هآرتس: بدون تغيير الواقع على الأرض الاعتراف بدولة فلسطينية هو اعلان فارغ

هآرتس – جاكي خوري – 31/7/2025 بدون تغيير الواقع على الأرض الاعتراف بدولة فلسطينية هو اعلان فارغ
اعلانات دول اوروبية عن اعترافها بالدولة الفلسطينية هي خطوة اعلانية هامة. هذه الاعلانات تضيف لبنة مهمة جدا الى نسيج الاعتراف الدولي بالحقوق الجماعية للشعب الفلسطيني، وعلى راسها الحق في تقرير المصير. في القيادة الفلسطينية بطبيعة الحال يباركون هذا التوجه ويشيرون الى ان الامر يتعلق بخطوة يقتضيها الواقع، والتي تتساوق مع القانون الدولي ومبدأ حق الشعوب في تقرير مستقبلها.
بعد اقوال الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون في الايام استقبل بالمباركة ايضا اعلان بريطانيا عن نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في شهر ايلول القادم. حسب جهات في السلطة الفلسطينية، بما في ذلك نائب رئيس م.ت.ف حسين الشيخ، فان الحديث يدور عن اسهام حقيقي للدفاع عن حل الدولتين الذي يمكن ان يحرك من جديد العملية السياسية التي دفنت تحت انقاض الحرب في غزة وسور عدم الثقة بين الطرفين.
هنا من الجدير ذكر ايضا الاعلان الذي نشره في هذا الاسبوع المؤتمر الدولي لحل النزاع، الذي عقد في نيويورك بمبادرة السعودية وفرنسا. هذا المؤتمر دعا الى اتخاذ خطوات عملية محددة بجدول زمني، واوضح بأن الاحتلال واستمرار الحرب لن يجلبا الامن والسلام، بل فقط الحل السياسي.
هذه الاعلانات مهما كانت مهمة إلا أنه يتم اختبارها في نهاية المطاف بمعيارين حاسمين. الاول هو اختبار الواقع على الارض. فطالما ان الفلسطيني الذي يعلق في الحواجز لساعات وتتم مصادرة ارضه وتطلق النار عليه من قبل المستوطنين المسلحين فانه لن يشعر بأي تغيير حقيقي، وسيبقى الاعتراف كرمز فارغ. الاسئلة التي يجب طرحها هي كم من الاراضي ستبقى تحت السيادة الفلسطينية بالفعل، وأي حدود ستكون لهذه الدولة، وهل المجتمع الدولي مستعد لتحويل النوايا الى افعال.
الاعلان الفرنسي والاعلان البريطاني رفضا بازدراء في اسرائيل، ليس فقط في الحكومة بل من قبل جميع الاحزاب الصهيونية، التي تقول بانه لا يمكن فرض الدولة الفلسطينية على اسرائيل، وان هذا الامر هو هدية على مذبحة 7 اكتوبر. عندما نصل الى سنة انتخابات فانه لا يوجد أي زعيم اسرائيلي يمكنه الموافقة على ذلك انتخابيا. اسرائيل ستحاول، بمساعدة الادارة الامريكية، النضال من اجل افراغ هذه الاعلانات من المضمون. النضال على الارض سيضر بطبيعة الحال بالفلسطينيين: الضم وفرض السيادة، الحواجز، التهجير، الاعتقال ومهاجمة التجمعات والقرى.
في اوروبا وفي كل دول العالم يجب ان يدركوا بان الاعتراف يحتاج الى خطوات عملية تؤدي الى تغيير الوعي الاسرائيلي ايضا. يجب الدفع كي لا تبقى مصطلحات مثل عملية سياسية أو عملية سلمية مجرد شتيمة، وان يصبح الاحتلال ايضا مكروه على الاسرائيليين انفسهم وليس على الفلسطينيين فقط. والا فاننا كل بضعة اشهر سنستيقظ على واقع فيه الضفة الغربية ستكون مقسمة الى كانتونات، كل مدينة كنتون، بدون تواصل جغرافي، وقطاع غزة سيصبح في حالة شبه الضم مع سكان مرضى سيتعافون فقط بعد جيل أو جيلين، ولن تساعده اقامة الدولة.
الثاني يتعلق بعبء الاثبات الذي يقع على عاتق القيادة الفلسطينية. بعد هذه الكمية الكبيرة من الدماء والالم والضياع للشعب الفلسطيني، هو يستحق ليس فقط علم بل دولة ايضا. ولكن الدولة ليست مجرد اعلان بل هي مسؤولية. مصدر فلسطيني رفيع قال لي ذات يوم جملة نقشت في ذاكرتي: تقرير المصير كلمة جميلة، ولكن نحن بحاجة الى البناء والادارة. يجب علينا الاثبات للعالم بأننا نستطيع بناء دولة كي نحصل عليها، وليس التجمد عند الانقسام أو الغرق في الصراعات الداخلية على السيطرة.
الآن السلطة الفلسطينية ومؤسسات م.ت.ف الاخرى تتم ادارتها بدون شرعية حقيقية، وتوجد في ازمة قيادة ربما هي الاكثر شدة منذ 1948. الحديث عن اصلاحات وانتخابات يعتبر بالنسبة للجمهور في الضفة كذر الرماد في العيون. رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ومن يتفاخر بوراثته وجميع الفصائل الفلسطينية يجب عليها طرح حلم حقيقي قابل للعيش، يجب عليهم الاثبات بأن لديهم القدرة على التصرف في اطار الدولة واصلاح مؤسسات السلطة واقناع العالم يتحويل الاموال من اجل الشعب الفلسطيني، وليس من اجل الفصائل أو اصحاب المصالح الاقتصادية الذين استغلوا اتفاقات اوسلو من اجل مراكمة المزيد من الاموال.
لذلك، اذا كانت حقا تقترب لحظة الاعتراف فان هذه ايضا هي ساعة الاختبار، ليس فقط للعالم، بل ايضا للفلسطينيين انفسهم: الزعماء، الفصائل، الجيل الجديد الذي ولد داخل الحروب. عندها ربما سيستيقظون على صباح من الأمل.