ترجمات عبرية

هآرتس: “المأساة الشخصية لسامي سعادة”: فصول جديدة من المعاناة الفلسطينية زمن النكبة

هآرتس 11-8-2022م، بقلم: شيرين فلاح صعب

في 11 تموز 1948 ظهر جنود تابعون للجيش الإسرائيلي في بيت سامي سعادة في شارع النبي الياس في البلدة التحتا في حيفا، وأجبروه على الانتقال فوراً الى شقة اخرى في شارع عباس. حدث هذا في أعقاب الأمر الذي أصدره رئيس الحكومة في حينه، دافيد بن غوريون، وهو تجميع جميع الفلسطينيين الذين بقوا في المدينة بعد احتلالها على يد قوات الجيش الإسرائيلي في وادي النسناس وشارع عباس القريب منه. من غير الواضح ما الذي مرّ على سعادة في السنة الأولى لاقامة دولة إسرائيل. من المرجح أنه، مثل الـ 3500 شخص آخر الذين بقوا في المدينة، شهد الخوف وعدم اليقين والغربة في أرضه وبدون قيادة سياسية تمثله. ولكن في 26 حزيران 1949 أرسل رسالة لبن غوريون وصف فيها الطرد المؤلم من بيته.

“أنا الموقع أدناه، سامي سعادة، الموظف في شركة النفط العراقية في حيفا. كنت أعيش في شقة في السنوات الاخيرة توجد في شارع مار الياس رقم 124، تتكون من اربع غرف كبيرة ومطبخ وحمام وثلاث شرفات. في هذه الشقة وجدت عائلتي راحتها. في 11 تموز 1948 جاءت السلطات العسكرية وقامت بنقلي الى البيت رقم 29 في شارع عباس. وسمحت لي بالسكن في الطابق العلوي، الذي من أجل الوصول اليه يجب عليّ صعود 84 درجة. امتثلتُ للأمر العسكري برضى رغم الصعوبات الكثيرة التي توجد فيه، سواء بالنسبة لي أو لعائلتي. أنا هنا أحتفظ برخصة رسمية من الجيش، تعطيني الحق في السكن في الشقة المذكورة في البيت رقم 29 والتي تتكون من اربع غرف ومطبخ وحمام”.

قبل الاحتلال الإسرائيلي تقاسم سعادة، وهو من مواليد 1910، الشقة التي توجد في شارع النبي الياس مع والدته وزوجته واولاده الاربعة. قبل فترة من وصول معارك “حرب الاستقلال” الى حيفا في نيسان 1948 غادر ابناء العائلة المدينة وانتقلوا الى لبنان. حسب قوانين الدولة الجديدة تم الإعلان عنهم غائبين وتم تأميم ممتلكاتهم. ظهور الضيوف اليهود غير المدعوين في شقته، كما وصف سعادة في رسالته لبن غوريون، كان فقط أحد المشاهد في مسلسل غزوات الجنود وابناء عائلاتهم الى بيوت السكان الفلسطينيين، حتى الذين لم يهربوا وبقوا في حيفا. استمرت هذه الأحداث أشهرا كثيرة بعد احتلال المدينة.

في الشقة الجديدة في شارع عباس، لم يجد سعادة الراحة أو التركة. “في 18/1/1949 رجعت الى البيت في العاشرة ليلا بعد أن قضيت الامسية مع بعض المعارف”، قال في الرسالة. “وجدت في البيت عائلة غريبة تتكون من رجل باسم ممان وزوجته وصهره. ودخلوا الى البيت بعد أن قاموا بفتحه بوسائل خاصة، واحتلوا إحدى الغرف بعد إفراغ الأثاث الذي كان داخلها. بدأ نقاش بيني وبينهم استمر حتى منتصف الليل، وانتهى بتفاهم كامل على أنهم سيغادرون البيت في الصباح. لذلك، لم أقم باستدعاء الشرطة. وقد تعاملت معهم بشكل جيد عندما وعدوا بأنهم لن يبقوا في الشقة أبداً”. يبدو أن السكان الجدد لم ينفذوا وعدهم في هذا الاتفاق. واصل سعادة وكتب بأنه عندما وصل الى قسم “أملاك الغائبين” من أجل استكمال عقد الإيجار للشقة الجديدة تفاجأ بأنه يوجد هناك أحد الغزاة، وهو إدوارد ممان، الذي جاء الى هناك قبله من اجل ترتيب عقد إيجار لإحدى الغرف. “عندما أردت الدخول وجدت أن السيد ممان سبقني الى القسم بمرافقة أحد ضباط الجيش، الذي جاء من اجل حمايته. بعد لقائهم مع المدير لمدة عشرين دقيقة تم استدعائي للدخول، وكان معي أحد موظفي شركة النفط العراقية، ماكس سولمون، الذي تحدث نيابة عني لأنني لم أكن أتحدث العبرية. بعد بضع دقائق توجه لي السيد ماكس سولمون وقال بالانجليزية إن “قسم أملاك الغائبين وعد وتعهد بإعطائك عقد إيجار للطابق بكامله. وتعهد بأن السيد ممان سيخلي البيت فقط عند عودة عائلتي الى حيفا، وأنه سيعيش مع عائلته في غرفة واحدة فقط، وأنه سيكون عندي ضيفاً وسيوافق على الشروط الخاصة مقابل وعد مني باستقباله في غرفة واحدة. في الاشهر التالية لاحتلال السيد ممان لغرفة في بيتي جاء الى حيفا والداه وعاشوا معه في الغرفة ذاتها. في الوقت الذي أملت فيه بأن السيد ممان سيحافظ على وعده لي فان الامور تعقدت. وكان والده يضايقني في كل مناسبة وطلب التوسع في البيت على حسابي”.

لم تنته قصة سعادة بالاختلاف في الآراء مع ابناء عائلة ممان. وقد وصف في الرسالة غزواً آخر لعائلة يهودية، أدى في هذه المرة الى طرده من البيت. “في صباح 7 نيسان 1949 اقتحم فصيل عسكري بيوت العرب في شارع عباس. وبعد احتلالها تم رمي سكانها الى الشارع. في هذه الأثناء وجد السيد ممان ووالده أرضية خصبة لنشاطاتهم ضدي. بوساطة جنود الجيش والشرطة العسكرية والشرطة المدنية قاموا باستدعاء ضابط برتبة كابتن هو تشيتشيك من أجل اقتحام شقتي. حيث انقض علي بالضرب وقام بطردي من البيت. توجهت الى السلطات ولكنها لم تفعل أي شيء لي. وقام المحتلون بطردي وجمعوا كل أثاث بيتي في غرفة واحدة”.

أصبح سامي سعادة بالفعل شخصاً ليس له بيت. “رغم أنه يوجد في يدي عقد إيجار وأقوم بدفع الدفعات بالكامل مثلما دفعت ايضا دفعات السكن، في الوقت الذي يتمتع فيه آخرون بما فعلوه خلافاً للقانون”. العائلتان، ممان وتشيشيك، لم تكتفيا بطرده من الشقة. في الرسالة ادعى بأنهم قاموا بتغيير قفل الباب ومنعوه من الوصول الى اغراضه التي بقيت في الداخل.

سرقة الممتلكات

الرسائل التي أرسلها سعادة لبن غوريون موثقة في كتاب المؤرخ آدم راز “المأساة الشخصية لسامي سعادة” (من إصدار دار الكرمل في القدس). وقد تم العثور عليها في أرشيف الدولة وأرشيف الجيش وهي تسلط الضوء على المأساة التي عاشها عشرات آلاف الفلسطينيين عند إقامة دولة إسرائيل. “الفلسطينيون الذين بقوا في البلاد لم يكن لهم أي صوت”، قال راز، وهو من معهد عكفوت لأبحاث النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. “لقد بقوا في البلاد التي أصبحت الآن “إسرائيل”، وأصبحوا فيها مواطنين من الدرجة الثامنة. ليس هذا فقط، بل كل البنية الاجتماعية والسياسية الفلسطينية تفككت الى شظايا، وأصبحوا لاجئين في بلادهم وفي وطنهم، ويخضعون للسلطات اليهودية، الامر الذي يفسر اليأس الذي يوجد في رسائل سعادة”.

هذا هو الكتاب الثاني لراز في هذا الموضوع بعد كتاب “نهب الممتلكات العربية في حرب الاستقلال” (إصدار الكرمل) الذي صدر قبل بضع سنوات. “اذا كنت وصفت في ذلك الكتاب توجهاً وسياسة واسعة، فإنه في الكتاب عن سعادة أردت طرح وجهاً شخصياً أكثر”، قال. “هناك فرق بين أن تكتب بأنهم سرقوا حيفا وبين وصف القصة من الداخل، وصف المخاوف والأفكار والصعوبات. هذا هو الفرق بين الإحصاء والحالة الخاصة”.

هذا ليس الفرق الوحيد. كتاب “المأساة الشخصية لسامي سعادة” كتب كمسرحية، إضافة الى فصلين تاريخيين. “طوال الطريق كان من الواضح أن قصة سعادة لا تناسب مقالاً أو كتاب تاريخ، لأنه يوجد الكثير جداً من الثقوب في الحبكة”، قال راز. “كيف ظهرت الحياة في بيت سعادة بعد اقتحام العائلات اليهودية؟ هل قام بإعداد القهوة لنفسه أم أنه خاف من فعل ذلك؟ من الذي قام بتنظيف المطبخ؟ هل تقاسم معهم الثلاجة؟ الاسئلة كثيرة ولكن لا توجد اجابات عندي عليها”.

قال راز إنه رغم أنه لم ينجح في الحصول على جميع الرسائل التي شرح فيها سعادة وضعه الشخصي المعقد، إلا أنه نجح في جمع ما يكفي من المواد من الأرشيفات من اجل أن يصف بتفصيل غير عادي ما حدث معه. “محاولات الوصول الى ملفات المحكمة بعد أن قرر أن يقدم دعوى ضد الغزاة في هيئتين مختلفتين للقضاء، لم تثمر. لم تعد الملفات موجودة في الأرشيف. لم يقم بن غوريون بالرد على الرسائل التي أرسلت اليه، لكن وزير الأقليات، بخور شالوم شتريت، وهو الوزير اليهودي الذي فعل الكثير من اجل الفلسطينيين في تلك الفترة وعارض سياسة الطرد لبن غوريون، حاول أن يساعده. ولكن هذا لم ينجح في نهاية المطاف”.

ما الذي دفع سامي سعادة الى ارسال رسائل لبن غوريون؟ هل اعتقد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيظهر التعاطف مع مأساته الشخصية؟ “رغم نكبة الشعب الفلسطيني والتغيير المؤسساتي العميق، إلا أن هناك أطراً اجتماعية وسياسية استمرت في الوجود في المجتمع الفلسطيني، ومن بينها أسلوب التوجه الى المؤسسة بطلبات عن طريق الرسائل”، قالت الدكتورة لينا دلاشا، وهي مؤرخة في جامعة هومبولادت في كاليفورنيا. وقد حققت ايضا في وثائق في أرشيف الدولة. “في 1926 أعطت السلطات البريطانية المواطنة لفلسطينيين في فلسطين. ورغم أنهم كانوا يدركون قيود المواطنة الكولونيالية، إلا أنهم تعودوا على التوجه الى المؤسسة البريطانية والمطالبة بحقوقهم كمواطنين. هكذا فان التوجه الى المؤسسة الإسرائيلية هو استمرارية للفترة التي سبقت قيام الدولة”.

الأمر المؤكد هو أن رسائل سعادة لبن غوريون تفتح ثغرة لمعرفة المعاناة الشخصية للفلسطينيين ومواجهتهم للمؤسسة اليهودية التي سيطرت للتو على البلاد. وصف راز في الكتاب النضال القانوني الذي حاول سعادة ادارته امام السلطات الإسرائيلية من اجل تحقيق العدالة التي هو حسب رأيه يستحقها. على سبيل المثال في 13 تموز 1949 قدم دعوى مدنية ضد ممان وتشيشيك على غزو شقته. ولكن الجلسة تم تأجيلها الى كانون الثاني 1950. في تلك الفترة استمر في إرسال الرسائل لبن غوريون، التي لم يتم الرد عليها كما قلنا، واضطر الى البقاء خارج شقته المحتلة. “بربكم، اخبروني الى متى سيستمر هذا الاضطهاد؟”، كتب في إحدى الرسائل بتاريخ 28 أيلول 1949. “جميع الأوراق التي بحوزتي تثبت حقي. أتوجه بصفتي مواطناً في الدولة الى السلطات بنداء استغاثة: انقذوني! لم أقم بالاعتداء على أي أحد ولم أخالف القانون. لقد قاموا برميي بسرعة الى الشارع، وحتى الآن هم يستخفون بالقوانين وبتعليمات الحكومة ويتسببون بأضرار مالية كبيرة لي، في الوقت الذي أنا بحاجة فيه الى كل أغورة”.

في رسالة أخرى بتاريخ 16 تشرين الثاني 1949 يصف محاولاته اليائسة من أجل العودة إلى الشقة في شارع عباس والظلم الذي تعرض له. “حسب تعليماتكم الأخيرة قمت بالاتصال مع السيد موشيه ييتح، الموظف المسؤول عن شؤون العرب في حيفا. وقد قال لي بأنه كتب لكم حول قضيتي وهو ينتظر تعليماتكم. وبهذه المناسبة أريد الإشارة مرة اخرى الى حجم الظلم والضرر الذي تعرضتُ لهما أنا وممتلكاتي نتيجة الأفعال البربرية التي ارتكبتها المجموعة التي تستخف بالقانون وبأوامركم”.
حسب المواد التي عثر عليها راز فان موشيه ييتح، الذي كان يعمل في مكتب وزارة الأقليات في حيفا، في الحقيقة هو عالج طلب سعادة ولكن بدون فائدة. “سامي سعادة له عقد بالشقة. وهو يواصل دفع إيجار الشقة التي لا يمكنه العيش فيها. الغزاة يستمرون في العيش في الشقة بدون دفع إيجار”، كتب للمسؤولين عنه. من غير المعروف اذا كان علاج ييتح قد ساعد. تظهر جميع الدلائل أن سعادة لم يحصل مجدداً على ملكية الشقة. لم توفر الأرشيفات الإجابات على أسئلة كثيرة، ومن بينها اذا كان سعادة قد ربح الدعوى التي قدمها، أم أنه عاش مشرداً في الشوارع كما كتب في رسائله.
وقالت دلاشة إن مصادرة الأملاك الفلسطينية كانت عملية متعمدة استهدفت نقل رسالة. “نقلت المؤسسة الإسرائيلية الفلسطينيين من سكان حيفا رغم أنفهم الى وادي النسناس، وقد أصبحوا غائبين، أي أنهم فقدوا العلاقة مع أملاكهم. شاهد سعادة والفلسطينيون الآخرون الذين لم يهربوا كيف أن المبنى الاجتماعي، الاقتصادي والثقافي، الذي عرفوه يتفكك. ورغم النكبة التي مروا بها إلا أنهم قرروا البقاء رغم كل شيء. من المهم الذكر بأن الدولة كانت في عملية إنشاء ولم يكن احد يتوقع بأن عدداً كبيراً من الفلسطينيين سيبقون فيها. الافضلية التي أُعطيت في حينه لتخصيص “املاك الغائبين” للدولة وللاكثرية اليهودية، لعبت دورها في عملية تشكل واقامة الدولة”.

ضربتان
رائد سعادة (60 سنة) الذي يعيش في شرقي القدس، قال في محادثة مع “هآرتس” إنه عرف للمرة الاولى عن الرسائل التي ارسلها والده لبن غوريون من المؤرخ راز، الذي أطلعه على المواد التي عثر عليها. “ما قاله لي أبي هو أنه كان يعيش في بيت في حيفا وأنهم نقلوه الى شارع عباس. هو لم يقل لي عما حدث داخل البيت، ولم يتحدث عن الرسائل، وأنا لم أعرف كيف كانت حياته في حيفا بعد الحرب. يجب أن نفهم أن أبي تلقى ضربتين. الأولى كانت احتلال حيفا. والثانية كانت اكثر إيلاماً، وهي أن عائلته تفككت لأن زوجته وأولاده بقوا في لبنان. خلال السنين طمح الى توحيد العائلة من جديد. هذا ما كان يشغله طوال الوقت. تفكك الكثير من العائلات الفلسطينية في أعقاب 1948. اضطر أبي الى اتخاذ قرارات مصيرية في ظل التغييرات التي فرضت عليه، الأمر الذي أدى الى التشويش، حتى داخل العائلة. واذا كان فقدان البيت والشوق لعائلته لم يكن كافياً، فان شركة النفط التي كان يعمل فيها تم اغلاقها في اعقاب الحرب. تغيرت مكانته وفقد ما لديه. حاول أبي في بداية الخمسينيات لم شمل العائلة من جديد، ولكن ذلك لم يحدث. وبسبب اختلاف في الآراء والامور العائلية لم ينجح أبي في توحيد العائلة، ولم يستطع التأقلم في لبنان. هو لم يجد نفسه هناك. في نهاية المطاف انفصل عن زوجته التي بقيت مع الأولاد في لبنان. بعد ذلك حصلوا على جوازات سفر لبنانية”.
بعد لبنان انتقل سعادة الى الاردن ووجد عملاً في فرع شركة النفط ذاتها التي عمل فيها في حيفا. “توجد عندي حقيبة فيها صور والدي عندما كان يعمل في الأردن. وحتى توجد له صور مع الملك حسين”، قال الابن.
في العام 1960 تزوج سعادة من جوليا، وهي فلسطينية من مواليد بيت جالا، كانت تعمل خيّاطة. وقد تعرف عليها في عمان. وُلد لهما أربعة أولاد من بينهم رائد. الفصل العائلي الجديد جلب معه تغييرات أخرى. قال رائد إنه في بداية الستينيات اشترى والده فندقاً في شرقي القدس، “الجيروزاليم هوتيل” وانتقل للعيش في المدينة. بالصدفة شاهد اعلاناً في صحيفة يعرض فندقاً للبيع في المدينة. أطلع والدتي على الاعلان وهي شجعته على الشراء. ولكن لم يكن لديه المال الكافي، ولذلك توجه الى عمي الذي كان يعمل في حينه في العراق، واتفقا على شراء الفندق معاً. “جيروزاليم هوتيل” موجود حتى الآن بملكية عائلة سعادة، ويقوم رائد بادارته مع شقيقه ومع ابنة عمته.
الرسائل التي أرسلها سعادة لبن غوريون تتميز باسلوب مؤدب ومحترم. يصفه الابن بأنه انسان هادئ ومتسامح وحريص على مظهره الخارجي. “دائما كان يرتدي بدلة من ثلاث قطع. حتى عندما كنا نذهب الى البحر كان يحرص على الملابس الرسمية. كل من يعرف سامي سعادة يتذكر التقدير الذي حصل عليه من محيطه القريب، اشخاص توجهوا اليه وطلبوا منه النصائح، وهو كان يعرف كيفية الاصغاء والتفهم وايجاد الحل لكل مشكلة. كان متمكناً جداً من اللغة الانجليزية. عندما كنت في المدرسة لم اكن بحاجة الى القاموس لأنني كنت استعين بوالدي وهو ساعدني في حل كل سؤال. كان يحب الكتابة وعرف كيف يكتب. وطوال حياته كان يرسل رسائل للناس”.
من غير الواضح لماذا اختار سعادة إخفاء ما حدث في الشقة في شارع عباس والرسائل التي أرسلها لبن غوريون عن أولاده. “والدي لم يكن شخصاً يتحدث عن أحاسيسه أو عن الأمور التي تضايقه. وقد احتفظ بهذه الأمور لنفسه”، قال رائد. “ربما أخبر والدتي عما حدث في الشقة في حيفا. ولكني لم أعرف في أي يوم عما يشعر به في الحقيقة”.
الابن البكر لسعادة رفيق، (78 سنة)، وهو يعيش الآن في اليونان، طلب في مرحلة معينة أن يعرف مصير البيت الذي عاشت فيه العائلة. وافق الوالد على السفر مع رفيق الى حيفا، وانضم رائد للرحلة. “كان هذا بعد بضع سنوات على حرب الأيام الستة. أعطوني كاميرا لتصوير البيت، لكني قمت بتشغيل الكاميرا بشكل غير صحيح وخربت الفيلم”، تذكر. “لم نجد البيت ولم يقل والدي الكثير بعد هذه الرحلة”.
في بداية الثمانينيات مرض سامي سعادة بمرض الباركنسون. بعد سبع سنوات، في سن 76 توفي. عاشت زوجته جوليا طويلاً وتوفيت في هذه السنة. “أعتقد أن أبي توفي وهو يشعر بالغضب”، قال رائد. “لأنه في تلك الفترة قتلت أخت لي في الحرب الأهلية في لبنان. اشتد المرض مع مرور الزمن، والأدوية التي تناولها سببت فشلاً كلوياً، الأمر أدى الى وفاته. في الفترة الأخيرة في حياته نسي الكثير. مر والدي بحياة قاسية بعد النكبة. هو لم ينجح في الحفاظ على عائلته وبيته. ولكن ذلك لم يمنعه من مواصلة السير الى الأمام والحفاظ على تجمع العائلة بقدر الإمكان. وقد فعل ذلك بفضل شخصيته اللطيفة وذكائه.
بعد موت الوالد عاد الابن إلى حيفا، في هذه المرة وجد البيت في شارع عباس. “عاش والدي هنا فترة طويلة، ومشاهدة البيت كانت مهمة جداً بالنسبة لي”، قال رائد. “هذا البيت جزء من إرث عائلتي، جزء من هويتي”.

* كتاب جديد لآدم راز وثّق رسائل موجهة لبن غوريون عُثر عليها في أرشيفَي الدولة والجيش

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى