هآرتس: اليوم التالي للسنوار

هآرتس 18/10/2024، عاموس هرئيل: اليوم التالي للسنوار
نهاية يحيى السنوار جاءت بالصدفة. الرجل المسؤول اكثر من الجميع عن مذبحة 7 أكتوبر والحرب الإقليمية التي اندلعت بعدها، لم يقتل في عملية اغتيال ذكية للشباك والموساد ولم يسقط في قتال مع جنود دورية هيئة الأركان، وحتى لم يُقتل بقنبلة ذكية لسلاح الجو. لقد مات، حسب كل الدلائل، في اصطدام روتيني في رفح مع قوة من سلاح المشاة والمدرعات التي لم يكن لرجالها أي معلومة مسبقة عن وجود زعيم حماس والمطلوب رقم واحد في المنطقة.
باستثناء موت السنوار فان المعلومة الصغيرة والاهم هي أنه لم يصب مخطوفين في الحادث الذي قتل فيه زعيم حماس في القطاع مع مخربين آخرين. في السنة الأخيرة تحرك السنوار بين حين وآخر وهو محاط بدرع بشري على صورة مجموعات متغيرة من المخطوفين الإسرائيليين. في جهاز الامن يعتقدون أن المخطوفين الستة الأخيرين الذين قتلوا على يد حماس في رفح في نهاية شهر آب تم احتجازهم في فترة معينة قرب السنوار الذي اختبأ في الانفاق. لذلك، في عدة احداث إسرائيل امتنعت عن محاولة المس به. ولكن يمكن التقدير بأنه مثل محمد ضيف، الذي قتل في عملية اغتيال في تموز في منطقة المواصي في جنوب القطاع، أيضا السنوار تحرك بين حين وآخر بدون مخطوفين وتجول أيضا فوق الأرض ولم يبق طوال الوقت في الانفاق. هكذا كان عندما أصيب السنوار في يوم الأربعاء ليلا. لقد تم العثور عليه وهو يرتدي درع حربي ويحمل السلاح. بين الجثث وجدت أيضا أموال ووثائق شخصية. في حالة السنوار، يبدو أنها مزورة.
المسألة الأساسية هي كيف سيؤثر الاغتيال على استمرار الحرب، وبالاساس على المفاوضات حول صفقة التبادل. سوية مع الضيف كان السنوار هو العقل التنفيذي الذي يقف وراء خطة تنفيذ الهجوم المفاجيء على بلدات الغلاف وعلى المشاركين في الحفلة وعلى مواقع الجيش الإسرائيلي. خلال فترة طويلة في الحرب طرح خط متشدد الذي وضع طلبات عالية مقابل تحرير باقي المخطوفين بعد انهيار الصفقة الأولى في كانون الأول الماضي. أيضا في الجانب الإسرائيلي وضعوا صعوبات: ليس سرا أن سياسة تملص متعمدة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أحبطت احتمالية التوصل الى صفقة خلال اشهر كثيرة. السؤال هو هل ورثة السنوار – ربما أحدهم سيكون شقيقة الأصغر محمد – سيصلون بالتدريج الى الاستنتاج بأنه اذا كانوا يريدون البقاء على قيد الحياة وإنقاذ ما تبقى من قيادة حماس فانه يجب عليهم التنازل والتوصل الى صفقة بسرعة.
أعضاء القيادة الآخرين في القطاع وفي الخارج سيبقون على مرمى اهداف إسرائيل حتى في المستقبل. معروف أنه عشية الهجوم ارسل السنوار نائبه، خليل الحية، الى قطر من اجل ابلاغ رئيس المكتب السياسي في الخارج، إسماعيل هنية. شخصيات رفيعة أخرى في قيادة حماس شاركة الى جانب هنية (الذي قتل في تموز الماضي في طهران) في صلاة شكر في فندق في الدوحة عندما وصل نبأ نجاح الهجوم الإرهابي.
يبدو أن الخطوة الصحيحة من ناحية إسرائيل هي العودة الآن بكل القوة الى المفاوضات من اجل التوصل الى صفقة. من غير الواضح ما هي احتمالية نجاحها، لكن يفضل محاولة استغلاف المخاوف في حماس والشعور بالانجاز من الجانب الإسرائيلي من اجل عقد اتفاق وبسرعة. هذا سيكون صعب لأن سلسلة القيادة والسيطرة في حماس تضررت وعلى الأرض يتوقع أن تزداد الفوضى. مع ذلك، حتى لو كانت الاحتمالات غير عالية فانه لا يوجد هنا لدينا وقت لنضيعه. الـ 101 مخطوف محتجزين في القطاع، نصفهم تقريبا لم يعودوا على قيد الحياة. معظم المخطوفين الاحياء محتجزين في ظروف جهنمية. هناك شك في أن مكان عدد غير قليل من جثث المخطوفين لن يتم العثور عليه لأن رجال حماس الذين قاموا بدفنهم لم يعودوا أحياء. في الخلفية هناك شك آخر وهو أن حماس سترغب في المس بالمخطوفين أو إدارة حرب نفسية على ظهرهم كانتقام لاغتيال السنوار. تظهر أيضا إمكانية أن حماس ستنفذ عمليات ثأر من الضفة الغربية.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو سارع الى أن ينسب الفضل لنفسه في نجاح عملية الاغتيال، لكن كالعادة هو يواصل تجنب امرين – الاعتراف بالمسؤولية الأساسية كزعيم للدولة عن الفشل الفظيع الذي سمح بحدوث المذبحة في 7 أكتوبر، وذكر أنه هو الذي اطلق سراح السنوار (في الواقع بدعم من معظم الجمهور الإسرائيلي) عندما قرر المصادقة على صفقة شليط في العام 2011.
لكن الى جانب الحسابات السياسية فانه من المهم أيضا الحساب التاريخي. في يوم المذبحة كتب هنا بأن السنوار والضيف قد ربحا صورة النصر التي يريدانها، لكنهما في نفس الوقت انزلا كارثة على الشعب الفلسطيني، وأنهما سيحظيان بموت الشهداء الذي قالا طوال السنين بأنهما يتمنيانه. معظم الناس الذين كانوا مسؤولين عن خطة الهجوم وكانوا مشاركين في معرفة الموعد السري للعملية، قتلوا منذ ذلك الحين. الشخص الأخير الذي بقي في القطاع هو كما يبدو الشقيق الأصغر للسنوار. أيضا قيادة حزب الله، وعلى رأسها حسن نصر الله، قتلت في معظمها. هذا توجد له أهمية كبيرة، في المنطقة التي تعطي القوة لاستعراض القوة ويرى إسرائيل في ضعفها بعد المذبحة. حتى الآن نحن نحتاج الى عملية سياسية من اجل ترجمة الإنجازات العسكرية الى واقع استراتيجي محسن، حتى اذا كانت القدرات العسكرية لحماس قد تم تفكيكها في معظمها وقيادتها تضررت.
توجد جبهات أخرى
الحادث في رفح حدث في وقت يستمر فيه قتال الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان. مساء أول أمس قتل في معركة هناك خمسة من جنود غولاني، من بينهم قائد فصيل وقائد طاقم. خمسة جنود آخرون أصيبوا. الحادث وقع في داخل بيت في قرية شيعية قرب الحدود مع إسرائيل. رغم انسحاب معظم رجاله إلا أن حزب الله يواصل تشغيل جيوب مقاومة في المنطقة.
هذا تذكير شديد بأنه رغم الإنجازات العملياتية الأخيرة إلا أن الحرب توجد في كل الجبهات وتنطوي على اثمان باهظة. أيضا في اليوم الذي فيه تخلصنا من كبير قتلة اليهود في الجيل الحالي، فان هذا لا يمكنه محو الألم الذي تسبب به، والاستمرار في دفع الثمن من قبل الجمهور الإسرائيلي. محظور أن يطمس الإنجاز في رفح هذا الامر مثلما تثبت ذلك جيدا البيانات “التي سُمح نشرها”.
في قرية أخرى في لبنان فجر الجيش الإسرائيلي في العيد نفق ومنشأة قتالية كبيرة تحت الأرض، التي نشر عنها في “هآرتس” في بداية الأسبوع. في لبنان اشتكوا من الحاق اضرار كبيرة ببيوت القرية وبآثار تاريخية فيها. حتى أنهم ادعوا هناك بأنه لا توجد أي أدلة على وجود استخدام عسكري لحزب الله في هذه المنشأة. هذه هراءات. في جولة قصيرة في النفق كان يمكن رؤية بوضوح أن الامر يتعلق بموقع عسكري تم التخلي عنه من قبل رجال التنظيم عندما دخل الجيش الاسرائيل الى المكان.
توجهات متنافسة
عندما تخفت قضية السنوار سينتقل في الأيام القادمة الاهتمام العالمي الى ما يحدث في الساحة الإيرانية. إسرائيل تهدد برد قريب على اطلاق 181 صاروخ بالستي من ايران في 1 تشرين الأول الحالي (التي من جانبها كان رد إيراني على اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصر الله). عمليا، يجري هنا سباق ضد الزمن بين توجهات متنافسة.
إسرائيل تفحص إمكانية القيام برد تصاعدي، الذي يمكن أن يزيد اكثر سخونة التوتر بينها وبين ايران، الى درجة تبادل اللكمات التي تقوض أيضا المشروع النووي الإيراني – ربما ستدفع النظام في طهران الى محاولة استكمال المشروع. في حين أن الولايات المتحدة تريد كبح الرد الإسرائيلي وفي نفس الوقت تبحث عن قنوات للحوار مع النظام في ايران بهدف وقف تقدمه نحو النووي. كل ذلك يحدث وفي الخلفية يوجد تاريخين حاسمين، الانتخابات الامريكية للرئاسة في 5 تشرين الثاني ودخول رئيس جديد – كمالا هاريس أو دونالد ترامب – الى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني القادم.
يوجد لإسرائيل ثلاثة أنواع من الأهداف لضربها – مواقع عسكرية، منشآت نفط أو منشآت متعلقة بالمشروع النووي – أو الدمج بين عدة أنواع. الرئيس الأمريكي جو بايدن صرح علنا ضد الاحتمالين الأخيرين. ايران تلمح في قنوات مختلفة بأن هجوم إسرائيلي محدود سيمكنها من استيعاب التصعيد ومنع استمرار جولة اللكمات، هكذا تصرفت أيضا في نيسان الماضي عندما اكتفت إسرائيل بتدمير رادار لمنظومة الدفاع الجوي من نوع “اس300” بعد أن اطلقت ايران اكثر من 300 صاروخ وصواريخ كروز ومسيرات نحو أراضيها. في هذه الاثناء يبدو وكأنه لا يوجد للنظام في ايران أي مصلحة في حرب مباشرة مع إسرائيل. الامتدادات الرئيسية التي تمولها ايران القريبة منا، حماس وحزب الله، تعرضت لضربات شديدة ومن المرجح الافتراض أن ايران أيضا بحاجة الى فترة من اجل التعافي وإعادة تخطيط خطواتها.
نتنياهو يلاحظ وجود فرصة. المذبحة الفظيعة في ظل مسؤوليته في 7 أكتوبر أدت الى حرب متعددة الساحات، غزة، لبنان واليمن. فلماذا لا يستمر في القيام بخطوة الى الامام ويعالج أخيرا أيضا ايران، لا سيما التهديد الذي نتعرض له من برنامجها النووي؟ في واشنطن يخشون من ذلك منذ سنوات، خاصة في الأشهر الأخيرة، لأن نتنياهو كان مسرور بجرهم الى تصعيد مع ايران، الذي نهايته ستكون هجوم امريكي أو هجوم مشترك ضد المنشآت النووية. أيضا الإدارة الامريكية الديمقراطية السابقة تحت الرئيس براك أوباما، خشيت في 2012 من سيناريو مشابه. الحل الأمريكي تضمن في حينه اجراء مفاوضات سرية مع ايران، بمساعدة سلطنة عمان، التي كانت نهايتها التوقيع على الاتفاق النووي في 2015. اتصالات مشابهة يمكن أن تجري الآن أيضا بوساطة سلطنة عمان، قطر وحتى سويسرا.
لكن قدرة نتنياهو على المساومة هي افضل مما كانت عليه قبل عقد. أولا، الحرب أصبحت دائرة والمنطقة مشتعلة أصلا، بصورة تمكن إسرائيل من تبرير خطواتها العسكرية ضد ايران، التي تساعد معظم الهجمات الإرهابية ضدها. ثانيا، قدرة المناورة للإدارة الامريكية محدودة. بقي فقط أسبوعين ونصف على الانتخابات والاستطلاعات تشير الى سباق متعادل بين هاريس وترامب، الذي سيحسم كما يبدو بفضل أصوات قليلة نسبيا في ولايات معينة. الديمقراطيون يخشون من مواجهة علنية مع نتنياهو التي يمكن أن تؤثر على توجهات التصويت، واكثر من ذلك، ازمة طاقة عالمية جديدة عشية الانتخابات.
في العام 2012 تردد نتنياهو وامتنع عن مهاجمة المنشآت النووية في ايران على خلفية الخوف من ازمة اكبر مع أوباما ومعارضة رؤساء أجهزة الامن. هذه المرة في واشنطن يقلقون من إمكانية أنه لا يوجد من يوقفه. وزير الدفاع يوآف غالنت ضعف جدا بعد المناورة الأخيرة لنتنياهو، ضم جدعون ساعر وحزبه الى الائتلاف، واوقف فقط في اللحظة الأخيرة ادخال ساعر الى وزارة الدفاع على خلفية التصعيد في لبنان.
كبار قادة الجيش يشعرون في اعماقهم بالذنب بسبب 7 أكتوبر، وهم ينشغلون في جهود يائسة لاصلاح ما افسدوه، بصورة لا تترك لهم قوة الروح المطلوبة من اجل التصادم مع رئيس الحكومة في مواضيع أخرى. بعض المستشارين حول نتنياهو، سواء في منصب رسمي أو بدونه، يعتقدون أنه سنحت فرصة ذهبية لنقل الضغط الى الإيرانيين. يجدر الانتباه الى أن السياسيين الذين يحاولون تطويق نتنياهو من اليمين أيضا مثل افيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت، يوصون بتشديد الخطوات ضد ايران والمس برأس الافعى (أو الاخطبوط، حسب المتحدث). في شهر تموز الماضي صمم نتنياهو على القاء خطاب في الكونغرس رغم تحفظ الإدارة الامريكية. في محادثات منفصلة اجراها مع بايدين وهاريس وترامب سمع كما يبدو رسالة واحدة ووحيدة حول موضوع واحد، الموضوع الإيراني. الثلاثة يعارضون هجوم امريكي ضد المنشآت النووية، والمرشحان للرئاسة أيضا يعملان على اتفاق مع طهران. الافتراض الذي ينطلق منه نتنياهو يقول كما يبدو بأن كل صفقة كهذه ستكون سيئة لإسرائيل. ترامب تبجح بأنه سيحل الازمات في العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية وايران بعد فترة قصيرة من عودته الى البيت الأبيض.
هناك إمكانية أخرى حتى الآن لا يمكن استبعادها وهي أن ترامب سيستخدم جهاز التدمير الذاتي المتطور لديه في الأسابيع التي بقيت، ويمكن مع ذلك من حدوث فوز لهاريس. مهما كان الامر فان هذا لا يبقي في يد نتنياهو وقت كثير للتقرير حول اتجاه عمليته. الامر الذي حسب التحليلات التي نشرت خلال السنين في وسائل الاعلام الأجنبية، هناك صعوبة في مهاجمة ايران في الشتاء بسبب تأثير المناخ على ظروف الرؤية.