هآرتس: التحقيقات حول تسريب فيلم سديه تيمان، توازن وهمي
 
 هآرتس 30/10/2025، عاموس هرئيل: التحقيقات حول تسريب فيلم سديه تيمان، توازن وهمي
التطور المهم في قضية سديه تيمان – الشك في شان تسريب متعمد لمواد تحقيق من النيابة العامة العسكرية والخروج السريع للمدعية العامة العسكرية لاجازة – هو مثل الفوز بالكأس الذهبية بالنسبة لليمين، بالاساس في الاقسام العسكرية جدا. ليس من الغريب انه في قنوات دعاية اليمين وفي البرامج التي كرست عشرات الساعات لهذه القضية، اعلن بعد ظهر أمس وضع طواريء احتفالي بشكل خاص. الاعلان عن التحقيق الجديد يحقق عدة اهداف من ناحية اليمين. فهو يخلق مساواة مزيفة امام التحقيق بشان تسريب مواد سرية، التي فيها يشتبه بعاملين في مكتب رئيس الحكومة، ويوازن كما يبدو الادعاءات بشان التنكيل بالمعتقلين من جانب حماس ردا على السلوك منفلت العقال لوزير الامن الوطني، وهو يجدد الانقضاض على الدولة العميقة المزعومة التي كما يبدو تسيطر هنا على الامور.
اسباب الاحتفال في اليمين لا تقتصر على ذلك. ما يبدو كتورط للنيابة العسكرية، وربما للجنرال يفعات تومر – يروشالمي نفسها، سينهي كما يبدو تطبيق القانون على مخالفة خطيرة وهي تنكيل جنود الاحتياط بمعتقل فلسطيني. ايضا اعضاء الكنيست الذين اقتحموا قاعدة سديه تيمان وقادة بيت ليد العسكريتين على رأس رعاع هائج، ياملون الان تجميل وانساء اخطاءهم بواسطة استئناف الحملة ضد المدعية العسكرية العامة.
القضية التي بعثت للحياة ستمكن الحكومة من حرف انتباه الجمهور، أو على الاقل مشاهدي القناة 14، عن الواقع غير السار في قطاع غزة. بعد اكثر من اسبوعين اتفاق اطلاق وقف النار يتعثر والظروف بعيدة جدا عما وعد به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. حماس لم تهزم كليا، وهي تستانف سيطرتها العسكرية والمدنية على نصف القطاع الذي يوجد بيدها، ولا تظهر أي علامات على انها تنوي اخلاء المنطقة للقوة متعددة الجنسيات، التي لم يتم تشكيلها حتى الآن.
الهستيريا التي يتم اذكاءها الان حول الاتهامات الموجهة للنيابة العسكرية هي الطريقة الامثل لحرف النقاش الاعلامي وتوجيهه الى اماكن اخرى، في حين ان وقف اطلاق النار يسمح للحكومة ومؤيديها باستئناف هجوم الانقلاب النظامي على طول الجبهة. خلال 48 ساعة نشرت الاتهامات ضد النيابة العسكرية، وبدأ العمل على تشريع خصي وظيفة المستشار القانوني للحكومة، وتم تسريع عملية اغلاق “صوت الجيش” في اعقاب تقرير تم طلبه مسبقا يخدم اهداف سياسية لليكود.
هؤلاء ليسوا فقط اعضاء كنيست متطرفين أو مذيعين غير منضبطين، الذين يتطاولون على المدعية العسكرية العامة ورجالها. وزير الدفاع يسرائيل كاتس وجد صعوبة أمس في اخفاء سروره. مكتبه اصدر خلال ساعتين ليس اقل من ثلاثة بيانات تفاخر فيها بدوره في كشف الاتهامات، وتطاول على المدعية العسكرية العامة واهتم بالتوضيح بانها لن تعود الى منصبها حتى انتهاء الفحص الكامل للوقائع. التلميحات التي توجد بين السطور واضحة: لا يوجد لكاتس أي نية للسماح لها بالعودة الى العمل. ومشكوك فيه ان تكون هي الوحيدة في النيابة العامة التي ستدفع الثمن.
في ثلاث قضايا مركزية يظهر لامبالاة واضحة تجاه جميع المجالات الاخرى التي توجد تحت مسؤوليته، بما في ذلك التخلي كليا عن السيطرة على ما يحدث في الضفة الغربية لصالح الوزير الاضافي في مكتبه، بتسلئيل سموتريتش، وتجاهل كامل للضرر الذي تسببت به الحرب لقيم الجيش الاسرائيلي. كاتس مخلص لتعليمات نتنياهو بالترويج لقانون التهرب من الخدمة العسكرية كجزء من التفاهمات مع الشركاء الحريديم، وهو ينشغل بتسويق نفسه بلا نهاية من خلال صور سن البلوغ مع المقاتلين على الخطوط الامامية والتهديدات الطنانة ضد اعداء اسرائيل، من القطاع والى ايران، ومن لبنان الى اليمن، وهو يظهر انشغال غير عادي بالتعيينات في الجيش الاسرائيلي، حتى على المستوى التكتيكي برتبة مقدم، كطريقة للسيطرة على هيئة الاركان العامة. الآن يبدو ان لديه فرصة اخرى للتاثير بسرعة على تعيين حاسم، كجزء من حرب الاستنزاف اليومية التي يشنها ضد رئيس الاركان ايال زمير.
للمفارقة، تومر يروشالمي قد تنهي مسيرتها العسكرية بسبب القضية شبه الفريدة التي تجرأ فيها الادعاء على اداء دوره خلال الحرب. محامو الدفاع عن المتهمين يمتلكون حجج قوية، ظاهريا، فيما يتعلق بتسريب الفيديو واحتمالية اعداده بطريقة متحيزة. وهناك ايضا اشتباه في ان الادعاء العسكري قد ضلل محكمة العدل العليا في تقاريره حول التحقيق في التسريب. مع ذلك، تفاصيل التنكيل بالمعتقل الفلسطيني ترسم صورة مقرفة – لم يتم دحض الاتهامات حتى الآن. اضافة الى ذلك تم اختلاق الكثير من الافتراءات والمبالغة في هذه القضية: لم يكن المعتقل الفلسطيني عضو في قوة “النخبة”، وهي الوحدة المختارة لارهابيي حماس كما تم الزعم – بل كان شرطي محلي، والمتهمون ليسوا مقاتلين بالضبط كما صورهم اعضاء الكنيست والمراسلون بشكل حماسي، بل هم حراس واعضاء في القوة العسكرية رقم 100، ومهمتهم هي حراسة المعتقلين اثناء الحرب.
المشكلة الرئيسية التي تحظى بتجاهل كامل في النقاشات حول القضية هي انه باستثناء الحادثة المحددة فان النيابة العسكرية حرصت في معظم الحالات ان لا تدس انفها في تحقيقات الحرب. الظروف القاسية بعد فظائع المذبحة التي نفذتها حماس في الغلاف في 7 اكتوبر والمناخ العام في البلاد لم تسمح مسبقا بالنزول الى تفاصيل القضايا كما حدث احيانا في عمليات اصغر في القطاع في السابق. حتى الآن، بعد سنتين من الحرب، لم نسمع عن تقديم للمحاكمة وتطبيق للقانون في احداث كانت تتعلق بقتل جماعي لمدنيين، واوامر متساهلة بفتح النار بشكل خاص (أو تجاوزها)، واطلاق النار على المستشفيات، واطلاق النار المتعمد على الطواقم الطبية ورجال اعلام.
ايضا بخصوص السجناء – اجريت تحقيقات محدودة جدا حول ظروف الاعتقال الصعبة في منشآت الجيش الاسرائيلي وسجون مصلحة السجون منذ بداية الحرب، ولم يتم نشر النتائج بتوسع ولم يتم اتخاذ خطوات انضباطية أو جنائية ضد المتورطين. هذا رغم شهادات قاسية لمعتقلين وتقارير شديدة لمنظمات دولية ضد اسرائيل. حسب اقوال الفلسطينيين فقد توفي 80 معتقل وسجين في منشآت السجون في اسرائيل منذ بداية الحرب (معظمهم في الاشهر الاولى) في ظروف تثير الاشتباه على الاقل.
لكن لا يجب الاعتماد فقط على الاجانب أو الفلسطينيين. هاكم ما كتبه جندي احتياط خدم في سديه تيمان في صحيفة “هآرتس” في ايار الماضي: “سديه تيمان، كما يعرف كل الذين كانوا هناك، هو معسكر تعذيب سادي. دخل اليه المعتقلون احياء وغادروه في اكياس”، قال واضاف. “التحقيق مع جنود الاحتياط يجري كما لو ان الجحيم الذي خلقناه هناك يتلخص في مسالة ما اذا كان قد تم ادخال جسم في مؤخرة سجين أم لا. لكن انا شاهدت هذا الجحيم… شاهدت اشخاص يدخلون الى هذه المنشأة وهم مصابون باصابة حرب، بعد ذلك يتم تجويعهم لاسابيع وبدون تقديم العلاج لهم. أنا شاهدتهم وهم يتبولون على انفسهم لانه لم يسمح لهم بدخول الحمام. كثيرون منهم لم يكونوا من النخبة، بل مجرد غزيين تم احتجازهم من اجل التحقيق معهم وتم اطلاق سراحهم الى بيوتهم بعد تعرضهم لانتهاكات شديدة، عندما تبين أنهم ابرياء. ليس من الغريب ان يموت الناس هناك، الغريب هو ان بعضهم تمكنوا من النجاة”.
الموضوع الاعلامي في اسرائيل يركز الان بطبيعته على الفظائع التي مرت على المخطوفين في أسر حماس. ولكن اسرائيل تستمر في تجاهل الامور الذي حدثت هنا، فيها، وتتجاهل الشهادات التي على الاقل بعضها له صلة قوية بالواقع. اذا تمت حياكة فرية ضد جنود احتياط، كما يقولون، فان هذا الامر يحتاج الى الفحص وتطبيق القانون، لكن هذا لا يمكن أن يسرق الانتباه عن خطورة الامور التي تم القيام بها في منشآت الاعتقال اثناء الحرب.
 
  
 


