هآرتس: الانتقال الى دولة اسبرطة، نتنياهو صاغ لائحة اتهام رهيبة ضد نفسه

هآرتس 16/9/2025، يوسي فيرتر: الانتقال الى دولة اسبرطة، نتنياهو صاغ لائحة اتهام رهيبة ضد نفسه
ربما انه في عقله المصاب بجنون العظمة أو في فيلمه الخيال، نتنياهو كان يامل ان يكون لخطاب “اسبرطة العظمى” الذي القاه تاثير مشابه لخطاب “الدم، العرق والدموع” الذي القاه ونستون تشرتشل. ولكن، مثلما في حالات كثيرة في الفترة الاخيرة، فانه تقريبا دائما خاب أمله.
رئيس حكومة بريطانيا وحد شعبه واثار حماسته في فترة صعبة بشكل خاص في الحرب العالمية الثانية، لكن في المقابل، نتنياهو فقط عزز الفهم الذي يسري بين الجمهور بان الخطر الحقيقي على وجود الدولة لا يكمن خارجها. فالاعداء المعروفين تم ضربهم، وهناك من يقول تم استئصالهم. هذا العدو بالتاكيد ايضا ليس الثورة الرقمية او “المنظمات غير الحكومية ودول مثل الصين وقطر”. قطر في هذا الوضع الحرج تحولت بمعجزة من “دولة معقدة” الى دولة معادية.
لكل هذا الشر هناك عنوان واحد وهو رئيس حكومة اسرائيل. هو، فقط هو، دهور بيديه الدولة الى الهاوية، وهو الذي حولها الى دولة مجذومة ومنبوذة واثار ضدها افضل الاصدقاء (“الولايات المتحدة الى جانبنا”، حاول بجنون عظمته ان يشجع عندما انهارت البورصة). الآن هو يحذر من عزلة سياسية متزايدة و”صناعات عسكرية الطريق امامها مغلقة”، ويقترح التعود على وضع “اقتصاد مع مؤشرات لدولة تعيش على الاكتفاء الذاتي”، وكأنه محلل. هؤلاء غير الضليعين في هذا المفهوم سارعوا الى تشات جي.بي.تي ووجدوا هناك امثلة: الاتحاد السوفييتي الشيوعي، المانيا النازية عشية الحرب وكوريا الشمالية. هذا هو حلم نتنياهو، عشية رأس السنة، لمواطني الدولة.
“توجد لنا مشكلة محددة في غرب اوروبا”، هكذا حلل نتنياهو وربط الوضع بهجرة المسلمين الى الدول الغربية. “هذا يخضع الحكومات هناك لقضية غزة وينكرون الصهيونية”. من هم المقصودون؟ المستشار الالماني مارتس؟ رئيس وزراء بريطانيا ستارمر؟ الرئيس الفرنسي ماكرون؟ هل هؤلاء ينكرون الصهيونية أم سياسة نتنياهو الاجرامية والمجنونة؟. بالعكس، لينهي الحرب ويعيد الرهائن وليوقف احاديث المخادعين سموتريتش وستروك وشركاءهم حول احتلال غزة وتحويلها الى دولة يهودية – وسنرى ماذا سيحدث.
من جهة، نتنياهو يستحق الثناء، حيث انه للمرة الاولى قدم رئيس الحكومة وصف حقيقي وبائس لوضعنا اليوم. من جهة اخرى، هو بث انكار مطلق مريض نفسيا للجهات التي اوصلتنا الى الهاوية. بعد 710 ايام على الحرب وعشية العملية البرية في القطاع، التي فقط ستفاقم وضعنا، وقبل اسبوع من مهرجان الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الجمعية العمومية للامم المتحدة، هو ما زال يتحدث (والى جانبه وزير الخارجية الامريكي ماركو روبيو) عن “تدمير حماس”، “حتى المخرب الاخير”، نزع سلاح غزة والتهجير، باعتباره المخرج الوحيد لانهاء الحرب. انقطاع مطلق وخطير عن الواقع.
لائحة اتهام مصاغة بشكل انيق
عندما يحدث خطأ فظيع في نشر الرسالة، وهو المجال الوحيد الذي فيه هذا الشخص بشكل عام لا يفشل، فانه لا يوجد ما يمكن استخلاصه باستثناء أننا نمر في فترة صعبة. هو خائب الامل من الفشل في قطر؛ يشعر بالمرارة تجاه الجيش الذي يحذر من عشرات الجنود القتلى في عملية عديمة الجدوى لاحتلال مدينة غزة؛ ونفد صبره تجاه عائلات المخطوفين، وتجاه هيئة المخطوفين والمفقودين، وتجاه كل المنظومة الامنية التي تحذر من ان بعض المخطوفين الذين نجحوا في البقاء على قيد الحياة يمكن أن يقتلوا، ايضا تجاه وزارة المالية لديه انتقاد لاذع.
خطابه امس، الذي نقلنا من دولة شركات ناشئة الى دولة اسبرطة، القاه في مؤتمر المحاسب العام في الوزارة التي يترأسها الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذي جلس في الصف الاول وبالتاكيد كان راض. هذا هو حلمه: دولة تعيش بعون الله واقتصاد يعيش بعون الله.
عندما استوعب الكارثة الاعلامية التي اوقعها بكلماته اوضح نتننياهو الموضوع. هو يريد ان يرى المزيد من الاموال تتدفق للصناعات الامنية، لا سيما الانتاج وليس التطوير. هذا مضحك وسخيف. العزلة لها اوجه كثيرة. الدولة التي تحول العيش مثلما كان الامر في 1948 مع تجنيد السلاح من تحت الطاولة في كل انواع الدول، هذه الدولة لن تعيش. ايضا لا توجد امكانية لانتاج السلاح المتطور بشكل فردي. ليس هناك فقط عولمة في الاقتصاد، بل ايضا هناك عولمة في التكنولوجيا. بكلمات اخرى، باستثناء صياغة ببلاغة استثنائية لائحة اتهام فظيعة ضد نفسه وضد حكومته، فان نتنياهو لم يحقق أي شيء. نحن سجلنا خسارة اخرى تثير القشعريرة.
سنوات كثيرة وربما عقد، استهزأ بمن حذروا من تسونامي سياسي. طالما أنه لم يتصرف كسياسي مع اعتبارات ومسؤولية، ولا نقول عقلانية، فان التسونامي بقي مثابة اقوال هراء. العلاقات مع اوروبا ازدهرت، اتفاقات ابراهيم وقعت (بالضبط قبل خمس سنوات)، وتوسيعها مع السعودية ودول اسلامية اخرى كان يبدو امر مؤكد، والتعاون الامني مع مصر والاردن كان سليم. الافق ظهر وردي، التنبؤات، حتى تنبؤاته هو نفسه، هي انه عندما ستنتهي الحرب فان صوت القنابل في غلاف غزة سيستبدل بانفجار اقتصادي ونمو سريع. أمس هو قتل هذه التوقعات؛ ما هو الاقتصاد اذا لم يكن توقعات.
منذ سنتين تقريبا هو يدير حرب مجنونة واستحواذية، تجبي ثمنا باهظا وزائدا من حياة البشر والمناعة الاقتصادية ومكانة اسرائيل الدولية. الف ضوء احمر لم تجعله يتوقف. في هذه الاثناء هو يبدو اما كشخص نزل كليا عن السكة أو كشخص يصرخ من داخله كي ينقذه احد من نفسه، من هاوية الاخطاء التي ارتكبها ضد نفسه وضدنا. منذ اليوم الذي فتحت فيه تحقيقات ضده وحتى اليوم الـ 711 لحربه التي لا تنتهي.
وزيرة كمثال
الظاهرة القصوى التي لا تحتمل، والتي تسمى ماي غولان، لم تكن لتظهر للعالم لولا بنيامين نتنياهو. هو في الواقع لم يكن يستطيع ان يمنع انتخاب غولان في اسفل قائمة الليكود، لكنه بالتاكيد لم يكن ملزم بتعيينها في منصب وزيرة بدون حقيبة (لمكانة المرأة) – وهو منصب ابتزته منه بالتهديد عند اداء الوزارة لليمين.
هو بالتاكيد لم يكن ملزم باعطائها وزارة المساواة الاجتماعية، مع كل ميزانياتها وكل الجهات التي تعالجها، الجهات الضعيفة في كل المجتمع، النساء، المسنين، الناجين من الكارثة، المثليين، وبالاساس الوسط العربي، الذي رأى غولان وهي تحاول تصفية تنفيذ الخطة الخماسية، التي كان يمكن ان تبدأ في اصلاح مظالم كثيرة استمرت لسنوات ضده.
لقد عرفنا في السابق وزراء فاسدين تعاملوا مع خزينة الدولة وكأنها صندوقهم الخاص. جميعهم احتاجوا الى فترة خبرة وتكيف كي يفسدوا بما فيه الكفاية وأن يمدوا يدهم الى اموال الجمهور. غولان هي حالة استثنائية في ذلك لانها جاءت وهي فاسدة اصلا. فقد تعاملت مع الميزانية التي اعطيت لها كوديعة سخية ومرنة، التي يمكن ان تسحب منها اموال بطرق ابداعية. تحقيق “اخبار 12” بقسميه، طرح صورة مدهشة ومقززة في نفس الوقت، التي بحسبها هي لن تترك أي طريقة أو أي تلاعب كي تخلق لنفسها وللمقربين منها مداخيل جانبية.
صناعة خداع ادارتها هناك مع طاقم مخلص، الذي معظمهم الآن يتم التحقيق معه، وهناك تقريبا ايضا من يفحص التحول الى شاهد ملكي. في محاولة يائسة تصل الى حد تشويش الاجراءات، رفضت القدوم للتحقيق معها في الشرطة، لكنها شاركت في جلسة تمديد اعتقال احد المستشارين المقربين منها بشكل خاص. أي انه في الوقت الذي كان يجب عليها فيه ان ترد على اسئلة المحققين، استغلت الحصانة وذهبت الى المحكمة للسماع منهم الاتهامات التي بسببها يستطيع المقربون منها القاءها عليها، والاشارة لهم خلال ذلك بانه من الافضل لهم ان لا يفعلوا ذلك.
بدرجة كبيرة غولان تمثل باخلاص الحكومة وائتلاف نتنياهو. عنصرية، وهي تتباهي بذلك، غليظة القلب، ولها حنجرة تنشر السم ولسان غير مفلتر، يكثر من شتم ولعن خصومها، وليس فقط هم؛ محاطة باشخاص مشكوك فيهم، فاسدون مثلها، الذين يعيشون ملذات؛ امس في اقتحام شرفة بيت رئيسة مكتبها، تم العثور على مختبر للمخدرات، الذي هو لا يرتبط بالموضوع. بعد ذلك تبين ان موضوع المخدرات من جهة اخرى، بالتحديد طرح في التحقيق في قضايا غولان.
الشخص الوحيد الذي تحرص غولان على تملقه، اضافة الى نتنياهو، هو ايتمار بن غفير، الذي عالج امس ازمته مع المفتش العام للشرطة داني ليفي. بن غفير غطى على غولان اكثر من اصدقائها في الليكود. في اوساط اعضاء الحكومة والكنيست من الحزب هي تعتبر من المكروهين جدا. ومن غير الواضح اذا كان بن غفير سيحاول من اجلها، لكن بالنسبة لليفي فان هذا في كل الحالات اختبار آخر لاستقلاليته. معظم العمل قام به من اجله المراسلون، والآن بقي له أن يتأكد من ان هذا العمل سينتهي كما هو مطلوب.
غولان احتاجت الى وقت للاستيقاظ، وقد ارسلت رد لوسائل الاعلام فيه: “لقد ترعرعت في جنوب تل ابيب مع المدمنين والمومسات، المستشارة القانونية للحكومة لن تخيفني”. بخصوص الجزء الجيوغرافي في سيرتها الذاتية هي على الاقل تقول الحقيقة. بخصوص المستشارة القانونية للحكومة فان غولان دائما تذهب خطوة اخرى ابعد من كل المجموعة. هي تقارن وتضخم. كم هي المفارقة، ان وزيرة المساواة الاجتماعية تستخدم هذه الامثلة من اجل ارسال رسالة.