ترجمات عبرية

هآرتس: انقلاب ديمغرافي: اليهود غرب نهر الأردن أصبحوا أقليّة

هآرتس 2022-08-06، بقلم: شاؤول اريئيلي

في “إعلان القدس”، الذي وقع عليه، الشهر الماضي، الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الحكومة، يائير لابيد، والذي أعلن فيه بايدن التزامه الشخصي بعيد المدى باتفاق سياسي، تم حصر حل الدولتين في جملة واحدة في نهاية الوثيقة. الكرة فيما يتعلق بالنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين توجد في يد الطرفين، بالأساس في يد إسرائيل. السؤال هو هل القيادة الإسرائيلية تقود دولة إسرائيل بشكل واع نحو هدف وطني استراتيجي مقبول على المجتمع الإسرائيلي – اليهودي والعربي.

تظهر الاستطلاعات الجديدة، التي أجريناها، أن الجمهور الإسرائيلي لا يدرك بأن الدولة تسير نحو واقع من شأنه أن يقوض كل المشروع الصهيوني. وهذا الجمهور مصاب بالعمى بخصوص التهديدات المستقبلية التي يمكن أن تؤثر على مصيره ومستقبله. يجب التأكيد على أنه حتى الآن، خلافا لقرارات كثيرة للحركة الصهيونية ودولة إسرائيل فيما يتعلق بتقسيم البلاد من 29 تشرين الثاني 1947 وحتى “حلم السلام لترامب” من كانون الثاني 2020، لم تتخذ أي حكومة إسرائيلية قرار تبني حل الدولة الواحدة، ولم تناقش الكنيست في أي وقت هذه الاحتمالية.

حسب الإدارة المدنية فإنه بدءاً من العام 2020 فإن اليهود هم أقلية – 49 في المئة – من إجمالي السكان الذين يوجدون غرب نهر الأردن. هذا هو الانقلاب الديمغرافي الثاني، الذي حدث خلال أقل من مئة سنة، الأول كان في 1949 بعد “حرب الاستقلال”، الذي حول اليهود الى الأغلبية في دولة إسرائيل، التي امتدت على مساحة 78 في المئة من مساحة البلاد. ولكن الانقلاب الديمغرافي في العام 2020 مر بهدوء مفاجئ رغم الإمكانية الكامنة والمتفجرة المدفونة فيه.

توفر الاستطلاعات، التي أجريت في السنوات الأربع الأخيرة في المجتمع الإسرائيلي، صورة شاملة، سواء حول مواقف الجمهور الإسرائيلي (اليهود والعرب) أم بخصوص رؤيته للواقع وفهمه للعمليات المهمة التي تحدث تحت الأرض. يعتبر معظم الجمهور اليهودي في الدولة نفسه يمينياً، ويصوت للأحزاب اليمينية، ما ينعكس في الـ 72 مقعداً لأحزاب اليمين في الكنيست الـ 24. ولكن معظم الجمهور اليهودي يؤمن أيضا بأنه يجب الانفصال عن الفلسطينيين.

لقد قمنا بفحص تأييد الجمهور اليهودي لحلول سياسية مختلفة في سبعة استطلاعات أجريت في الأعوام 2018 – 2022. وقد طلب من المستطلعين تحديد الاحتمال الأفضل لهم من بين اربعة احتمالات: اتفاق سياسي مع الفلسطينيين على دولتين لشعبين، او انفصال إسرائيلي أحادي الجانب عن الفلسطينيين، يشمل إخلاء مستوطنات نائية وانكفاء خلف جدار الفصل وبقاء الجيش الإسرائيلي على الأرض الى حين التوصل الى اتفاق دائم، أو ضم أحادي الجانب لمناطق “يهودا” و”السامرة”، أو استمرار الوضع الراهن.

في الاستطلاع الأخير الذي اجري في حزيران 2022، أيد اكثر من 60 في المئة من اليهود حل الانفصال عن الفلسطينيين (اتفاق سياسي أو انفصال أحادي الجانب)، وأيد 16 في المئة ضما أحادي الجانب لـ”المناطق”. ولكن يجب الإشارة الى أن تأييد الانفصال عن الفلسطينيين تآكل مع مرور الوقت. ففي العام 2018 تقريبا أيد ثلاثة أرباع الجمهور الإسرائيلي اتفاقا سياسيا أو الانفصال. ومن استطلاع الى آخر أخذ هذا العدد بالتقلص. من يؤيدون الانفصال لم ينتقلوا الى دعم الضم أحادي الجانب، بل الى استمرار الوضع القائم. مقابل 10 في المئة، أيدوا هذه الاحتمالية في 2018، في 2022 ايد هذه الاحتمالية اكثر من 20 في المئة. تأييد الضم بقي على حاله، باستثناء وقت قصير، في نهاية 2019 وبداية 2020، حيث ارتفع الى 25 في المئة تقريبا بسبب خطة ترامب والدعوة العلنية لرئيس الحكومة في حينه، بنيامين نتنياهو، لضم مناطق لإسرائيل كما يبدو.  

في استطلاع سابق أُجري في العام 2020 طُلب فحص العلاقة بين تأييد حلول سياسية مختلفة وبين التصويت للكتلتين السياسيتين، اليمين واليسار، في الانتخابات التي أُجريت في آذار 2020. وقد وجد أن التصويت لليمين تقريبا لا يتم تفسيره عن طريق تأييد الضم. في المقابل، تأييد حل الانفصال، بدولتين أو انفصال مبادر إليه، تنبأ بصورة كبيرة بالتصويت، حيث فسر دعم الدولتين التصويت لكتلة اليسار – الوسط، في حين فسر تأييد الانفصال الإسرائيلي المبادر إليه التصويت لليمين.

في استطلاع حزيران 2022 ظهر أنه رغم أن معظم الجمهور يفضل حل الانفصال، إلا أنه أيضا يؤمن بأن الأغلبية لا تؤيد هذا الحل. أي أن الأغلبية تؤمن بأنها أقلية. يعتقد الجمهور اليهودي أيضا أن الفلسطينيين غير معنيين بحل الدولتين رغم أن استطلاعات في السلطة الفلسطينية تدل على أنه رغم التآكل الذي حدث مع مرور الوقت في دعم هذا الحل، إلا أنه ما زال الأكثر شعبية. مع ذلك، أيضا تراجع الفلسطينيون عن فكرة حل الدولتين. وإذا كانت الأغلبية في السابق تؤيد المصالحة مع إسرائيل إلا أن اقل من ثلث الجمهور الفلسطيني، الآن، يؤيدها.

لا يؤمن الجمهور اليهودي بأن حل الدولتين ما زال قابلا للتحقق (60 في المئة)، والتفسير السائد لذلك هو أنه لا يوجد ولن يوجد شريك فلسطيني. في المقابل، يعارض الجمهور اليهودي بشدة حل دولة واحدة من البحر الى النهر. في حين أن المعارضة لدولة واحدة ديمقراطية مع حقوق متساوية لليهود والعرب شديدة بشكل خاص (80 في المئة في أوساط الجمهور اليهودي) فإن المعارضة لدولة غير ديمقراطية يكون فيها للفلسطينيين حقوق مقيم وليس حقوق مواطنة كاملة، هي معارضة معتدلة اكثر، 53 في المئة يعارضون هذه الاحتمالية. مع ذلك، حوالي ثلث الجمهور اليهودي مستعد لقبول احتمالية دولة يهودية غير ديمقراطية من البحر حتى النهر.

الجمهور اليهودي غير معني بدولة واحدة، لكنه لا يقلق من احتمالية أن تتحول إسرائيل الى مثل هذه الدولة. تعتقد الأغلبية (80 في المئة) أننا بعيدون جدا عن هذه الاحتمالية أو عن احتمالية دولة “أبرتهايد”، وأنه لا يوجد أي خوف من أن نصل الى وضع كهذا. هذه الفجوة بين العقليات في العالم – الذي يعتقد أن إسرائيل تتبع سياسة “الأبرتهايد” مع الفلسطينيين ومع عقلية الجمهور اليهودي – يمكن أن تعكس رؤية ذاتية، وعدم معرفة الواقع الديمغرافي يدل على رؤية مشوهة للحقائق.

يؤمن معظم الجمهور في إسرائيل بأنه توجد أغلبية واضحة، 62 في المئة واكثر، من اليهود بين البحر والنهر (في “ارض إسرائيل” الانتدابية، بما في ذلك أراضي إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة)، رغم أنه فعليا توجد، الآن، أقلية يهودية في “ارض إسرائيل” الانتدابية. تبرز هذه الفجوة إزاء حقيقة أنه إذا تمت إقامة دولة واحدة فإن الأغلبية الساحقة من الجمهور اليهودي تعتقد أنه يجب أن يكون فيها أغلبية، على الأقل 70 في المئة، من اليهود من اجل أن تستطيع مواصلة اعتبار نفسها دولة يهودية.

يعتقد الجمهور العربي في إسرائيل في المقابل أننا قريبون من دولة واحدة، ويعتقد النصف بأننا أصبحنا في وضع دولة واحدة، لا توجد فيها مساواة في الحقوق بين اليهود والعرب. يفضل الجمهور العربي في معظمه اتفاقا سياسيا بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه شبيه بالجمهور اليهودي، لا يؤمن بأن مثل هذا الاتفاق ما زال ممكنا.

في السنتين الأخيرتين، اختفى تقريبا النقاش السياسي بين من يؤيدون تقسيم البلاد ومن يؤيدون “ارض إسرائيل الكاملة”. نزل هذا الموضوع من العناوين، ويبدو أنه لم يعد هناك من يهتم به. عمليا، لا ينجح الواقع المتغير في اقتحام شاشة الإنكار. الاستطلاعات التي نقوم بإجرائها خلال سنين تدل على أن الجمهور الإسرائيلي (وربما أيضا القيادة) يسير بشكل أعمى نحو واقع لا يريده أبدا.

الإسرائيليون غير واعين للعملية الزاحفة لخلق الدولة الواحدة التي يعارضونها. هم ينكرون الواقع الديمغرافي الذي لا يسمح بقيام دولة يهودية وديمقراطية بين البحر والنهر. ولا يعرفون التغيرات المهمة في مزاج العالم بالنسبة “للوضع الراهن” أو الحساسية المتزايدة في العالم إزاء عدم المساواة.

كتب يهوشفاط هركابي في كتابه الصادر في 1986 بعنوان “قرارات مصيرية حاسمة”: “أعترف بالحق الديمقراطي لليهود في إسرائيل أن يجلبوا لأنفسهم انتحارا وطنيا. إذا حدث ذلك فسأذهب معهم. ولكن بقدر استطاعتي أريد تحذيرهم من ذلك”. أيضا نريد أن نضع أمام القيادة وأمام الجمهور إشارة تحذير ضوئية من إمكانية أن تتحول إسرائيل الى دولة واحدة غير مساواتية بين البحر والنهر. لا نحذر من تجسيد الحق الديمقراطي للجمهور الإسرائيلي في تقرير مصيره، بل من الانجراف غير الواعي نحو واقع لا يريده، ولم تتخذ الحكومة والكنيست أي قرار بشأنه. تبحر دولة إسرائيل بشكل أعمى نحو جبل جليد، لكن ما زال يمكن الاستيقاظ وتغيير الاتجاه وتجنب الاصطدام به.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى