ترجمات عبرية

هآرتس: إلى متى سينتظر اللبنانيون “رحمة الصراف الآلي”؟

تسفي برئيل – هآرتس 7/7/2022

رئيس الحكومة في لبنان، نجيب ميقاتي، سارع هذا الأسبوع إلى إدانة إطلاق المسيرات الثلاث، الذي نفذه “حزب الله” نحو حقل الغاز الإسرائيلي في البحر “كاريش”. “هذه العملية غير مقبولة، وتضع لبنان أمام المخاطر”، أعلن ميقاتي. هذه ليست المرة الأولى التي تم فيها الطلب من ميقاتي إدانة “حزب الله”. ففي بداية السنة، كان قد هاجم رئيس الحزب حسن نصر الله، لتصريحاته تجاه السعودية، التي اعتبرها دولة إرهابية مسؤولة عن نشر الإسلام الراديكالي في العالم.

نصر الله كالعادة يعرف كيف يختار التوقيت المناسب لاستعراض حضوره. في المرة السابقة، كان لبنان في ذروة أزمة سياسية مع السعودية، شملت حظر استيراد البضائع من لبنان. وفي هذه المرة، يقف على شفا هاوية اقتصادية، حيث آخر ما يحتاجه لبنان عرض عنيف لـ”حزب الله”.

لكن مواجهة علنية مع “حزب الله” لا تعتبر أمراً متكرراً، لا سيما حين يكون لبنان في مرحلة حساسة وهشة من النقاشات حول ترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل. حقل الغاز اللبناني ليس مصدراً محتملاً للمداخيل والاستثمارات فحسب، بل يمكن استخدامه كضمانة لتسديد الديون الكبيرة للدولة وإنقاذها من الأزمة الاقتصادية الأكثر شدة في تاريخها الحديث. هذا الحقل قد يتطور إلى كونسيرتو دولي يتكون من “توتال” الفرنسية و”آني” الإيطالية و”نوفاتك” الروسية. ولكن إذا غاب الاتفاق، وبرزت مواجهة بين إسرائيل والحزب تهدد أمن الأعمال في الحقل، فلن يتم استثمار أي دولار فيه.

ميقاتي، الذي عُين في هذا المنصب للمرة الرابعة قبل أسبوعين ولم ينجح بعد في تشكيل حكومة متفق عليها، مجبر على السير على حد السكين: لا يمكنه تشكيل حكومة دون ممثلي “حزب الله”. ولكن إزاء سلوك “حزب الله” تبدو احتمالاته لإيجاد حل للأزمة الاقتصادية تتناقص. حسب مصادر لبنانية، تشاور ميقاتي مع الرئيس ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري، حليف نصر الله، قبل إصدار تصريحه. نصر الله لم يرد بعد على بيان ميقاتي، لكن رسالته وصلت بنجاح.

هذا الحدث جرى في الوقت الذي يدير فيه لبنان مفاوضات متشددة مع صندوق النقد الدولي الذي يطلب منه لبنان قرضاً بمبلغ 3 مليارات دولار لتمويل سداد ديونه التي ارتفعت بنحو 170 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الخام له، وهو الناتج الذي تعرض لضربة شديدة عندما انخفض من مستوى 55 مليار دولار في 2018 إلى مستوى 20.5 مليار دولار في هذه السنة. بعد النقاشات التي أجريت لأشهر، فإن مسودة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أصبحت موجودة. ولم يبق سوى موضوع صغير، يمكن للحكومة اللبنانية أن توافق عليه ويمكنها تنفيذه.

       لا هدايا بالمجان

صندوق النقد الدولي لا يعطي هدايا بالمجان. فلمنحه لبنان القرض، وضع عدة شروط تجبر لبنان على تنفيذ تغييرات عميقة في فرع البنوك والتحقيق في سلوك البنك المركزي وعرض إصلاحات اقتصادية قابلة للتنفيذ وبناء آليات رقابة اختراقية وتقديم ضمانات لتسديد القرض.

العقبة الأكبر أمام الخطة الاقتصادية التي وافقت عليها الحكومة في أيار تضعها المنظومة البنكية الخاصة، وأرسل اتحاد البنوك في لبنان في حزيران رسالة إلى صندوق النقد الدولي رفض فيها شروطه لأنها “غير قانونية وتعارض الدستور”. لم يوضح الاتحاد سبب المعارضة، ولكنه قال بأن اقتراحات الصندوق قد تُلحق بالدولة وبالمنظومة البنكية أضراراً اقتصادية لا يمكن إصلاحها. نقطة الخلاف الأساسية تكمن في مسألة من الذي سيغطي الخسارة الضخمة التي تبلغ أكثر من 70 مليار دولار، والتي وقعت على المنظومة المصرفية والبنك المركزي.

اتحاد البنوك يتهم الحكومة بأن سياستها الاقتصادية في السنوات الأخيرة والفساد العميق الذي رعته وغياب الرقابة على البنك المركزي، كل ذلك هو الذي أدى إلى خسائر المنظومة البنكية. لذلك، الحكومة هي المسؤولة عن إصلاح الأضرار على حسابها. كما يطلب الاتحاد من الحكومة بيع ممتلكات واستخدام فائض الذهب الموجود بحوزتها لإقامة صندوق وطني بمبلغ 30 مليار دولار، الذي سيستخدم لتغطية خسائر المنظومة البنكية وتعويض المواطنين الذين أودعوا أموالهم بالدولار.

الحكومة من ناحيتها تقول بأن المنظومة المصرفية شريكة كبيرة في تطور الخسارة. فقد استفادت لسنوات كثيرة من أرباح خيالية بفضل القروض التي منحتها البنوك للحكومة وللبنك المركزي. لذلك، تطالب الحكومة الآن البنوك بتحمل تغطية الخسائر في البداية.

       الفوضى بدأت منذ فترة طويلة

للجانبين ادعاءات مبررة. قبل فترة طويلة على بداية الأزمة الاقتصادية في لبنان في 1997، تبنت الحكومة سعراً ثابتاً للدولار هو 1507 ليرة للدولار. وللحفاظ على هذا السعر، اضطرت الحكومة أحياناً إلى تعويم السوق بدولارات اقترضتها من البنوك مقابل فائدة عالية. هذا الاختراع عمل حين كان لبنان يتمتع بنمو اقتصادي وسياحة وفيرة ومليارات الدولارات التي حولها المواطنون اللبنانيون الذين يعملون في الخارج إلى حساباتهم البنكية في لبنان. ولكن منذ تعرض لبنان لعدة ضربات شديدة، مثل الحرب الأهلية في سوريا التي قيدت التصدير منها إلى دول عربية أخرى، وكورونا التي دمرت فرع السياحة، ووصول نحو مليون لاجئ سوري إلى لبنان وزادوا العبء الاقتصادي الضخم على البنى التحتية في الدولة، فإن سعر الليرة اللبنانية انخفض 90 في المئة، لكن الحكومة واصلت التمسك بسعر العملة التاريخي إلى حين لم يعد لديها دولارات تدعم ذلك.

البنوك من ناحيتها بدأت في تطبيق عدة قيود على تحرير الودائع بالدولارات، حتى قبل أن تصدر الحكومة أوامر رسمية. ووجد المواطنون فجأة أن الصرافات الآلية فارغة، ولم يتمكن الآباء من إرسال الدولارات إلى أولادهم الذين يتعلمون في الخارج، ولم تتمكن المستشفيات من الوفاء بالدفعات بالدولار لتمويل شراء الأدوية، أما محطات الطاقة التي كانت بحاجة إلى الدولارات لشراء السولار فلم تتمكن من توفير الكهرباء، وديون الدولة للأجانب أعيد جدولتها. وهذه عملية حطمت مكانة لبنان كدولة مسؤولة تلتزم بسداد ديونها.

أدرك البنك المركزي أنه لم يعد بالإمكان التمسك بسعر الليرة القديم، وأقام موقعاً خاصاً باسم “سيربيه”، الذي يعرض كل يوم سعراً “رسمياً جديداً”، والذي ما زال بعيداً عن السعر في السوق السوداء. على سبيل المثال، وصل سعر الدولار الثلاثاء الماضي إلى 29 ألف ليرة في السوق السوداء، في حين أن السعر الذي نشره البنك المركزي 25 ألف ليرة.

المواطن سعيد الحظ الذي حصل على إذن خاص لسحب ودائعه بالدولار (بدون ذلك البنك لم يكن ليسمح له بالحصول على أمواله)، سيحصل من البنك على الليرة حسب سعر البنك المركزي، ولكن عندما يستخدم الأموال التي سحبها سيضطر للدفع حسب سعر السوق السوداء، أي أنه سيخسر 20 في المئة من قيمة أمواله.

مع ذلك، المصادقة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لا يجب أن تنتظر تشكيل الحكومة الجديدة. وحسب التفسير القانوني الأخير، فإن ميقاتي مخول بالتوقيع عليه بصفته رئيس حكومة عيّنه الرئيس. ولكن إذا وقّع فقد يكون الاتفاق عديم الجدوى إذا تمردت المنظومة المصرفية ورفضت تطبيقه.

إلى حين حسم مستقبل القرض الحيوي جداً، الذي يمكن أن يحرر أموال المساعدات التي وعد بها لبنان، سيواصل اللبنانيون صلاتهم أمام الصرافات الآلية على أمل إخراج النقود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى