هآرتس: بدون تفويض واضح لقوة الاستقرار، من شان حماس ان تعرض نفسها كحل
هآرتس 18/12/2025، تسفي برئيل: بدون تفويض واضح لقوة الاستقرار، من شان حماس ان تعرض نفسها كحل
يوجد لدى خالد مشعل، المسؤول عن العلاقات الخارجية لحماس، اقتراح: “حماس مستعدة للدخول الى وقف اطلاق نار بعيد المدى، مدعوم بتعهد لتخزين السلاح والتوقف عن أي نشاط عسكري ضد إسرائيل”، قال في مقابلة مع موقع امريكي. “هو مستعد للعمل الى جانب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من اجل ان يخلق في غزة مناخ استقرار يمكن من إعادة الاعمار، وتمهيد الأرض للانتخابات وخلق الشروط السياسية لاجراء مفاوضات حول مستقبل الدولة الفلسطينية”.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تقترح فيها شخصية رفيعة في حماس “تخزين” أو “تجميد” السلاح. لقد سبقه عضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، الذي قدم اقتراح مشابه لم يحصل على موافقة الولايات المتحدة، فضلا عن إسرائيل. بل ان أبو مرزوق اقترح ان تنقل حماس السلاح الثقيل، بما في ذلك الصواريخ، الى طرف ثالث متفق عليه، مع الاحتفاظ بالسلاح الخفيف. داخل حماس تجري منذ أسابيع نقاشات بين من يوصفون بـ “الحمائم” بقيادة مشعل وبين “الصقور” بقيادة رئيس فريق التفاوض خليل الحية، الذي يتخذ موقف حازم رافض لتسليم السلاح. مع ذلك، حسب مصدر اردني مطلع على النقاشات مع حماس فان “هذه النقاشات نظرية، لا يمكن لاحد ان يضمن بان القوات الموجودة على الأرض والتي تقوم بإعادة ترميم قوتها العسكرية، ستوافق على أي قرار من المستوى السياسي في حماس”. ولكن هذا المصدر استدرك وقال: “في صفقة الرهائن اظهر المستوى السياسي قدرة ملحوظة على السيطرة”.
مصدر اردني قدر ان احد الطرفين، حماس أو الولايات المتحدة، سيتعين عليه التنازل في نهاية المطاف. وحسب اقوال هذا المصدر يجب تحديد مراحل اختبار التي فيها “سيسلم السلاح الثقيل في بداية المرحلة الثانية، وبعد ذلك سيسلم السلاح مقابل انسحاب آخر لإسرائيل، والبدء في اعمال إعادة الاعمار وربما إيداع السلاح في مصر”. ولكن طالما انه لا يوجد اتفاق في داخل حماس على مجرد تسليم السلاح، قال المصدر الأردني، “مشكوك فيه ان يكون بالإمكان تشكيل القوة متعددة الجنسيات. أي دولة لن توافق على ارسال قوات، التي تحديد مهمتها سيكون نزع سلاح حماس، وعلى ذلك تعول حماس الان وتبني استراتيجيتها السياسية”.
لم تجد قضية تحديد مهمة القوة متعددة الجنسيات حلها في المؤتمر الدولي الذي عقد في الدوحة في يوم الثلاثاء الماضي. وتغيب نحو 15 دولة من الدول المدعوة، من بينها دولتان اعتبرتا مضمونتين، تركيا التي كانت قد اعدت قوة مهمات، لن تتم دعوتها بسبب ضغوط إسرائيل. وأذربيجان التي عبرت في تشرين الثاني عن استعدادها لارسال قوة مهمات لـ “حفظ السلام”، وليس لـ “فرض السلام”، وهو المصطلح الذي يوحي بمواجهة عنيفة مع حماس وغيرها من التنظيمات.
باكستان توجد الان تحت الضغط. فقد طلب ترامب من رئيس أركانها، الجنرال القوي عاصم منير، ارسال قوة الى غزة. ولكن منير الذي من المقرر ان يلتقي مع ترامب في الفترة القريبة القادمة للمرة الثالثة خلال ستة اشهر، يواجه معضلة سياسية صعبة. فجيشه ودولته يعتمدان على التعاون العسكري الوثيق مع الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى، قد تعارض قوى سياسية إسلامية نافذة أي تدخل لباكستان، قد يدخل جيشها الى صراع مع حماس.
لا تقتصر المخاوف بشأن امتداد “تاثير غزة” الى أراضيها وتداعيات ذلك على سياستها الداخلية، على باكستان وحدها، بل هذه هي معضلة تشترك فيها جميع الدول الإسلامية المدعوة للمشاركة في القوة متعددة الجنسيات، التي تتمثل في الخوف من ان تفتح قوات إسلامية اجنبية النار على القوات الفلسطينية، الامر الذي سيجعلها تظهر كقوة احتلال عنيفة، لا تختلف عن الاحتلال الإسرائيلي. وقد أوضح مشعل بوضوح الخطر الكامن في هذه المواجهة العسكرية، مؤكدا: “الفلسطينيون سيعتبرون أي سلطة غير فلسطينية، أي سلطة اجنبية أو قوات اجنبية داخل غزة، سلطة احتلال، وهذا سيخلق على الفور حالة من الصراع لان الفلسطينيين لن يوافقوا على ذلك. فما هو الدافع الذي يدفع الفلسطينيين الى معارضة الاحتلال الإسرائيلي ومن ثم قبول شكل آخر من اشكال الاحتلال الأجنبي؟”.
المشكلة تكمن في ان خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقرار مجلس الامن الذي اقرها تتطلب من القوة متعددة الجنسيات اكثر بكثير مما ترغب الدول المشاركة فيها في تقديمه. وبالتالي، في ظل غياب تعريف اكثر دقة لطبيعة المهمات ونطاقها، فان فرصة انشاء قوة متعددة الجنسيات ضئيلة. قد تستغل حماس هذه الصعوبة، كما يقترح مشعل، في محاولة لاقناع واشنطن بالتفاوض مع حماس بشكل مباشر أو غير مباشر، وبهذه الطريقة ستتمكن حماس من الظهور من جديد كقوة سياسية قادرة وحدها على انقاذ خطة ترامب من المازق الذي وصلت اليه، بدون اللجوء الى استئناف الحرب في غزة.
ولكن هنا يكمن خلاف آخر يشغل حماس ويتعلق بالطابع الأيديولوجي للسلاح. هل يعتبر السلاح وسيلة أساسية لمواصلة الكفاح المسلح ضد إسرائيل والحفاظ على مكانة حماس كقوة المقاومة الفلسطينية الوحيدة، أو يمكن للسلاح في ظل الظروف الجديدة ان يستخدم كورقة مساومة سياسية تمكن حماس من الحفاظ على مكانتها ككيان سياسي، حتى لو لم تشارك علنا في الإدارة المدنية لغزة.
خيار استخدام السلاح كورقة ضغط تمت مناقشته مؤخرا بين حماس وتركيا وقطر ومصر. وقد صرح وزير خارجية تركيا، هاكان فيدان، قبل أسبوعين تقريبا بان “قضية نزع السلاح ليست من الأولويات القصوى”. في المقابل، استخدم وزير خارجية مصر، بدر عبد العاطي، لغة غامضة اكثر، اذ قال في مقابلة مع قناة “العربية”: “ستناقش هذه القضايا في اطار فلسطيني – عربي. وهناك الكثير من الأفكار حول كيفية التعامل مع هذا الامر بهدوء وحكمة”. واكد عبد العاطي على ضرورة ان تتولى الشرطة الفلسطينية مسؤولية الامن في قطاع غزة. ويشير هذا التصريح الى ان مصر، التي تربطها علاقات شراكة مع تركيا وقطر، ترى ان القوة متعددة الجنسيات ستعمل فقط على طول خطوط الفصل بين الجيش الإسرائيلي وقطاع غزة، وليس داخل المراكز السكانية أو كقوة لنزع سلاح حماس.
هذا الموقف يتعارض مع قرار مجلس الامن، ويتناقض تماما مع موقف إسرائيل ورؤية ترامب في الوقت الراهن. مع ذلك، سيتعين على الرئيس الأمريكي الذي يطمح الى بدء تنفيذ خطته في منتصف كانون الثاني ويراهن على مكانته فيها، ان يحسم مسالة نزع السلاح. أي هل هو شرط أساسي يجب تحقيقه “سواء كان ذلك بالحسنى أو بالقوة” قبل أي خطوة تتعلق بتنفيذ المرحلة الثانية، أو ان هناك مجال للمرونة على غرار المواقف التي قدمتها تركيا ومصر؟. كلتاهما الى جانب قطر هما الدولتان اللتان تضمنان تنفيذ اتفاق وقف اطلاق النار. مع ذلك فان أي بادرة مرونة بشان مسالة السلاح ستفسر على انها تنازل، بل وإنجاز لحماس، حتى لو كان ذلك كافيا لدفع تنفيذ المرحلة الثانية وإزالة العائق الذي يقف امام تشكيل القوة متعددة الجنسيات.



