هآرتس: الصحافي من جباليا عرف انه في مرمى النيران

هآرتس – جدعون ليفي – 14/8/2025 الصحافي من جباليا عرف انه في مرمى النيران
“اذا كانت هذه الكلمات وصلتكم فاعرفوا ان إسرائيل نجحت في قتلي واسكات صوتي”، هذا ما كتبه في وصيته المراسل انس الشريف. “الله يعلم انني بذلت كل جهد وقوة لدي من اجل ان أكون دعامة وصوت من اجل شعبي، منذ فتحت عيوني على الحياة في ازقة مخيم جباليا للاجئين. أملي كان ان يطيل الله عمري الى ان اعود مع عائلتي واحبائي الى مدينتنا الاصلية عسقلان – المجدل. ولكن إرادة الله سبقت وقضاءه نفد”.
ليس قضاء الله هو الذي حسم في هذا الأسبوع مصير انس الشريف ومعه أربعة من رجال الطاقم في خيمة الصحافة التي كانت قرب مستشفى الشفاء في غزة. ليست إرادة الله، بل مسيرة مجرمة للجيش الإسرائيلي التي وجهت لقتل الشريف، المراسل البارز في قناة “الجزيرة” في فترة الحرب.
ليست إرادة الله، بل إرادة إسرائيل في إعدامه بذريعة انه “قائد خلية” في حماس، بدون ان تعرض أي دليل على ذلك. في العالم صدقوا رواية الجيش بالضبط مثلما صدقوا في السابق بان الجيش ليس هو الذي قتل الصحافية شيرين أبو عاقلة في جنين. أيضا من يريد التصديق بان الشريف كان قائد خلية يجب عليه ان يسال: ماذا بخصوص القتلى الاخرين؟ هل كانوا نواب قائد الخلية؟. الجيش الذي يقتل المراسلين بالجملة، بصورة تقشعر لها الابدان، والدولة التي لا تسمح بالتغطية الصحفية الحرة للحرب، لا يمكن تصديقهم في أي شيء، ولا حتى تصديق القصص حول رئيس الخلية من جباليا.
يصعب التصديق، وربما اصبح من غير الصعب التصديق، باي عدم اكتراث مر هنا قتل المراسلين. الصحافة الإسرائيلية انقسمت الى قسمين، الذين تجاهلوا القصة والذين قالوا ان إسرائيل قتلت مخرب. مزودون بلا شيء من المعلومات، جميعهم تقريبا تجندوا لتكرار الرواية التي املاها عليهم الجيش الإسرائيلي، ولتذهب الحقيقة الى الجحيم. ليس فقط الحقيقة، بل أيضا التضامن مع زميل شجاع في المهنة.
الدليل الوحيد الذي تم عرضه هو صورة مشتركة للشريف مع يحيى السنوار. هذه حقا ذريعة للاعدام.
شجاع اكثر بمليون مرة من أي مراسل إسرائيلي، ومجند بدرجة اقل لخدمة دعاية بلاده وشعبه، من كل من نير دبوري واور هيلر، فان الشريف كان يمكنه ان يعلم الصحافة الإسرائيلية أسس الصحافة. وقاحة الصحافة هنا لا تعرف الحدود: قناة “الجزيرة” هي شبكة دعاية، يصرخ مراسلو القنوات الإسرائيلية التي شوهت سمعة الدعاية القومية المجندة وقامت باخفاء الحقيقة في هذه الحرب. هل “الجزيرة” قناة دعاية؟ وماذا عن القناة 12 والقناة 11 والقناة 13 والقناة 14 والقناة 15؟ هل لها أي صلة بالصحافة في هذه الحرب.
مع موت الصحافة ماتت أيضا الحقيقة ومعها التضامن. من قتلوا في هذه الحرب عدد من المراسلين اكثر مما في أي حرب أخرى في التاريخ، 186 حسب لجنة حماية الصحافيين سي.بي.جي، 263 حسب بتسيلم، سيصوبون البنادق ذات يوم الينا أيضا، نحن المراسلون الإسرائيليون الذين لا نروق لهم. يصعب معرفة كيف ان الصحافيين الإسرائيليين لا يستوعبون ذلك، ربما هم ينوون أن يواصلوا بخضوع خدمة آلة الدعاية الإسرائيلية لانه بالنسبة لهم هذه هي الصحافة.
لكن في هذا الأسبوع قصف الجيش الإسرائيلي خيمة صحافة، والمشاهد التي لم تشاهدوها كانت مخيفة: من الخيمة المشتعلة تم اخراج جثث مراسلين، وزملاءهم الإسرائيليون هتفوا لذلك أو صمتوا. أي عار هذا، هو عار انساني ومهني. بماذا يقل ذلك صدمة عن قتل الصحافي السعودي جمال الخاشقجي؟. هل لان جثة الشريف لم تقطع؟.
أصدقاء الشريف وطاقمه يقولون انه عرف بانه مستهدف وفي مرمى النار. عندما بدأ الجيش الإسرائيلي في تهديده في تشرين الأول، اعربت ايرين خان، مقررة الأمم المتحدة المعنية بحرية الصحافة، عن قلقها على مصيره. وأضافت بان الشريف كان آخر المراسلين الذي بقي على قيد الحياة في شمال القطاع. لذلك بالتحديد قتلته إسرائيل. وكانت آخر كلماته في وصيته: “لا تنسوا غزة”.