ترجمات عبرية

هآرتس: النكبة الاسرائيلية يسمونها “نهضة” 

هآرتس – تسفي برئيل – 22/10/2025 النكبة الاسرائيلية يسمونها “نهضة” 

“هذه نكبة غزة 2023″، هكذا سارع وزير الزراعة آفي ديختر الى تسمية تدمير غزة في تشرين الثاني 2023. وبعد ان تم توبيخه من قبل رئيس الحكومة عندما قال “هذه اقوال ضارة”، سارع الى صياغة نظرية لغوية ملتوية من اجل تبرير اقواله. “المفاهيم العربية يتم وضعها من قبل العرب. هم يسمون ما يحدث في غزة نكبة، وأنا اقترح استخدام مفاهيمهم. لا يوجد لدينا أي سبب لاختراع مفاهيم باللغة العبرية”. 

ديختر كان على حق. النكبة الفلسطينية هي مفهوم عملت اسرائيل الى شطبه من قاموسها خلال عشرات السنين. وهو لا يعتبر مفهوم في القاموس يحتاج الى الترجمة. كارثة الطرد التي عاشها الفلسطينيون في 1948 هي تجربة مؤسسة فظيعة، التي تحولت الى جوهر ما يسمى “القضية الفلسطينية”. حولها تبلورت الهوية والقومية الفلسطينية، واليها يستند حلم العودة. 

في غزة لم تحدث نكبة بالمعنى التاريخي. عشرات آلاف الفلسطينيين الذين قتلوا ومئات آلاف السكان الذين تم تهجيرهم من بيوتهم للمرة الثانية، لم يفقدوا وطن ولم يتم طردهم منه. اكثر من مليوني مواطن، الذين هم في معظمهم من لاجئي 1948، وسكان القطاع الاصليين، بقوا في القطاع. الدمار الذي أحدثت اسرائيل في القطاع لم يحطم حلم العودة، وفكرة اقامة الدولة الفلسطينية هي فقط تسارعت ووجدت التعاطف الدولي الواسع اكثر من أي وقت مضى.

لكن الحرب وبحق احدثت نكبة، ليس في غزة بل في اسرائيل. حملة الانتقام الوحشية التي تم شنها في 7 اكتوبر جعلت الكثير من مواطنيها لاجئين في ارض اجنبية. القصد ليس تهجير آلاف العائلات من بلدات غلاف غزة أو من مستوطنات الشمال التي حتى الآن لم يتم ترميمها، أو عشرات آلاف المواطنين الذين هاجروا الى خارج البلاد، أو تدمير البيوت بالصواريخ، أو حتى الشعور بالامن الذي تقوض. في اسرائيل حدث في السنتين الاخيرتين تدمير منهجي ومتعمد للبنى التحتية التي اقيمت عليها الدولة، وهو الامر الاكثر فظاعة وخطورة مما يحدث في غزة. 

اذا كان الجيش الاسرائيلي في غزة قصف الجامعات والمدارس ودمر المحاكم والارشيفات والمتاحف والمراكز الثقافية والفنية، فانه في اسرائيل لم يتم تدمير أي جامعة والمتاحف ما زالت على حالها ومبنى المحكمة العليا ما زال قائما بكامل فخامته. ولكن في ظل الحرب فان هذه المباني المادية قصفت من الداخل، الى أن اصبحت واجهة. حرية الاكاديميا تم سحقها تحت حافر السياسي الثقيل المعروف باسم وزير التعليم، والمحكمة العليا تعتبر بالفعل منظمة ارهابية تعمل على اسقاط النظام، ورئيسها هو “شخص غير مرغوب فيه”، والعروض الثقافية والسينما والمسارح مهددة بالخنق المالي اذا لم تخضع لأوامر النظام.

قيم اساسية مثل قيمة المساواة والعدالة وحرية التظاهر وحرية التعبير وحقوق الاقليات ومباديء الحكم الديمقراطي، مثل فصل السلطات وتقييد سلطة الحكومة، تم سحقها على يد عصابة جامحة تعمل الآن ايضا على صياغة الرواية الوطنية، التي تهدف الى طمس مسؤولية الحكومة، لا سيما رئيسها، عن فشل وكارثة 7 اكتوبر. هذه هي المساحة التي فيها اخذت نكبة اسرائيل تترسخ.

لكن مقابل نكبة الفلسطينيين فان نكبة الاسرائيليين تتطور في ظروف ترف مادي تعطي شعور مزيف بان “الحياة السابقة” تستمر كالعادة، وأن الوطن لم يتم فقدانه، بل على العكس، هو يزدهر. وفي رمشة عين تحولت من كارثة الى ولادة جديدة. هذا هو بالضبط السحر المزيف الذي تنسجه الحكومة من جعبة اكاذيبها من اجل اقتلاع وعي النكبة الذي يشعل حنين المواطنين الى الوطن القديم، واسقاط حق العودة اليه. الحكومة الاسرائيلية تسوق الآن للمواطنين البضاعة التي حاولت تسويقها فيما يتعلق بالفلسطينيين، وهي ان الوطن الذي تحلمون به لم يكن أبدا، وبالتالي، لن يكون أبدا. فإما أن تبدأوا في الاندماج في الدولة الجديدة أو ستبقون لاجئين الى الابد.


مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى