ترجمات عبرية

هآرتس – الاحتكار المصري لاعمار غزة يخدم اسرائيل وحماس

هآرتس – بقلم  تسفي برئيل – 26/11/2021

” مصر تنجح في اقتطاع نصيبها بمساعدة مقاول خاص، وخلال ذلك تلحق الضرر باموال السلطة الفلسطينية. مساعدتها تعزز سياسة الانقسام الاسرائيلية بين الضفة والقطاع والتي تمنع الحل السياسي “.

لافتات كبيرة عليها صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تزين شارع الكورنيش في غزة الذي يربط بين شمال القطاع وجنوبه. بعد بضعة اسابيع على عملية حارس الاسوار وفي اعقاب المفاوضات بين حماس ومصر واسرائيل، دخلت الى هناك عشرات الجرافات المصرية يرافقها نحو 80 مهندس وعامل بهدف البدء في اعمار غزة.

في البداية قاموا بازالة انقاض البيوت التي خلفها القصف الاسرائيلي. آليات مصرية لتعبيد الشوارع اعادت تعبيد اثنان من الشوارع الرئيسية. بعد ذلك المصريون سيساعدون في بناء البنى التحتية لشوارع اخرى، هذا جزء من المساعدة بمبلغ اعلن عنه بأنه 500 مليون دولار من اجل اعادة اعمار القطاع. الرابح الاساسي من برنامج اعادة الاعمار هو شركة “ابناء سيناء” التي يملكها رجل الاعمال البدوي ابراهيم العرجاني، الذي يترأس قبيلة الطرابين واتحاد رؤساء القبائل في شمال سيناء، الذين يتعاونون مع المخابرات المصرية في محاربة منظمات الارهاب. العرجاني، الذي يملك عدة شركات مقاولات من اكبر الشركات في مصر، يعمل حسب توجيهات المخابرات المصرية، التي تحصل بدورها على نصيب كبير من المساعدة المصرية للقطاع ومن نقل البضائع من مصر الى غزة، بالاساس التي تجتاز الحدود في معبر صلاح الدين.

ليس فقط في اعمال اعادة الاعمار الاولى في غزة يوجد لمصر احتكار. فبالتشاور مع اسرائيل والولايات المتحدة واتحاد الامارات اضطرت قطر الى الموافقة على ترتيب جديد لنقل اموال المساعدة الذي بحسبه ستدفع للمصريين مقابل النفط والوقود الذي تنقله مصر لحماس، وحماس تقوم ببيع الوقود لمحطات الوقود في القطاع والثمن يمكن أن يحول الى العائلات المحتاجة ولدفع رواتب الموظفين في غزة. الاتفاق المتعرج هذا جاء بسبب معارضة اسرائيل بأن تقوم قطر بتحويل اموال نقدية في الحقائب لحماس، التي بدورها توزعها على 100 ألف عائلة محتاجة، هذا بذريعة أن حماس تستخدم هذه الاموال لاحتياجاتها العسكرية.

ليس فقط صور الحقائب ارادت اسرائيل استبعادها من الخطاب الانتقادي. هي ارادت الاثبات بأنها لا تساعد حماس طالما أنها ترفض اطلاق سراح الاسرى وجثث الجنود الاسرائيليين. هذا كان تعهد وزير الدفاع بني غانتس الذي قرر أن اعادة اعمار غزة سيكون مشروطا باتفاق على اطلاق سراحهم. ولكن ايضا هو ادرك بأن الشرط الذي وضعه غير واقعي، بعد محادثات قلقة مع شخصيات مصرية وامريكية رفيعة، التي اوضحوا له فيها بأن منع المساعدة يمكن أن يؤدي الى جولة قتالية اخرى في غزة وتعريض قدرة مصر على الوساطة للخطر. 

مصر عرضت أن تكون الوسيط غير المباشر للمساعدة القطرية التي ستبلغ 30 مليون دولار في الشهر. ولكن اذا كانت في السابق قد وزعت هذه المساعدة الى ثلاثة بنود، الاول الدفع المباشر للمحتاجين والثاني لشراء الوقود لمحطات توليد الكهرباء والثالث لمشاريع استهدفت ايجاد اماكن عمل جديدة والتخفيف من نسبة البطالة العميقة التي وصلت الى 60 في المئة، حسب الاتفاق الذي تم التوصل اليه في 18 تشرين الثاني سيتم تحويل 10 ملايين دولار المخصصة للعائلات المحتاجة الى مصر، وهي ستشتري بها وقود ليباع في القطاع. يبدو أن مصر وقطر تعهدتا بأن لا تستخدم هذه الاموال لاهداف تسلح حماس، لكن لا توجد آلية رقابة ناجعة، مصرية أو غير مصرية، يمكنها أن تمنع حماس من أن تأخذ نصيبها من مداخيل بيع الوقود.

اسرائيل حاولت أن تجند اتحاد الامارات لتكون عرابة المساعدة بدلا من قطر، لكنها تلقت اجابة سلبية. أبو ظبي اوضحت بأنها كانت مستعدة للمساعدة في اعادة اعمار غزة فقط لو أن مصر كانت هي صاحبة البيت، وهذا موقف تم الاتفاق عليه بين الامارات والاردن والسعودية في شهر أيار الماضي، عندما التقى ولي عهد الامارات محمد بن زايد لبضع ساعات مع الملك عبد الله في المطار في عمان.

الى جانب اعمال اعادة الاعمار مصر هي ايضا المزودة لمواد البناء والمواد الاستهلاكية التي تصل الى غزة في معبر صلاح الدين، الذي من خلاله يتم استيراد 17 في المئة من البضائع التي تدخل الى القطاع. حجم التجارة في هذا المعبر يبلغ 55 مليون دولار في الشهر، التي منها تجبي حماس 14 مليون كرسوم وضرائب. المفارقة هي أنه كلما زاد حجم الاستيراد من مصر فان السلطة الفلسطينية تفقد المزيد من المدخولات، حيث السلطة هي التي يحق لها عائدات الجمارك على البضائع التي تصل الى القطاع عبر اسرائيل. وفي حين يحاول رئيس الحكومة ووزير الدفاع اقناع الدول المانحة بمساعدة السلطة الفلسطينية التي تقف على شفا الانهيار الاقتصادي، إلا أنهما يعملان على قضم مداخيلها، مرة من خلال خصم اموال الضرائب التي تجبيها اسرائيل بدلا منهم كجزء من قانون منع تمويل عائلات السجناء والمخربين الفلسطينيين، ومرة من خلال تقليص حجم التجارة من اسرائيل للقطاع على حساب زيادة التجارة من مصر.

مقابل السيطرة المصرية على التجارة مع القطاع زادت مصر عدد جنود حرس الحدود لديها على طول قطاع غزة، وهي تستخدم الضغط على حماس من اجل التنازل عن طلباتها وشروطها لعقد صفقة تبادل الاسرى والجثث. في تشرين الاول دعي الى مصر الوفد الاكبر من حماس لمناقشة اتفاق التبادل، وكان يبدو أنه تم التوصل الى تفاهمات مبدئية يمكنها تحريك العملية. ولكن حسب مصادر فلسطينية فان اسرائيل لم تعجبها هذه التنازلات. ومصادر اسرائيلية قالت للصحيفة بأن الحديث لا يدور عن تنازلات بل حول صياغة مختلفة لشروط غير مقبولة. على الارض يتبين أنه رغم الشرط الاسرائيلي الذي يربط بين صفقة التبادل واعمار القطاع فان اموال قطر الى غزة ستواصل الدخول ومصر ستواصل اعمال اعادة الاعمار بالوتيرة التي ستحددها، مع صفقة تبادل أو بدونها.

أين هي السلطة؟ مسألة اعمار غزة غير منفصلة عن سياسة الرئيس الامريكي، جو بايدن، والتي تقول بأن ادارته تعترف بأنه لا توجد في هذه الاثناء “امكانية سياسية” للدفع قدما بعملية سياسية شاملة، لكن هناك ضرورة لتحسين الوضع الاقتصادي في الضفة وفي القطاع. وحسب مصادر دبلوماسية فان الولايات المتحدة ستكون مستعدة للتبرع بسخاء لاعادة اعمار غزة مقابل اتفاق لوقف اطلاق النار طويل المدى ترافقه ضمانات بأن لا يقوم أي طرف بأي عمل يمكن أن يمس بنتائج اعادة الاعمار. 

من اجل ترجمة هذا الموقف المبدئي الى واقع فان مصر تحاول التوصل الى تفاهمات مع حماس حول مسائل اساسية، الاهم من بينها استكمال المصالحة بين حماس وفتح. وحسب مصدر رفيع في حماس، طاهر النونو، فان مصر قدمت لحماس مسودة فيها تفاصيل عن ترتيبات المصالحة التي تستند الى محادثات المخابرات المصرية مع الشخصيات الكبيرة في حماس. 

من السابق لاوانه تقدير درجة نجاح مصر في الدفع قدما بالمصالحة، لا سيما عندما محمود عباس يدير الآن حملة مستقلة للدفع قدما بالعملية  السياسية مع اسرائيل. في هذا الاسبوع التقى عباس مع الرئيس الروسي وطلب منه المبادرة الى عقد اجتماع للرباعية التي روسيا عضو فيها مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة من اجل تحريك العملية. هذا استمرارا للانذار الذي وضعه لاسرائيل في خطابه في الجمعية العمومية للامم المتحدة، الذي بحسبه امامها سنة لانهاء المفاوضات والانسحاب من المناطق، وإلا فان السلطة ستتوجه الى محكمة الجنايات الدولية وستطالبها بالزام اسرائيل بالانسحاب. في هذه الاثناء لا يبدو أن اسرائيل تتأثر من ذلك، خاصة ازاء موقف واشنطن وعدم الاهتمام الذي يظهره بوتين للتدخل في النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين.

الى أن تتم المصالحة بين حماس وفتح فان مصر تحاول اقناع حماس بالسماح بوجود، حتى لو كان رمزي، ممثلي السلطة الفلسطينية في غزة، من اجل الاظهار بأن اعمال اعادة الاعمار لا تتم فقط امام حماس وأنها تعمل حسب الاتفاقات السابقة التي تطالب بأن يكون في المعابر مع مصر موظفو جمارك من قبل السلطة. مصر ايضا تحرص على أن تتم كل اعمال اعادة الاعمار بواسطة شركة “ابناء سيناء” التي يمتلكها العرجاني، وليس بصورة مباشرة بواسطة الجيش المصري، رغم أنه فعليا هو الذي يشرف على الاعمال، من اجل أن يكون بالامكان التوقيع على اتفاقات عمل مع مقاولين من غزة دون أن يلتصق بالحكومة المصرية التعاون الاقتصادي المباشر مع حماس. هكذا تستطيع مصر الاستعانة بتمويل من السعودية والامارات، اللتان لا تريدان في هذه الاثناء اقامة علاقات مباشرة مع حماس، لكنهما على استعداد لمساعدة مصر في الحفاظ على احتكار سيطرتها على القطاع.

إن توسيع تحكم مصر بغزة يتساوق بشكل جيد مع سياسة اسرائيل التي تعتبر غزة كيان منفصل، وبذلك هي تضمن عدم امكانية تحقق اتفاق سياسي حتى في الطرف الفلسطيني. حسب هذه الرؤية فانه طالما لا توجد ممثلية فلسطينية موحدة ومتفق عليها فانه لا يوجد لاسرائيل شريك فلسطيني. لذلك، لا يمكن لأي أحد أن يلومها على أنها لا ترى أي جدوى للمفاوضات. ظاهريا هذا الموقف هو مناقض لمقاربة مصر التي تحاول الدفع قدما بالمصالحة بين فتح وحماس، التي نتائجها يمكن أن تكون اجراء انتخابات في كل المناطق الفلسطينية، انتخابات يتوقع أن تفوز فيها حماس. ولكن اسرائيل تعلمت بأنه يمكنها الاعتماد على محمود عباس بأن يقوم بوظيفة حارس العتبة من اجلها، بعد أن سبق وألغى الانتخابات التي كانت ستجرى في شهر أيار ولم يحدد موعد جديد. اسرائيل دائما يمكنها منع اجراء انتخابات في القدس. وبهذا هي تنزع شرعية هذه الانتخابات، بالاساس يخدمها الانقسام بين حماس وفتح. 

اعتبارات اسرائيل غير مخفية عن نظر مصر. وهي لم تعد تصدر أي دعوات لحل شامل للنزاع. هدفها “المتواضع” هو ترسيخ وقف طويل المدى لاطلاق النار يشمل مسؤولية كاملة لحماس عن كل السلاح الذي يوجد في القطاع، بما في ذلك الذي تقوم بتخزينه واستخدامه تنظيمات اخرى، والتوقف عن اعمال المقاومة العسكرية في الضفة وفي شرقي القدس من اجل ضمان اعمار القطاع والبقاء الاقتصادي لحماس. ولكن حسب ردود المتحدثين باسم حماس فان هذه الطلبات ايضا لا تمر بسهولة في حلق حماس. سيطرة حماس على التنظيمات الاخرى غير كاملة ونشاطاتها في القدس وفي الضفة فقط ازدادت بعد عملية “حارس الاسوار”، وهي على قناعة بأن الردع الذي تستخدمه امام اسرائيل اصلا يعطي ثمار اقتصادية مثل المساعدات التي تحصل عليها من مصر ومن قطر، وفقط هذا يمكن أن يخدمها من اجل أن تنفذ اعمار القطاع. 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى