ترجمات عبرية

هآرتس: بدون دعم الجمهور ، فإن الرئيس التونسي يعيد بلاده إلى عصر الديكتاتورية

هآرتس 27/7/2022، بقلم: تسفي برئيل

حقق الرئيس التونسي قيس سعيد، أمس، فوزاً مشكوكاً فيه في الاستفتاء الشعبي لتغيير دستور الدولة. حسب النتائج الرسمية التي نشرت مساء أمس، حصل الدستور المقترح على موافقة 94.6 في المئة من المشاركين، لكن لم يشارك في هذا الاستفتاء الذي تقنع بقناع ديمقراطي سوى 28 في المئة ممن يحق لهم الاقتراع. رغم أن سعيد أثنى على الجمهور الذي أيده وتفاخر بانتصار ديمقراطي، إلا أنه يصعب اعتبار النتيجة كمنح شرعية جماهيرية للرئيس، الذي نفذ انقلاباً دستورياً قبل سنة بالضبط. والأصعب من ذلك، رؤية كيف يمكنه إدارة 12 مليون مواطن تونسي الآن بقاعدة تأييد ضيقة جداً.

جرى انتخاب سعيد، الخبير في القانون الدستوري، بأغلبية 72 في المئة عام 2019، لكنه كشف عن طموحاته الحقيقية خلال سنتين: أقال بقرار رئاسي رئيس الحكومة والحكومة، وجمد عمل البرلمان، وأقال عشرات القضاة، وتحول مجلس القضاء الأعلى في لحظة إلى رئيس له صلاحيات مطلقة، حيث ذكر بأيام تونس في ظل نظام الديكتاتور زين العابدين بن علي.

هذه العملية حطمت معظم إنجازات ثورة الربيع العربي في تونس، التي أصبحت نموذجاً للمحاكاة في كثير من الدول العربية. ولكن مقارنة مع دول أخرى مثل مصر وليبيا وسوريا أو اليمن، فقد تألقت تونس كنموذج لنجاح ثورة شعبية، حيث أسست نظاماً ديمقراطياً شاركت فيه أحزاب من جميع ألوان الطيف السياسي. حزب النهضة، شقيق حركة الإخوان المسلمين في مصر، فاز في الواقع بأغلبية كبيرة في الانتخابات التي أجريت بعد الثورة. ولكن كخطوة تضامنية، تنازل عن الفوز من أجل المشاركة في ائتلاف لأحزاب علمانية.

أيد حزب النهضة الإصلاحات الاجتماعية والدستورية التي حافظت على الدولة كدولة ليبرالية. حقوق النساء والأطفال وحرية التعبير والمساواة أمام القانون، كلها كانت مفاهيم حقيقية وليست غطاء من ورق استهدف التغطية على مظالم جذرية تميز أنظمة في دول عربية. إن الجولات الانتخابية الثلاث التي جرت فيها منذ الثورة تميزت بالشفافية النسبية وحظيت بمعدل مشاركة مرتفع بشكل خاص، دلت على الثقة بالنظام السياسي، وبالأساس قوة الجمهور على التأثير في طابع الحكومة وطابع الدولة.

هذه لم تولد ولادة طبيعية. فبين عزل ابن علي في 2011 وحتى تأسيس نظام ديمقراطي مستقر، جرت في الدولة مظاهرات جماهيرية عنيفة، واعتقل الجيش والشرطة آلاف الأشخاص، وتم قتل شخصيتين رفيعتين، وساهمت عمليات لمنظمات إسلامية في الشعور بأن الدولة تقترب من حرب أهلية، ولكن الحوار الوطني في 2016 نجح في تشكيل توافق نسبي، حيك بغرز غليظة.

لكن هذه الإنجازات الديمقراطية هي التي أيضاً أزعجت سعيد في إدارة الدولة كما يشاء. خلافات شديدة مع حركات المعارضة، البرلمان الذي لم ينجح في التوصل إلى تفاهمات حول الإصلاحات المطلوبة، عداء شخصي مع رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، وجهاز قضاء “أزعج” الرئيس… كل ذلك جعل سعيد يفقد الصبر. تم تجميد الإصلاحات داخل الجيش والشرطة بسبب خلافات مع رؤساء هذه المنظمات ومع سياسيين لهم مصالح. المحكمة الدستورية لم يتم تشكيلها، وإصلاحات اقتصادية حيوية تم حفظها بسبب المعارضة الشديدة لنقابات العمال القوية المشاركة في الحكم، وفي نهاية المطاف تعلق الرئيس بمادة في القانون تعطيه الصلاحية “في ظروف استثنائية” بالإعلان عن حالة الطوارئ وحتى حل البرلمان.

الاحتجاج الداخلي ضد سيطرة سعيد والأوامر التي طبقها، والانتقاد الدولي، جعلاه يعين رئيس حكومة جديداً، شكل حكومة تنفيذية لم تحصل على مصادقة البرلمان. لذلك، توقفت عن العمل. وفي النهاية أيضاً، تعهد بإجراء استفتاء شعبي حول تعديلات الدستور التي جرت على أساسها انتخابات في نهاية السنة.

الدستور الجديد الذي صاغته لجنة خاصة عينها سعيد، يمنح الرئيس صلاحيات تنفيذ واسعة جداً، وفعلياً تقلب أسلوب النظام البرلماني أو شبه البرلماني مثلما كان قائماً في تونس إلى نظام رئاسي. الرئيس يمكنه تعيين رئيس الحكومة ووزراء الحكومة بدون الحاجة إلى مصادقة البرلمان. ومن صلاحياته أيضاً أن يعين ويقيل قضاة، وهو أيضاً القائد الأعلى للجيش (مثلما كان في السابق).

لكن القوة الزائدة التي منحها سعيد لنفسه في الدستور الذي صاغه و”انتصاره” في الاستفتاء الشعبي، ستلقي عليه من الآن مسؤولية مباشرة، تقريباً حصرية، عن ترميم وضع الاقتصاد في تونس وإعادة ازدهار الدولة. هذا تحد صعب ومعقد بشكل خاص في دولة تلقت ضربة من وباء كورونا، والتي هي غير قادرة على أن تدفع مقابل استيراد القمح والشعير. وهذا فرع السياحة فيها، الذي يشكل مصدر دخلها الرئيس، لم يثمر في السنوات الثلاث الأخيرة.

حسب معطيات رسمية وتقارير للبنك الدولي، فإن أكثر من نصف مواطني تونس، 6 ملايين نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. ارتفعت البطالة وبلغت أكثر من 18 في المئة (أكثر من ذلك بكثير في أوساط النساء والشباب)، وبلغ الدين الوطني 40 مليار دولار، أي نحو 82 في المئة من الناتج القومي المحلي الخام. وفي استفتاء شعبي أجري في السنة الماضية، أفادت أغلبية حاسمة من المشاركين فيه بأن طموحهم هو الهجرة من الدولة.

تونس، التي حظيت حتى قبل سنوات كثيرة برضا مؤسسات تمويل دولية ودول مانحة، تحولت إلى دولة خطيرة بالنسبة للمقرضين، وهي مضطرة الآن إلى إجراء حوار مع صندوق النقد الدولي حول قرض بمبلغ أربعة مليارات دولار، سيمكنها على الأقل من دفع رواتب الموظفين العامين في وقتها وإعادة جزء من التزاماتها. ولكن صندوق النقد الدولي لا يعطي هدايا بالمجان. فقد طالب بتجميد تشغيل بعض موظفي الدولة وإجراء تقليص عميق في الدعم الحكومي كجزء من شروط القرض. أمام هذا، يتوقع أن تقف نقابات العمال وتفرض الفيتو على أي عملية قد تضر بالمداخيل الضئيلة أصلاً للعمال المنظمين. السؤال سيكون في حينه: هل سيتمكن الرئيس من تجنيد الشرطة والجيش إلى جانبه في نضاله أمام الاحتجاجات والمظاهرات التي يتوقع اندلاعها إذا تبنى شروط صندوق النقد، أم سيجد نفسه في نفس وضع ابن علي الذي تخلت عنه قوات الأمن واضطر إلى الهرب من الدولة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى