هآرتس: الفيتو الإسرائيلي على تركيا قُبل لكن الولايات المتحدة تخشى من هشاشة التحالف

هآرتس 18/12/2025، ليزا روزوفسكي: الفيتو الإسرائيلي على تركيا قُبل لكن الولايات المتحدة تخشى من هشاشة التحالف
تركيا لم تتم دعوتها الى اللقاء الذي نظمته القيادة الوسطى للجيش الأمريكي (سنتكوم) في هذا الأسبوع في الدوحة، فيما يتعلق بقوة الاستقرار في غزة. هذا بطريقة اشارت الى ان القرار اتخذ بصورة فعلية، حتى لو لم يكن بصورة علنية في البيت الأبيض: قبول طلب إسرائيل أن لا تكون تركيا جزء من القوة الدولية – سواء كانت القوة مسؤولة عن نزع سلاح حماس أو فرضت عليها فقط مهمات “حفظ السلام” وليس تنفيذه. مع ذلك فانهم في الولايات المتحدة يحاولون الان فهم أي دور لتركيا مع ذلك ان تلعبه في القطاع، رغم ان إسرائيل تعارض أي تدخل لها – حتى في مجال إعادة الاعمار أو الجانب الإنساني.
المقولة الشائعة عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقول بانه ينشغل بالحفاظ على ائتلافه اليميني المتطرف ويضعه فوق كل الاعتبارات. أيضا الولايات المتحدة تسعى الى الحفاظ على هذا الائتلاف الهش الذي بني حول خطة ترامب. فمن جهة، ترغب واشنطن في إرضاء إسرائيل، ومن جهة أخرى، ترغب في إرضاء شركائها العرب والمسلمين، الذين توجد بينهم خلافات أيضا، ومن جهة ثالثة، الشركاء الأوروبيين الذين تتوقع الولايات المتحدة منهم تمويل جزء كبير من تكلفة إعادة الاعمار.
بهذا الشأن يمكن القول ان احد الشروط الرئيسية التي تضعها الدول الغربية هو اشراك معين للسلطة الفلسطينية في مستقبل غزة، في الوقت القريب. هذا لانه من ناحيتها فان السلطة الى جانب الأمم المتحدة هي الانبوب الشرعي الذي من خلاله يمكن للاموال الأوروبية ان تتدفق الى القطاع. مع ذلك، كما هو معروف، أيضا أمريكا والأوروبيين أيضا، شركاء في المطالبة بان تجري السلطة إصلاحات شاملة قبل ان تحكم في القطاع. لذلك فانه سيتعين عليهم التنازل. الأشخاص الذين تحدثوا مع نتنياهو بهذا الشان تولد لديهم الانطباع بانه هو أيضا يفهم، رغم تصريحاته، ان عودة السلطة الى غزة هي امر محتم. هذا الامر لا يتساوق مع السياسة الإسرائيلية الاستفزازية التي تمنع ممثلي الدول الغربية لدى السلطة من الوصول الى مركز التنسيق في كريات غات. ولكن ربما إسرائيل بحاجة الى اجتياز عدة مراحل من اجل التسليم بالامر الذي لا يمكن منعه.
لعل القلق على التحالف هو ما يفسر غضب الولايات المتحدة إزاء اغتيال القيادي البارز في حماس رائد سعد في يوم السبت. واشنطن لا تعترض على سياسة التصفيات بحد ذاتها، بل هي تعتبر هذا الاغتيال مبرر، اذ ترى انه خرق وقف اطلاق النار عندما خطط لعمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي. وتكمن مشكلتها في التوقيت، اذ ان إسرائيل فعلت ذلك في مرحلة حساسة من محاولة دفع خطة ترامب قدما واغضاب بعض الأطراف في التحالف.
هناك امر يحتل مكانة بارزة في سلم أولويات الولايات المتحدة في الوقت الحالي، وهو إيجاد حل للازمة القائمة بشان فتح معبر رفح. وتجري محادثات حول هذه القضية في القاهرة. وقد أعلنت إسرائيل استعدادها لفتح المعبر فقط للخروج من قطاع غزة. وقد اثار هذا الإعلان غضب مصر (وبالتالي الدول الإسلامية أخرى)، وقالوا ان المعبر لن يفتح الا اذا كان في الاتجاهين. وتعتقد الولايات المتحدة ان هذا الامر ناتج في الأساس عن سوء تفاهم، وان إسرائيل لم تكن تنوي منع عودة الغزيين، بل كانت تسعى الى فحص التعاون مع مصر في عمليات التهريب الى قطاع غزة. وقد جاءت تلميحات مشابهة من إسرائيل. وفي الوقت الراهن يؤجل فتح المعبر الذي يعتبر خطوة ضرورية للانتقال الى المرحلة الثانية.
ما يتقدم حقا هو التحضيرات لبناء احياء للفلسطينيين شرق الخط الأصفر الخاضع لسيطرة إسرائيل. ومن وجهة نظر الولايات المتحدة كان من المفروض ان يبدأ البناء قبل يومين. كما ان فتح معبر اللنبي من الأردن لنقل المساعدات الى قطاع غزة هو ضروري أيضا لتمكين الولايات المتحدة من نقل كمية كبيرة من الخيام تقدر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، لشرق غزة، وهي خيام مخزنة في مستودعات في الأردن منذ فترة طويلة.
الجيش الإسرائيلي يقوم بإزالة الذخائر غير المنفجرة في رفح في داخل “المجمعات” التي كما يبدو ستبنى عليها احياء مؤقتة للفلسطينيين، حيث سيعيشون وفقا للخطة، بعيدا عن سيطرة حماس. مع ذلك فان الولايات المتحدة تدرك بان إسرائيل لن تتمكن من تمويل إزالة كل عمليات اخلاء الذخائر، فيما جرى تسميته بـ “غزة الجديدة” – شرق الخط الأصفر. وتسعى الولايات المتحدة لجمع الأموال من الدول العربية والأوروبية رغم معارضة قطر دفع تكاليف ما دمرته إسرائيل – وهذا موقف ما زالت الولايات المتحدة تامل في تغييره. مع ذلك يتوقع ان تشارك إسرائيل في تمويل مشروع إعادة الاعمار شرق خط التماس، وان لم تتضح حصتها النهائية بعد. في نفس الوقت تستمر النقاشات حول إعادة الاعمار المبكرة للمنطقة الواقعة غرب الخط، حيث يعيش السكان في اكتظاظ. وتعني إعادة الاعمار المبكرة توفير الحد الأدنى من ظروف العيش لمئات آلاف النازحين، ليس بناء احياء سكنية، بل نصب خيام لقضاء الشتاء فيها بشكل معقول.
قبلت الولايات المتحدة مطلب إسرائيل بعدم استفادة حماس من إعادة الإعمار المبكرة، سواء من خلال تحويل المواد ذات الاستخدام المزدوج لأغراض عسكرية أو الاستفادة من بيع الخيام والمساكن الجاهزة. وقد بدأت الجماعة بالفعل في إعادة الإعمار بسرعة، باستخدام الذخائر غير المنفجرة في غرب غزة، وجمع الضرائب على البضائع وتهريب الوقود والمولدات الكهربائية إلى القطاع.
ويقول مسؤولون في مركز التنسيق إن المساعدات الإنسانية تخضع لرقابة أكثر صرامة من البضائع التجارية. تعترض مصادر أمنية إسرائيلية على هذا الادعاء، بينما يقول مراقبون مطلعون على أسواق غزة إن المواد التي تصنفها إسرائيل على أنها ذات استخدام مزدوج متوفرة على نطاق واسع.
تتجلى الانقسامات داخل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة هنا أيضًا. تشارك الإمارات العربية المتحدة المخاوف بشأن تعزيز قوة حماس، بينما تشدد مصر على الحاجة إلى منع معاناة المدنيين، إلى جانب خوفها الطويل الأمد من دفع الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية. في الوقت الحالي، تبحث واشنطن والقدس عن طرق لبدء إعادة الإعمار المبكر من خلال آليات مصممة لتجاوز حماس.
النموذج الأخير الذي تمت تجربته – الصندوق الإنساني لغزة والذي قام بتوزيع المساعدات تحت حماية الجيش الإسرائيلي والمرتزقة الأمريكيين – توقف عن العمل بعد وقف اطلاق النار، اثر تعرضه لانتقادات كبيرة وسقوط اكثر من الف ضحية. وللانصاف، قتل عدد مماثل من الأشخاص في احداث هاجمت فيها الجموع الجائعة شاحنات المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة قرب قوات الجيش الإسرائيلي. مع ذلك، يبدو ان أمريكا لم تتنازل عن هذا النموذج تماما، بل يجري اختباره إضافة الى أفكار أخرى مثل مراقبة قوافل المساعدات بواسطة الطائرات المسيرة.



