ترجمات عبرية

هآرتس: اعلان ماكرون يعتبر نقطة انطلاق، ليس لتدمير اسرائيل بل لنهضتها من جديد

هآرتس – ديمتري شومسكي  – 28/7/2025 اعلان ماكرون يعتبر نقطة انطلاق، ليس لتدمير اسرائيل بل لنهضتها من جديد

اعلان الرئيس الفرنسي ماكرون بان فرنسا ستعلن عن اعترافها بالدولة الفلسطينية في الجمعية العمومية للامم المتحدة في شهر ايلول القادم، اثار، ليس بشكل مفاجيء، الغضب في اليمين الاسرائيلي. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قال ان “هذه الخطوة مكافأة للارهاب، وستستخدم كنقطة انطلاق لتدمير اسرائيل”. وزير العدل ياريف لفين قال “الامر يتعلق بوصمة سوداء في تاريخ فرنسا”. رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت قال “اعلان ماكرون هو قرار مخجل وسيتم رميه في سلة قمامة التاريخ. الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد مذبحة 7 اكتوبر هو تدهور اخلاقي وهدية للقتل الجماعي”.

لكن المعنى السياسي والاخلاقي لاعلان ماكرون هو عكس ذلك تماما. الحلم السياسي الشامل الذي يطمح ماكرون الى الدفع به قدما يرتكز الى مبدأ تقسيم المكان بين البحر والنهر الى دولتين قوميتين، على اساس الاعتراف المتبادل بحق تقرير المصير القومي لليهود الاسرائيليين والعرب الفلسطينيين.

في المقابل، الحلم الديني – السياسي، الاسلامي  – القومي، لحماس، الذي باسمه خرج قتلتها لذبح الاسرائيليين في 7 اكتوبر، هو القضاء على دولة اسرائيل واقامة دولة فلسطينية بدلا منها. سياسة ماكرون ليس فقط لا يوجد فيها ما من شأنه ان “يكافيء” حماس على المذبحة، بل هي تتعارض بصورة قيمية مع الرؤية القاتلة والعبثية لهذه المنظمة.

اضافة الى ذلك في حين ان تدمير اسرائيل هو الهدف النهائي بعيد المدى لحماس، فان هدفها المتوسط هو الحرب الدينية اللانهائية ضد اسرائيل، وفيها رسالة رمزية وثابتة للمجتمع الدولي، التي اساسها “وجود دولة اسرائيل في ارض فلسطين المقدسة، وعاصمتها القدس” هو امر غير شرعي.

في هذه النظرة يوجد تشابه ديني – سياسي بين حماس واليمين القومي المتطرف – الديني اليهودي: مثل حماس ايضا نتنياهو، لفين وبينيت وامثالهم، يتمسكون بنهج المواجهة الدينية السياسية المستمرة، على اساس مبدأ نزع الشرعية عن الحقوق السياسية والقومية للشعب الجار شريطة أن حل تقسيم الوطن لا يتحقق في أي يوم. لذلك فان اعلان ماكرون هو تحد مزدوج، سواء للرؤية الظلامية والقاتلة لحماس أو الرؤية الظلامية والقاتلة لليمين الاسرائيلي، ولهذا السبب بالذات فان اعلان ماكرون السياسي يصيب  اليمين بالجنون.

في حين ان الخطاب الايديولوجي لليمين اليهودي وصل في اعقاب اعلان ماكرون الى نقطة الغليان، فان الردود عليه في اوساط دوائر نشطاء السلام تتراوح على الاغلب بين التثاؤب وهز الكتف المتشكك. ازاء الكارثة الوطنية والاقليمية التي تحيط بنا فان هذا التشكك مفهوم، لكن يجب عدم التوافق معه لاسباب رئيسية.

السبب الاول هو أنه اذا انضمت لفرنسا، التي هي دولة عظمى اوروبية وعالمية والتي يجب عدم الاستخفاف بنفوذها الدولي، بريطانيا، فستزداد بشكل كبير احتمالية ان تتحول في المستقبل القريب حقوق الفلسطينيين الى نوع من “المسالة اليهودية” في اواخر عصر الحداثة. مسالة قومية ودولية من الدرجة الاولى التي تحتاج الى حل فوري، ملح وينقذ الحياة، على شاكلة اقامة دولة قومية مستقلة. 

السبب الثاني هو انه كلما وقفت خلف الحقوق الوطنية والسياسية للفلسطينيين دول غربية عظمى اخرى فان ذلك سيساعد القضية الفلسطينية في رفع اهمية قيم ومفاهيم التنور والانسانية والمساواة. من الان فصاعدا سيتشكل في المجتمع الدولي معسكران، كل واحد منهما له صورة سياسية واخلاقية واضحة، الاول هو المعسكر الليبرالي والانساني الذي يثني على قيمة المساواة بين الشعوب التي تتمثل بمبدأ الدولتين لشعبين، اسرائيل وفلسطين. والثاني هو المعسكر الدولي المسيحاني، الذي اجزاءه تتحالف مع بعضها بالسر وتشمل اسرائيل المسيحانية والولايات المتحدة الافنغلية، وايضا رغم التناقض الذي هو ظاهري كما يبدو، والذي سيشمل حماس وايران، جميعهم يتوجدون على موقف انتحاري مفاده ان حل الدولتين غير محتمل لاسباب لاهوتية مقدسة.

انقسام هذان المعسكران لا يضمن انتصار معسكر المساواة والعقلانية في هذه المعركة. مع ذلك، التمييز السياسي والاخلاقي الواضح بين الموقف الوطني، المساواتي والمتنور، والموقف اللاهوتي الظلامي، الذي يمثل تحالف دولي من “آكلي الموتى” في سبيل الله، هو شرط ضروري على طريق تعزيز حل الدولتين. هو حل ضروري الآن ليس فقط للاسرائيليين والفلسطينيين، بل ايضا لاعادة التاهيل الاخلاقي للمجتمع الدولي. 

بهذا المعنى على الاقل فان اعلان ماكرون يمكن ان يشكل وبحق “نقطة انطلاق”، ولكن ليس لـ “تدمير اسرائيل”، بل لنهضة اسرائيل الجديدة، الشرعية، الى جانب دولة فلسطين وفي اطار مجتمع دولي افضل واكثر عدلا.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى