ترجمات عبرية

هآرتس: اسرائيل على شفا الفاشية: هل حقا الفاشية ستمر؟

هآرتس 14/6/2024، دافيد اوحنا وعوديد هايلبرونر: اسرائيل على شفا الفاشية: هل حقا الفاشية ستمر؟


وقع اقدام الزعران الذين سيطروا على ازقة البلدة القديمة في يوم القدس في الاسبوع الماضي، ذكر بصوت خطوات كتائب الـ “اس.إي” وسنوات العشرينيات والثلاثينيات في المانيا. مثلما في ذلك الوقت، عندما كان الجنود الذين يرتدون القمصان باللون البني انقضوا بشكل عنيف على كل محل تجاري لليهود والشيوعيين، فانه الآن من يرتدون القمصان باللون الاصفر، الاتباع المجانين للزعيم الازعر مع الماضي الجنائي والذي جهاز شرطة كامل يخضع له، قاموا بضرب وركل وشتم العرب والصحفيين.

كان يصعب التمييز بين الزعران وبين ممثلي الدولة، أي جنود حرس الحدود، لأن كل واحد منهم كان له دور محدد في فرض الارهاب والذعر على سكان البلدة القديمة في الاحتفال الفاشي السنوي. شباب الصهيونية الدينية الذين يؤيدون تفوق العرق اليهودي و”الارض اليهودية” ذكروا بعنف الاوروبيين من اليمين المتطرف والفاشي، الذين كانوا يقومون بملاحقة الاشتراكيين والشيوعيين واليهود. 

بعد 100 سنة تقريبا حدث انقلاب في الادوار. فالآن اليهود العنيفين في الطريق الى حائط المبكى يقومون بملاحقة ابناء قومية اخرى. وفي موازاة تعزز اليمين الراديكالي والموجة الشعبوية في اوروبا الآن فانه تتصاعد وتزدهر في اسرائيل مجموعات ما قبل الفاشية. هذه العملية تعكس توجهات عالمية وتدل على تعزز القاعدة الاجتماعية لليمين الراديكالي “ما قبل الفاشي” في اسرائيل – مجموعات فاشية جديدة (تضم بعض مصوتي الليكود الذين يسمون البيبيين)، التي تسيطر رويدا رويدا على طبقات شعبية. التطرف القومي في اوساط شريحة اجتماعية يمكن من وجود تحالف بين اليمين السياسي – الثقافي، المحافظ، وبين مجموعات تقليدية هامشية من الطبقات المتدنية ومجموعات دينية حريدية تؤيد قيم الدم والوطن اليهودي، الارض، العرق، القداسة، التضحية والموت – مناخ عنصري بكل معنى الكلمة.

في هذه المجموعات الفاشية الجديدة يكمن الخطر على مستقبل الديمقراطية في اسرائيل، لأنها تخلق ثقافة فاشية لها انوية مع امكانية كامنة اجتماعية جماهيرية. في اسرائيل تجري الآن حرب اهلية مصغرة تذكر بلحظة مشابهة في اوروبا في عشرينيات القرن الماضي. لا يوجد في هذا التحليل نوع من المقارنة الكاملة مع تلك الفترة. ولكن كما اوضح مؤخرا الكاتب السويدي كارل اوبا كناوسغورد في كتابه بعنوان “نضالي”، فان الفترة بين نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف اربعينيات القرن العشرين تعتبر بأثر رجعي عصر التغييرات في المركبات الاساسية للوجود الانساني. كثيرون ارادوا العثور على اساس جديد واقامة مجتمع جديد، وقد اعتقدوا أنهم وجدوا غايتهم في الحركات الطوباوية العظيمة: النازية والشيوعية. المقارنة بين اوروبا كناوسغورد، لا سيما في أواخر جمهورية فايمار، ودول اخرى مثل فرنسا وبلجيكا ودول شرق اوروبا وبين اسرائيل نتنياهو، استهدفت استخلاص الدروس حول التشابه بين احداث وعمليات واشخاص في الماضي والحاضر.

أي أنه في اسرائيل تجري الآن حرب اهلية تذكر للحظة بالالمانية الفايمرية، وحتى باللحظة الايطالية عشية المسيرة الفاشية نحو روما. اسرائيل ليست وحدها في الازمة. فانتقاد قيم الديمقراطية والليبرالية يدوي الآن في ارجاء الغرب، ربما باستثناء بريطانيا التي دائما احسنت في اختيار نهج مدني – ليبرالي. هذا ينعكس في احداث “السترات الصفراء” في فرنسا (هناك توجد احتمالية كبيرة لأن يتم انتخاب مارين لابين كرئيسة في الانتخابات القادمة)، والانقضاض على تلة الكابيتول في واشنطن، والدعم المتزايد لحزب “بديل لالمانيا”، وانتخاب جورجا مالوني المؤيدة لموسوليني رئيسة للحكومة الايطالية، والصعود غير المسبوق في دعم الهولنديين للزعيم القومي المتطرف هارت فيلدريس. فقط في هذا الاسبوع اليمين الراديكالي عزز قوته في الانتخابات للبرلمان الاوروبي.

مثلما في اسرائيل ايضا في الدول الاوروبية يوجد ميل في جانبي المتراس على رؤية الازمات الاقتصادية – الاجتماعية كصراع على صورة المجتمع وصورة الدولة؛ صراع بين الرغبة في التغيير العميق بعد عشرات السنين من الديمقراطية – الليبرالية وبين الذين يريدون استمرار الديمقراطية القائمة.

الازمة في اسرائيل تتغذى على نتائج الانتخابات التي جرت في تشرين الثاني 2020. ولكن يجب أن تكون ساذج اكي ترى في انتصار الكتلة الدينية اليمينية السبب في الازمة في اسرائيل. ايضا هنا، مثلما في امريكا وبريطانيا ودول اخرى، فان غياب النظام يعكس عمليات عميقة اكثر –  تغييرات جيوسياسية هامة، رؤية اقتصادية – راديكالية تظهر صبح مساء، ازمة مناخ وبيئة، ظهور تقنيات متقدمة، تهديد نمط الحياة العلماني والليبرالي، النضال ضد الانظمة الفاسدة وغير الديمقراطية.

كل ذلك أخرج الجماهير في كل العالم الى الشوارع. توجد للازمة في اسرائيل مميزات فريدة، مثل المبنى المعقد للمجتمع الاسرائيلي والظل المهدد للاحتلال والخطر الايماني الذي جوهره الاقتناع بتفوق الدم والعرق اليهودي. لا شك أن كارثة 7 اكتوبر والاحتجاج ضد الشرطة هي بمثابة رد مزدوج على الفشل الذريع للجهاز السياسي والامني، وايضا استمرارا للاحتجاج من فترة اغلاقات الكورونا والمظاهرات ضد الانقلاب النظامي خلال العام 2023، كل ذلك يعكس عدم ثقة الجمهور في اسرائيل بالنظام الفاشل.

ثلاث عمليات

توجد امكانية للمقارنة بين اسرائيل واوروبا في فترة صعود الفاشية من خلال ثلاث عمليات اساسية. الاولى هي ازمة النظام في المانيا في الاعوام 1930 – 1933، وهي الازمة السياسية التي انتهت عمليا فقط عند انتهاء ديمقراطية جمهورية فايمار، التي كانت ضعيفة منذ تأسيسها. عندنا، حكومة نتنياهو المتعثرة، التي تم انتخابها بعد عدة جولات انتخابية التي ازدادت فيها قوة المساومة السياسية للمتدينين – الحريديين والقوميين المتطرفين – العنصريين في اوساط العلمانيين والمتدينين – القوميين، الذين يشملون المستوطنين والاحزاب الفاشية الجديدة. مثلما في المانيا في عهد جمهورية فايمار وفي اماكن اخرى في العالم فانه هنا ايضا جرت محاولة انقلاب قانوني، التي فشلت، لكنها عملت على تشويه التوازن والكوابح الديمقراطية بين السلطات الثلاثة. نغمة الانسجام النهائية المؤقتة هي الحرب في غزة. العملية الثانية تتعلق بالشرخ في المجتمع. في ايطاليا وفي اسبانيا وبالطبع في المانيا كان يوجد انقسام بين معسكرات سياسية متقاطبة – اليمين القومي المتطرف، الراديكالي واللاسامي من جهة، والمعسكر الاشتراكي (اس.بي.دي) والشيوعي من جهة اخرى، الذي انعكس في الحرب الاهلية، تقريبا شبه المستمرة والعنف السياسي، التي اطلق عليها رجل القانون كارل سميث “حالة طواريء” (التي تستدعي “ديكتاتور”). في حين عندنا الشرخ بين المستوطنين ومؤيديهم وبين معارضي الاحتلال، بين الحريديين المتدينين والعلمانيين، وشروخ سياسية واجتماعية اخرى.

العملية الثالثة تكشف توتر كبير بين مجتمع ليبرالي وبين قوى محافظة ويمين راديكالي. في المجتمع الايطالي عشية المسيرة نحو روما، وبالاساس في المانيا فايمر، عملت توجهات معاكسة كما يبدو. فمن جهة، التقدم، الليبرالية والحداثة. ومن جهة اخرى، الانقلاب الفاشي و”الانقلاب المحافظ” الذي أيده مفكرون ايطاليون مثل جيوفاني جنتيلا، ومفكرون المان مثل شميدت وآرنست فنغر واوزفالد شبنغلر ومارتن هايدغر وغيرهم.

اساس هذا الانقلاب كان الدمج المتناقض بين الرجعية السياسية والتقدم التكنولوجي الذي يسمى “الحداثة الرجعية”، مثل عنوان كتاب المؤرخ جيفري هيرف “كامبردج 1984″، أو “نظام العدميين”. هناك وعندنا الآن جرى ويجري صراع ضد القيم العالمية وضد المواطنة المتساوية وضد هجرة الاجانب. وفي المقابل، تمجيد الكرامة الوطنية والوحدة والتراث. من ناحية ايديولوجية تحدث الآن في اسرائيل، فوق سطح الارض وتحتها، ثورة محافظة، يتم حملها على اجنحة “البيبية” وتعتمد على “وسط كامل”، الذي مصدره مدرسة المحافظة الامريكية. وهي تستند ايضا الى حركة “اذا شئتم”، التي يعتبر رونين شوفال احد مؤسسيها، الذي تأثر بالالمان الرومانسيين الذين اعتبروا مبشرين بألمانيا النازية، والتي بني بيغن قال إنه في حملتها يوجد “مؤشر على الفاشية”، وزئيف ترنهل قال إنها “ليست اسوأ من الفاشية، بل هي فقط فاشية بقدر معين”، وبدعم من “منتدى كهيلت” الذي بادر الى قانون القومية، و”صندوق الأمل” ذي رؤية التحرر، التي طورت “الاصلاح القانوني” وتشجع الوحدة الوطنية المزيفة.

من غير الغريب أن المثقف الرائد في هذه الاوساط هو مستوطن ايديولوجي مثل ميخا غودمان، خريج مدرسة دينية والذي يتم عرضه كـ “مثقف جماهيري” معتدل، في حين أنه وراء فكرته التي تدعو الى “تقليص النزاع”، يختفي عمل مخادع لتعزيز ارض اسرائيل الكبرى. 

هناك فروق بالطبع: لا يمكن فهم سقوط جمهورية فايمار بدون سياق الهزيمة في الحرب العالمية الاولى، التي نتائجها القاسية غير موجودة لدينا، حدث مثل الثورة البلشفية الذي هدد المانيا والاغتيالات السياسية و”الفرايكور” (الكتائب الحرة) والثورات العنيفة لليمين واليسار. في اسرائيل لا يوجد تضخم مدمر وازمة اقتصادية خطيرة مثلما كان في المانيا في العشرينيات. وكما كتب المؤرخ وولتر ستروبا في كتابه “نخب ضد الديمقراطية” (برينستون 1973)، فان النخب المحافظة في المانيا عارضت نظام فايمر أو كانت لامبالية بمصيره. في حين عندنا معظم النخب متماهية مع الليبرالية وتم الادعاء ضدها بأنها “تسرق الدولة بمساعدة المحكمة العليا”.

يجب التأكيد على أنه خلافا للعشرينيات في وسط اوروبا وجنوبها وشرقها فان الديمقراطية في اسرائيل قوية في هذه المرحلة، لكنها غير محصنة الى الأبد. وبالمقارنة مع الديمقراطيات في اوروبا التي سقطت في يد الفاشية والنازية في العشرينيات والثلاثينيات فان منظمات المجتمع المدني في اسرائيل والمستويات المهنية في الخدمة العامة الحكومية، مثل الجيش والقضاء والصحة والتعليم، تعمل ازاء هذه الظروف من خلال الاستقامة والاخلاص لقيم الديمقراطية، رغم أنه ظهرت شروخ في ادائها والتزامها بالديمقراطية. ولكن في بعض البؤر في المجتمع الاسرائيلي يمكن ملاحظة توجهات ما قبل فاشية وشعبوية. في المقام الاول يوجد الحزب الحاكم، الذي بعض أسسه هي ما قبل فاشية. البروفيسور مني ماوتنر قال مؤخرا إن المجموعات التي تم اضعافها والتي تشكل القاعدة غريبة عن المجتمعات الليبرالية المدنية، لأنها تبنت سياسة اقتصادية – اجتماعية نيوليبرالية، وبسبب اتفاقات “استسلام اليساريين” مع العدو، التي اوجدت العداء المرير تجاه نخب اليسار.

نتنياهو على بعد خطوة من الزعيم الفاشي

على رأس حربة الايديولوجيا القومية المتطرفة والفلسفة التاريخية التي تلزم “نيتسح يسرائيل” وترتبط بعدم الاعتراف بشرعية “العدو”، يقف زعيم شعبوي وكاريزماتي و”رجل دعاية مستبد”، بنيامين نتنياهو، الذي يوجد على بعد خطوة من أن يصبح زعيم فاشي. ليس من الغريب أن زعماء فاشيين جدد أو مستبدون شعبويون، مثل دونالد ترامب في امريكا ونارندرا مودي في الهند وفيكتور اوربان في هنغاريا، هم مجموعة مرجعيته، والتشبيه المناسب لنوعية زعامته. القاسم المشترك بين كل هؤلاء الزعماء، ضمن امور اخرى، هو السخرية السياسية. العمل السياسي الذي سيلاحق نتنياهو في الوعي التاريخي هو حاجته الى كهاني مثل ايتمار بن غفير، الفاشي بامتياز، كي يعزز حكمه. السخرية تميز ايضا ركض نتنياهو الى المستشفى من اجل زيارة امام العدسات المخطوفين الاربعة الذين تم تحريرهم على يد الجيش الاسرائيلي في يوم السبت، في حين أنه منذ يوم السبت في 7 اكتوبر لم يقم بالاتصال حتى ولو مرة واحدة مع عائلات المخطوفين.

النقاش التاريخي الحديث حول الفاشية في اوروبا في النصف الاول من القرن العشرين، لا يمكن أن يتجاهل الوضع السياسي في اسرائيل الآن. فتأسيس سلالة فاشية اسرائيلية متميزة ملطخة بالشعبية العرقية، اعتبر مؤخرا امكانية حقيقية في الخطاب السياسي والخطاب العام وفي بحوث الاكاديميا. إن صعود حكومة دينية قومية – متطرفة في اسرائيل في كانون الاول 2022، التي سرعت النقاش حول وجود أسس فاشية عنصرية في حكومة نتنياهو، وحول “الانقلاب النظامي” مع الحفاظ على غطاء ديمقراطي – كان انعطافة راديكالية في الديمقراطية في اسرائيل، التي توقفت حسب الكثيرين عن أن تكون ليبرالية.

وقد اضيف الى ذلك انضمام الاحزاب التي نقشت على رايتها رؤى عنصرية وقومية متطرفة وكراهية الاجانب والمس بحقوق الانسان والاقليات ووسائل الاعلام للحكومة، التي لديها موقف مستفز ومتحد تجاه العالم المتنور. هل هذا كاف لاعتبار النظام الحالي، سواء المجتمع أو المؤسسات في اسرائيل، هو نظام فاشي؟ في هذه الاثناء الجواب سلبي، مع التأكيد على كلمة “في هذه الاثناء”.

اذا اضفنا الى كل ذلك الاحتلال والابرتهايد الذي تتبعه اسرائيل منذ اكثر من نصف قرن في الضفة الغربية، الانتقال من الاحتلال “المؤقت” الى وضع كولونيالي دائم، الذي شرعن العملية القانونية الموجودة الآن في المحكمة الدولية في لاهاي، واذا اضفنا خصائص الاثنوقراطية، التي حسب الجغرافي السياسي اورن يفتحئيل مجموعة عرقية واحدة تسيطر على مؤسسات وموارد الدولة على حساب الاقليات وتستمر في عرض نفسها كديمقراطية (فارغة)، وبالاساس تعزز القوى الايمانية – العنصرية، عندها لن تستطيع تجاهل خطر تحقق خيار الفاشية في اسرائيل.

كيف يمكن للاسرائيليين أن يتذكروا هذه الايام شديدة البرودة، وكيف يمكنهم اجتياز النهر الهادر الذي يهدد باغراقهم؟ هل الوعي الذاتي للمواطنين القلقين من هشاشة الديمقراطية ستتم ترجمته الى سياسة؟ ما الذي سيبقى من فزع هذه الايام القاتمة؟ هل الاسرائيليون سيثورون أم أنهم سيخضعون ويتنازلون ويتصالحون؟ من يدري، ربما سيفضلون العيش في مكان آخر؟ كل ما سيبقى لنا هو التفسير بشكل صحيح فزع هذه الايام ومواصلة النضال والتمسك بالأمل والعودة وتكرار كلمات النشيد الوطني التي كانت على لسان مقاتلي الحرية أمام جنود العدو في القرن الماضي: “نو بساران (لن يمروا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى