هآرتس: الاستيطان اكبر مشروع عقاري فاشل في إسرائيل، وبينيت لن يحل المشكلة
هآرتس 23/12/2025، اوري بار يوسف: الاستيطان اكبر مشروع عقاري فاشل في إسرائيل، وبينيت لن يحل المشكلة
ماذا كانت ستفعل عائلة إسرائيلية متوسطة بمبلغ 87 – 152 الف دولار؟ المنطق يقول بانها ستستثمره في تسديد أقساط رهن العقار الباهظة او تحسين الشقة او اجراء تجديدات شاملة او التوفير لمواجهة الظروف الطارئة. أيضا يمكنها تنظيم رحلة فاخرة حول العالم لجميع أبنائها. هذا المبلغ يمكن للمرء ان يحلم به. من المؤكد ان هذا المال لم يتم استثماره في مشروع الاستيطان في المناطق. ومن المرجح انه حتى من يؤيدون هذا المشروع لن يتنازلوا عن احلامهم الخاصة لصالح هذا الحلم.
في الواقع استثمرت كل عائلة إسرائيلية تقريبا 120 ألف دولار في المناطق حتى الان. هل لا تصدقون ذلك؟ هاكم الحساب: منذ العام 1967 استثمرت دولة إسرائيل 200 – 350 مليار دولار في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، ويشمل هذا المبلغ نفقات الامن، لكنه لا يشمل نفقات الحرب الأخيرة التي تقدر بـ 80 مليار دولار، والتي كان يمكن توفيرها لو ان إسرائيل توصلت الى حل للصراع. يوجد حاليا حوالي 2.3 مليون عائلة تعيش في إسرائيل. لذلك، فان تقسيم استثمارات الدولة في المناطق المحتلة على عدد العائلات يعطي النتيجة المتوسطة المذكورة أعلاه – 120 الف دولار.
منذ اقامتها استثمرت إسرائيل أموال ضخمة في مشاريع مختلفة – الهجرة الكبرى، التي ضاعفت عدد السكان اليهود خلال ثلاث سنوات، بناء الجيش الإسرائيلي، وانشاء منظومات تعليم، صحة، رفاه، بنى تحتية، مصانع تحلية وديمونة وما شابه. في معظم الحالات هذه الاستثمارات كانت مبررة. حتى لو ظهر لنا الان ان كل شيء اسود فان المشروع الصهيوني ما زال يشكل قصة نجاح كبيرة. ليس هكذا الاستثمار المتواصل في تخليد سيطرة إسرائيل على المناطق التي احتلت في حرب الأيام الستة. في تشرين الثاني 1967، بعد بضعة اشهر على انتهاء تلك الحرب، اتخذ في مجلس الامن القرار 242، الذي حدد الصيغة الأساسية لتسوية النزاع: الأرض مقابل السلام. منذ ذلك الحين فان كل محاولة للدفع قدما بحل النزاع ترتكز على هذه الصيغة، وكل الجهود التي بذلتها إسرائيل في ترسيخ حقائق على الأرض من اجل الوصول الى الغائها لم تغيرها.
انظروا مثلا الى شبه جزيرة سيناء. طوال عشر سنوات اقامت إسرائيل هناك مستوطنات، وشنت حروب قاسية هدفت الى منع الانسحاب وأعلنت بانها لن تتنازل عن شرم الشيخ حتى مقابل السلام. الكثيرون قتلوا والمليارات استثمرت، وفي نهاية الامر قمنا بإعادة سيناء حتى الشبر الأخير. عملية مشابهة كانت توشك ان تحدث مع سوريا. هناك أيضا السؤال لم يكن هل إسرائيل ستنسحب، بل أين ستمر الحدود الدولية التي ستنسحب اليها، ومن الواضح ان كل الاستثمارات الكبيرة في ترسيخ مكانتنا في هضبة الجولان كانت ستذهب هباء. عن الانسحاب من قطاع غزة لا فائدة من التحدث كثيرا. رغم أحلام اوريت ستروك الا ان إسرائيل ستضطر الى تدبر امرها بدون إعادة الاستيطان هناك.
بقيت امامنا الضفة الغربية. للحظة ظهر ان الاجتماع بين دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الذي يفتقر جدا الى فهم سياسة الشرق الأوسط بالتحديد والسياسة الدولية بشكل عام، ودافيد فريدمان السفير الذي كان يمثل كتلة غوش ايمونيم في الإدارة الامريكية، وجارد كوشنر، الوسيط الذي لم يظهر أي اهتمام بالقضية الفلسطينية، سيؤدي الى اعتراف امريكي بحق إسرائيل في ضم أجزاء من المناطق. هذا كان في ولاية ترامب الأولى. في الولاية الثانية كان قد أوضح بالفعل انه وعد الدول العربية بان إسرائيل لن تقوم بضم الضفة الغربية، وحطم بذلك أمل عدد كبير من الإسرائيليين وكابوس لكثيرين آخرين. لانه اذا قال اكبر حليف لليمين الإسرائيلي في البيت الأبيض بانه لن يكون ضم، فلن يكون ضم.
النتيجة واضحة. حتى بعد 60 سنة تقريبا من الجهود فانه لا توجد أي دولة في العالم تؤيد الضم. بهذا المعنى فانه من الواضح ان الجهود الكبيرة التي استثمرت في ذلك هي سيزيفية. أيضا محاولة وضع حقائق على الأرض فشلت: 85 في المئة من سكان الضفة الآن هم فلسطينيون، و99 في المئة من الأراضي الخاصة تعود اليهم، وعدد المغادرين اليهود للمناطق الان هو اكبر من عدد المنضمين اليها. حوالي 40 في المئة من اليهود في الضفة هم من الحريديين الذين وصلوا الى هناك بسبب الضائقة الاقتصادية، ويصنفون في العنقود الاقتصادي – الاجتماعي الأكثر تدنيا. المدن الثلاثة التي يتركزون فيها يتم تمويلها جميعا تقريبا من أموال دافعي الضرائب الذين يعيشون وراء الخط الأخضر. تكفي هذه الأرقام كي نفهم ان المستوطنات هي وبحق المشروع العقاري الفاشل لإسرائيل.
كل رجل اعمال جيد يعرف ما يفعلونه مع استثمار فاشل، لكن للمستوطنين والسياسيين الذين يؤيدونهم توجد لهم حسابات أخرى. لذلك فان ما نراه، خاصة تحت صولجان بتسلئيل سموتريتش، الذي يشغل منصب وزير المالية والوزير المسؤول عن إدارة الاستيطان في وزارة الدفاع، هو ازدياد الاستثمار في المشروع الفاشل والمفشل في تاريخ إسرائيل. كل ذلك دون الاخذ في الحسبان البعد الأخلاقي، والدعم أو على الأقل التغاضي عن الزعران الذين يرتكبون اعمال عنف ضد السكان الفلسطينيين، والثمن الباهظ الذي تدفعه إسرائيل في الساحة الدولية نتيجة لذلك.
في الانتخابات القادمة سيطرح كثيرون سؤال جوهري: كيف سيساهم صوتي في إزاحة نتنياهو عن الحكم؟ عدد غير قليل من الناخبين سيعتبرون التصويت لهذا السبب “تصويت استراتيجي” وسيفحصون التصويت لصالح نفتالي بينيت. قد يكون بينيت رجل اعمال ناجح فيما يتعلق بامواله، لكنه ملزم بمواصلة تبذير اموالنا الجيدة وراء الأموال التي استثمرت حتى الان في الضفة الغربية. من المهم استيعاب هذه الحقيقة الان، لان التصويت له لن يحل المشكلة الرئيسية لدولة إسرائيل.



