ترجمات عبرية

هآرتس: الجيش الاسرائيلي والأوضاع ما بعد محمود عباس

هآرتس 29/7/2022، بقلم عاموس هرئيل

بعيداً عن العناوين، ما زالت الضفة الغربية تغلي تحت الأرض. إن تلاشي موجة العمليات التي حدثت داخل حدود الخط الأخضر في الربيع، حرفت مركز اهتمام الإعلام إلى أماكن أخرى: خلافات حول الغاز مع لبنان، وتهديدات “حزب الله”، وتقرير لمراقب الدولة عن أحداث “حارس الأسوار”، والتنبؤات الأولية للحملة الانتخابية.

الساحة الفلسطينية غير هادئة. فنضال عنيف ضد إسرائيل يتركز مؤخراً في أحداث لإطلاق نار مع الجيش الإسرائيلي في “المناطق” [الضفة الغربية]. مع ذلك، للتوتر أسباب داخلية كثيرة؛ فهو مرتبط بضعف السلطة الفلسطينية وشيخوخة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والصراع بين الأجيال داخل حركة فتح وتنافسها مع حماس.

الأجهزة الأمنية في إسرائيل أشارت إلى منحى ضعف السلطة الفلسطينية قبل سنتين تقريباً. الضغط الواقع على القيادة وعدم قدرتها على تحقيق نتائج، برزت في أواخر رئاسة ترامب في الولايات المتحدة وحول قضية الضم الذي لم يحدث (الذي حسم ضد ضم المستوطنات في صراعات بين القوى في بلاط الرئيس، أكثر مما كان ذلك بفضل الاحتجاجات الفلسطينية). إن فخ عباس ورجاله تجسد بصورة أكبر في حزيران 2021 في فترة عملية “حارس الأسوار”. كانت المواجهات مع الجيش في الضفة منضبطة مقارنة بالقتال الدائر على حدود غزة، الذي تمثل بإطلاق حماس للصواريخ، لكن السلطة فقدت نقاطاً لدى الجمهور الفلسطيني مقارنة مع حماس. الشعارات التي علقت حول المساجد في الحرم والتي مجدت القيادة في القطاع عكست ذلك تماماً.

في الصيف الماضي، وعلى خلفية نشاطات متزايدة لخلايا مسلحة في مخيم جنين للاجئين، طلبت إسرائيل من السلطة اتخاذ خطوات. أجهزة الأمن الفلسطينية وجدت صعوبة في ذلك، وبقي المخيم منطقة مستقلة. في شباط الماضي، عاد الجيش للعمل في المخيم بهدف اعتقال مطلوبين. ساهم الاحتكاك هناك بشكل قليل على اشتعال موجة الإرهاب بعد حوالي شهر، حتى لو لم يأت معظم من نفذوا العمليات في الأشهر آذار – أيار من نفس المخيم، بل من قرى محيطة بجنين ونابلس.

العمليات في تل أبيب وبني براك وإلعاد وأريئيل – بعد العمليات الكبيرة في بئر السبع والخضيرة والتي نفذها عرب من إسرائيل ممن يؤيدون داعش، أجبرت الجيش على اتخاذ خطوات. على الصعيد الدفاعي، تم نشر قوات نظامية بشكل واسع لإغلاق الثغرات الكبيرة في الجدار على طول خط التماس. وعلى الصعيد الهجومي، تم البدء في عمليات اعتقال واسعة النطاق، تركزت في منطقة جنين.

ووجهت إسرائيل بواقع قديم – جديد في هذه العمليات؛ فأي دخول إلى مخيمات اللاجئين في شمال الضفة وعدد من المدن والقرى ووجه بإطلاق كثيف للنار. يفضل المطلوبون التمترس وإدارة معركة. قوة “اليمام” التي عملت الأحد الماضي في نابلس وقتلت اثنين من المطلوبين في حركة فتح، عادت لتنفيذ إجراء “وعاء الضغط” – محاصرة طويلة للبيت الذي تضمن لإطلاق صواريخ مضادة للدبابات، مثلما في فترة الانتفاضة الثانية. ظهر في المواجهات تعاون متزايد بين أبناء فتح ونشطاء الجهاد الإسلامي وأحياناً حتى مع خلايا محلية مرتبطة بحماس. وما نشرته الصحف الرسمية للسلطة لاءم موقفها مع المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.

أبو مازن لم يتغير بالنسبة لنا؛ فهو لا يشجع على الإرهاب رغم الدعم الاقتصادي المتواصل الذي تمنحه حكومته لعائلات مخربين مسجونين في إسرائيل. هذا ببساطة دليل آخر على ضعف السلطة التي تجد صعوبة في فرض سيادتها وسلطتها على الأرض. النقاش الواسع في إسرائيل حول “اليوم التالي” لعباس ربما جاء بشكل متأخر؛ والتغيير التدريجي في الضفة بدأ من قبل، في الوقت الذي ما زال فيه الرئيس على كرسيه. جزء من الأحداث مرتبط ومندمج مع ظواهر أخرى مثل الوفرة الكبيرة لوجود سلاح على الأرض.

في السنة الأخيرة، بناء على طلب من رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، دخل “الشاباك” إلى أعماق ما يحدث لمكافحة نشر السلاح في أوساط الجمهور العربي في إسرائيل. ويتم بذل جهود مشتركة لأذرع الأمن ضد تهريب السلاح من الأردن، الذي بدأ يؤتي أكله. ولكن سواء في الضفة أو داخل حدود الخط الأخضر ما زال السلاح سلعة متاحة لكل من يطلبها.

أجمل جهاز الأمن مؤخراً بيانات النصف الأول للعام 2022، في هذه الفترة سجل 61 عملية صُنفت كـ “مهمة”، و36 “حدثاً حربياً” (مثل إطلاق النار على الجيش أثناء القيام باعتقالات في الضفة)، تم اعتقال ما لا يقل عن 1720 شخصاً من فلسطينيين وعرب من مواطني إسرائيل، و66 فلسطينياً قتلوا في الضفة بين كانون الثاني وحزيران، مقارنة مع 81 قتيلاً خلال السنة الماضية، بما في ذلك عملية “حارس الأسوار”. في الاضطرابات العنيفة برز دور الجيل الشاب. وحسب البيانات، فإن 87 في المئة من المعتقلين في أعمال الشغب في القدس كانوا تحت عمر 25 سنة، و24 في المئة منهم كانوا من القاصرين.

لا شيء في هذه البيانات يبشر بالخير، ربما باستثناء أمر واحد، وهو أنه كان هناك تحسن واضح في تعامل إسرائيل مع الاشتعالات في هذه السنة مقارنة مع تصاعد تدريجي أدى إلى عملية في غزة في السنة الماضية. هذه الخطوات كانت منسقة ومدروسة، وغالباً منضبطة أكثر. ولكن حتى عندما اتخذت حكومة بينيت – لبيد خطاً متشدداً مع الإرهاب، لم يكن هناك أي خطوات ارتجالية سريعة. وهذا ساهم بأن الوضع في “المناطق” لم يخرج تماماً عن السيطرة.

       لا يوجد أمر ثابت للمعركة

قبل أسبوع نشر ينيف كوفوفيتش في “هآرتس” تحقيقاً ممتعاً حول ظروف الحادثة التي قتل فيها قائدي فصيل في وحدة “ايغوز”، الرائد اوفيك اهارون والرائد ايتمار الحرار، بالخطأ بنار ضابط آخر. التحقيق الصحفي المفصل كان مختلفاً عن التحقيقات الرسمية التي أجراها الجيش بشأن الحادثة التي حدثت في منتصف كانون الثاني الماضي في منطقة التدريب في صحراء يهودا. وقد طرحت أسئلة كثيرة حول التعليمات القاطعة للجيش حول تسلسل الأحداث، الذي يبدو أنه لم يكن واضحاً، وتم التحقيق فيه حتى النهاية. يتضح منه محاولة القيادة العليا الدفاع عن قائد الوحدة، المقدم أ.، في حين أن نائبه، ضابط برتبة رائد، تم عزله من منصبه واضطر إلى تقديم استقالته من الخدمة النظامية.

في الأيام التي أعقبت الحادثة، كلما اتضحت التفاصيل حول سلسلة الأخطاء التي تقشعر لها الأبدان والتي أدت إلى النتيجة القاتلة، تطور نقاش عام واسع نسبياً حول ثقافة العمل في الوحدات الخاصة. جنود في هذه الوحدات وآباء جنود وضباط كبار في الاحتياط تحدثوا بصورة شديدة عن مشاكل انضباط شديدة وسلوك منفلت العقال لقادة في المستويات المتوسطة وإشراف يعتريه القصور للمستويات العليا. سمعت داخل الجيش نداءات لإجراء فحص داخلي شامل، يتضمن مقارنة منهجية للانضباط والأجواء السائدة في الوحدات المختلفة، وبعد ذلك تأتي مهمة إجراء تعديل متشدد.

بعد نصف سنة تقريباً، لم يبق كثير من هذا النقاش. للأسف، مشكوك فيه أن تؤدي تلك الحادثة إلى تغيير جذري. تبين هذا الأسبوع أنه حتى الأمر الصغير الذي أعطاه رئيس الأركان افيف كوخافي عقب حادثة التدريبات، لم يتم تطبيقه كما يجب. بعد تسلم التحقيقات، أمر كوخافي بالقيام بخطوة هدفها العودة إلى الأساسات في الوحدات المختلفة. في كل الوحدات الحربية، قال رئيس الأركان، يجب أن يتم إجراء عملية كتابة أوامر منظمة، “أمر ثابت للمعركة”، بحيث يملي إجراءات السلوك في الوحدة.

لكن في الزيارة التفقدية التي أجراها مفتش الجيش الإسرائيلي في 25 وحدة نظامية مختلفة هذا الأسبوع، تبين أنه في 16 منها لم تتم كتابة الأوامر رغم توجيهات رئيس الأركان. أمر كوخافي بإجراء فحص بهذا الشأن في الأسبوع القادم بمشاركة ضباط كبار. في الرسالة التي نشرها مساعد رئيس الأركان، ورد أن على كل جنرال من الجنرالات أن يعرض “الحالة المفصلة لتنفيذ التعليمات” في الوحدات التي تقع تحت مسؤوليته وعرض الخطوات التي اتخذت تجاه الوحدات التي لم تنفذ التعليمات.

الخطوة التي اتخذها رئيس الأركان مطلوبة في ظل هذه الأوضاع، لكنها تدل على الانشغال العسكري المبالغ فيه في تشكيل الرواية تجاه الخارج، مقارنة مع تنفيذ الأوامر داخل الجيش. هذا أحد الشرور المرضية للثقافة التنظيمية للجيش الإسرائيلي: لا يوجد تنفيذ كامل للأوامر والتعليمات الواضحة، ولا تنجح أجهزة الرقابة العسكرية إلا في إيجاد جزء من الحالات، هذا إذا حدث. مفتش شكاوى الجنود السابق، الجنرال احتياط إسحق بريك، قال في السابق إن فحصاً داخلياً أجري في سلاح البر أظهر أن جزءاً صغيراً نسبياً من الأوامر والتوجيهات في الجيش الإسرائيلي يتم تطبيقه بنصه.

       ينتظرون في المحطة

قضية تعيين رئيس الأركان القادم حسمتها المستشارة القانونية للحكومة، غالي بهراف – ميارا، التي سمحت لوزير الدفاع، بني غانتس، بتعيينه في فترة الانتخابات أيضاً. ولكن هذا لا يعني أن العملية نفسها تم تحريرها من السياق السياسي أو من تأخيرات اللحظة الأخيرة. كان لرئيس المعارضة بنيامين نتنياهو حالة معينة، بحجة أن على غانتس تجنب القيام بإجراءات لتعيين شخص في هذا المنصب الرفيع، بعد أن تم الإعلان عن انتخابات. ولكن نتنياهو خرّب الأمر عندما أرسل طواقم هجومه للتطاول الوحشي على المستشارة القانونية، الذي كانت ترافقه تهديدات صريحة. بهراف ميارا وظهرها إلى الحائط اتخذت الخطوة المطلوبة من ناحيتها وصادقت لغانتس على التعيين.

في هذا الأسبوع، عندما طلب غانتس العودة إلى جولة المشاورات قبل استكمال التعيين، بحيث تشمل نتنياهو (بصفته وزير دفاع سابقاً شغل هذا المنصب بعد استقالة افيغدور ليبرمان)، فإن رئيس المعارضة رفض. حتى أن نتنياهو دعا بشكل صريح إلى تمديد ولاية كوخافي لعدة أشهر لإبقاء القرار للحكومة القادمة، التي يأمل أن يترأسها. غانتس، رداً على ذلك، عبر عن الأسف بأن نتنياهو “يجر الموضوع إلى السياق السياسي”، وأعلن بأنه سيستكمل هذا الإجراء حتى بدون نصائحه.

جولة التشاور قد تنتهي في غضون أسبوعين تقريباً بقرار تعيين الجنرال هرتسي هليفي رئيساً قادماً للأركان. مع ذلك، بقيت صعوبات أخرى: الأولى، مطلوب تعيين لجنة جديدة للمصادقة على تعيينات للمناصب الرفيعة بعد وفاة رئيس اللجنة، القاضي اليعيزر غولدبرغ، في آذار الماضي. الثانية، أن تقديم عملية التعيين خلفت توتراً استثنائياً بين غانتس وكوخافي، رئيس الأركان الحال، الذي لم يخفِ موقفه حول تبكير الإعلان عن انتخاب وريثه. ويبدو أنه يفضل تأجيل ذلك بقدر الإمكان (ربما لم يكن ليعارض اقتراح نتنياهو لو جاء من غانتس).

بهذا الأمر، ارتبط قرار تعيين قائد لـ “صوت الجيش” بصورة غير مباشرة. لجنة انتخاب قائد محطة الراديو العسكري برئاسة الجنرال احتياط أمير أبو العافية، أنهت عملها وأوصت غانتس بتعيين أور تسلكوفنيك، الذي يشغل الآن منصب المدير العام لمحطة راديو “103 اف.ام”، في هذا المنصب. ولكن بسبب فترة الانتخابات، بات غانتس بحاجة إلى مصادقة المستشارة التي ربما لن تكون مسرورة أنه مطلوب منها المصادقة له على استثناءات متتالية عما هو دارج.

نشأ هنا وضع مختلف قليلاً، بالتحديد ضد القائمة بأعمال قائد المحطة، غليت الدشتاين، التي عينها غانتس، ومنذ تعيينها أجرت عدة تطهيرات في “صوت الجيش” ضد المذيعين المتماهين مع اليمين، وطرحت ادعاءات بشأن محاباة سياسية واضحة. قامت اللجنة، حسب علمنا، بعملها بصورة نقية وبدون أي ضغط سياسي. ولكن قد يتم تأخير قرارها، لأنه قرار اتُّخذ في فترة انتخابات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى