ترجمات عبرية

هآرتس: انقلاب ترامب لا يطهر إسرائيل من المسؤولية

هآرتس – تسفي برئيل – 27/7/2025 انقلاب ترامب لا يطهر إسرائيل من المسؤولية

هل ترامب تنازل عن قناة المفاوضات وهو الآن يسمح لاسرائيل بان تفعل في غزة ما تريد واكمال المهمة؟ أو ان الامر يتعلق بمناورة اخرى في ادارة المفاوضات، التي حسب المبعوث الامريكي بشارة بحبح، وصلت وبحق “الى الامتار الاخيرة” من التفاهمات. فقط في الاسبوع الماضي كان ترامب مليء بالتفاؤل واطلق وعود بانه “بعد اسبوعين”، ربما في الاسبوع القادم أو بعد بضعية ايام، يمكن الاعلان عن وقف اطلاق النار.

لقد صرح بشكل علني عن الحاجة الى وقف الحرب وتعهد باعادة جميع المخطوفين، وحتى أنه اظهر تعاطفه مع المعاناة الفظيعة في غزة. بالنسبة لعائلات المخطوفين فان ترامب ومبعوثه ستيف ويتكوف كانا الركيزة الوحيدة للاعتماد عليها، او على الاقل الحصول على الامل منها. الآن يبدو انها، ودولة اسرائيل ايضا، بقيت مرة اخرى مع بنيامين نتنياهو ومع الحكومة التي حصلت كما يبدو على الضوء الاخضر لاحتلال غزة وتطهير سكانها، وفي الطريق تخفيف العبء الذي يسمى “المخطوفين” والذي يمكن ان يصبح ضرر عارض. وهذه المرة باذن من ترامب.

“حماس لم ترغب وبحق في عقد الصفقة. أنا اعتقد أنهم يريدون الموت. هذا سيء جدا”، قال ترامب للمراسلين، وفي نفس الوقت قدر بأنه من الآن فصاعدا قيادة حماس ستتم ملاحقتها. اذا كانت هذه هي خطة عمله فيجدر تذكيره بان قيادة حماس والكثير من قادتها في غزة وفي الخارج لم يعودوا على قيد الحياة. 

لا يقل عن ذلك دهشة هو رد اسرائيل الذي يقول بانهم “سيفحصون بدائل اخرى لاعادة المخطوفين”. بدائل؟ باستثناء وقف الحرب والانسحاب، الجيش الاسرائيلي جرب في السابق كل شيء مثل تصفية زعماء حماس، تدمير معظم المباني والبنى التحتية في القطاع، شق الطرق الواسعة، الامر الذي استهدف تقسيم القطاع، وقف المساعدات الانسانية، الامر الذي تسبب بموت مئات الاشخاص، قتل عشرات آلاف الاشخاص بالجملة بدون كوابح، ومن بين هذه الانتهاكات انتهاك وقف اطلاق النار والمماطلة من اجل كسب الوقت. مع ذلك، بعد سنتين تقريبا من القتال لا تتم معرفة كيف سيتم اعداد هذا البديل المعجزة الذي سيحرر المخطوفين بدون التسبب بموتهم. 

المفاوضات حول تحرير المخطوفين هي فقط عامل واحد في رزمة معقدة تشمل، ضمن امور اخرى، قضية المساعدات الانسانية. ولكن هذه القضية طورت لنفسها “حياة مستقلة”، تضع غزة على رأس سلم الاولويات الدولية، وفي السابق خلقت تابع سياسي تم التعبير عنه باعلان الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون، عن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية. 

اذا كانت المساعدات الانسانية اعتبرت في بداية الحرب وخلالها “اداة مساعدة” عسكرية، وشرط ضروري من اجل الحصول على تصريح امريكي بمواصلة الحرب واستكمال النقص في “السلاح”، فانها في الفترة الاخيرة تحولت الى ساحة قتال منفصلة، دموية، تهدد حياة مئات آلاف الغزيين وتهدد مكانة اسرائيل وطابعها. 

الفشل الذريع في ادارة المنظومة الانسانية، الذي اساسه يكمن في الفشل في انزال المساعدات من الجو قبل اكثر من سنة ومرورا بالميناء العائم الامريكي الذي جرفته الامواج وانتهاء بتفعيل صندوق المساعدة لغزة، الذي عمل تحت غطاء امريكي وتسبب بقتل الآلاف من الغزيين، وضع نتنياهو اسس الحملة الجديدة التي لا يمكن لاسرائيل، “التي ما زالت تعتبرها مشكلة اعلامية”، التعامل معها.

اسرائيل جندت المساعدات الانسانية كسلاح رغم أنه يمكنها مواصلة الحرب وتوفير المساعدات بواسطة منظمات الامم المتحدة والجمعيات التي انشغلت بذلك قبل مشروع الصندوق “الامريكي”. والدليل على ذلك هو استعدادها للسماح مرة اخرى بانزال المساعدات بواسطة الطائرات الاردنية والاماراتية بدون وقف الحرب. من المهم الاشارة الى ان هذه الطلعات، حتى لو حرصت على عدم نزول المساعدات فوق رؤوس السكان، لا يمكن أن تكون البديل الحقيقي لحل الضائقة القاتلة في غزة. حمولة طائرة “هيركولز” تساوي حمولة شاحنة كبيرة. المعنى هو انه ستكون حاجة الى ارسال مئات الطائرات بتكلفة كبيرة. وعندما ستنزل الشحنات بسلام على الارض وليس في البحر، كما حدث في السابق، فان حماس لن تراها من بعيد، وسيتم اظهار تدفق الاشخاص الجائعين الذين يتدافعون في سباق عديم الرحمة في وسائل الاعلام العالمية.

رغم ذلك اسرائيل تنوي محاربة السكان في غزة بذريعة أن المساعدات تستخدمها حماس كمصدر للتمويل والسيطرة على السكان. وليس من نافل القول التذكير بانه في السابق قالت اسرائيل ان منع المساعدات وزيادة الضائقة استهدفت اثارة العصيان المدني في غزة، الذي سيهدد حماس ويجبرها على التنازل عن طلباتها. لم تكن هناك أي حاجة الى الانتظار واثبات فشل هذه الاستراتيجية على الارض. توقع ان المدنيين الذين يهربون للنجاة بانفسهم من الجيش الاسرائيلي من جهة، ومن رجال حماس من جهة اخرى، سينجحون في تخصيص الوقت لتنظيم المظاهرات، هو توقع لا اساس له. 

بعد ذلك اكتسبت المساعدات مهمة استراتيجية عندما بدأت تعمل كنوع من الجرافة العملاقة التي تدفع السكان الى مناطق تجميع في الطريق الى تجسيد حلم الترانسفير الذي نجح فيه ترامب بمفاجأة واسعاد نتنياهو وعصابته، الذين يحلمون بالفعل باعادة الاستيطان في غزة. 

في الذرائع التي بررت فيها الحكومة المأساة الانسانية، يصعب ايجاد منطق ثابت أو خطة يمكن أن تؤدي الى أي نتيجة. اذا كان ما يقلق اسرائيل هو التمويل والسيطرة التي من شأن حماس أن تحققها بواسطة المساعدات، فان البديل يوجد في اقتراح مصر الذي يشمل تشكيل لجنة خبراء للادارة المدنية برعاية السلطة الفلسطينية وبدون تدخل حماس. تطبيق هذا الاقتراح يمكن أن يجند قوى عربية ودولية، ولكن بالاساس هو لن يمنع الجيش الاسرائيلي من مواصلة العمل ضد حماس، كما يفعل ذلك في الضفة التي تسيطر فيها السلطة الفلسطينية، ومواصلة التنسيق الامني معها. ايضا في لبنان أو في سوريا، التي تقوم اسرائيل بمهاجمتها في الوقت الذي وقعت فيه معها على اتفاقات لوقف اطلاق النار.

اضافة الى ذلك في الاسبوع الماضي اوضح توم براك، المبعوث الامريكي في لبنان وسوريا، بأن “الولايات المتحدة لا يمكنها فرض أي شيء على اسرائيل في قضية وقف اطلاق النار في لبنان”. يمكن التقدير ان هذا الموقف سيكون ساري المفعول ايضا على أي اتفاق لوقف اطلاق النار مع حماس. فقط يجب أن يكون قد عاد جميع المخطوفين الى البيت. 

لكن مجرد ذكر السلطة كخيار للسيطرة في قطاع غزة يعتبره نتنياهو خيانة لاساس وجود اسرائيل. لا يوجد خلاف على ان السلطة بتشكيلتها الحالية هي مجموعة من السقالات بدون بناية. فهي ورئيسها ليست لهم شرعية في اوساط الجمهور، خزينتها فارغة وقدرتها العسكرية معدومة. 

لكن السلطة الفلسطينية يوجد لها ذخر استراتيجي واحد يمكن أن يرجح الكفة. فهي الجسم المعترف به والذي يمثل حق الفلسطينيين في غزة. وحتى لو كان الامر في هذه الاثناء يتعلق فقط بـ “ماركة مسجلة” وليس “منتج حقيقي”، فان من صلاحيتها استدعاء التعاون العربي والدولي لادارة القطاع. هذه المكانة الرسمية يوجد لها اهمية كبيرة بالنسبة للدول العربية التي عبرت عن استعدادها للمشاركة في قوة متعددة الجنسيات في القطاع بدون الظهور كمن تتدخل في الشؤون الداخلية الفلسطينية، أو كأداة لاسرائيل.

ولكن بالنسبة لحكومة اسرائيل فان دخول السلطة الى غزة مع قوات عربية يعني تصفية مركزة للترانسفير، وتحطم حلم استيطان القطاع، وبالاساس توحيد القطاع والضفة الغربية تحت سلطة ممثلة واحدة. هذا هو التهديد الذي من اجل القضاء عليه، بنيت بحرص واجتهاد خطة نتنياهو الرئيسية، التي من اجلها تعهد حماس وسمح بتمويلها بمئات ملايين الدولارات في سنوات حكمه. حسب نتنياهو فانه محظور السماح للسلطة الفلسطينية ومحمود عباس الادعاء بأنهم يمثلون جميع الفلسطينيين ويسيطرون على كل فلسطين، وبذلك هم يستحقون الاعتراف بالدولة المستقلة. من هنا فانه لا توجد أي صلة بمسألة اذا كانت السلطة تستطيع مواجهة حماس. وبالتالي، حتى لو كانت مسلحة بافضل سلاح ومقاتلوها من المقاتلين الشجعان المستعدين للتضحية بانفسهم من اجل اجتثاث حماس، فان اسرائيل لن تسمح بأن يكون لهم موطيء قدم في غزة.

من هنا الخوف الكبير من تعهد ماكرون بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، الامر الذي سيعطي السلطة الشرعية الدولية ضد جهود اسرائيل القمعية. يجب الذكر بان فرنسا ليست الدولة الاولى التي تعترف بالدولة الفلسطينية، واعلان ماكرون لن يقيم في ايلول الدولة الفلسطينية. ولكن مكانتها كعضوة في مجلس الامن وفي الاتحاد الاوروبي وفي منظمات دولية، يعطي هذا الاعلان وزن خاص، لا سيما عندما يستند الى التعاون مع السعودية، الحليفة المقربة من ترامب. اسرائيل التي حولت غزة الى “قضية دولية” لن تستطيع الآن الشكوى لمن ياخذ منها العصا ويدفع قدما بحل دولي.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى