ترجمات عبرية

هآرتس: إسرائيل على أعتاب هجرة عكسية في ظل انتشار اليأس

هآرتس 2022-06-27، بقلم: رون كحليلي

قرر ايال ودفنه – هو من رجال الهايتيك وهي صاحبة مشروع تجاري صغير لتصميم المجوهرات – قبل نحو شهر مغادرة إسرائيل مع أولادهم الثلاثة. قبل لحظة من عودة “كورونا” قاما بشراء بيت حجري قديم، بمبلغ 70 ألف يورو، يبعد مسافة 20 دقيقة عن ميلانو، وينويان إعادة ترميمه. في الساحة الكبيرة بين أشجار الخوخ، ينويان بناء ثلاثة أكواخ سياحية صغيرة. ستدير دفنه مشروع العائلة، وسيواصل ايال العمل في شركة الهايتيك المتوسطة التي هو شريك فيها، وسيكون معها على الخط.

حاييم وعنات – هو مدير مركز الأمراض النفسية وهي معلمة لغة انجليزية – قررا أيضا مغادرة البلاد مع ابنهم الشاب. وستبقى ابنتهم البالغة في هذه المرحلة في إسرائيل. وقد تزوجت فقط قبل نصف سنة. الوجهة هي تايلاند. بثمن أجرة شقتهم في تل أبيب يمكنهم العيش بصورة غير سيئة في جزيرة جميلة، والتحضير للشيخوخة.

يتحدث الجميع عن الهجرة من البلاد، المغادرة أو الترك. تل أبيب تحولت إلى المدينة الأغلى في العالم، وتحولت سلة المشتريات الأساسية إلى كماليات، وتحولت شقة مسجلة في “الطابو” إلى كابوس. انهار جهاز التعليم، والمواصلات العامة متعثرة، أيضا الصحة والرفاه والشرطة وجهاز القضاء تحتضر. لا نريد الحديث عن شعارات “الموت للعرب” التي لم تعد في الهامش، بل في مركز المدينة، وعن الهرولة نحو اليمين، وعن التعصب اليهودي، وعن الفجوات الآخذة في الاتساع، وعن العنف اليومي والكراهية المتزايدة بين القبائل التي تشكل الدولة الإسرائيلية.

ذات يوم أطلقوا على ذلك “الهجرة من البلاد”، وعندما أرادوا المجاملة أطلقوا على ذلك “هجرة العقول”. وقد صنفوا الذين قرروا بناء حياتهم في مكان آخر كخونة وأنانيين، غير مرتبطين بما فيه الكفاية بالوطن والأرض والجهد القومي والروح الإسرائيلية. ولكن الآن لا توجد محادثة في صالون إسرائيلي، بالتأكيد في السنة – السنتين الأخيرتين، لا سيما في “غوش دان”، لا تتضمن إعادة التموضع. ايال ودفنه ليسا مهاجرين من إسرائيل، حاييم وعنات ليسا هاربين، هم ببساطة قرروا إعادة التموضع. لسنتين – ثلاث، وربما عشر أو عشرين سنة، وسيعودون. إسرائيل هي الوطن.

في منتصف السبعينيات، عندما كانت إسرائيل تلعق جراح حرب “يوم الغفران”، أكثر المعارك فظاعة، تم قص ريش الامبراطورية الفتية، وأصبحت مجرد كيان سياسي آخر في الشرق الأوسط. يتفكك الحكم بعملية بطيئة، ويتم الكشف عن عمليات فساد، وبدأ التضخم يرتفع، وقرر عشرات آلاف الشرقيين (حسب تقديرات أولية) – معظمهم عالقون ومهددون، أبناء غير شرعيين لـ”نحن الإسرائيلية” – اجتياز الخطوط وتحدي الصهيونية التي هي في الأصل لفظتهم إلى الخارج. معظمهم وصلوا إلى الولايات المتحدة، بلاد الفرص، وقاموا ببناء بيوتهم في نيويورك الكبرى أو في لوس انجلوس، التي تحولت الضواحي فيها خلال عقد إلى مستوطنة إسرائيلية كبيرة، يجري فيها كل شيء بالعبرية وبمفاهيم السبعينيات.

في منتصف الثمانينيات سافرت للمرة الأولى إلى نيويورك لزيارة والدتي، التي هي أيضا كانت في طريقها، جزء من موجة الهجرة هذه التي في معظمها كانت شرقية. في شوارع بروكلين في تلك السنين تحدث الجميع باللهجة الشرقية. ظهر شلومي شبات في النادي المحلي، في “دكان بات يم”، أو في “شباك واسع”، باعوا منتجات عيليت وتنوفا والفطائر، وجميعهم قرؤوا “يديعوت أحرونوت” وكانوا معجبين بمناحيم بيغن. الطائفة الحريدية الأشكنازية المزدهرة، التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت تختفي في بحر الشرقيين المحيطين بها. طابع يهود أميركا تغير بدرجة كبيرة، حتى لو لم يكن لذلك أي تعبير في التمثيل أو في رواية المنظمات اليهودية، كما هو متوقع.

القلائل، الذين فحصوا وحققوا في موجة الهجرة الشرقية الدراماتيكية هذه، على قناعة بأن السلطات الإسرائيلية شخصتها في الوقت الحقيقي، لكنها فضلت غض النظر، وفقط أن تعتبرها هامشية وليست أصلية. بدلاً من تحول موجة الهجرة القبيحة الى نقاش إسرائيلي مهم، ربما سيحل الفجوات الطائفية التي بدأت تطفو عند تشكيل “الفهود السود” في بداية السبعينيات، سماهم رئيس الحكومة، اسحق رابين، باستخفاف ظاهر “سقوط الجبناء”. الباحثون، بالمناسبة غير مقتنعين بأنه كان سيسمي هكذا الطوائف اليهودية الأشكنازية التي اختارت مغادرة الدولة اليهودية.

من غير المؤكد أن موجة الهجرة التي تلوح في الأفق والخطيرة في أبعادها ستكون في هذه المرة أيضا شرقية. ومن غير المؤكد أن الطموح سيكون أميركا. أصوات الهجرة آخذة في الازدياد، كما أشعر، بالأساس من شباب أنهوا الخدمة في الجيش، بالمناسبة معظمهم من الأشكناز الذين يحلمون ببرلين وأثينا وسيدني.

تتحدث أصوات الشرقيين عن الحرب والاحتلال والانتصار، بالأساس بعد سقوط حكومة التغيير التي تعتبر أشكنازية. تتحدث أصوات الأشكناز (والمتشكنزين) عن اليأس، وتلوح بالشعار المتباكي “بلادي غيرت وجهها”. بالطبع كل ذلك كذب مطلق – الشرقيون لا ينتصرون، والأشكناز بعيدون عن التنازل عن مواقع القوة – لكن طالما أن اليأس من الوضع الآخذ في الاشتداد سيتواصل نفيه وفقط سيضعف في الشبكات الاجتماعية، فإن التوجه سيكون نحو بن غوريون، أي مطار بن غوريون.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى