ترجمات عبرية

هآرتس: الحياة تحت الاحتلال: الخوف مُرافق دائم!

هآرتس 2022-10-12، بقلم: عميرة هاس

كُتب على موقع الجبهة الداخلية، أن الهزة الأرضية وحالة الطوارئ الناجمة عن سقوط قذائف وصواريخ، من الممكن أن تؤديا إلى حالة هلع، وإغماء، وحتى توقُّف القلب. بما معناه، حتى من دون الإصابة الجسدية، فإن الخوف والرعب لهما عوارض جسدية واضحة.

وعلى الرغم من هذا، فإن وجهة نظر الجيش تقول: إنه لا علاقة بين موت الطفل ريان سليمان، ابن الثمانية أعوام، بسبب توقُّف قلبه، وبين الجنود المدججين بالسلاح الذين اقتحموا منزله في بلدة تقوع. وجاء في خلاصة تقرير الجيش، أنه “لا دليل على أن ريان سقط أو تعرض إلى ضرر جسدي بسبب نشاط القوات”. وبحسب الجيش، فإن الإصابة الجسدية فقط هي التي لها علاقة بموت الفلسطينيين. وبحسب الإسرائيليين، لا علاقة بين القدرات غير المحدودة والمؤكدة للجنود ببث الرعب، وبين الخوف الذي يشعر به طفل فلسطيني عندما يراهم.

الخوف هو المرافق الدائم، الطبيعي، في الحياة تحت الاحتلال العسكري والاستيطاني. لكن توجد حالات يكون فيها التخويف عن قصد، ويتم عبر إطلاق النار. مثلاً، في التظاهرة التي خرجت من نابلس في 28 أيلول. لو خرجت هذه التظاهرة في بيلاروسيا أو إيران، لقال عنها الإعلام الأميركي أو الإسرائيلي: إنها عمل بطولي. المصور نضال إشتية كان أول مَن وصل إلى المكان وبدأ بالتصوير (للصراحة يصور أحياناً لي لـ”هآرتس”). حافظ إشتية على مسافة بعيدة عشرات الأمتار عن الجنود والمتظاهرين الذين أشعلوا الإطارات وقاموا برمي الحجارة. كما كان يلبس خوذة وغطاء وجه يحميه من الغاز، بالإضافة إلى سترة كُتب عليها “PRESS”. جندي صوّب بندقيته وأصابه بقنبلة غاز في قدمه. لا تقولوا لي: إن هذا لم يكن مقصوداً.

في الوقت ذاته، وصل مصوران ووقفا على مسافة من المتظاهرين الذين انسحبوا بسبب الغاز المسيل للدموع. وعلى الرغم من الألم والإصابة، فإن إشتية قام بتصوير ما حدث (تبين لاحقاً أنه يعاني جرّاء كسر في العظم). اقترب الجنود من المصورَين، أحد الجنود دفع أحدهم، فابتعد، ثم قام جندي آخر برمي قنبلة غاز مسيل للدموع عليهما. لدقائق طويلة، لم يستطيعا الحركة بفعل الغاز المسيل للدموع الخانق. لا تقولوا: إن الجنود لا يعرفون أن الحديث يدور عن مصورين (الناطق باسم الجيش: لم نسمع عن ادعاء يفيد بإصابة مصورين كانوا في المنطقة!).

شهد إشتية على ما هو أسوأ. في أيار 2015، عندما كان يصور مسيرة في ذكرى النكبة شمال حاجز حوارة، قام جندي بإطلاق رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط على امرأة كانت تشارك في المسيرة وأصابها في يدها وبطنها (لم يكن هناك إلقاء حجارة، حينها). بعدها قام بإطلاق النار على رأس إشتية، وأصابه في عينه اليسرى، ففقد الرؤية فيها منذ ذلك الوقت. وعلى الرغم من أن الجنود يرون في المصورين أهدافاً، وعلى الرغم من الخوف من إصابته مرة أُخرى، فإنه استمر في عمله.

كان يُفترض أن تُختَتم هذه المقالة بالتساؤل عن إطلاق الغاز المسيل للدموع: هل هو لعب جنود، أم أوامر غير رسمية لردع المصورين الفلسطينيين؟ بالإضافة إلى الحديث عن شجاعة الفلسطينيين المثيرة للإعجاب. ولكن يوم السبت 8 تشرين الأول، اقتحم الجيش جنين مرة أُخرى، وعلى الرغم من الألم في ساقه، فإن إشتية وقف إلى جانب ثلاثة مصورين آخرين في غرفة صغيرة على سطح مبنى سكني في أطراف المخيم.

زميله وقف خلف الكاميرا إلى جانب الشباك. في الشارع، كان هناك بعض المركبات العسكرية. وبشكل مفاجئ، دفع إشتية وأسقطه أرضاً وهو يصرخ: يطلقون النار علينا. رمى نفسه على زميليه الآخريْن، وفي الوقت الذي كانوا جميعاً على الأرض، أصابت 4 رصاصات عدسة الكاميرا. دقة الجيش، أم دقة الوحدات الخاصة؟ سقطت خوذة إشتية وتدحرجت على السطح. زحف للوصول إليها، وزحف أحد الزملاء إلى جانبه. إطلاق النار تجدّد. قناص، أو قناصة، أطلقوا النار باتجاههما مرتين على الأقل، عدة طلقات في كل مرة. رصاصة واحدة أصابت أرضية السقف إلى جانب إشتية. لم يتحركا بعدها، وبعد كل إطلاق نار، كان الواحد منهما يسأل الآخر ما إذا كان قد أصيب. طلبوا المساعدة عبر الهاتف، تم بث طلب المساعدة عبر الإذاعات الفلسطينية. نصف ساعة من الرعب المستمر، إلى أن انسحبت قوات الجيش من هناك. المصورون مقتنعون بأن الهدف كان قتْلهم.

السلطة عندنا لا تستطيع البقاء من دون بثّ الرعب. لكن إشتية، كزملائه، سيستمر في المخاطرة والعمل، لأنه “يوجد لديّ أبناء في الجامعة”.

الناطقان الرسميان باسم الجيش وباسم الشرطة ردّا بالقول: إن “الادعاءات بشأن إطلاق النار على الصحافيين في المنطقة لم تصلنا. الجنود يعملون بحسب التعليمات والحاجة العملياتية، ولا يطلقون النار باتجاه من لا دَخْل لهم، ومنهم الصحافيون. يدور الحديث عن عملية في مخيم جنين، حيث جرى تبادُل لإطلاق النار بين قوات الجيش ومسلحين فلسطينيين، وتم إطلاق النار بكثافة على القوات من عدة جهات. يشكل وجود مواطنين لا دَخْل لهم في مناطق القتال خطورة على حياتهم”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى