل”، التي تعني انتفاضة شعبية – قومية كما يبدو، للمواطنين العرب. ايضا لا يجب النظر للجريمة في المجتمع العربي على أنها “ارهاب قومي” واعتبار منظمات الجريمة “مليشيات” مسلحة تعمل ضد الدولة لدوافع قومية.
ليس فقط أنه لا يوجد لهذا التأطير اساس واقعي، بل ان التعامل معه بمفاهيم وسلوكيات عسكرية، مثلما ايضا اعتبار احداث ايار 2021 انتفاضة، ليس فقط هي امر غير مبرر أو حيوي، بل حتى يمكن أن تتحول الى سهم مرتد وأن تحول النواتج الاجتماعية والاقتصادية من تحدي اجتماعي اقتصادي وظاهرة جنائية مدنية الى مسألة امنية عسكرية وطنية. هذا الامر يمكن أن يذهب هباء البرامج الحكومية متعددة السنوات للقضاء على الجريمة في المجتمع العربي والى تطوير اجتماعي واقتصادي استهدف احداث تغيير في واقع العلاقات بين اليهود والعرب في البلاد.
إن مواجهة منظمات الجريمة على صورة جهد عسكري يمكن ايضا أن تأخذ اشكال قومية – قومية متطرفة وتصم المجتمع العربي بعدم الاخلاص والقيام بنضالات عنيفة ضد الدولة. النتيجة يمكن أن تغرب المجتمع العربي وأن تمس بثقة الجمهور العربي بالشرطة وجهات انفاذ القانون وتعزز في اوساطه القوى القومية المتطرفة. في نفس الوقت هذه المقاربة يمكن أن تساهم في اعطاء الشرعية للعداء والخوف من الاقلية العربية في اوساط اليهود. وبهذا تعزز القوى المعارضة لاندماج مواطني الدولة العرب فيها.