هآرتس: التفاؤل في المحادثات النووية لا يكفي للتوصل الى اتفاق لأن الشيطان في التفاصيل

هآرتس 20/4/2025، تسفي برئيل: التفاؤل في المحادثات النووية لا يكفي للتوصل الى اتفاق لأن الشيطان في التفاصيل
جولة المحادثات الثانية حول الاتفاق النووي، التي جرت أمس في روما بين الوفد الايراني والوفد الامريكي، زادت التوقعات ورفعت نسبة الانجازات المطلوبة منهما. التفاؤل، “الاجواء الجيدة”، و”المحادثات الناجعة”، التي تم تسويقها بعد الجولة الاولى في يوم السبت الماضي، استمرت ايضا أمس، على الاقل حسب التقارير من ايران. ولكن الآن تقترب المرحلة المعقدة والاكثر صعوبة. وهي المرحلة التي ستنقل المفاوضات الى المستوى التالي: من النقاش حول الاطار الى الفحص المفصل التقني، التي كما هو معروف يوجد فيها الشيطان. هذا الجزء من المخطط اجراءه في يوم الاربعاء القادم في سلطنة عمال قبيل جولة المحادثات القادمة في يوم السبت، التي سيفحص فيها الطرفان نتائج المحادثات المهنية وتقرير مستقبل العملية الدبلوماسية.
هذه تقريبا مفاوضات ثنائية، خاصة، بين الادارة الامريكية والنظام في ايران. الشركاء الاوروبيون الذين وقعوا على الاتفاق النووي الاصلي لم تتم دعوتهم اليها. الصين وروسيا لا توجد على طاولة المفاوضات، واسرائيل حتى ليست مراقبة. فقد اضطرت الى الاكتفاء بارسال الى روما رئيس الموساد دادي برنياع والوزير رون ديرمر من اجل الالتقاء بالسر تقريبا مع رئيس الوفد الامريكي، ستيف ويتكوف، في محاولة لطرح طلباتها.
واشنطن وطهران اتخذتا قرار استراتيجي، البدء بعملية دبلوماسية رغم عدم الثقة بينهما، على اساس قاسم مشترك واحد هو التطلع الى منع الحرب. للوهلة الاولى هذه الحرب تعتبر تهديد احادي الجانب من ناحية امريكا واسرائيل لايران، لكن حسب تصريحات الرئيس ترامب يمكن الاستنتاج بأن هذا تهديد بوجهين. فترامب الذي يعمل على فصل بلاده عن مناطق الحروب في العالم بدأ في سحب القوات الامريكية من سوريا، واوضح في السابق بأنه في الطريق الى رفع يده في جهود الوساطة في اوكرانيا. وحسب تقرير “نيويورك تايمز” ايضا هو اوقف خطة هجوم لاسرائيل ضد ايران. هو غير متحمس على الاقل في هذه المرحلة، لحرب جديدة ضد ايران لأنه خلافا للحرب بين روسيا واوكرانيا، الحرب ضد ايران يمكن أن تكون فيها الولايات المتحدة طرف نشط ومشارك، وحتى يمكن أن تتعرض لخسائر. هذه هي نقطة الانطلاق التي ستملي ايضا هامش الاتفاق بين الطرفين وتحدد مستوى مرونة “الخطوط الحمراء” بعد طرح كل طرف لموقفه الافتتاحي.
ايران عرضت تسعة شروط رئيسية من اجل اجراء المفاوضات. وقد تم تلخيصها في المنشور الذي نشره في شبكة “اكس” علي شمخاني، المستشار المقرب من المرشح الاعلى علي خامنئي. هذه الشروط تضمنت “الجدية، الضمانات، التوازن، رفع العقوبات، ليس حسب النموذج الليبي، تجنب التهديد، السرعة، منع الغزاة الاجانب (مثل اسرائيل) واعطاء امكانية للاستثمارات”.
شهادة التأهيل لبند الجدية التي منحها وزير الخارجية العراقي الذي يترأس وفد التفاوض، عندما قال إن “الولايات المتحدة اظهرت الجدية في المحادثات في يوم السبت الماضي”. أمس قبل بدء المحادثات اعرب عراقجي عن تشككه في جدية نوايا واشنطن ليؤكد في النهاية بأن المحادثات كانت مثمرة. في نهاية المطاف خامنئي لديه ايضا “قاعدة يجب ارضاءها، وسيتم الطلب من عراقجي، رغم الصلاحيات التي حصل عليها، التعامل بحذر بين الفرص. من جهة اخرى يجب عليه الدفاع عن قرار خامنئي السماح باجراء المفاوضات، رغم أنه قبل شهرين كان يستبعد فكرة اجراءها، واظهار أنه يوجد شخص في الطرف الامريكي يمكن التحدث معه. من جهة لا يجب عليه الانحراف عن الخط الحازم الذي يفرض عدم الثقة المطلقة بالولايات المتحدة.
مفهوم “التوازن”، يتعلق ايضا بالساحة الداخلية في ايران، الامر الذي يعني أن ايران تعتبر نفسها متساوية في المكانة والقوة مع الولايات المتحدة. وقد اوضحت بأنها لن تجري المفاوضات تحت الضغط والتهديد. من هنا تأتي اهمية المظاهر والوضوح بطريقة اجراء المفاوضات. ايران طلبت أن تكون سلطنة عمان، وليس اتحاد الامارات، الوسيطة والمستضيفة، وأن لا تكون المحادثات مباشرة. ويتكوف، الذي يعرف قليلا عن اجراء المفاوضات، لم يتمسك بموقفه. فبدلا من المفاوضات المباشرة اكتفى بتبادل بعض الجمل مع عراقجي. المواجهة الصعبة حقا ستتطور حول البنود الاخرى في شروط ايران.
ما الذي يريده الامريكيون
إن اساس الخلاف هو حول قضية تخصيب اليورانيوم ومستقبل المشروع النووي. ايران، التي في السنتين الاخيرتين قررت أن الاتفاق النووي لم يعد ذا صلة، عادت مؤخرا الى الصيغة القديمة التي وضعتها في 2019، التي بحسبها فانه مقابل رفع العقوبات ستوافق على العودة الى اطار القيود التي فرضت عليها في الاتفاق النووي الاصلي الذي سمح لها بالتخصيب تحت رقابة متشددة اكثر من السابق، كمية محدودة من اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة.
في المقابل، الولايات المتحدة نشرت عدة تصريحات متناقضة، وحتى الآن غير واضح أين سيمر “الخط الاحمر”. ترامب اعلن أن الولايات المتحدة تريد شيء واحد وهو أن لا يكون لدى ايران سلاح نووي. مستشار الامن القومي، مايك وولتس، تحدث عن تفكيك كامل للمشروع النووي والصواريخ البالستية، في حين أن ويتكوف نشر في غضون يومين تصريحين مختلفين. حسب التصريح الاول الولايات المتحدة ستكتفي بتقييد تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة وعدم طلب تفكيك المشروع النووي. في التصريح الثاني اتفق مع خط وولتس وقال إن ايران يجب عليها تفكيك المشروع النووي، بعد أن اوضح في شهر آذار بأن ترامب يريد “فقط” تأسيس آلية رقابة ناجعة على المشروع النووي.
تلميح الى الاتجاه الذي تسير نحوه المفاوضات ربما يمكن الحصول عليه من بيان وزارة الخارجية العمانية أمس، الذي بحسبه “المحادثات تستهدف التوقيع على اتفاق معقول، قابل للحياة وملزم… ويضمن بأن تكون ايران نقية تماما من السلاح النووي وليس عليها أي عقوبات وأن تحافظ على قدرتها على تطوير طاقة نووية لاهداف سلمية”. اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لهذه النتيجة فعندها الصياغة المعدة لذلك تستبعد امكانية تطبيق نموذج تفكيك المشروع النووي في ليبيا على ايران، كما اقترح بنيامين نتنياهو، وهي تذكر بصيغة الاتفاق النووي الاصلي الذي انسحب ترامب منه في 2018 تحت ضغط نتنياهو. ولكن حتى لو تمت الموافقة على صيغة الاطار هذه فستبقى تفاصيل تقنية كثيرة، يمكن أن تفجر في أي وقت استمرار المفاوضات. مثلا، من غير الواضح ماذا ستكون كمية اليورانيوم التي تم تخصيبها بمستوى 60 في المئة، وما الذي سيتم فعله باليورانيوم المخصب بمستوى أقل، الموجود بكمية كبيرة في ايران، وكم من الـ 17 ألف جهاز طرد مركزي التي تعمل الآن، يمكن لايران مواصلة تشغيلها في اطار السماح الذي ستحصل عليه، هذا اذا حصلت عليه، من اجل تخصيب اليورانيوم. في التصريحات الاخيرة التي نشرت في ايران هي عارضت بشدة نقل أي مادة مخصبة زائدة الى دولة ثالثة (حسب الاتفاق الاصلي نقلت المادة الى روسيا)، وهي تصمم على أن اجهزة الطرد المركزي الزائدة لن يتم تدميرها، بل ستخزنها في اراضيها كضمانة اذا قررت الولايات خرق الاتفاق الجديد ايضا.
قضية اخرى معقدة تتعلق باستمرار دور الوكالة الدولية للطاقة النووية، المسؤولة حسب الاتفاق الاصلي عن الرقابة على تنفيذ بنوده. منذ 2021 ايران تمنع مراقبي الوكالة من زيارة المنشآت العسكرية الغير مسجلة كمواقع نووية. بعد ذلك جمدت نقل افلام الكاميرات للوكالة الدولية للطاقة النووية. في النهاية امرت الوكالة بسحب عدد كبير من المراقبين الخبراء، وبالفعل قلصت بشكل عميق قدرة الوكالة على القيام بعملها. في يوم الاربعاء زار ايران الامين العام للوكالة رفائيل غروسي، وفي يوم السبت وصل الى روما لمواصلة المناقشات مع عراقجي حول قضية الرقابة، لكن من غير الواضح اذا توصل الاثنان الى أي تفاهمات.
الاكثر اهمية هو أنه غير معروف أي شيء عن تنسيق بين ويتكوف وغروسي، وهل التفاهمات بين الوكالة الدولية للطاقة النووية وبين ايران ستكون اصلا مقبولة على الولايات المتحدة. مسألة اخرى لا تقل اهمية هي الى أي درجة ستكون التفاهمات مختلفة عن التي تقررت في الاتفاق الاصلي، الذي هو نفسه فيه بروتوكول مفصل وحازم بشكل غير مسبوق، يخضع ايران لالية رقابة اختراقية اكثر مما هو مطلوب حسب ميثاق منع انتشار السلاح النووي الذي وقعت عليه ايران.
لكن النقاشات فيما اعتبر “قضايا تقنية” بعيدة عن أن تكون تقنية فقط. هذا المجال يوجد له دور سياسي اكثر اهمية، حيث أنه به يمكن أن يبنى استعراض القوة لترامب عندما سيأتي لعرض الفروقات المهمة بين الاتفاق الاصلي الذي وقعه عدوه اللدود براك اوباما وبين اتفاقه، الذي سيمهد طريقه الى جائزة نوبل. ولكن حتى ايران توجد لها حاجة الى هذا الجزء الاستعراضي. فهي تطمح الى عرض أي اتفاق بأنه لا يختلف في جوهره وتفاصيله عن الاتفاق الاصلي، وكشيء اضافي، هي ستحصل على ضمانات لتطبيقه وبقائه – هذه المرة من نفس ترامب الذي انسحب من الاتفاق الاصلي. هنا يمكن أن تتطور منافسة بين القناة السياسية والقناة التقنية – الجوهرية، التي في نهاية العملية هي التي ستؤطر خطورة تهديد ايران وستحدد هل يمكن التقدم في المفاوضات وماذا ستكون طبيعة الاتفاق.