هآرتس: الجيش يغلق شرايين حياة الفلسطينيين في غزة

هآرتس 5/11/2025، عميره هاس: الجيش يغلق شرايين حياة الفلسطينيين في غزة
الضيفات تمت دعوتهن للاحتفال بالنبأ السار: لقد جاءت النتائج السلبية لفحوصات صديقتهن لينا. مرض السرطان لم يعد. بين كاس النبيذ الأحمر والشرح حول جوائز نهاية الموسم والتحضير لها، تحدثت المضيفة عن الفحوصات التي تم تبكيرها وعن سبب ذلك وقالت: امرأة أخرى شاركت في الاختبار أعلنت بانها لن تاتي لانها عالقة في نقاط التفتيش.
في الأصل كان من شان لينا (اسم مستعار مثل كل أسماء من أجريت معهن هذه المقابلة) أن تجتاز الفحص فقط في نهاية السنة، لكن المستشفى في رام الله ادخلها أيضا الى قائمة الانتظار للفحص في موعدين: التجربة تعلمنا انه بسبب الاغلاقات الفجائية أو بسبب ان الجنود بطيئين في الحواجز، لا سيما في الصباح، حيث يكون الناس يسرعون الى عملهم، أو بسبب اقتحام عسكري لحي أو قرية، فان لا أحد منهم يصل. في الموعد الأول لم يكن مكان في الدور. بعد أسبوعين، عندما كانت صائمة مرة أخرى، اتصلوا بها من المستشفى في الساعة 9:45 صباحا وطلبوا منها القدوم على الفور. “نحن سررنا بالطبع، لكن أيضا تماهينا مع احباط وقلق الشخص الذي لا نعرفه، الذي كان يمكن أن يأتي”، قالت لينا وزوجها.
من غيرهم يمكن ان يعرف بانه من الخطير تفويت فرصة اجراء فحص “الصورة الطبقية”، وهو الفحص الذي أجرته لينا. الجهاز الموجود في رام الله (واحد من اثنين في الضفة) يمكن فحص فقط 8 – 10 اشخاص كل يوم. في هذا الفحص تستخدم مادة اشعاعية يتم شراءها من إسرائيل. المادة يتم جلبها الى المستشفى بالكمية الضرورية بالضبط للفحوصات في نفس اليوم، قال الطبيب للينا. ولان معظم المفحوصين ليسوا من رام الله فان تشكيلة القائمة تأخذ في الحسبان الحواجز.
877 حاجز تنتشر في الجيوب الفلسطينية في الضفة الغربية، مناطق أ وب، وحولها، حسب توثيق واحصاء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “اوتشا”. ربع هذه الحواجز، 220، تم وضعها منذ تشرين الأول 2023، 28 اغلاق جديد تم احصاءه منذ شهر شباط وحتى أيلول الماضي. في فحص مشابه أجرته في أيلول اللجنة الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل والاستيطان، تم إحصاء 911 حاجز، 90 منها وضعت منذ بداية 2025. الفرق الصغير يدل على ازدياد الحواجز وانتشارها الواسع والعفوية التي توضع فيها، لذلك فان الإجابة على السؤال ترتبط أحيانا باليوم الذي يسأل فيه. الى ذلك يجب إضافة الحواجز الفجائية المتحركة، التي يقف فيها الجنود لساعة أو ساعتين في داخل القرى أو على مداخلها، يوقفون السيارات ويفحصون بطاقات هوية السائقين والركاب الفلسطينيين واحيانا يقومون بتصويرهم. مواقعها تتغير والأسلوب فيها متشابه. هكذا كان الامر أيضا في يوم الاحد الماضي، الذي فيه تم وضع 17 حاجز فجائي، 11 من بينها في محافظة رام الله. حسب بيانات قسم المفاوضات في م.ت.ف (الذي يعتمد على تقارير أجهزة الامن الفلسطينية) فانه خلال شهر أيلول تم وضع 495 حاجز فجائي، نصفها تقريبا في محافظة رام الله، وعدد مشابه تم توثيقه أيضا في الأشهر التي سبقت ذلك.
الحواجز على اشكالها هي بالفعل ترسم الخطوط الهيكلية المصطنعة لجيوب أ وب، التي تشكل حوالي 40 في المئة من مساحة الضفة الغربية. جميعها تبعد كليا الفلسطينيين عن الشوارع المستقيمة والسريعة في داخل الضفة، التي بالأساس يستخدمها الإسرائيليون، وتزيد مسافة السفر واحيانا تشل الحركة. عدم اليقين هو المعطى الثابت في كل سفر.
لا توجد قانونية واضحة
في الانتظار لاجراء الفحص التقت لينا مع فتاة صغيرة مصابة بالسرطان من سكان قرية في جنوب نابلس. كان يمكن ان تعالج العلاج الكيميائي في مستشفى النجاح الجامعي في نابلس – الذي يبعد مسافة ربع ساعة سفر عن بيتها في الأيام العادية. ولكن منذ تشرين الأول 2023 المدخل الجنوبي للشارع الرئيسي 60 – الذي يؤدي الى عاصمة المحافظة مغلق (حاجز حوارة). بالنسبة لها الطريق الى رام الله ليست اقصر، لكنها اسرع.
اذا كان حاجز حوارة مشهور بكونه مغلق، هناك بوابات حديدية يلعب بها الجنود لعبة “مفتوح، مغلق”، بدون أي قانون واضح، وبالتاكيد ليس من ناحية الفلسطينيين. بكلمات أخرى، كثيرين يمكنهم الرهان حول أي من الاحتمالين سيحدث. الجنود لن يكونوا ولكن البوابة مفتوحة، الجنود لن يكونوا ولكن البوابة مغلقة، الجنود موجودون والبوابة مفتوحة، لكن هؤلاء سينظرون الى المسافرين ببطء يبدو له متعمد. ولكن أيضا بوابة مفتوحة يمكن ان تؤدي الى مواجهة بوابة مغلقة بعد ذلك، أو ببساطة ازدحام ناتج عن لعبة اغلاق الطرق والسفر القسري داخل القرى، في شوارع ضيقة غير مخصصة للانتقال بين المدن.
“قل لها كم مسار بطيء تمر فيه كل يوم”، طلب أبو نهاد، وهو سائق سيارة عمومية من منطقة رام الله، من زميله الذي يعمل على خط رام الله – طولكرم. بدلا من السفر في شارع نابلس – عنبتا، المغلق امام الحركة عند حاجز عيناب، يسافر بسيارته في شوارع القرى القريبة والطرق الترابية. وتذكر أبو نهاد وقال: “أحيانا اسافر في حاجز باتجاه واحد والحركة تتدفق فيه كالعادة. وعندما اعود بعد عشر دقائق يكون الحاجز مغلق وانا اضطر الى الالتفاف أو الانتظار نصف ساعة حتى يتم فتحه”، الاشارة الى حاجز عطارة/بير زيت في شمال رام الله، الذي يربط الطريق بين مستوطنة نفي تسوف ومستوطنة عطيرت. أو حاجز جبع في جنوب شرق المدينة، الذي يوجد على حافة الشارع السريع 60، المليء بالسيارات المتجهة الى القدس من المستوطنات في المنطقة مثل عيلي وشيلو وعوفرا وآدم، والبؤر الاستيطانية الموجودة بينها.
أبو نهاد يعتبر التاخير إهانة. ومثل الكثير من الفلسطينيين هو يشك بان السبب الحقيقي لوقفهم في ساعات معينة هو ان الجنود يحصلون على أمر بأن يكون الشارع فارغ من اجل السيارات الإسرائيلية لتقليل الاختناقات في الصباح وفي الظهيرة لديهم. “هذا ليس فقط إهانة”، علقت لينا على اقوال أبو نهاد. “في كل سفرة أو قرار بعدم السفر انا اشعر انهم يسرقون الوقت منا”.
ثمن الوقت الضائع
مع سؤال كم من الوقت تمت سرقته، أراد إحصاء معهد الأبحاث الفلسطيني للسياسات الاقتصادية “ماس”. حسب بحث اجري في المعهد، الذي مسودته الأخيرة أرسلت للصحيفة في الشهر الماضي، بالتأكيد يمكن تقدير الوقت الضائع. حسب عينة تتكون من مئة سيارة في المواصلات العامة، التي كانت على الشارع في معظم ساعات اليوم خلال خمسة أيام في تشرين الأول 2023، فان كل رحلة داخلية قصيرة في محافظة نابلس نفسها كان يكتنفها تأخير متوسط يبلغ 23 دقيقة بسبب الحواجز والاغلاقات، مقارنة مع السفر في الأيام العادية (أي قبل الحرب).
السفر من اريحا واليها كان يكتنفه تأخير 40 دقيقة، ومن نابلس الى وسط الضفة وجنوبها – ساعة تقريبا. ولكن حجم خسارة الوقت يبرز بوضوح عند فحص الصورة الشاملة: حسب نفس البحث فان 191.146 ساعة عمل تضيع كل يوم على الحواجز. هذه الساعات الضائعة تكلف الاقتصاد الفلسطيني 2.5 مليون شيكل كل يوم، أو 55 مليون شيكل في الشهر، هكذا قام بحساب ذلك الباحثون في “ماس”، طارق صادق واحمد علاونة.
لكن التكلفة لا تنبع فقط من الانتظار، بل تنبع أيضا من محاولة تجاوز هذه الحواجز: السائقون الذين يفضلون إيجاد شوارع أخرى، أطول، ينفقون المزيد على الوقود، تكلفة الإضافة اليومية هي حوالي 60 ألف شيكل. وهذه تتراكم لتصبح 20 مليون شيكل في السنة تقريبا. كل سائق يشعر بذلك في جيبه. أبو نهاد لم يعد يكلف نفسه عناء حساب بدقة خسارته، هو فقط يعد مصادرها: الناس اصبحوا يسافرون اقل، والسولار يتم تبذيره في الانتظار في الحواجز اكثر مما ينفق على السفر، الإطارات تتآكل بسرعة في الطرق الترابية، والخراب اصبح متواتر اكثر، والطرق الالتفافية تستنزف سولار اكثر. “أحيانا نحن نعود الى البيت مع دخل 20 شيكل فقط في اليوم”، قال.
لا توجد أموال من اجل السفر
لينا عرفت من طبيبها ان احدى مريضاته التي تعيش في شمال رام الله توقفت عن المجيء للعلاج. عندما اتصل بها ليعرف السبب قالت بانه لا يمكنها دفع ثمن المواصلات العامة، وانها تفضل توفير القليل مما معها من اجل اطعام أولادها. هو ارسل اليها المال لتغطية ثمن السفر لفترة ثلاثة اشهر علاج، لكنها اعطته لاولادها.
الامتناع عن السفر هو ظاهرة عامة، عمليا، هو فقط احد مظاهر الازمة الاقتصادية في الضفة، عشرات آلاف العائلات فقدت مصدر الرزق الرئيسي عندما منعت إسرائيل على الفور بعد تشرين الأول 2023 دخول العمال اليها. أيضا السلطة الفلسطينية لا يمكنها دفع كل الراتب لموظفي القطاع العام، لان إسرائيل تجمد وتصادر جزء كبير من مداخيل الخزينة الفلسطينية من ضرائب الاستيراد. الموظفون ياتون الى المكاتب فقط بضعة أيام في الأسبوع، المعلمون يعلمون يومين أو ثلاثة أيام في “الزوم”، بقدر الإمكان.
داليا، وهي مواطنة من شرقي القدس وتعمل في الضفة، تعمل جيدا الحواجز. “يمكن رؤية كيف تساعد الحواجز على تقسيم أراضينا، لكن يصعب تفسير وقياس سيطرتها على حياتنا”. من ينظرون من الخارج، تشتكي وتقول، فان كل حاجز هو بشكل عام “لا يعتبر حدث كبير”. “عندما يكون اختناق في حاجز قلندية يمكننا الاحتجاج على ازدياد السيارات الخاصة وثقافة الاستهلاك”، هي تمثل على ذلك. “وننسى ان مسارات الحركة الثلاثة تصب في محطة فحص واحدة، وان الحاجز يفصل بين الفلسطينيين انفسهم”.
“القرارات بشان وضع الحواجز”، كتب في رد المتحدث باسم الجيش، “فتحها واغلاقها يتم حسب تقديرات الوضع العملياتي ووفقا للاعتبارات الأمنية فقط. ان وضع الحواجز يستهدف تمكين السيطرة العملية والدفاع الناجع عن كل المنطقة. سياسة الحواجز تتغير وتتم ملاءمتها حسب الوضع العملي على الأرض، مع الموازنة بين الاحتياجات الأمنية وبين السماح بالحركة في المنطقة. في اطار نشاطات الجيش الإسرائيلي يجري استخدام وسائل تكنولوجية مختلفة، وحسب القانوني الدولي، من اجل الحفاظ على الامن في المنطقة. استخدام هذه الوسائل أدى الى احباط عشرات محاولات تنفيذ عمليات ونشاطات إرهابية، ضمن أمور أخرى، بفضل وضع الحواجز على الطرق”.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



