هآرتس: الحروب ضد الاساطير القومية محكوم عليها بالفشل، يا يوفال هراري

هآرتس 27/11/2025، ديمتري شومسكي: الحروب ضد الاساطير القومية محكوم عليها بالفشل، يا يوفال هراري
البروفيسور يوفال نوح هراري، دعا الاسرائيليين والفلسطينيين الى التخلي تماما عن الروايات القومية الاسطورية حول من عاش أولا في ارض اسرائيل/ فلسطين (“هآرتس”، 13/11). روغل الفر ايد نوح هراري على الاقل فيما يتعلق برفض الموثوقية التاريخية لاساس رئيسي ومؤسس في الرواية الصهيونية – الاسرائيلية، الفكرة التي بحسبها تم اجلاء شعب اسرائيل من ارض اسرائيل قبل ألفي سنة (“هآرتس”، 17/11).
يصعب عدم التوافق معهما من ناحية تاريخية. فالحديث يدور بدون شك عن اسطورة واضحة، التي مصدرها للمفارقة، ليس صهيوني بل ديني – مسيحاني. وقد احسن رؤية ذلك البروفيسور يسرائيل يوفال في مقال مؤسس كتبه قبل عشرين سنة بعنوان “اسطورة الاجلاء من البلاد – زمن يهودي وزمن مسيحي”. اساس هذه الاسطورة هو ان اليهود فقدوا استقلالهم السياسي وتم اجلاءهم من البلاد كعقاب على رفضهم لييشو. ولكن في المقابل، تصعب الموافقة على الاستنتاج القومي – السياسي الذي يستنتجونه من هذا الادعاء التاريخي، وهو أن التمسك بهذه الاسطورة يمنع بالضرورة الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين.
نظرة الى تاريخ الفكرة القومية الصهيونية تطرح صورة مختلفة في جوهرها. لا يوجد خلاف حول ان مؤسس الصهيونية الروحية – الثقافية، احاد هعام، آمن بلا تحفظ برؤية النفي الاسطورية للشعب اليهودي من بلاده، ورأى في الحركة الصهيونية حركة عودة اليهود الى وطنهم التاريخي. في نفس الوقت، في تناوله في 1920 لوعد بلفور، قال ان الحق التاريخي لشعب اسرائيل “العودة والاستيطان في ارض الآباء… لا تلغي حق سكان البلاد الآخرين الذين ياتون باسم الحق الواقعي للعودة والعمل في البلاد منذ اجيال، هم ايضا هذه البلاد هي وطنهم القومي”.
الفيلسوف مارتن بوبر ايضا، الصهيوني الروحاني – الديني البارز، ايد بشكل واضح اسطورة النفي والعودة لشعب اسرائيل الى وطنه. “اذا كان في أي يوم احد ما في الصهيونية، شعر بهذه الصلة بين شعب وبلاده كصلة تنبع من قوة تاريخية وفوق تاريخية، التي لا يوجد اعلى منها، فأنا هو هذا الشخص”، كتب في 1929. وحتى انه قام بتاليف كتاب مع نكهة دينية – سياسية بعنوان “بين شعب وبلاده – اسس تاريخ الفكرة”. اضافة الى ذلك في فترة الانتداب اعتبر بوبر من اشد المطالبين بفكرة اقامة دولة يهودية – عربية، ثنائية القومية، في ارض اسرائيل على الفور، رغم التفوق الديمغرافي العربي في البلاد في حينه. وقد سوقت هذه الفكرة في حينه جمعية بريت شالوم، التي لم يكن بوبر عضو فيها، لكنه كان بلا شك الروح الحية من ورائها.
لقد كان شموئيل هوغو بيرغمان، المعجب بمارتن بوبر وشريكه الفكري والسياسي والناشط الرئيسي والقيادي في حركة بريت شالوم، والذي اصبح بعد ذلك اول رئيس للجامعة العبرية في القدس، كان صهيوني متحمس حتى في صباه في مسقط رأسه براغ في بداية القرن الماضي، وكان متعاطف بارز مع اسطورة المنفى وفكرة العودة الحديثة الى صهيون. في براغ ترأس لفترة جمعية طلاب صهيونية محلية حملت اسم له طابع مسيحاني بدرجة معينة وهو باركوخبا.
عندما تناول في نهاية العشرينيات “المشكلة العربية” كتب بيرغمان: “من نعم الله على شعب اسرائيل، ان بيته الوطني هو وطن لشعبين”، هذا يعود حسب رأيه الى ان الصهيونية تم تكليفها بدور اخلاقي سياسي رفيع المستوى وهو ما كان في نظره بمثابة رسالة لاهوتية – اخلاقية، وهي اثبات ان الشعب اليهودي وحركته الوطنية، خلافا للدول القومية المهيمنة التي نشأت بعد الحرب العالمية الاولى في اوروبا الشرقية، في مناطق متعددة القوميات، والتي عززت حقوق امة واحدة ذات سيادة، يناصران الحقوق القومية المتساوية بين شعبي ارض اسرائيل، بروح مفاهيم العدالة العالمية التي ارساها انبياء اسرائيل.
من المثير للاهتمام ان ابو فكرة تهجير عرب اسرائيل – الكاتب البريطاني اليهودي اسرائيل زنغفيل، كان لديه التزام فضفاض بشكل معين بالفكرة الصهيونية وعودة اليهود الى وطنهم. زنغفيل، صاحب عبارة “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”، كان في البداية من المقربين لهرتسل. ولكن عندما ادرك استحالة تحقيق ميثاق على ارض اسرائيل، ورفض المنظمة الصهيونية “لخطة اوغندا” التي أيدها، قام بتاسيس المنظمة اليهودية الاقليمية في العام 1905، التي سعت الى اقامة وطن قومي لليهود الموجودين في ارجاء العالم. قبل ذلك بفترة كان قد حدد رؤيته بشان مستقبل عرب البلاد. “اما طرد القبائل التي تقيم في البلاد بحد السيف، مثلما فعل اسلافنا، أو التعامل مع مسالة هجرة السكان الاجانب الذين في معظمهم من المسلمين، الذين منذ اجيال تعودوا على معاملتنا بازدراء”.
لذلك، في محاولة لدفع الاسرائيليين الى الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين، ليس من الضروري شن حرب شاملة على اسطورة طرد اليهود من البلاد، لانه لا توجد صلة حتمية بين الايمان بهذه الاسطورة ونفي القومية الفلسطينية. قد يكون المرء صهيوني متدين ويؤمن بدولة ثنائية القومية أو تقسيم البلاد، أو قد يكون مثل زنغفيل، غير مهتم تماما باساطير الصهيونية، ويدعم العنصرية والتهجير.
الاكثر اهمية من ذلك – اذا كان يمكن تعلم أي شيء من تاريخ القوميات والحركات القومية الحديثة فهو أن الحروب ضد الاساطير القومية مصيرها الفشل. يفضل بدلا من ذلك التركيز على شيء ما اصعب، الذي يبدو سيزيفي، لكن مع ذلك هو اكثر واقعية: الكشف للاسرائيليين عن حقيقة انه يمكن تماما الايمان بالايديولوجيا الصهيونية، وفي نفس الوقت ان نؤيد بصورة حماسية المساواة في الحقوق القومية بين شعبي ارض اسرائيل/ فلسطين.



