هآرتس: العودة الى 6 اكتوبر

هآرتس 11/10/2024، شاؤول اريئيلي ومعوز روزنطال: العودة الى 6 اكتوبر
كان يخيل أن هجمة حماس في 7 أكتوبر صدعت سور النكران الذي بنته الساحة السياسية في إسرائيل بالنسبة للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بعامة ولتسويته بخاصة. فقد عاد النزاع دفعة واحدة بكل قوته الى مركز الخطاب الإسرائيلي، الإقليمي والعالمي، بعد سنوات من اندحاره الى الهوامش، وأملنا بأن يلزم هذا السياسيين أن ينظروا الى الواقع الأليم وأن يشيروا، الى جانب الانشغال بالحرب في غزة، الى اهداف سياسية بعيدة المدى – على طريق تسويته.
خاب ظننا. في الأشهر الأخيرة يعنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته – وعلى طريقة الاستبعاد، كبار المسؤولين في المعارضة أيضا – أساسا لمسائل ترتبط ببقاء الائتلاف، مثل مسألة استبدال وزير الدفاع يوآف غالنت بجدعون ساعر، في ظل حرب في عدة جبهات.
فليس فقط لم يبدأ تغيير في مستوى الاهتمام بتسوية النزاع – فحتى الاهتمام بالحرب الحالية أيضا ارتفع لفترة معينة، لكنه سرعان ما انطفأ مرة أخرى. يوجد تضارب بين الحرب والقرارات المصيرية التي تلزم قيادة الدولة بأن تتخذها بالنسبة لاهدافها السياسية – بينها إمكانية تحويل الحرب الى خشبة قفز لتسوية النزاع – وبين الاهتمام بمصلحة حماية الائتلاف. هذا التضارب يثير تساؤلات حول مدى التزام القيادة بتحقيق اهداف الحرب، وكذا بالنسبة للغاية السياسية للحرب من ناحيتها.
في مجموعة البحث “تمرور” (إشارة ضوئية) نحن نفحص الاهتمام الذي تكرسه القيادة السياسية في إسرائيل للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، واساسا في سياق تحقيق اهداف بعيدة المدى: ضم جزئي أو كامل لاراضي الضفة الغربية وربما أيضا قطاع غزة، أو تسوية النزاع في اطار حل الدولتين.
فحص جدول اعمال القيادة السياسية في إسرائيل في البحث الذي اجريناه يتناول ثلاثة مجالات: جدول الاعمال العلني، الذي يجد تعبيره في تغريدات قادة الأحزاب في شبكة “اكس”، جدول الاعمال البرلماني المتعمق نسبيا والذي ينعكس في لجان الكنيست، وجدول الاعمال الحكومي كما ينعكس في قرارات الحكومة التي توجه اعمال السلطة التنفيذية.
خطاب قادة الساحة السياسية في إسرائيل يواصل تجاهل النزاع، تداعياته والحاجة الى تسويته، تماما مثلما كان الحال قبل 7 أكتوبر. قبل الحرب وجدنا أنه اتخذت قرارات قليلة في الموضوع في الحكومات الـ 35، 36 و37 (في الأعوام 2020 – 2023)، وجرت مداولات قليلة جدا في الموضوع في لجان الكنيست الـ 23 و24 و25، وهذه لم تلمس إلا خطوات ذات نزعة ضم.
أما خطاب قادة الساحة السياسية في الشبكات الاجتماعية فقد عكس صورة مشابهة. ففي تحليل نحو 70 ألف تغريدة لقادة كل الأحزاب على شبكة “اكس” بين كانون الأول 2018 وايار 2023 تبين أنه تكرس اهتمام قليل للموضوع الإسرائيلي – الفلسطيني. وكان المغردون المركزيون في الموضوع من أحزاب اليمين الديني واليسار العلماني ممن غردوا أساسا دعما أو معارضة لامكانية الضم. قادة أحزاب الوسط اختاروا ألا يهتموا بالموضوع. المسألة الفلسطينية دحرت الى الزاوية، وأصبحت عبئا في الخطاب الجماهيري في إسرائيل.
في اعقاب 7 أكتوبر لاحظنا ارتفاعا مؤقتا في تناول النزاع في المدى القصير، لكن في غضون وقت قصير عاد التجاهل الى مستواه ما قبل الحرب. في الربع الثالث من العام 2023، خمس تغريدات فقط عنيت بالضم، وتغريدة واحدة بالانفصال. في الربع الثاني من العام 2024 نشر زعماء الأحزاب تغريدتين عن الانفصال (بن غفير)، خمس تغريدات عن الضم (واحدة لسموتريتش، اثنتان ليئير غولان واثنتان لاحمد الطيبي)، تغريدة واحدة (افيغدور ليبرمان) عنيت بشكل غير مباشر بحل الدولتين، ولا أي تغريدة عن الحفاظ عن الوضع الراهن في النزاع.
في المقابل، بالنسبة لقطاع غزة والاحداث الأمنية كان ارتفاع حاد: 59 تغريدة في الربع الثالث من العام 2023، بينما 15 منها تميل الى اليمين (“تقويض حماس”) وواحدة لليسار. في الربع الرابع كان 219 تغريدة كهذه، 26 منها تتماثل مع اليمين و8 مع اليسار.
في الربع الأول من العام 2024 كانت في الشبكة تغريدات ذكرت مواضيع امنية، 30 منها مالت لليمين و24 لليسار. بمعنى، الموقف من حلول عميقة للنزاع كان هزيلا جدا، والتشديد الأساسي كان على الوضع الأمني الحالي، مرات عديدة انطلاقا من مرشحات أيديولوجية للمغرد أو المغردة (218 ذكر لغزة، حماس، حزب الله وايران).
في لجان الكنيست تواصل خطاب نشط عن الضم على طول كل الكنيست الـ 15 (مع مئات حالات ذكره)، فيما أن اتجاهات أخرى للسياسة – مثل الانفصال – ظهرت بتواتر ادنى بكثير. الى جانب ذلك كلما طالت الحرب هبط دراماتيكيا عدد الحالات التي تذكر فيها حلول طويلة المدى، وعاد الى التواتر المتدني الذي ميز الخطاب قبل الحرب.
الاهتمام بغزة في لجان الكنيست اجتاز مسيرة مشابهة: عدد حالات ذكرها ارتفع بحدة، من 150 مرة في الربع الثالث من العام 2023 الى 1332 في الربع الرابع. في الربع الأول من العام 2024 ارتفع العدد الى 1797، لكنه انهار في الربع الثاني من هذا العام الى 13 مرة فقط. أي أنه في قلب البحث البرلماني، الذي يفترض به أن ينصب على فحص جدول الاعمال الإسرائيلي، تحول الانتباه من الانشغال بالنزاع – في المدى القصير والبعيد – الى مواضيع أخرى.
من ناحية جدول الاعمال الحكومي فانه مع تسلم الحكومة الحالية لمهامها لاحظنا في قرارات الحكومة ارتفاع واضح في الموقف من ضم مناطق الضفة الغربية. لكن منذ 7 أكتوبر انخفض تواتر هذه التعابير. بالمقابل، توجد عشرات المواقف من جوانب امنية للنزاع: 350 ذكر في الربع الرابع من العام 2023، مقابل 18 ذكر في الربع الذي سبقه، و179 ذكر في الربع الأول من العام 2024. في الربع الثاني من العام 2024 هبط عدد عموم المواقف من غزة في قرارات الحكومة الى 14.
يبدو أن القيادة السياسية في إسرائيل عادت الى الاحابيل الائتلافية الدارجة في الكنيست. صورة الوضع المشوهة هذه تشهد مرة تلو الأخرى بأن الائتلاف الحالي يغرق كله في بقائه ومواضيع النزاع – بما فيها اهداف سياسية وحلول ممكنة – تحتل مكانا هامشيا في جدول اعمالها، مثلما يجد تعبيره في الشبكات الاجتماعية، في الكنيست وفي قرارات الحكومة.
المعارضة أيضا لا تضع بديلا مبدئيا لمواصلة المراوحة في المكان في المسألة الفلسطينية بشكل ثابت ومتواصل، باستثناء تصريحات قليلة للنواب يئير غولان، يئير لبيد وايمن عودة، ممن اعربوا عن تأييدهم لحل الدولتين (مع تحفظات مختلفة)، فان الساحة السياسية بعمومها لا تربط بين دروس الحرب وبين الحاجة الى تسوية النزاع بهذه الطريقة أو تلك. فقد عادت الى نمط الوضع الراهن الوهمي الذي ولد 7 أكتوبر.