ترجمات عبرية

هآرتس: الولايات المتحدة ملّت نتنياهو

هآرتس 2023-03-24، بقلم: الون بنكاسالولايات المتحدة ملّت نتنياهو

هناك عاملان يقفان في أساس الانتقاد الأميركي المتزايد ضد بنيامين نتنياهو، واحد سياسي – استراتيجي، والثاني قيمي – أيديولوجي. من ناحية سياسية تحول الانشغال بنتنياهو خلال شهرين إلى أمر مقلق وعبء على البيت الأبيض. سلم أولويات الولايات المتحدة واضح: أوكرانيا – روسيا على المدى القريب والمتوسط، ومنافسة ومواجهة محتملة مع الصين على المدى البعيد. يحتاج العاملان إلى الوقت والموارد ورأسمال سياسي كبير لصيانة وإدارة تحالفات وأخطار. الانشغال بإسرائيل، سواء أكان هذا بسبب الحرم أم حوارة أم مستوطنات أم “فقرة الاستقواء” وتعديل قوانين أساس هو حرف للأنظار، وفرض حضور معيق على الأجندة الأميركية.

من ناحية القيم والأيديولوجيا فإن إسرائيل تعتبر دولة في عملية تراجع عن الديمقراطية الليبرالية نحو نظام استبدادي، ويبدو في نظرهم أنها تتخلى عن الركيزة الأساسية للعلاقات مع الولايات المتحدة، “القيم المشتركة”، والأساس للمظلة السياسية التي تعطيها أميركا لإسرائيل منذ السبعينيات. عندما تحدث هذه العملية لدى حليف قريب فإن الولايات المتحدة ترد. ربما ببطء وتردد، لكنها ترد وتستمر في الرد بقوة أكبر كلما واصلت حكومة نتنياهو تنفيذ خطواتها.

إن الامتناع عن دعوة نتنياهو إلى واشنطن، الأول من بين الـ 13 رئيس حكومة في إسرائيل الذي لم يحصل على دعوة أو زيارة في واشنطن خلال شهرين من أدائه اليمين، الأمر الذي تحول إلى رحلة تتويج غير رسمية لكل حكومة، هو أكبر من أي توبيخ أو أي تصريح أميركي. لم نصل بعد إلى “إعادة تقدير لعلاقات” إدارة فورد في 1975 أو “اتصلوا معنا عندما تكونون جاهزين” لجيمس بيكر في 1991، لكن هذه الحالات كانت في زمن آخر وكانت حول خلافات معينة في الرأي. الآن يدور الحديث عن عملية تآكل نهايتها غير قريبة.

استدعاء السفير الإسرائيلي في واشنطن لمحادثة توضيح وتوبيخ لا يعتبر دراما بحد ذاته. العملية نفسها رمزية في جوهرها، ورغم أنها غير لطيفة إلا أنها بين دول حليفة تدل على الحاجة الملحة من قبل واشنطن للقيام بعملية احتجاج عملية، بعد أن اقتنعوا بأن رسائل هادئة ستتم الإجابة عنها أو ستحظى بالاهتمام. ولكن مجرد هذه الخطوة بالذات ليست أمرا قائما بحد ذاته وهي ليست حدثا وحيدا في هذا التسلسل الزمني. هي مرحلة في بلورة كتلة حرجة حاسمة سلبية وسامة للانتقاد وعدم الرضا وخيبة الأمل.

تعكس هذه العملية نمطاً: اتخذت الولايات المتحدة موقفا واضحا ولم تعد تبرر لنفسها بتوضيح أن هذه هي “شؤون داخلية لدولة أخرى”. الميزة المهمة للنهج الأميركي هي أنهم يعتبرون الأمور في إسرائيل شيئا واحدا وموحدا. من ناحية نفاد الصبر والتسامح فإنه لا يوجد فصل بين الجانب الدستوري – السياسي ومحاولة نتنياهو الانقلابية وبين السياسة تجاه الفلسطينيين. هما مرتبطان ببعضهما.

ست مراحل كانت حتى الآن في بلورة الكتلة الحرجة الحاسمة هذه. أولا، بعد الانتخابات وقبل إقامة الائتلاف عبرت الولايات المتحدة عن قلقها، ونصحت نتنياهو كصديقة بألا يشكل حكومة يمينية متطرفة. البارز كان السيناتور بوب مننديز، رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ والصديق البارز لإسرائيل. بالفعل لم تكن لدى نتنياهو وبحق أي بدائل سياسية، وتحولت النصيحة تحذيراً: تجنب تعيين شركاء من اليمين المتطرف في مناصب حساسة. تجاهل نتنياهو ذلك، وقام بتعيين سموتريتش في منصب وزير المالية بالإضافة إلى كونه وزيرا في وزارة الدفاع مع المسؤولية على الإدارة المدنية. وبن غفير قام بتعيينه وزيرا للأمن الداخلي وهي الوظيفة التي تم تطويرها للأمن القومي، ليس اقل من ذلك، مع مسؤولية اكبر عن الشرطة وتشغيل كتائب حرس الحدود في الضفة الغربية. لسبب ما، وبعد اكثر من ثلاثين سنة من التجربة في العمل مع نتنياهو يبدو لبعض الأميركيين بأنه نوع من “اليمين المعتدل” الذي يمكن التحدث معه وعقد صفقات معه. هو نوع من سيناتور جمهوري من غربي القدس، ومع أشخاص كهؤلاء نحن نعرف كيف نتعامل. المشكلة هي بالطبع نماذج مثل سموتريتش وبن غفير.

مع تشكيل الائتلاف، أعلنت الإدارة الأميركية بتواضع واعتدال: “نحن لن نحكم على التصريحات، بل على الأفعال”، بعد ذلك بدأت الأفعال تتراكم. وجاءت المرحلة الثانية عندما جاء وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لزيارة إسرائيل بدون أي هدف أو أي ارتباط سياسي ما، ووقف إلى جانب نتنياهو وحذر من إجراء تغييرات دستورية عميقة بدون اتفاق. وأشاد أيضا بـ”منظمات المجتمع المدني”، أي الاحتجاج، وأشاد بموقفها الشجاع من اجل الديمقراطية وحذر من السياسة غير المسؤولة في “المناطق”. في المرحلة الثالثة أخذ الرئيس الأميركي إجازة من واجب الرد على رسالة في البريد الإلكتروني لكاتب الأعمدة في “نيويورك تايمز”، توم فريدمان، وحذر نتنياهو من التخلي عن مبادئ أساسية في الديمقراطية مثل فصل السلطات واستقلالية جهاز القضاء.

في العام 2019 عندما أعلن رسمياً عن الترشح للرئاسة، قال جو بايدن، إن الدفع الحاسم لقراره هو الأمر في أن يكون جزءا من “المعركة من اجل روح أميركا”. التشابه السياسي بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في الخطاب والأسلوب والتباكي والهجوم الوحشي على التوازنات والكوابح لم يغب عن نظر بايدن. من ناحيته، رغم الخلاف الكبير في الظروف (هزم ترامب في الانتخابات أمام نتنياهو ففاز)، إلا أن نتنياهو يفعل بإسرائيل ما حاول ترامب فعله بأميركا: إعلان الحرب الشاملة على دولته هو نفسه، مؤسساتها، وخطواتها، وقيمها.

في المرحلة الرابعة تم التوقيع على رسالتين لأعضاء مجلس نواب جميعهم ديمقراطيون، الأولى شملت 92 توقيعاً ودعت إلى الحذر والاعتدال، والثانية التي وقع عليها 16 عضوا يهوديا في المجلس كانت أكثر حساسية، وتوجهت لإسرائيل كـ”يهود ليهود”. بينهم عدد من السيناتورات مثل كريس ميرفي وبيتر وولتش وكريس فانهولن أدانوا جميعهم الانقلاب النظامي، ولم يغرِهم للحظة تسميته “إصلاحاً”. بعد عدد من تصريحات الإدانة للمتحدث بلسان وزارة الخارجية، التي شكلت المرحلة الخامسة، اتصل الرئيس الأميركي مع نتنياهو – هذه هي المرحلة السادسة في تصعيد الرد الأميركي. مقارنة البيان لوسائل الإعلام من قبل كل واحد منهما يمكن أن تقنع القارئ بأن الأمر لم يعد يتعلق بالمحادثة ذاتها، وربما أن هذه المحادثة لم تكن في السنة ذاتها. بالنسبة لنتنياهو كانت محادثة مهمة حول المشروع النووي الإيراني وحول طرق وقفه. وحسب بايدن فإنه في الـ 45 دقيقة عبر عن قلقه من التخلي عن الديمقراطية وعن القيم المشتركة التي توجد بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

على فرض أن الحكومة ستواصل المسار الحالي، سواء بالنسبة للتغييرات الدستورية أو بالنسبة للفلسطينيين، وأن الوزراء سيواصلون “محو حوارة”، والعودة إلى “حومش”، وزيارة الحرم، ومواصلة تعابير التفوق اليهودي، وعلى فرض أن الاحتجاج ضد الحكومة سيتواصل ويزداد – يمكن توقع اشتداد الانتقاد الأميركي وتوقع خطوات أخرى، بما في ذلك في مجلس الأمن. “يبدو أننا نظهر ضعفاء جدا عندما نطلق مرة تلو الأخرى تصريحات بدون أي تداعيات”، قال السيناتور كريس فانهولن، الديمقراطي من ميريلاند، أول من أمس. من الجدير الإصغاء إليه.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى