ترجمات عبرية

هآرتس: بالأرقام: فشل المشروع الاستيطاني

هآرتس 2023-04-08، بقلم: شاؤول اريئيلي: بالأرقام: فشل المشروع الاستيطاني

الآن، حيث تخطط حكومة إسرائيل لاستكمال الانتقال من احتلال “المناطق” إلى “ضمّها”، يجدر بنا أن نفحص إلى أي درجة نجح مشروع الاستيطان – هدف مركب للانقلاب النظامي – وما هو المستقبل الذي ينتظره. بنظرة خاطفة إلى عدد المستوطنين (475 الفاً) وعدد المستوطنات (126، بالاضافة الى 135 بؤرة استيطانية غير قانونية، منها عشرات المزارع الزراعية)، يبدو أن الأمر يتعلق بقصة نجاح. ولكن ما كشفت عنه دراسة معمقة للبيانات الديمغرافية (المؤقتة) في منطقة “يهودا” و”السامرة” للعام 2022، والتي نشرها مكتب الاحصاء المركزي، الشهر الماضي، مختلف تماماً.

حسب المكتب المركزي للاحصاء، فإن معدل الزيادة السنوي بين سكان المستوطنات هو 2.4 في المئة. هل زيادة كهذه، الاعلى ولكن بقليل من معدل الزيادة العامة في السكان (2.2 في المئة) هو نجاح؟ الإجابة لا، لأن الشيطان يختفي في التفاصيل الصغيرة، وفي قراءة معمقة للبيانات. أولا، اضيف للـ 464.462 إسرائيلياً الذين تم احصاؤهم في “يهودا” و”السامرة” في نهاية 2021 وفي 2022 فقط 11.247، وهي الزيادة الادنى في الـ 12 سنة الاخيرة، الثانية بعد 2020، والتي اضيف فيها فقط 10.017. حسب هذا الرقم فان معدل الزيادة السنوية في “يهودا” و”السامرة” موجود في حضيض غير مسبوق. ولكن لا يكفي فحص الزيادة في عدد المستوطنين من أجل أن نفهم حقا التغييرات الديمغرافية في المستوطنات، بل يجب التعمق في مصادر التغيير في الزيادة السنوية وفي اتجاهاتها.

ميزان الهجرة الداخلية، والذي كان سلبياً للمرة الأولى في 2020، حيث وصل 842 (عدد السكان الذين انتقلوا من “يهودا” و”السامرة” الى إسرائيل كان أعلى بـ 842 من عدد أولئك الذين انتقلوا من إسرائيل الى “يهودا” و”السامرة”) تغير في 2021 الى ميزان إيجابي عندما أُضيف 74 شخصاً، ولكنه عاد ليصبح سلبياً في 2022 (ناقص 1.022). فقط مضاعفة ميزان الداخلين الى “يهودا” و”السامرة” من الخارج في 2022 (أكثر من 80 في المئة منهم من روسيا ومن اوكرانيا في أعقاب الحرب) أوصل ميزان الهجرة الإجمالي الى رقم ايجابي ضئيل (278 شخصاً). يدلل تحليل البيانات الديمغرافية في العقد الأخير، على أنه في النصف الاول ساهم ميزان الهجرة الإجمالي بحوالي الربع من الزيادة السنوية للسكان الإسرائيليين في “يهودا” و”السامرة”، في حين أنه في النصف الثاني من العقد فإن هذا الميزان ساهم بأقل من 10 في المئة، وفي 2022 كان 2.2 في المئة فقط. اذا كان الامر كذلك، فان الزيادة السنوية في “يهودا” و”السامرة” ترتكز في معظمها على زيادة طبيعية، تغطي على توجهات لهجرة سلبية من المستوطنات.

ولكن اذا كانت الزيادة الطبيعية عالية، رغم توجهات الهجرة، ربما مع ذلك يدور الحديث عن قصة نجاح؟ ان التعمق في مصادر الزيادة الطبيعية يكشف ظاهرة نعرفها منذ سنين، ولكن يتم اخفاؤها عمدا من قبل رجال دعاية الاستيطان: 47 في المئة من اجمالي الزيادة الطبيعية مصدرها في المدينتين الحريديتين، موديعين عيلت (3.239 نسمة) وبيتار عيليت (2.538 نسمة)، والتي يسكن في كلتيهما حوالي ثلث اجمالي الإسرائيليين في “يهودا” و”السامرة”. أي أن مشروع الاستيطان يجد صعوبة في المحافظة على سكانه، ويتميز بهجرة سلبية – في المستوطنات الايديولوجية وفي مستوطنات جودة الحياة الفضلى على حد سواء – ولكن الفشل المدوي هذا لا يدرك فوراً من البيانات، لأن معدل الولادة الحريدية العالي يخفي ما يحدث في الحقيقة.

إذا واصلت هذه الاتجاهات، فان الحريديين بالضرورة سيتحولون خلال عقد الى حوالي نصف سكان “يهودا” و”السامرة”، ونسبة العلمانيين هناك ستكون اقل من 15 في المئة (الباقي سيكونون متدينين وطنيين). سيكون لهذا الواقع تداعيات اقتصادية كبيرة، نظرا لان المستوطنات الحريدية تقع في العنقود 1، الادنى على المقياس الاجتماعي – الاقتصادي للمكتب المركزي للاحصاء. هذا عبء يثقل أكثر فأكثر على دافع الضرائب الإسرائيلي، دون افق للتغيير، بسبب غياب مصادر تشغيل لإسرائيليين في “يهودا” و”السامرة”. 60 في المئة من قوة العمل للإسرائيليين في “يهودا” و”السامرة” يعملون في إسرائيل، ومعظم الباقين يشتغلون في وظائف بلدية في المستوطنات نفسها.

في مجلس “يشع” لا يحبون هذه البيانات، ويفضلون الادعاء بأن هذه الاتجاهات هي نتيجة لعدم إعطاء عدد كافٍ من تراخيص البناء. هذا ادعاء بالإمكان دحضه بسهولة: في السنوات الخمس الأخيرة تم الإبلاغ عن عدد حالات الشروع في البناء من قبل المكتب المركزي للإحصاء، حيث كان أعلى بعشرات النسب المئوية مما كان عليه في السنوات الخمس التي سبقتها. في 7 كانون الثاني 2021 كتب مدير عام مجلس “يشع”، يغئيل دلموني، في مقال له في “هآرتس”: “فقط قبل حوالي سنتين صودق على مئات الوحدات السكنية في ارئيل، وهذا العام في معاليه أدوميم. وسنبدأ في رؤية إسكانها في السنة القادمة”، اي في 2021. وماذا حدث بعد ذلك؟

في العام 2021 كان في أرئيل ميزان هجرة سلبي يبلغ ناقص 168، وفي معاليه ادوميم كان هنالك ميزان هجرة سلبي يبلغ ناقص 872. علاوة على ذلك كان مجمل الزيادة السنوية في أرئيل 30 شخصا فقط، وفي معاليه ادوميم هبط عدد السكان بـناقص 314. استمر هذا الاتجاه في هاتين المدينتين العلمانيتين ايضا في 2022. واصلت أرئيل تميزها بميزان هجرة سلبي (ناقص 85) وزيادة سنوية لأقل من 100 نسمة. منذ 2021 أقصيت وتحولت الى المستوطنة الرابعة في حجمها بعد جفعات زئيف، وما زال عدد سكانها لم يتجاوز حاجز الـ 20 الفا. في معاليه ادوميم، رغم انها حظيت في السنة الماضية بعدد المهاجرين الاعلى، فان عدد السكان الاجمالي انخفض بـ 132 نسمة. في هذا الاتجاه من الهجرة السلبية تشارك في السنوات الثلاث الاخيرة ايضا المدينتان الحريديتان. في 2020 ترك موديعين عيليت 758 مواطنا أكثر من الذين دخلوا اليها، وفي 2021 تركها 452 اكثر من الذين دخلوا اليها. وفي 2022 غادر 867 مواطناً أكثر من الذين دخلوا اليها. هكذا أيضاً في بيتار عيليت (1.752، 158 و 419 على التوالي ). مثلما أُشير أعلاه فقط الزيادة الطبيعية المرتفعة في هذه المدن هي التي حافظت على زيادة سنوية إيجابية.

الاستنتاج هو أن السكن في “المناطق” ليس جذاباً رغم كل التسهيلات والمزايا، وان المستوطنات لا تنجح في جذب سكان جدد لكي يغلقوا الفجوة التي يخلقها المغادرون. اذا كان هنالك من لا يزال يأمل في أن المستوطنات اليهودية ستغير الميزان الديمغرافي في “المناطق” فان هنالك خيبة أمل تنتظره. نسبة الإسرائيليين من مجمل سكان الضفة الغربية هو في حالة هبوط. واليوم يبلغ 13.5 في المئة فقط. من نابلس شمالا حتى الخط الاخضر ومن غوش عتصيون جنوبا حتى الخط الاخضر الحضور الإسرائيلي ضئيل، ووزنه الديمغرافي اقل من 4 في المئة. 75 في المئة من الإسرائيليين الذين يسكنون وراء الخط الأخضر (بما في ذلك شرقي القدس) يتركزون في غلاف القدس/ والذي في قمته توجد المدن الثلاث الكبرى، موديعين عيليت، بيتار عيليت ومعاليه أدوميم، وهي التي ستضم لإسرائيل في إطار الاتفاق الدائم، مثلما اقترحت إسرائيل والفلسطينيون.

رغم الدعم الكثير الذي تحصل عليه حركة المستوطنين من جهات سياسية ومن حكومات إسرائيل فانها لم تنجح في الاستيطان في قلب الجمهور الإسرائيلي، رغم محاولة عرضها كنجاح لا يمكن التراجع عنه، عن طريق عرض خاطف لعدد المستوطنين والمستوطنات. بالمعنى النفسي الخط الاخضر لم يمحَ بل تعمق بالتحديد.

فعلياً رغم دعم القيادة السياسية، فإن معظم انجازات حركة المستوطنين هشة جداً. كان بالإمكان رؤية ذلك في الانفصال عن غزة: من اللحظة التي فقدت فيها حركة المستوطنين دعم الدولة فقد بقيت تقريباً عاجزة، ولم تنجح في الدفاع عن المستوطنات. أيد الجمهور بأغلبيته موقف الدولة، ولم يؤيد موقف حركة المستوطنين. أيضا اليوم تؤيد فقط أقلية في المجتمع الإسرائيلي توسيع المستوطنات، وعدد اقل من ذلك يؤيد ضماً أحادي الجانب للضفة. موقف المجتمع الدولي معادٍ لدرجة كبيرة لكل المستوطنات، ويرى المجتمع الدولي فيها خرقا للقانوني الدولي. قرار 2334 لمجلس الأمن في 2016 دعا الى تفكيكها. في خلال ذلك تبنت حكومة إسرائيل الحالية ورؤساء المستوطنين اليوم خطة تتضمن مدماكين اساسيين: الأول وهو الذي يرتكز الى فهم انه ليس بالإمكان هزيمة الديمغرافيا الفلسطينية وضم كل “يهودا” و”السامرة” بدون المس بالأغلبية اليهودية لدولة إسرائيل. هو يتبنى منع إقامة دولة فلسطينية عن طريق إضرار كبير بالتواصل الجغرافي الفلسطيني في سفح الجبل. المنطقة التي تناسب تحقيق هذا الهدف وتقسم الضفة الى اثنين هو غلاف القدس، والذي اليوم نصف سكانه هم يهود. بناء على ذلك، تريد الحكومة بقيادة بتسلئيل سموتريتش تكثيف هذه المنطقة ببناء أحياء ضخمة في القدس وفي المستوطنات التي حولها.

في شمال القدس، فيما كان يسمى مطار عطروت، يخطط لإقامة حي يضم 9 آلاف وحدة سكنية، وفي جنوب المدينة يبنى حي جفعات همتوس – 2.610 وحدة سكنية وقريباً منها يخطط لحيين جديدين، قناة المياه السفلى مع 1.446 وحدة سكنية وهار حوما (جبل ابو غنيم) مع 539 وحدة. بالإضافة الى ذلك يخطط للمزيد من الاحياء: جفعات هشكيد بالقرب من بيت صفافا مع 473 وحدة، وفي معاليه ادوميم حي مفسيرت ادوميم (E-1) مع 3.412 وحدة سكنية، وفي افرات، وجفعات عيتام مع 2.500 وحدة. في الآونة الأخيرة صودق في لجنة التخطيط العليا التابعة للإدارة المدنية على مئات الوحدات السكنية الأخرى في مستوطنات أخرى في غلاف القدس. يدور الحديث، إذاً، عن إضافة تبلغ اكثر من 22 ألف وحدة سكنية.

مشروع الاستيطان هو سلالة خطيرة من الصهيونية، وسوف يقود الى دولة أغلبيتها غير يهودية، دولة فيها وبصورة ساخرة وحزينة، سيدفع السكان اليهود غير الصهيونيين الى الزاوية السكان اليهود الصهيونيين، بمساعدة تشجيع ومنح من الدولة. ستقود هذه العملية الى انهيار اقتصادي، أخلاقي، واجتماعي سيهدد وجودنا هنا. على المعسكر الليبرالي – الديمقراطي ان يناضل ليس فقط لوقف الانقلاب النظامي، بل أيضا لإعادة دولة إسرائيل الى قيم وثيقة الاستقلال، وإنهاء النزاع بانفصال سياسي عن الفلسطينيين عبر اتفاق.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى