ترجمات عبرية

هآرتس: بالنسبة لبن غفير الإنسانية يسارية

هآرتس 18-3-2023، بقلم يوسي ميلمان: بالنسبة لبن غفير الإنسانية يسارية

لو كان رئيس الحكومة ووزير الخارجية ووزيرا الصحة والرفاه من البشر لنشروا بيان إدانة علنياً لوزير الأمن القومي ايتمار بن غفير وعلموه درساً في التاريخ اليهودي والإسرائيلي. بن غفير، الذي عالمه ضيق مثل عالم “كريات أربع” [مستوطنة]، ألغى تخصيص 3 ملايين شيكل لخطة محاربة الجريمة في المجتمع العربي؛ لأن اللجنة المشتركة تدير الخطة، وقرر بن غفير بأنها لجنة “تنظيم يساري متطرف”.

هذه الخطة مخصصة لسبع سلطات محلية عربية، تبناها رؤساؤها بسرور، خطة تؤكد الحاجة إلى الرفاه والتعليم في المجتمع، واستهدفت استكمال الدور التقليدي للشرطة. بدون تعليم على المواطنة الجيدة، وبدون تعاون من قبل المجتمع، فإن الاعتقالات ومصادرة السلاح لن تجتث الجريمة.

هاكم حفنة من التاريخ ليعرفها بن غفير. كلمة “الجوينت”، اللجنة المشتركة، أي اللجنة المشتركة اليهودية – الأمريكية للتوزيع، أسست في 1914 في فترة الحرب العالمية الأولى لتجنيد التبرعات وإرسال الغذاء والدواء والأموال لعشرات آلاف اليهود في أرض إسرائيل، الذين كانوا يعانون من الحكم العثماني. هذه البداية المتواضعة نمت منها المنظمة اليهودية الإنسانية الأكبر في العالم، التي تعمل الآن في 70 دولة، وهدفها مساعدة اليهود في أي مكان يحتاجون فيه للمساعدة. حددت المنظمة مهمتها في عدة مجالات، مثل إنقاذ اليهود الذين هم في ضائقة، ومساعدة اليهود المحتاجين، بشكل خاص في حالة الطوارئ، في أي مكان في العالم، واستئناف حياة جاليات يهودية.

ومن بين مشاريع اللجنة المشتركة مساعدة اليهود في الاتحاد السوفييتي السابق الذين عانوا الجوع بعد الثورة البلشفية عام 1917 وفي فترة الحرب الأهلية. في العشرينيات والثلاثينيات، في عهد الأزمة الاقتصادية الكبيرة في أمريكا وأوروبا، هبت اللجنة المشتركة لمساعدة اليهود هناك. وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال النازية لأوروبا، عملت اللجنة المشتركة بسرية، مع تعريض موظفيها للخطر، لمساعدة اليهود في فترة الكارثة. رؤساء المنظمة أداروا معركة حازمة مكنت من تهريب نحو 80 ألف يهودي إلى أماكن آمنة، وأرسلوا الغذاء لسجناء وساعدوا في تمويل التنظيمات السرية اليهودية التي ثارت في تمرد غيتو وارسو في ربيع 1943.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لعبت اللجنة المشتركة دوراً مهماً في مساعدة الناجين من الكارثة في المخيمات، وفي هذا الإطار أقامت المنظمة علاقة مع مؤسسة الهجرة الثانية (غير القانونية)، ومنظمة “الهرب” التابعة للهاغاناة، وكان لها دور أيضاً في التمويل والمساعدة في عمليات تهريب اليهود بالسر إلى أرض إسرائيل. هذه العلاقات أدت إلى صداقة عميقة للجنة المشتركة مع مؤسسة الاستخبارات والمهمات الخاصة.

استخدمت اللجنة المشتركة نشاطاتها في أرجاء العالم لمساعدة اليهود على الهجرة إلى إسرائيل من الأراضي المنكوبة. وكانت شريكة في التمويل والمساعدة اللوجستية والدبلوماسية لعمليات سرية للموساد في اليمن (البساط السحري) وفي العراق (عزرا ونحاميا) وفي ليبيا وسوريا ولبنان وإيران والسودان. في إحدى العمليات السرية جداً، نقلت اللجنة المشتركة الأموال التي استخدمت كرشوة لصدام حسين وزعماء العراق في سبعينيات القرن الماضي من أجل إنقاذ اليهود الذين بقوا في العراق. موظفو اللجنة المشتركة وجدوا أنفسهم أكثر من مرة في خطر على حياتهم، وتم إعدام بعضهم أو قتل أثناء أداء المهمة. توفي أحدهم، تشارلز جوردن، في 1967 في براغ، كما يبدو قتل على يد مخابرات التشيك بمهمة من الـ “كي.جي.بي”.

عندما تعززت العلاقات بين اللجنة المشتركة وإسرائيل، تحملت اللجنة المسؤولية عن مهمة رابعة، وهي تحسين حياة الشيوخ والمهاجرين الجدد والأطفال في ضائقة والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والعاطلين المزمنين عن العمل. حصلت على جائزة إسرائيل بسبب نشاطات اللجنة المشتركة. أن يتم اعتبار اللجنة المشتركة التي عملت مع كل حكومات إسرائيل “تنظيم يساري” فإن هذه نكتة محزنة. الآن جاء وزير ليست لديه أي مؤهلات مهنية، ويشهد على ذلك أشخاص رفيعون في شرطة إسرائيل، الذي كل ما يعنيه هو المنشورات في “تيك توك” والعلاقات العامة، ويحاول تخريب عمل منظمة إنسانية تعتبر من المنظمات المهمة في العالم. بقراره تضييق نشاطات اللجنة المشتركة في المجتمع العربي، يطلق بن غفير النار على قدمه. فهو يضر بما حقق له الإنجازات في الانتخابات الأخيرة عندما عرض كمهمة أولية بالنسبة له الحوكمة ومحاربة الجريمة في المجتمع العربي.

 يبدو أن كراهية بن غفير للعرب تخرجه عن أطواره. قراره يطلق رائحة العنصرية والقرف من نشاط غير عنيف، بل يرتكز على الأخلاق وقيم اليهودية والقيم العالمية. لا يوجد الكثير من التوقعات من بن غفير، الذي يصعب عليه الفهم بأنه لم يعد أحد “فتيان التلال” وأحد المحرضين، بل أصبح وزيراً في الحكومة الذي يجب عليه تحمل المسؤولية الوزارية المطلوب فيها اعتبارات ومسؤولية. ولكن صمتاً جباناً انتهجه وزراء الحكومة، وعلى رأسهم نتنياهو الذي يعرف أهمية اللجنة المشتركة ونشاطاتها العلنية والسرية، يدل على أنهم يخشون من المواجهة حتى مع بن غفير، حتى في موضوع لا خلاف عليه وحوله إجماع من جميع الأحزاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى