ترجمات عبرية

هآرتس: الشرّ الذي تتعامى عنه عيون المحتجين في إسرائيل!

هآرتس 2023-03-18، بقلم: إيلانا هامرمانالشرّ الذي تتعامى عنه عيون المحتجين في إسرائيل!

سأبدأ بالقدس، مدينتي. في حي القطمون، غير بعيد عن مبنى الشقق السكنية الذي سكنت فيه مع عائلتي عشرين سنة تقريباً، في شارع “الجدناع” يوجد بيت حجري جميل يتكون من طابقين. في الطابق الثاني، توجد شرفة كبيرة سقفها مزين على طوله بأقواس تقليدية من الخشب. وُضعت على سور البيت لافتة زرقاء جميلة من قبل بلدية القدس ومجلس المواقع الأثرية مكتوب عليها بالعبرية والعربية والانجليزية بأن هذا البيت بني في العام 1937 لعائلة سعيد طوطح، الذي كان مدير بنك. العائلة الكبيرة، التي كانت من العائلات الثرية أصلا، كان لها في الحي بيت آخر أكبر من هذا البيت في شارع الأم رحيل. في هذا البيت، تم عرض شقة قبل فترة قصيرة للإيجار. كتب في الإعلان: “للإيجار لفترة طويلة، شقة جميلة ومجددة في مكان رائع في القدس”. في العام 1948، في فترة الحرب، هربت عائلة طوطح من البيت في القطمون إلى شرقي القدس.

مؤخراً، جلستُ مع أحفاد الذين كانوا أصحاب هذه البيوت في القطمون، وهم أشخاص بالغون، هم أنفسهم اصبحوا أجدادا، قرب انقاض بيتين من البيوت الستة الصغيرة التي قامت العائلة ببنائها على أراض بملكيتها في الحي الفقير في وادي الجوز. هذه البيوت تم هدمها في عيد المساخر الأخير. ثلاثة بيوت أخرى هدمت قبل ذلك. الآن، يوجد هناك بيت واحد فقط، وهو أيضا صدر ضده أمر هدم. وصلت الجرافة في ذاك اليوم في الوقت الذي كان فيه السكان يتناولون وجبة الفطور، بمرافقة عدد كبير من رجال شرطة الوحدة الخاصة السرية.

في الصور التي صورها أبناء العائلة، يظهر رجال الشرطة وهم يسيرون نحو أحد البيوت، مسلحين بالرشاشات والهراوات من أعلى الرأس إلى أخمص القدم ويرتدون الخوذات، ويحملون من الأمام ومن الخلف كاميرات وأجهزة اتصال وواقيات للركب ويرتدون أحذية عسكرية طويلة. الزي العسكري الذي يرتدونه يزينونه بشعارات عليها علم إسرائيل. عندما كنت هناك، كان قرب احد أكوام بقايا الحجارة والطوب سرير طفل جزء من الواحة الخشبية محطمة وجزء من قطع القماش الزرقاء المطرزة والتي عليها رسومات باللون الأصفر، وربما كانت هناك بطانية عليه.

لماذا حدث ذلك لأبناء هذه العائلة المقدسية من لاجئي القطمون الذين لا يوجد لهم أي مأوى وهم يتوزعون عند الأقارب الذين وافقوا على استضافتهم، لماذا نهدم لهم حياتهم مرة أخرى؟ لأنه في الحي المكتظ وداخل حدوده تم الإعلان عن حديقة وطنية باسم “عيمق تسوريم”، وهي مصممة لإخلاء السكان الفلسطينيين وليكون من المحظور عليهم البناء فيه، “منطقة خضراء” عند سفوح الأنقاض، تجعل الدنيا سوداء في عيونهم.

من أنقاض البيوت، يمكن رؤية البيوت التي تتكون من عدة طوابق في المستوطنة القريبة “بيت اوروت” التي تطل على الحديقة الوطنية، شقق مع مشهد طبيعي. عند إقامة المستوطنة أوضحت البلدية بأن “بناء جديدا في القدس أمر حيوي لتطوير المدينة وإعطاء إمكانية للشباب والطلاب للسكن في شقة والشراء فيها. من المهم الإشارة إلى أن رخصة البناء لـ(بيت اوروت) أعطيت بناء على خطة بناء مصادق عليها بشكل قانوني. اللجنة المحلية ملزمة حسب القانون بمناقشة جميع الخطط المقدمة لها وفحص مدى تطابقها مع القانون وهي غير مخولة ولا تفحص جنس أو دين أو عرق من يقدم الخطة” (واي نت، 15/12/2010).

هذه كذبة سخيفة وحقيرة! تجسد كذبة “القدس الموحدة”، حيث إن مئات العائلات في شرقي القدس من “جنس ودين وعرق” غير يهودي. من جنس غير يهودي بالطبع مثل العائلة التي جلست، هذا الأسبوع، قرب انقاض بيتها، وقدمت المخططات وطلبات لرخص بناء أو تسوية بناء قائم، لكن تم رفض ذلك. وهدمت بيوتها أو تهدم أو معدة للهدم بوتيرة سريعة في هذه الأثناء، حيث يضج الشطر الغربي للمدينة بالاحتجاجات الملونة بالأزرق والأبيض. تدفع العائلات أموالا كثيرة للمحامين، ولكن لم يوجد ولا يوجد في إسرائيل جهاز قضاء ينقذها من هدم بيوتها وهدم القدس، “العاصمة الأبدية” للشعب اليهودي، المدينة المقدسة المريضة هذه، التي تقريبا 40 في المئة من سكانها هم من العرب المسلمين. المدينة التي أصبحت “قنبلة موقوتة” بسبب سياسة التهويد الهستيرية التي تطبق فيها، عبر إقامة أحياء يهودية فاخرة في داخل الأحياء الفلسطينية المهملة بشكل فظيع.

أيضا ملايين السكان الفلسطينيين، الذين يعيشون في الضفة الغربية، لم يوجد ولا يوجد جهاز قضاء في إسرائيل يدافع عنهم وعن هدم بيوتهم وتخريب ممتلكاتهم والأضرار بحقولهم ومواشيهم من قبل السلطات الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين الذين يعيشون هناك منذ عشرات السنين بصورة غير قانونية. بالعكس، المحكمة العليا، بانعقادها كمحكمة عدل عليا، هي التي قامت بشرعنة إقامة المستوطنات اليهودية المدنية في هذه المناطق قبل أربعين سنة. بهذه الصيغة القاطعة للقاضي الفيرد فيتكون: “من ناحية اعتبار أمني نقي يجب عدم التشكيك بأن وجودهم في منطقة تمتلكها مستوطنات، حتى مدنية، لمواطني الدولة العظمى التي تضع اليد عليها، يساهم بشكل كبير في الوضع الأمني في تلك المنطقة، ويسهل على الجيش القيام بدوره. لا حاجة لأن تكون خبيرا في الشؤون العسكرية والأمن كي تفهم بأن عناصر تخريبية تعمل بصورة أسهل في منطقة مأهولة فقط بسكان غير مبالين أو متعاطفين مع العدو مما هو الأمر في منطقة يوجد فيها أيضا أشخاص من شأنهم أن يتابعوهم ويبلغوا السلطات عن أي حركة مشبوهة” (قرار الحكم الذي رفض التماسات الفلسطينيين ضد إقامة مستوطنة “بيت إيل” على أراض فلسطينية خاصة، 15/3/1979).

في هذه الأثناء وبحق فإن مواطني “الدولة العظمى القابضة” يعيشون هناك بالفعل في كل مكان “داخل السكان غير المبالين أو المتعاطفين مع العدو” – من “حفات معون” وبناتها على التلال في الجنوب وحتى “يتسهار” و”هار براخا” وبناتها على التلال في الشمال – ويقومون بأعمالهم الشريرة كما يفهمونها، إلى درجة ارتكاب المذابح الحقيقية، التي آخرها وأكثرها وحشية (ليست الأولى على الإطلاق)، في قرية حوارة في هذه الأيام المجيدة للاحتجاج المدني من اجل الديمقراطية وضد الديكتاتورية.

على الرغم من ذلك لم تفتح عيون معظم المحتجين لرؤية هذا الشر، الذي يوجد برعاية الجيش وبالتعاون معه بشكل علني وخفي، أنه هو الأكثر خطرا، ليس فقط على الديمقراطية العرجاء في دولة إسرائيل، التي تم إضعاف جهاز القضاء فيها منذ زمن والذي في السنوات الأخيرة اخضع نفسه من ناحية أيديولوجية اكثر فأكثر للسلطة التشريعية والحاكمة في ظل حكومات وطنية وعنصرية. هو خطير أيضا على مجرد وجود إسرائيل كدولة. وعلى الأشخاص الذين يريدون العيش ويسمحون للآخرين بالعيش وعدم القتل أو أن يقتلوا إلى الأبد، مثلما يطمئننا الاعتماد على القوة العسكرية وحدها والتنازل عن أي افق سياسي.

من فضلكم، أيها المحتجون الشجعان، الذين كثيرون منكم يعرفون ذلك، أسمعوا من خلال اللافتات ومكبرات الصوت صوتكم. صوتي، صوت امرأة منذ ولادتها في هذه البلاد لم تعرف إلا الحروب والمعارك والعداء والعنف بين حرب وأخرى. الوضع الذي تتظاهرون وتحتجون عليه بشكل حازم جدا ومثير للإعجاب هو النتيجة الحتمية لاتخاذ قرار عسكري قوي. وهو الذي ولد الدمج المدمر للأمن مع الأيديولوجيا اليمينية العنصرية والآخذة في التطرف، التي أوصلت الآن إلى الحكم من يبشرون بها ويستخدمونها منذ عقود. لهذا السبب لا يمكن أن يكون أي حل وسط معهم أيضا. آمل أن يكون هناك معسكر متنام من المتظاهرين الذين سيقولون ويصرخون بصوت مرتفع بهذا. وأنا آمل أننا لم نتأخر عن الموعد.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى