ترجمات عبرية

هآرتس: الرصيف البحري: الهدف الأميركي الحقيقي والسيناريوهات الميدانية

هآرتس 12-3-2024، تسفي برئيلالرصيف البحري: الهدف الأميركي الحقيقي والسيناريوهات الميدانية

السفينة “أوبن ارمز” التي تمتلكها منظمة الإغاثة “وورد سنتر كيتشن” وصلت إلى ميناء لارنكا في قبرص قبل نحو ثلاثة أسابيع. أمس، كانت مُعدة للانطلاق نحو غزة – بهذا تدشين المسار البحري الإنساني الذي من شأنه أن يستبدل طريقة نقل المساعدات إلى القطاع. على متن السفينة تم تحميل اكثر من 200 طن من الطحين والأرز والتونا ومنتجات أخرى، وتم فحصها من قبل ضباط إسرائيليين وصلوا إلى لارنكا من اجل التأكد بأنها لا تحمل وسائل قتالية، كسلاح أو مواد يمكن أن تستخدم لأغراض عسكرية. حتى الآن من غير الواضح كيف سيتم إنزال الحمولة وكيف سيتم توزيعها على المحتاجين في غزة، حيث إن إقامة الرصيف البحري المؤقت في القطاع يمكن أن تستغرق شهرين، لكن في المرحلة الأولى النية هي إنزال الحمولة في قوارب صغيرة يمكنها الرسو على الشاطئ.

منظمة “وورد سنتر كيتشن” تم تكليفها بإدارة بالأسطول الأول. هذه المنظمة أقيمت على يد شيف أميركي، وهو إسباني الأصل، حصل على الكثير من الجوائز خوسيه أندريس، وقد اكتسب الكثير من الخبرة في تقديم المساعدات الإنسانية لاماكن كثيرة في العالم. في غزة تدير المنظمة نحو 60 مطبخا يديرها محليون، معظمهم من النساء، حيث يتم طبخ الوجبات للمحتاجين. ولكن الكمية الكبيرة من المعدات الإنسانية ستحتاج إلى تنظيم خاص مثل تحديد أماكن المخازن والنقل والأمن والإشراف على التوزيع. كل ذلك لم يتم ترتيبه بعد رغم أن انطلاق الأسطول، تمت مناقشته مؤخرا وهو ليس تطور اللحظة الأخيرة.

في الوقت نفسه، بدأ الجيش الأميركي في نشاطات لإقامة الرصيف البحري الذي سيربط المرفأ مع شاطئ غزة. الطول يتوقع أن يكون 500 متر، ويمكن أن تصل إليه سفن تحمل معدات مساعدة في الرحلات في المستقبل. هذا المشروع الذي مول من قبل اتحاد الإمارات والولايات المتحدة سيشغل اكثر من ألف جندي أميركي، الذين سيشكلون ويشغلون الجزء البحري من المرفأ لكنهم لن يكونوا جسديا في غزة.

هذه العملية استهدفت كما يبدو حل مشكلة معينة تتعلق بحجم المساعدات الإنسانية التي تدخل إلى القطاع، لكن قرار إقامة الرصيف البحري المؤقت اصبح أمرا ملحا جدا بعد أن تبين أن إنزال صناديق المساعدة من الجو مثلما في الأسابيع الأخيرة أغلى بكثير وغير ناجع وخطير (خمسة فلسطينيين قتلوا في الأسبوع الماضي بسبب الصناديق التي تم إنزالها والمظلة لم تفتح)؛ حتى أنه لا يمكنها توفير كمية الغذاء المطلوبة. لكن الانتقال إلى حل تقني يتمثل بإقامة رصيف بحري، حيد سياسة إسرائيل التي استهدفت إدخال المساعدات الإنسانية إلى وسيلة ضغط استراتيجية على “حماس” أو أداة لعب في الساحة السياسية الداخلية.

الصعوبات التي وضعتها إسرائيل أمام إدخال المساعدات الإنسانية مثل التعقيد في فحص الشاحنات في معبر كرم أبو سالم ومعبر نتسانا والعجز المتعمد أمام المتظاهرين الذين منعوا إدخال الشاحنات إلى غزة والكارثة التي قتل فيها اكثر من 115 شخصا بسبب الانقضاض على قافلة مساعدات في شمال القطاع (بعضهم بسبب الدهس وبعضهم بنار الجيش الإسرائيلي) – كل ذلك أوضح بشكل متأخر للولايات المتحدة بأنه يجب عليها تغيير الاستراتيجية، “الدخول إلى الحدث وتولي المسؤولية عن إدارة العملية الإنسانية”. إسرائيل في الحقيقة ستكون هي المسؤولة عن الفحص الأمني للمساعدات، الذي سيتم كما يبدو في ميناء ليماسول، لكن كما هو معروف هي لا يمكنها تقرير حجم ووتيرة نقل المساعدات إلى القطاع. والأكثر أهمية هو أنه في المسار البحري يمكن أن تدخل بضائع بكمية تساوي مئات الشاحنات التي تدخل يوميا، وهو يمكن أن يفتح غزة لإدخال بضائع وسلع لا تتطابق بالضبط مع تعريف “مساعدات إنسانية”.

هكذا تستطيع الولايات المتحدة التي تعمل بالتنسيق مع الدول الأوروبية إدخال مواد البناء ومعدات لإعادة إقامة البنى التحتية للكهرباء والمياه وحتى مبان غير ثابتة لاستخدام سكان غزة الذين سيرغبون في العودة من جنوب القطاع إلى الشمال لاستخدامها، ليس فقط إسرائيل ستتجاوز “المشروع الإنساني” الأميركي، بل أيضا هو سيرفع جزءا من الضغط الذي تم استخدامه على مصر حيث ارتفعت هناك النداءات للرئيس عبد الفتاح السيسي من اجل فتح المعبر ووقف التنسيق مع إسرائيل والسماح بانتقال البضائع والأشخاص من دون قيود من غزة واليها. ومثل المعبر في كرم أبو سالم ونتسانا أيضا النشاطات في رفح ستستمر، لكن الاعتماد عليها وعلى الحكومات في القدس وفي القاهرة، التي تقرر كيف ومتى يتم فتح هذه المعابر، سيتضاءل.

العملية الأميركية لا تملي حتى الآن على إسرائيل حجم نشاطاتها العسكرية في غزة، وبدرجة كبيرة هي يمكن أن ترفع عنها المسؤولية عن إدارة الجانب الإنساني في المعركة، حتى لو أنه لن يرفع المسؤولية الكاملة عن وضع السكان المدنيين، لكنه يسلب من إسرائيل إمكانية استخدام المساعدات الإنسانية كوسيلة قتالية. الرصيف البحري المؤقت الذي يمكن أن يتحول إلى ميناء يضع علامات تساؤل واضحة حول قضية الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة منذ 17 سنة تقريبا. في العام 2010 قامت إسرائيل بمهاجمة القافلة التركية التي حاولت كسر الحصار وإحضار المساعدات لسكان القطاع. المواجهة بين الجيش الإسرائيلي وطاقم القافلة الذي كان على متن سفينة “مرمرة”، أدت إلى موت 11 مواطنا تركيا وقطع طويل للعلاقات بين الدولتين.

لكن الجهود التي استثمرتها إسرائيل في قطع طرق الوصول إلى غزة لم تمنع “حماس” من بناء مدينة سفلية متشعبة، واستيراد وإنتاج السلاح وإعداد قوات قتالية – وفي النهاية تنفيذ الهجوم الفظيع داخل أراضيها. الآن وضعت إسرائيل نفسها في وضع لم تعد فيه تستطيع إغلاق طرق الوصول، حيث أن حليفتها الأكثر أهمية هي التي ترسل السفن إلى غزة. هكذا تدمر الولايات المتحدة الرؤية الاستراتيجية لإسرائيل التي كان للحصار دور رئيس فيها. ولكن أيضا الولايات المتحدة لا تمتلك خطة عمل منظمة من اجل توزيع المساعدات الإنسانية من لحظة إنزالها في الرصيف البحري وحتى بيوت المحتاجين في القطاع. لا توجد حتى الآن أي جهة فلسطينية مستعدة أو يمكنها تحمل المسؤولية عن توزيع المساعدات، وبعد ذلك إعادة الإعمار الأولية للبنى التحتية التي ستمكن من عودة السكان إلى بيوتهم.

الولايات المتحدة تستمر في إجراء المحادثات مع جهات رفيعة في رام الله حول الحاجة إلى إعادة إصلاح السلطة الفلسطينية وتشكيل أجهزة إدارة ناجعة، لكن في هذه الأثناء تزداد المعارضة في “م.ت.ف”، لا سيما في حركة فتح، لتعيين محمد مصطفى، المقرب من محمود عباس، في منصب رئيس الحكومة بدلا من محمد إشتية الذي استقال قبل أسبوعين تقريبا، لكنه يستمر في العمل كرئيس حكومة انتقالية. في هذه الأثناء لا يبدو أن هناك احتمالية لتشكيل “حكومة تكنوقراط” فلسطينية. النتيجة يمكن أن تفرض على الجيش الإسرائيلي الانشغال في تأمين وتوزيع المساعدات الإنسانية مع منظمات إغاثة دولية ومحلية، في موازاة نشاطاته العسكرية. هنا يمكن أن تتطور المرحلة الأولى في العملية الخطيرة لتحويل الجيش الإسرائيلي إلى جيش محتل وقوة شرطية في القطاع.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى