هآرتس: الدولة قررت الفصل على اساس ديني بين سكان النقب، وديمونا هي لليهود

هآرتس19/11/2025، كيم لاغزيئيل: الدولة قررت الفصل على اساس ديني بين سكان النقب، وديمونا هي لليهود
عندما نتعامل مع اخبار بحجم تاريخي فانه يصعب احيانا متابعة التفاصيل الصغيرة. من السهل ان يغيب عنا مثلا انه في الاسبوع الماضي دولة اسرائيل، بكل مؤسساتها، اعلنت اخيرا عن سياسة الفصل بين اليهود والعرب، وعن حقوق مختلفة لكل قطاع على اساس ديني. هذا كمقدمة لانشاء عشرات البلدات الجديدة في النقب، كلها تقريبا فقط لليهود. وان بعضها سيقام على انقاض قرى بدوية. البدو لا يمكنهم الحصول على قسيمة ارض بديلة في البلدة المستقبلية لانهم عرب. لذلك، هم ايضا لن يعترف بهم كـ “ابناء المكان” – وهو تعريف يعطي اولوية في شراء قسائم في البلدات التي ستقام على حساب بيوتهم.
هذا هو السيناريو، وقد وقع في الاسبوع الماضي عندما رفضت المحكمة العليا الالتماس الذي قدمه 500 بدوي يعيشون في القرية غير المعترف بها رأس جرابة القريبة من ديمونا. وأمرت باخلائهم خلال تسعين يوم. كما يبدو من اجل ان يكون بالامكان اقامة حي في مكانهم. هذا بدون ان يكلف أي أحد من بين مئات المخططين واعضاء اللجان الذين وضعوا وناقشوا الخطة منذ العام 2017، عناء التحدث مع سكان القرية، الذين يعيشون في منطقة ديمونا منذ مئة سنة على الاقل. ايضا لم يفكر أي أحد في تخطيط حي يشملهم ايضا، وليس فقط يشمل اليهود. هذا بدون صلة بان خطة الحي، التي كانت معيبة من اساسها، تم الغاءها في شهر حزيران، وستمر سنوات الى أن يتم بناء الحي، وبالتاكيد ليس تسعين يوم.
الى أين سيتم الاخلاء؟ الى المكان الذي ستقرره سلطة البدو، وهي الجسم المسؤول عن تسوية القرى غير المعترف بها. يبدو انه يكفي أن تتكرم السلطة وتعرض على السكان قطعة ارض أو شقة في ديمونا على سبيل المثال. ولكن لا: حسب لائحة رسمية مكتوبة بوضوح في لوائح مجلس اراضي اسرائيل التي تحدد عمل سلطة البدو، فان البدو سيعيشون مع البدو واليهود يعيشون مع اليهود. ولا يحق لسلطة البدو عرض بديل على سكان رأس جرابة الا اذا كانت قطعة الارض “توجد داخل حدود قرية من قرى البدو”، كما هو منصوص عليه. وهذه تشمل حسب الانظمة رهط، اللقية، تل السبع وقرى بدوية اخرى سيتم بناءها مستقبلا في كل ارجاء النقب. اما ديمونا فهي ليست ضمن هذه البلدات.
الـ 500 مواطن من رأس جرابة ليسوا غزاة، رغم الجهود الكبيرة لسلطة اراضي اسرائيل لعرضهم كذلك. هناك شهادات تاريخية كثيرة، بما في ذلك خرائط بريطانية ووثائق في ارشيفات عثمانية، تثبت ان قرية باسم راس جرابة كانت توجد في النقطة التي يدور الحديث عنها قبل ولادة فكرة بناء مدينة اسمها ديمونا هناك بعشرات السنين. “الارشيفات العثمانية في اسطنبول والارشيفات البريطانية تؤكد أن رأس جرابة كانت توجد في نفس المكان في نهاية العهد العثماني في اسرائيل، وايضا خلال فترة الانتداب البريطاني”، يقول الدكتور منصور نصاصرة، وهو محاضر في قسم العلوم السياسية في جامعة بن غوريون.
يتبين ان الزراعة في المنطقة كانت مزدهرة حتى في فترة الحكم البريطاني. “الخارطة الواضحة جدا قبل قيام الدولة التي يظهر فيها اسم رأس جرابة، هي من العام 1924، من الارشيف البريطاني في لندن”، قال الدكتور نصاصرة. “يمكن رؤية القرية فيها. وقد قيل فيها بانه يوجد فيها سكان مزارعون يتكونون من عدة قبائل مرتبطة بالمركز التجاري القريب، الذي في حينه كان يوجد في ممشيت، والتي سميت في حينه قرنب. وحتى انه يشار الى ان عدد من الاشخاص من القرية خدموا في مركز الشرطة البريطاني في قرنب”.
ايضا حسب اقواله، الصور الجوية البريطانية تظهر ان المزارعين في محيط القرية كانوا يزرعون القمح والشعير ويسوقون المحاصيل الى غزة، ومن ميناء غزة كان يصل القمح والشعير الى بريطانيا. الدكتور نصاصرة يقول: “البريطانيون اشاروا الى انهم استخدموا هذا القمح لصناعة البيرة في لندن، الامر الذي يعني ان هذه منطقة زراعية مهمة. وحتى بعد العام 1948 فان الخرائط الاسرائيلية تظهر فيها ديمونا تشير الى قرية باسم رأس جرابة. الخرائط الاسرائيلية الاولى اعترفت بان القرية تقع مقابل ديمونا، لانها اعتمدت على الخريطة البريطانية. وكتبوا رأس جرابة باللغة العبرية. البريطانيون يقولون بانهم كانوا هناك، وانه توجد وثائق تشهد على ذلك.
لكن في خرائط اسرائيلية متأخرة اختفت القرية. والان، بمصادقة المحكمة العليا، سيختفي سكانها ايضا، وسيتم نقلهم مثل غرض الى مكان تختاره الدولة. ببساطة، دولة اسرائيل قررت الفصل على اساس ديني بين سكان النقب، وان ديمونا هي لليهود.
هذه فقط البداية. من المقرر بناء اكثر من عشر بلدات جديدة في ارجاء النقب في السنوات القريبة القادمة، وهي في مراحل تخطيط مختلفة. وسيقتضي بناء الكثير منها اخلاء قرى بدوية غير معترف بها، لكن لن يتم ادراج اي قرية منها، الفيلات الواسعة، في قائمة “القرى البدوية”. الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة الان سيتم استبدالهم باليهود، ليس أي يهود، بل اليهود الذين لن تكون لديهم أي مشكلة في اقامة بيوتهم على انقاض بيت شخص آخر لمجرد أنه يؤمن بدين آخر.
هكذا، بدلا من حل مشكلة القرى البدوية غير المعترف بها في النقب اختارت الدولة زيادة اللهب ومحاولة فرض فصل على اساس الدين بين المواطنين. من السذاجة الاعتقاد ان هذا الوعاء لن يفيض، وعندما يفيض فانه سيضر كل سكان النقب، يهود وعرب على حد سواء.



