هآرتس: بدون “بتسيلم” ومع المحكمة العليا
هآرتس 17/12/2025، شاؤول اريئيلي: بدون “بتسيلم” ومع المحكمة العليا
المحكمة العليا في الواقع لم تسمح باقامة بؤر استيطانية في اراضي الضفة الغربية، ولكن قبل ثلاث سنوات رفضت الالتماس الذي قدمته حجيت عوفران من حركة “السلام الان”، بواسطة المحامي ميخائيل سفارد – ضد حملات تجنيد الجمهور لصالح بناء وتطوير وترميم بؤر استيطانية ومزارع غير قانونية. الان من الواضح كليا ما هو المعنى العملي لهذا الرفض وهو خلق مسار يلتف على القانون والموازنة والسياسة، الذي بواسطته يمكن تمويل واقامة وتوسيع بؤر استيطانية ومزارع غير قانونية بدون ادنى مسؤولية وبدون تدخل الحكومة. ليس لان القانون تغير، بل لان المحكمة اختارت تفسير دورها بصورة ضيقة جدا الى ان جعلت نفسها لاعبة هامشية في ساحة من شانها ان تكون مشرفة عليها.
البيانات في السنوات الاخيرة لا تترك أي مجال للشك. حملة توسيع مزارع يهودا – اسرائيل جندت 770 الف شيكل، حملة منفصلة لربط بنى تحتية في بؤرة ناحل تسفي جمعت اكثر من 700 الف شيكل، حملة باسم “رفع علم اسرائيل في يهودا والسامرة” وصلت الى 451 الف شيكل، حملة “معقل استر” جندت 325 الف شيكل، حملة “دافيد حي” تجاوزت نسبة 250 الف شيكل، حملة “لنبني الاستيطان” ارادت تجنيد 1.9 مليون شيكل، ووصلت فقط الى 125 ألف شيكل. ولكن آخرين جندوا عشرات الاف الدولارات من خلال منصات تمويل مختلفة. القاسم المشترك بين الجميع ليس فقط الاموال، بل حقيقة ان جزء من هذه الحملات ما زال نشط ويواصل تجنيد التبرعات المخصصة بشكل صريح لاقامة بؤر استيطانية ومزارع وبنى تحتية، معظمها بدون أي اساس قانوني.
من اجل فهم عمق المشكلة فانه يجب ان نذكر ما تعرفه المحكمة جيدا: المزارع والبؤر الاستيطانية ليست كيانات نظرية، بل هي نتيجة غزو الاراضي والبناء بدون ترخيص وتجاهل الخطط الهيكلية، ونتيجة سياسة تمكن الافراد من فرض حقائق على الارض. تمويل جماهيري الذي يتم نقله مباشرة عبر هذه الحملات ليس “اسهام مدني” ساذج، بل هو جزء من الية سياسية – قطرية هدفها هو تغيير الحدود وطرد تجمعات فلسطينية وخلق واقع لا يمكن تغييره، الذي جرت اليه الدولة بدلا من ان تقوده.
الى هذا المكان بالضبط دخلت المحكمة العليا. فبدلا من التعامل مع هذه الآلية ككل، وبدلا من فحص الاثار الواسعة لهذه المنصات على سيادة القانون والفضاء العام، قضت المحكمة في 2022 بان سبب رفض الالتماس هو “السلطة التقديرية المهنية الواسعة الممنوحة للشرطة في كل المسائل المتعلقة باستخدام سلطتها”. وبحسب المحكمة العليا “يقتصر تدخلنا في سياسة انفاذ القانون واولويات ضباط انفاذ القانون على الحالات القصوى والاستثنائية – عندما يتهربون من واجبهم في انفاذ القانون أو عندما يتضح ان قراراتهم يشوبها عدم معقولية كبير. والقضية المعروضة امامنا ليست من هذه الحالات الاستثنائية، ولذلك فانه لا يوجد أي سبب للتدخل”، (“هآرتس”، 3/4/2022).
عدد لا يحصى من خروقات القانون واعمال العنف للمستوطنين في الضفة الغربية في السنوات الثلاثة الاخيرة يشهد على ان نتيجة هذه المقاربة غير محايدة من ناحية قانونية، بل هي تمثل اهمال قانوني. كان يمكن توقع ذلك بالطبع، لانه لا يوجد في ذلك أي جديد. فخرق القانون بواسطة البؤر الاستيطانية غير القانونية بدأ قبل سنوات كثيرة.
في الواقع كان رفض التماس حركة “السلام الان” بمثابة موافقة ضمنية. فقد خلق فراغ لا تتحرك فيه الدولة – الجيش يتعاون والشرطة غائبة عن المشهد والادارة المدنية لا تنفذ القانون، ومسجل الجمعيات لا يستخدم سلطته لفرض عقوبات على الجمعيات التي تجند الاموال لنشاطات غير قانونية – بينما يقوم الشعب الاسرائيلي بجمع مئات آلاف الشواقل لاقامة مبان محظورة في قوانين الدولة نفسها.
التداعيات تتجاوز بكثير حدود النضال السياسي. فكلما اتسع نطاق تجنيد الجمهور فانه يتآكل المبدأ الاساسي الذي يقول بان الدولة وحدها هي المسؤولة وصاحبة الصلاحيات لتحديد مكان اقامة المستوطنات وكيفية توزيع الموارد وحدود التخطيط. ولا تقتصر حملات جمع التبرعات على تمويل البناء غير القانوني فحسب، بل هي تستبدل الوظائف المشروعة للحكومة وتعمق الفجوة بين القانون والواقع. فهي تسمح لاقلية مصممة وممولة بشكل جيد بفرض اجندة جغرافية، بينما تتعود الاغلبية على العيش في واقع مزدوج: قانون على الورق وحقائق على الارض.
في نهاية المطاف تظهر صورة قاتمة. ففي الفجوة بين حكم قانوني ضيق النطاق وبين التطبيق على ارض الواقع نشأ نظام تمويل يدير بالفعل سياسة الاستيطان. ففي حين يطلب من المواطن في اسرائيل قضاء اشهر كثيرة من اجل الحصول على رخصة ترميم، تستطيع بؤرة استيطانية غير قانونية جمع مئات آلاف الشواقل في غضون بضعة ايام وتوسيع نطاق وجودها بدون أي عائق. هذا يعتبر فشل للدولة، لكن في المقام الاول هو فشل قانوني، فشل ينبع من منظور قضائي يرفض ادراك الواقع الذي يعمل فيه.
كان يمكن للمحكمة ان توقف هذه الآلية، أو على الاقل وضع حد لها. لكنها اختارت تجاهل الامر بدلا من ذلك. وعندما يغض القانون النظر فان الواقع يتقدم بوتيرة حملة تمويل ناجحة: تبرع تلو الاخر، مؤسسة تلو الاخرى، حتى يصبح القانون زينة فقط وليس اداة للحكم.



