ترجمات عبرية

هآرتس: السعودية تطمح لإدارة المنطقة بأصدقاء جدد وإسرائيل ستنتظر

هآرتس 19-5-2023، بقلم تسفي برئيل: السعودية تطمح لإدارة المنطقة بأصدقاء جدد وإسرائيل ستنتظر

معرض المنتجات “آندي فارهول” الذي أقيم بمدينة جدة على البحر الأحمر انتهى قبل ثلاثة أيام. يمكن مشاهدة عروض سيرك ديسوليه. مقابل 350 دولاراً سيتمكن الزوار في المدينة من شراء تذكرة “في.آي.بي” ومشاهدة بطولة “دبليو دبليو إي” للمصارعة، التي ستقام في 27 أيار الحالي. وفي مدينة الترفيه الدولية بالسعودية، تعرض في هذا الشهر الكثير من الأحداث والتجارب في مسار السير المشهور فيها، الذي يحتوي على المطاعم ومدينة الرعب المثيرة والقفز في المياه والمحلات التجارية للأزياء باهظة الثمن. 

يبدو أن العرض الممل سيقام الجمعة: مؤتمر القمة العربية. تزينت المدينة بالأعلام وتم حجز فندق “ريتس كارلتون” لصالح المشاركين في القمة، حتى القرارات اتخذت مسبقاً في لقاء أجراه وزراء خارجية الأعضاء في الجامعة في هذا الأسبوع. سيظهر أمامهم هذه المرة نجم قديم، أكبر بـ 12 سنة من ظهوره السابق على المنصة، وهو الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دعاه الملك سلمان للعودة إلى مكانه الذي طرد منه في 2011 بعد معرفة حجم المذبحة التي ارتكبها ضد أبناء شعبه. 

بشار الأسد استخف في حينه بجهود وساطة زعماء عرب والغرب، واستمر في تنفيذ الفظائع، وحول ملايين المواطنين في سوريا إلى مشردين ومهجرين في بلادهم، ولاجئين في دول أخرى. مبادرات سلام بين النظام والمعارضة التي اقترحتها روسيا بقيت حتى الآن على الطاولة. قرارات الأمم المتحدة والعقوبات الدولية التي أضيفت إليها عقوبات شديدة فرضتها الولايات المتحدة، لم تؤثر في بشار الأسد، الزعيم العربي الوحيد الذي نجا من انقلابات الربيع العربي. رأى كيف أن شخصيات الشرق الأوسط مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيس الليبي السابق معمر القذافي، ورؤساء اليمن وتونس، قد فقدوا الكراسي وقتلوا أو توفوا بسبب المرض، في حين أنه يواصل الحكم، بل وأعاد لنفسه بمساعدة كثيفة من روسيا معظم المناطق التي فقد السيطرة عليها في العقد الأخير. 

عودة سوريا للجامعة العربية لم تكن مفاجئة. ففي العام 2018، عندما قررت الإمارات استئناف العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بدأ التحدث عن إنهاء المقاطعة. ولكن في حينه، كانت دائرة الدول المعارضة كاملة ومكتظة تقريباً، ووقفت على رأسها السعودية وقطر ومصر والولايات المتحدة بالطبع، التي حذرت أبو ظبي من مواصلة التقرب من سوريا. قانون قيصر، الذي وضعه الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وفرض عقوبات على سوريا، وعلى أي دولة أو أي جسم تجاري يعقد الصفقات مع النظام، دخل حيز التنفيذ وعرض العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها للخطر. الآن، رغم أنها عقوبات ما زالت سارية المفعول، لكن السعودية قررت استئناف التطبيع مع سوريا، وحتى مناقشة التعاون الاقتصادي معها. بدأت العملية السعودية على الفور بعد التطور الدراماتيكي الذي أدى في آذار الماضي إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة الصين. 

محللون في السعودية مقربون من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، شرحوا وحذروا خلال أشهر من أن البرود الشديد الذي يهب من البيت الأبيض تجاه بن سلمان سيجبره على إيجاد شركاء جدد. معاملة أمريكا الغريبة لم تتوقف حتى بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة في تموز 2022. وافقت السعودية للحظة على طلب بايدن زيادة إنتاج النفط لمواجهة النقص الناتج عن الحرب في أوكرانيا. ولكن بعد ثلاثة أشهر، وجهت السعودية صفعة لبايدن عندما لم تمنع قرار “الأوبك” تقليص إنتاج النفط. 

هدد الرئيس الأمريكي بالتداعيات التي قد تأتي نتيجة لهذه الخطوة. لم تصب السعودية بالذعر. وفي كانون الأول، استقبلت الرياض الرئيس الصيني باحتفاء في قصر اليمامة. والبيت الأبيض لم يتفاجأ. السعودية لا تخفي عن الولايات المتحدة خطواتها السياسية، لكنها لا تطلب الإذن. والأهم أن الحملة الاستعراضية الدبلوماسية التي تديرها السعودية لا تأخذ رغبة أو ضغط الولايات المتحدة في الحسبان. مثلاً، التطبيع مع سوريا يحدث رغم تحذير وتهديد أمريكا، من بينها مشروع قانون طرح في الكونغرس ينص على فرض عقوبات إضافية على من يساعد النظام السوري. 

دور جديد 

لا حاجة لقاموس خاص كي نفهم بأن السعودية قررت إدارة استراتيجية جديدة في الشرق الأوسط، التي لن تبقى فيها عضوة في تحالفات يبنيها آخرون. ستكون المبادرة والمخططة والمنفذة للخطوات السياسية التي قد تغير وجه المنطقة. قبل استئناف علاقاتها مع إيران، قامت بانعطافة مذهلة في علاقاتها مع تركيا عندما استأنفت علاقاتها مع الرئيس التركي الذي قاد حملة دولية ضدها بسبب قتل الصحافي جمال خاشقجي، بل ساعدت اردوغان أيضاً بمليارات الدولارات لمواجهة الأزمة الاقتصادية العميقة في بلاده. 

التطبيع مع سوريا اعتبر ثمناً سعودياً لاستئناف العلاقات مع إيران، لكنه مرحلة أخرى في هذه الاستراتيجية التي وضعت فيها السعودية نصب عينيها إنهاء صراعات وحروب في الشرق الأوسط. بدلاً من التحالف المناهض لإيران الذي قاده بن سلمان قبل تعيينه ولياً للعهد، قرر إقامة ميزان ردع سياسي يطلب فيه من إيران تنسيق سياستها مع الدول العربية، لا سيما السعودية، مقابل مكاسب سياسية يمكن للسعودية إعطاؤها إياها. 

استئناف العلاقات مع إيران وعودة سوريا إلى الحضن العربي هو إنجاز مهم لإيران يعطي طهران ودمشق شرعية عربية، ربما تتحول في المستقبل إلى شرعية دولية. في الوقت نفسه، هذه الشرعية قد تمنح السعودية مكانة وقوة للتأثير على الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، وتؤدي إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ 8 سنوات في اليمن، ويبدو أن الخطوة القادمة ستكون استئناف العلاقات بين إيران ومصر. 

حسب تصريحات جهات رفيعة في إيران، من بينها عضو لجنة الأمن القومي في إيران فدا حسين مالكي، فإن وفوداً من الدولتين أجرت في آذار محادثات في بغداد، ويتوقع أن تلتقي مرة أخرى في تموز المقبل. وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، صرح مؤخراً بأنه يتوقع اختراقة في العلاقات بين مصر وإيران. والمحللون في إيران بدأوا يتحدثون عن لقاء محتمل بين الرئيسين الإيراني والمصري. مصر، التي لم ترد بعد على هذه التصريحات، يبدو أنها لم تكن لتخاطر بعقد مثل هذه اللقاءات بدون دعم السعودية، بعد أن مهدت المملكة نفسها المسار العربي نحو إيران. 

بالنسبة لإسرائيل، لا ترى في هذه الخطوة بشرى سارة. ليس فقط لأن التحالف العربي المناهض لإيران يتحطم أمام ناظريها، بل أيضاً بسبب التخلي عنها الرؤية الثنائية التقليدية، التي بحسبها لا يمكن لدولة مؤيدة لأمريكا تكون حليفة لإيران. معادلة “معنا أو ضدنا” تمر الآن بإعادة النظر، ليس بمبادرة من إيران بل من قبل السعودية التي تطمح إسرائيل بانضمامها لاتفاقات إبراهيم. 

في الوقت نفسه، خطوة السعودية الاستراتيجية قد تقيد حرية عمل إسرائيل في سوريا، حيث إن سوريا كدولة سيادية وعضوة جديدة في الجامعة العربية، التي تقف أيضاً أمام استئناف العلاقات مع تركيا وتحصل على الدعم القوي من روسيا، يمكنها تجنيد شبكة علاقاتها الجديدة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها. طلب سوري كهذا ربما يحصل على دعم كبير إذا نضجت محادثات التطبيع بينها وبين تركيا، التي في إطارها ستوافق تركيا على إخراج قواتها من سوريا.        

تركيا ليست بحاجة إلى تشجيع من السعودية لاستئناف علاقاتها مع نظام الأسد. سواء أردوغان أو خصمه كليتشدار أوغلو، اللذان سيتنافسان في 28 من هذا الشهر في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، يؤيدان سياسة إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. نحو 3.5 مليون لاجئ سوريا يعيشون في تركيا، وإذا كان استيعابهم قد عرض في بداية الحرب كبادرة حسن نية إنسانية مؤثرة، فقد تحولوا مع مرور السنين إلى عبء اقتصادي ثقيل تتحمله الحكومة، والأهم إلى مركز كراهية الأجانب ثم قضية سياسية ساخنة.

“يجب أن يتم وبسرعة طرد 10 ملايين لاجئ… لم نعثر على وطننا في الشارع ولن نعطيه لمن سمح بدخول 10 ملايين لاجئ إليه”، قال كليتشدار هذا الأسبوع في خطاب شديد اللهجة ألقاه، في الوقت الذي يطيب فيه هذا لأذن الوطنيين الذين يسعى للحصول على أصواتهم. اردوغان من ناحيته يتحدث منذ سنة عن نية إعادة مليون لاجئ سوريا على الأقل حتى يساعد ذلك في الأزمة الاقتصادية. 

لكن من أجل نجاح هذه الخطوة، ستضطر تركيا إلى استئناف العلاقات مع الأسد الذي يطالب في المقابل بإخراج القوات التركية من سوريا وبمساعدات مالية سخية لاستيعاب اللاجئين. لا توجد لتركيا مصادر تمويل تقدمها للأسد لاستيعاب مواطنيه العائدين: في إيران يطالب أعضاء البرلمان الحكومة بالحصول على الـ 20 مليار دولار ديناً من سوريا، ولا تسارع الدول الأوروبية إلى كتابة الشيكات لأمر بشار الأسد. فعلياً، لم يبق إلا دول الخليج، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وبذلك تسلم بعملية التطبيع بين تركيا وسوريا وإيجاد حل سياسي لهذه الحرب الطويلة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى