هآرتس: المعطيات تشهد أساسا على انهيار المجتمع العربي
هآرتس – جاكي خوري – 22/12/2025 المعطيات تشهد أساسا على انهيار المجتمع العربي
تقريبا في كل صباح في المجتمع العربي يثور سؤال مثير للقشعريرة ببساطته: من قتل اليوم وكم العدد. هذا اصبح منذ فترة طويلة ليس سؤال استثنائي، بل جزء من روتين الحياة. الاسئلة اللاحقة مثلا مثل هل الحديث يدور عن اطلاق نار أو القاء قنبلة يدوية على بيت أو مس في الفضاء العام، تثير قدر اقل من الاهتمام مقارنة مع السابق. ايضا الاصابة، سواء طفيفة أو بالغة، لم تعد تفاجيء. في هذا الواقع العنف لا يعتبر حدث متطرف، بل هو جزء لا يتجزأ من روتين حياة المواطنين العرب. النقاش لم يعد منذ فترة طويلة يتناول مستوى الحياة، بل يركز على السؤال الاكثر اساسية وهو كيف يواصلون العيش.
هذا الوضع هو حضيض آخر في عملية طويلة تفاقمت بشكل دراماتيكي في السنوات الاخيرة، خاصة منذ 2023. عندما يصل عدد القتلى العرب في 2025 الى 244 قتيل حتى كتابة هذه السطور، فان كل حكومة سليمة كان يمكنها اعلان حالة طوارئ وطنية. المجتمع العربي، الذي لا توجد فيه حصانة لطلاب المدارس والمدراء والمعلمين، هو مجتمع مريض. والمجتمع الذي اصبح فيه رؤساء منظمات الجريمة اشخاص مبجلين، والمسؤولون المنتخبون يعيشون فيه في تهديد دائم، هذا مجتمع لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة.
منذ سنوات كتب وقيل ان العنف والجريمة سيؤديان الى انهيار داخلي. الآن اصبح يصعب الجدال حول الوقائع: من ناحية جماعية فان المجتمع العربي ينهار. توجد نجاحات شخصية مدهشة: آلاف الاطباء، المهندسين، رجال الهايتيك والاكاديميين، لكن هذه النجاحات الفردية لم تعد توفر الحصانة الاجتماعية، وهي لا تنجح في وقف هذا الانجراف.
يجب علينا ايضا الاعتراف بصراحة: لقد فشلت معظم محاولات المجتمع العربي في محاربة العنف. فلجان الصلح فقدت سلطتها، أو ان الشرطة حظرت نشاطاتها، ولم تعد مبادرات المصالحة المحلية تحقق الا نجاحات متفرقة، ولم يعد لرجال الدين أو السياسيين السلطة أو الادوات المناسبة للتعامل مع شاب مسلح بمسدس، وبالتاكيد مع من يشغله ويموله ويدفع له راتب.
لقد صدر عن الدولة في السنوات الاخيرة عدد لا يحصى من التصريحات. وقد تم التحدث فيها عن مشاريع وعن ضباط مختصين وعن خطط وعن نضال لا هوادة فيه. ولكن الخلاصة هي: لا وجود للامن الشخصي. في الاسبوع الماضي اعلن عن تحويل ميزانيات من قرار الحكومة تطوير خطط لتقليص الفجوات في اوساط العرب (القرار 550)، من اجل مكافحة الجريمة في الوسط العربي. كيف اكتشفت الحكومة فجأة وجود مبلغ 220 مليون شيكل “متاح”، الذي كان مخصص للشباب في خطر والتعليم غير الرسمي، وادركت ضرورة تحويله للشرطة والشباك.
ان الحكومة التي تقوم بمثل هذه الخطوة هي حكومة فاشلة، لانها تقضي بذلك على مجالات كان من المفروض ان تكون خط الدفاع الاول في المجتمع العربي. هذه الخطوة يقودها وزيران معروفان بـ “النجاح” في معالجة مشكلات المجتمع العربي، الوزير ايتمار بن غفير والوزير ماي غولان. وكل مواطن عربي، حتى من لا علاقة له بالسياسة، يوجد له سبب للتشكك في نيتهما وامكانية تصديق أي كلمة يقولانها.
في هذه الاثناء امام هذا الواقع ينظر الى رؤساء السلطات وقيادة المجتمع العربي كعاجزين. والدعوات الى المظاهرات والاضرابات والنضال الشعبي تستقبل باللامبالاة، الخوف أو الردع. وتتضاءل الخيارات المتاحة، وفي بعض المجالات يتم رفع الراية البيضاء، ويكاد الامل في التغيير ينعدم. ربما فقط من خلال تغيير سياسي، وربما في الانتخابات القادمة. على الاقل حتى ذلك الحين فان المجتمع العربي الذي يخوض حرب استنزاف، داخلية وخارجية، سيستمر في دفع الثمن الباهظ، بالدماء.



